الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
ولما فرغ الناظم من الكلام على الصلح ناسب أن يذكر النكاح عقيه لورود الصلح فيه بين الزوجين عند التنازع في دعوى الضرر فقال
باب في النكاح وما يتعلق به
أي هذا باب في بيان حكم النكاح وأركانه وما يتعلق به من المسائل إذ النكاح على شطرين أركان ولواحق وهي المسائل التابعة له كترتيب الأولياء ومن له الإجبار منهم والصحة والفساد وتنازع الزوجين إلى غير ذلك كما ستعرفه إن شاء الله تعالى (واعلم) أن مباحث هذا الباب التي سيقع الكلام عليها ستة (الأول) في معنى النكاح لغة واصطلاحًا (الثاني) في مشروعيته (الثالث) في حكمته (الرابع) في حكمه (الخامس) في أركانه (السادس) في اللواحق (فأما) معناه لغة فقال صاحب المصباح نكح الرجل والمرأة أيضًا ينكح من باب ضرب نكاحًا قال ابن فارس وغيره يطلق على
الوطء وعلى العقد دون الوطء. وقال ابن الغويطة أيضًا نطحتها تزوجتها. ويقال للمرأة حللت فانكحي بهمزة وصل أي فتزوجي وامرأة ناكح ذات زوج واستنكح بمعنى نكح ويتعدى بالهمزة إلى آخر فيقال أنكحت الرجل المرأة يقال مأخوذ من نكحه الدواء إذا خامره وغلبه أو من تناكح الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض أو من نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها وعلى هذا فيكون النكاح مجازًا في العقد والوطء جميعًا لأنه مأخوذ من غيره فلا يستقبح القول بأنه حقيقة لا فيهما ولا في أحدهما. ويؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة نحو نكح في بني فلان ولا يفهم الوطء إلا بقرينة نحو نكح زوجته وذلك من علامات المجاز وإن قيل غير مأخوذ من شيء يترجح الاشتراك لأنه لا يفهم واحد من قسيميه إلا بقرينة اهـ (وقال) الفراء العرب تقول نكح المرأة بضم النون بضعها وهو كناية عن الفرج فإذا قالوا نكحها فمعناه أصاب نكحها وهو فرجها وقد يقال ناكحها وباضعها هذا ما حكاه الواحدي اهـ. وفي شفاء الغليل لأبي الحسن قال القاضي عياض في التنبيهات أصل النكاح في وضع اللغة الجمع والضم يقال نكحت البر في الأرض إذا أدخلته فيها ونكحت الحصا أخفاف الإبل إذا دخلت فيها ثم استعمل في الوطء وهو في عرف الشرع يطلق على العقد لأنه بمعنى الجمع ومآله إلى الوطء وقد جاء في كتاب الله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} ، {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
…
ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}، {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ، {فانكحوهن بإذن أهلهن} ويبعد أن يراد بها الوطء إذ الوطء عمومًا منهي عنه بغير عقد. وقد ورد أيضًا بمعنى الوطء في قوله تعالى:{حتى تنكح زوجًا غيره} اهـ. وقال الأزهري أصل النكاح في كلام العرب الوطء وقيل للتزويج نكاح لأنه سبب الوطء ويقال نكح المطر الأرض ونكح النعاس عينه إذا دخل فيها وقال ابن جني سألت أبا علي الفارسي عن قولهم نكحها فقال فرقت العرب فرقًا لطيفًا يعرف به موضع
العقد من الوطء فإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا المجامعة لأن بذكر المرأة أو الزوجة يستغنى عن العقد وإذا قالوا نكح فلان بنت فلان أو أخته أرادوا تزوجها وعقد عليها اهـ قال الحطاب والصحيح أنه لا يطلق على الصداق وقيل ورد بمعنى الصداق في قوله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا} اهـ (ومعناه) اصطلاحًا عرفه الإمام ابن عرفة بقوله النكاح عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر اهـ (فقوله) رحمه الله تعالى عقد هو مصدر عقد تقول عقدت العهد والحبل والبيع فانعقد قاله الجوهري ويطلق على الربط ووصل الشيء بالشيء وعلى الالتزام به على سبيل الاستيثاق والإحكام وأنه جنس يشمل جميع العقود حسية كانت أو معنوية كما علمت وعبر به لافتقاره إلى المتعاقدين وهما الزوج والولي وإلى المعقود عليه وهما المهر ومتعة التلذذ بالزوجة وإلى المعقود به وهو الصيغة الدالة على الإيجاب والقبول فهذه الأركان العرفية الآتية بيانها إن شاء الله تعالى (وقوله) على مجرد متعة التلذذ بآدمية أخرج به العقد على الرقاب وهو البيع والعقد على المنافع وهو الإجارة والكراء ومجرد مضاف ومتعة بضم الميم وكسرها مضاف إليه من إضافة الصفة إلى الموصوف أي المتعة المجردة بمعنى أنها هي المقصودة من غير إضافة شيء إليها (فبقوله) مجرد متعة يخرج به ملك اليمين لأن العقد فيه شامل للرقبة أيضًا ومتعة مضاف والتلذذ مضاف إليه من إضافة الاسم إلى المسمى أي المتعة التي هي التلذذ المعلوم فهذا وقع التعريف بها. وقال التاودي في حاشيته على الزرقاني لا فائدة للفظة متعة ولا للفظ مجرد بل يكفي الاقتصار على التلذذ والمراد به ما يشمل الوطء. وقال الرصاع التمتع أعم من التلذذ لأن التمتع يكون حسيًا كالركوب والأكل والشرب والمقدمات ومعنويًا كالجاه والولاية ثم أخرج الأمور المعنوية بقوله التلذذ ثم أخرج من الحسية التلذذ بالطعام والشراب بقوله بآدمية اهـ وقيل احترز بقوله بآدمية من الجنية (وقيل) ذكره لبيان الواقع زيادة في الإيضاح والبيان قلت والظاهر أنه ذكره
ليرتب عليه بقية التعريف (وقوله) غير موجب هو بالنصب حال من التلذذ أي حالة كون التلذذ بتلك الآدمية غير موجب قيمتها أخرج به الأمة المحللة وهي التي أباح سيدها وطأها لمن استعارها منه لذلك على مذهب الإمام عطاء القائل بجواز إعارة الفروج المملوكة فإن التلذذ بها يوجب على المتلذذ قيمتها وتبقى بيده على ملك اليمين مع أن تحليلها يصدق عليه عقد على مجرد التلذذ بآدمية فلهذا أخرجه (وقوله) بينة قبله متعلق بمحذوف حال من التلذذ أخرج به بعض صور الزنى لا أنه صفة لعقد لأن الإشهاد ليس شرطًا في العقد بل في جواز الدخول فقط كما يأتي (وقوله) غير عالم عاقدها حرمتها يجوز رفعه على أنه صفة لعقد ونصبه على أنه حال من المتعة أي حالة كون المعقود عليها غير عالم عاقدها أي المتعة حرمتها (فمفهومه) إن كان العاقد يعلم حرمتها فليس بنكاح وهو كذلك على المشهور بناء على أن المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًا وهل لا يكون نكاحًا مطلقًا أي سواء كان تحريمها بالكتاب كالأم والبنت أو بالإجماع كبنت الأخ من الرضاع أو إنما لا يكون نكاحًا إذا كان تحريمها بالكتاب فقط أما إذا كان تحريمها بالإجماع فيسمى نكاحًا فاسدًا قولان المشهور منهما الثاني (وحاصله) أن ما حرم بالكتاب العزيز ليس حكمه حكم النكاح وأن وطأه زنى على المشهور وأن ما حرم بالإجماع فهل يصدق عليه أنه نكاح تثبت فيه لوازم النكاح وتترتب عليه آثاره غير أنه يفسخ لفساده إذا عثر عليه أو لا يصدق عليه ذلك ويكون وطؤه زنى قولان المشهور منهما الأول وهو أن حكمه حكم النكاح فالأول يقول بعدم حده ويلحق به الولد والثاني عكسه فصاحب القول الأول يراعي المحرمات بالكتاب فقط وما حرم بالإجماع لا يكون حكمه كذلك وصاحب القول الثاني يراعي ما يشملهما معًا هذا معنى قوله رحمه الله تعالى إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر (فقوله) أو الإجماع عطف على مقدر فاعل شرط معطوف بأن على أن حرمها الكتاب والتقدير غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب أي القرآن على المشهور أو حرمها الكتاب أو الإجماع على الآخر كذا قال بعضهم ويلزم
على هذا تقدير حذف أو التي هي لأحد الشيئين أو الأشياء مع معطوفها وهو مختص بالفاء والواو وثم وأم المتصلة وذلك مخل بفصاحة التأليف وقول بعضهم صوابه أن يقول أو أو الإجماع بتكرير أو فتكون أو الأولى عطفت مقدرًا أي أو إن حرمها على إن حرمها الكتاب المذكور وأو الثانية عطفت الإجماع على الكتاب في الجملة المقدرة المعطوفة بأو الأولى كما مر ويجاب عنه بأنه اتكل على المعنى لركاكة اللفظ وثقله بتكرير أو بلا فاصل وهو مخل بالفصاحة أيضًا وقول آخرين صوابه والإجماع بالواو وقيل صوابه أو والإجماع بالواو بعد أو فاسد لأنه يفيد أن الثاني يشترط في كونه ليس نكاحًا تحريمه بالكتاب والإجماع معًا وليس كذلك إذ يكفي عنده تحريم الإجماع وحده ولا يخفى أن تحريم الكتاب يستلزم تحريم الإجماع بدون عكس ولهذا ظهر وجه فساد تصويبه بأو وبواو عقب أو ويجوز أن يراد بالإجماع ما يعم الكتاب والسنة وهي عبارة مطروقة فيكون عطفه على الكتاب من باب عطف عام على خاص فلا يحتاج فيه إلى تأويل بتكلف وهو أطهر والله تعالى أعلم (تنبيهان) الأول قال الرصاع فإن قلت كيف قال الشيخ رحمه الله إن حرمها الكتاب على المشهور فظاهره العموم في كل ما حرم الكتاب وأنه يحد ولا يلحق به ولد وقد قال في المدونة فيمن تزوج المعتدة وهو عالم بتحريمها لا يحد وقد حرم ذلك بالكتاب قلت النص فيها كما ذكره السائل لكن المسألة قالوا أنها خرجت على خلاف الأصل ولذا عارضوها بمن تزوج امرأة خامسة قال اللخمي ولا فرق بينهما والأصل ما أشار إليه الشيخ رضي الله عنه وما خرج عن الأصل نادر لا يقع النقض به اهـ (الثاني) قد تقدم أن من تزوج بأمة عالمًا بحرمتها ووطئها فإنه زان على المشهور ويلزمه الحد ولا يلحق به الولد وهو مذهب الشافعية وقيل لا يلزمه الحد لأن وطأه ليس بزنى ويلحق به الولد وهو القول الشاذ عندنا وهو مذهب الحنفية وإنما يفسخ نكاحه فقط لفساده لأن آية التحريم وهي قول الله عز وجل {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} مجملة لأنه أضيف التحريم فيها إلى الأمهات والبنات والتحريم لا يمكن إضافته إلى الأعيان وإنما يمكن
إضافته إلى الأفعال وذلك الفعل غير مذكور في الآية فليست إضافة هذا التحريم إلى بعض الأفعال التي لا يمكن إيقاعها في ذوات الأمهات والبنات أولى من بعض فصارت الآية مجملة من هذا الوجه (فأجاب) عنه بعض الشافعية من وجهين (الأول) أن تقديم قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} يدل على أن المراد من قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} تحريم نكاحهن (الثاني) أن من المعلوم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن المراد منه تحريم نكاحهن والأصل فيه أن الحرمة والإباحة إذا أضيفتا إلى الأعيان فالمراد تحريم الفعل المطلوب منها في العرف فإذا قيل: {حرمت عليكم الميتة والدم} فهم كل أحد أن المراد تحريم أكلها وإذا قيل: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم} فهم كل أحد أن المراد تحريم نكاحهن. ولما قال عليه الصلاة والسلام: لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى معانٍ ثلاث، فهم كل أحد أن المراد لا يحل إراقة دمه وإذا كانت هذه الأمور معلومة بالضرورة كان إلقاء الشبهات فيها جاريًا مجرى القدح في البديهيات وشبه السوفسطائية فكانت في غاية الركاكة والله أعلم (وقال) الفاكهاني ويجري مجرى النص عندنا ما علم المراد به من جهة عرف التخاطب وإن لم يكن نصًا نحو قوله تعالى:{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} و {حرمت عليكم الميتة} إذ ليس بنص في تحريم وطء الأمهات ولا في تحريم أكل الميتة وإنما هو مجاز لأنه علق التحريم على الأعيان والمراد تحريم الأفعال فيها لأن اللفظ لما كثر استعماله فيما هو مجاز فيه خرج عن حد المجاز ولحق بالحقيقة وكذا لو قال حرمت عليكم الفرس فهم منه الركوب أو حرمت عليكم الجارية فهم الوطء دون ما عداه لأنه المقصود منها وبعض الحنفية يدعي في ذلك الإجمال وليس بصحيح لما قدمناه اهـ (وقال) ابن العربي قد بينا بين الله لكم وبلغكم في العلم أملكم أن التحريم ليس بصفات أعيان لحرمة وأن الأعيان ليست موردًا للتحليل والتحريم ولا مصدرًا وإنما يتعلق التكليف بالأمر والنهي بأفعال المكلفين من حركة وسكون لكن الأعيان لما كانت موردًا للأفعال أضيف الأمر والنهي والحكم إليها وعلق بها مجازًا بديعًا على معنى الكناية بالمحل عن
الفعل الذي يحل فيه من باب قسم التسبيب في المجاز اهـ (لطيفة) العقد على الزوجة شرط في صحة النكاح وسبب في إباحة التلذذ بها ومانع من إنكاحها رجلًا آخر فقد اجتمع الشرط والسبب والمانع في شيء واحد (وأما) مشروعيته فبالكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله عز وجل: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} الآية، وأما السنة فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأزواج وقال: تزوجوا الودود الولود فإني أباه بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط وقال: عليكم بالتزويج فإنه يجلب الرزق إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث والآثار الدالة على الترغيب فيه. وهل النكاح من باب القوت أو من باب التفكه خلاف تنبني عليه أحكام كما في المنهج المنتخب منها أن الأبوين إذا احتاجا إلى النكاح هل الابن يجب عليه ذلك كالنفقة أم لا خلاف (وأما) حكمة مشروعيته فلدفع غوائل الشهور وللتنبيه باللذة الفانية على اللذة الباقية لأنه إذا ذاق هذه اللذة وعلم أن له إذا عمل الخير ما هو أعظم منها في الآخرة سارع في فعل الخيرات وللمسارعة في تنفيذ إرادة الله تعالى لأنه أراد بقاء الخلق إلى يوم القيامة ولا يحصل ذلك إلا بالنكاح وتنفيذ إرادة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله: تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولبقاء ذكر الوالدين ورفع الدرجات بسبب دعاء الولد الصالح لهم قاله ابن راشد والله تعالى أعلم (وأما) حكمه فقد أشار إليه الناظم رحمه الله تعالى بقوله:
(وباعتبار الناكح النكاح
…
واجب أو مندوب أو مباح)
يعني أن النكاح يختلف حكمه باعتبار خال الناكح فتارة يكون واجبًا عليه وذلك إذا قدر عليه وخاف الزنى بتركه وتارة يكون مندوبًا في حقه وذلك إذا رجي النسل ولم يخف الزنى بتركه رغب فيه أولا وكذا يستحب إذا رغب فيه ورجي النسل وتارة يكون مباحًا له وذلك إذا لم يرج النسل وهو معرض عن النساء. (وقال) اللخمي وهو في الشرع على أربعة أقسام واجب غير موسع لمن خشي
الزنى وعجز عن التسري ولا يذهب عنه بالصوم. وواجب موسع إن كان كذلك ويقدر على التسري فهو مخير بينه وبين النكاح فإن كان يذهبه الصوم وجب أحد الثلاثة على التخيير والزواج أولى لقوله عليه الصلاة والسلام يا معشر الشبان من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فقدم النكاح على الصوم والسراري لتنقل طباعهن للولد. ومندوب للأمن من الزناء الراغب في النساء وهو يولد له. ومباح للمعرض عن النساء وهو لا نسل له وكذلك في المرأة إلا في التسري قاله بهرام في كبيره. ولم يتعرض الناظم للمكروه ولا للحرام مع أن النكاح تعرض له الأحكام الخمسة كما نقل على اللخمي أيضًا فيكره إن كان يقطعه عن عبادة وهو لا يشتهيه. ويحرم إذا كان يضر بامرأة بعدم وطء أو نفقة أو كسب من حرام لكن قال ابن رحال يقيد المنع بما إذا لم تعلم المرأة بعجزه عن الوطء وإلا جاز النكاح إن رضيت وإن لم تكن رشيدة وكذلك الرشيدة في الإنفاق. وأما الإنفاق من كسب حرام فلا يجوز معه النكاح وإن رضيت (قال) المهدي في الحاشية وقول التسولي قد يرد بأن ما قالوه من باب ارتكاب أخف الضررين غير صحيح لأنه يقدر على تركهما لكونهما في طوقه فيجب عليه تركهما ولا يرتكب واحد منهما وإنما يرتكب الأخف عند عدم القدرة على الترك كالمضطر لأكل الميتة وما أشبه ذلك وقول التسولي ولأنه يزجر على الإضرار وإطعامها الحرام وإلا طلق عليه هذا فيه تهافت أي تساقط إذ حاصله أنه يجوز له أن يتزوجها ويطعمها الحرام ابتداء فإذا تزوجها زجر عن إطعامها الحرام وإن لم ينزجر طاق عليه وهذا كلام ركيك بلغ الغاية في السقوط اهـ. والذي عليه جمهور العلماء أن الأصل في النكاح الندب لقوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب الحديث المتقدم وقيل بوجوبه لحمل الحديث عليه. والباءة بالموحدة والمد وآخره هاء التأنيث والمراد به هنا المال الموصل له فهو على حذف مضاف أي مؤن النكاح. وقوله وجاء بكسر الواو والمد نوع من الخصاء شبه ما يقطع النكاح من الصوم فذلك إذا صنع بالفحل
انقطع ذلك عنه. ويستحب كونها بكرًا ولو أكبر من الثيب لأنها لم تجرب الرجال. ونظر وجهها وكفيها بإذن لقول الله عز وجل: {ولو أعجبك حسنهن} . وروي عن المغيرة بن شعبة أنه قال خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم أنظرت إليها فقلت لا فقال فانظر إليها فإنه أجدر أن يدوم ما بينكما. وفي طرر ابن عات قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بنت عشر سنين تسر الناظرين وبنت عشرين لذة للمتعانقين وبنت ثلاثين ذات سمن ولين وبينت أربعين ذات بنات وبنين وبنت خمسين عجوز في الغابرين كنت رأيت هذا اللفظ في بنت الستين وكنت رأيت في بنت الخمسين بغية للقانعين اهـ. ومن نوادر حديث خالد بن سعد مولى الفقيه محمد بن لبابة يرفعه إلى أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يمن المرأة تبكيرها بالبنت الحديث اهـ. ومن المستحبات خطبة بكسر الخاء ما ورد من الخطب في استدعاء النكاح والإيجاب إليه وبضم الخاء ما يقوله الخطيب في الجمعة والأعياد وبفتح الخاء المرة الواحدة قال صاحب نيل الإرب في مثلثات العرب
وموة الوعظ تسمى خطبه
…
ثم التماس للنكاح الخطبه
وما به يخطب فهو الخطبه
…
وحمرة أي في سواد الشعر
وتقليلها لأن الناس فيهم الضعيف وذو الحاجة. وفي الواضحة كانوا يستحبون أن يحمد الله الخاطب ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يخطب المرأة ثم يجيبه المخطوب إليه بمثل ذلك من حمد الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يذكر إجابته اهـ. قالب عض الأكابر أقلها أن يقول الولي الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله زوجتك على كذا ويقول الزوج الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله قبلت نكاحها كذا في الحطاب. وأن تكون الخطبة يوم الخميس لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبرك به ويسافر فيه أو يوم الجمعة بعد العصر لقربه من الليل لاجتماع الناس فيه. وأن يكون العقد في شوال والبناء فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها في شوال وبنى بها فيه وقيل تزوج بها في رمضان
والأصح الأول. وينبغي أن يخالف الجهال ومن لا يعبأ به في كراهتهم عقد النكاح في المحرم والدخول فيه متمسكًا بما عظم الله ورسوله من حرمته وردعًا للجهال قاله الإمام المازري في شرحه المسمى بالمفهوم على مسلم. ويستحب إشهاد عدلين غير ولي حين العقد خوف موت أو ندم وليس الإشهاد شرطًا في صحته لحصوله بالإيجاب والقبول وإنما هو شرط كمال في العقد وشرط في صحة الدخول على المشهور كما يأتي. وإشهاره ولو بتصفيق بيد كدف ودخان. وفي الحديث أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال قال ابن حبيب يعني الدف وقال غيره هو مغشي من جهة واحدة. (ابن) المواز قال مالك لا بأس بالدف والكبر والمزهر فالدف معروف والكبر بفتحتين الطبل والمزهر بكسر الميم آلة طرب وهو المعروف بالعود. وقال ابن حبيب رخص في العرس بإظهار الكبر والدف والمزهر وعفي عن اللعب بذلك في العرس وكره مالك الغناء في العرس وغيره إلا مثل ما كان نساء الأنصار يقلن أو رجزًا خفيفًا لا بكثير ولا بقليل اهـ من ابن راشد (قلت) وعادة أهل توزر وعملها إشهار النكاح بالطبول وإطلاق البارود وعادة أهل حاضرة تونس إشهاره بجمع غفير من الصبيان ولفيف الناس بالتصفيق وغيره عند سوق الجهاز وحمله على ظهور الدواب لبيت البناء وكذلك تهنئة عروس في عقد ودخول والدعاء له كأن يقال له بالرفاء والبنين بارك الله لك ولا بأس بالزيادة على هذا من ذكر السعادة وما أحب من خير ومعنى الرفا بكسر الراء والمد الاتفاق والملاءمة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفا الإنسان إذا تزوج قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير كذا في كبير الشيخ بهرام. والوليمة والأصل فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على زينب رضي الله تعالى عنها بشاة وأولم على بعض نسائه بالخبز والتمر والأقط وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن لما أخبره بأنه تزوج بارك الله لك أولم ولو بشاة. وقيل بوجوبها حيث حمل الأمر عليه قال مالك رحمة الله عليه كان ربيعة يقول إنما تستحب الوليمة لإثبات النكاح ولإظهاره لأن الشهود قد يهلكون اهـ. وأن تكون بعد البناء
وقيل قبله أفضل وتتعدد بتعدد الزوجات فمن نكح ثلاثًا في عقد واحد أولم لكل واحدة في يوم أو نكحهن مرتبًا ولم تتخلل الوليمة. ولا يقضى بها على المشهور لأنها مستحبة كما مر. وتجب إجابة من عين إن لم يحضر من يتأذى به المدعو ولم يكن منكر ولا كثرة زحام وان لا يكون بالطريق شدة وحل. وأن لا تختص الدعوة بالأغنياء. وأن لا يكون على رؤوس الآكلين من ينظر إليهم. وأن لا يفعل طعامها لأجل المفاخرة والمباهاة لا للأكل فقط فإن توفرت هذه الشروط وحضر فهو في الأكل بالخيار إن كان مفطرًا. والوليمة في اللغة هي طعام العرس خاصة. والخرس بضم الخاء المعجمة طعام النفاس. والعقيقة طعام المولود. والنقيعة طعام القادم من سفر. والمأدبة بضم الدال وفتحها طعام الدعوة واجتماع الأحباب. والأعذار من أعذر طعام الختان. والحذاقة بضم الحاء المهملة طعام الصبي عند حذاق القرآن وحفظه. والوكيرة براء بعد ياء ساكنة طعام بناء دار فهذه ثمانية وردت من كلام العرب كما في بهرام وغيره ويستحب الإتيان للعادية كالوليمة ويباح ما عداها كما في حاشية البناتي وقد نظمتها فقلت
وليمة للعرس خرس للنفاس
…
عقيقة لولدها فلا التباس
نقيعة لقادم من سفر
…
مأدبة طعام دعوة دري
ما كان للختان أعذار علم
…
حذاقة لحفظ قرآن رسم
وكيرة طعام دار بنيت
…
فذي ثمان خصصت وبينت
ولام ولدها بالسكون لغة في ولدها بالتحريك (وقوله) وباعتبار الناكح النكاح البيت فالنكاح مبتدأ وواجب وما عطف عليه خبره وباعتبار يتنازعه الثلاثة واعمل الأخير وأضمر في الأول والثاني ولم يبرز لأنه فضلة (هذا) وقد تقدم الكلام على أركان النكاح الخمسة الحقيقية في تعريف الإمام ابن عرفة والكلام الآن على أركانه الخمسة الاصطلاحية المترجم لها وإليها أشار الناظم رحمه الله تعالى بقوله
(والمهر والصيغة والزوجان
…
ثم الولي جملة الأركان)
قال ابن الحاجب أركان النكاح الصيغة والولي والزوج والزوجة والصداق اهـ وبيان كونها اصطلاحية لا حقيقية أنها شروط لتحصيل ماهية النكاح الذي هو العقد ومن المعلوم أن الشرط خارج عن الماهية فلا يصح حمله عليها حمل مواطأة إذ لا يقال النكاح زوج وزوجة الخ بل يقال النكاح شرط وجوده زوج وزوجة الخ بخلاف الأركان الحقيقية فإنها تحمل عليه حمل هو هو فيقال النكاح عقد على مجرد متعة إلى آخر التعريف المشتمل على جنس المعرف بفتح الراء وفصوله الأربعة التي وقع الاحتراز بها عن الغير كما مر بيانه إذا تقرر هذا علمت أن إطلاق الأركان على المهر وما عطف عليه مجاز ثم لما غلب الاستعمال صار إطلاقه عليها حقيقة عرفية وتنوسي المجاز ولا مشاحة في الاصطلاح وستمر بك إن شاء الله تعالى موضحة بذكر شروطها ركنًا ركنًا. وأما الإشهاد فليس بركن كما مر وإليه أشار الناظم بقوله
(وفي الدخول الحتم للإشهاد
…
وهو مكمل في الانعقاد)
يعني أن وجوب الإشهاد بالنكاح شرط في صحة الدخول وشرط كمال في الانعقاد، وإنما شرع الإشهاد تحصينًا لحقوق الزوجين وسدًا لذريعة الزنى ولم يكن في أنكحة الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأمنهم من ذلك بل كانوا يعلنون فقط فإن دخل الزوج بزوجته بدون إشهاد فسخ نكاحه بطلقة بائنة لأنها بحكم حاكم وكان الفسخ بطلاق لاعترافهما بالزوجية ولا حد عليهما اتفاقًا إذا اعترفا بالوطء وكان النكاح فاشيًا أو شهد عدل على النكاح أو على ابتنائهما باسم النكاح أو جاءا مستفتيين فإن لم يكن شيء من ذلك حدًا لتهمة الزنى ولو جهلًا وجوب الإشهاد على المشهور وله أن يتزوجها بعد الاستبراء واستبراؤها كالعدة فإن لم يعترفا بالوطء فعليها الأدب باجتهاد الحاكم. وأشار صاحب الطرر إلى الخلاف في الحد إذا تقاررا بالوطء ولم يقرا بالزنى وإنما أقرا بما لو أقاما عليه البينة لم يحدا قال واصل أشهب أنه لا يحد أحد بأكثر مما أقر به وقال في آخر طرره في ترجمة تسجيل نكاح ادعاه أحد الزوجين ما نصه ابن رشد رحمه الله تعالى إذا تقارر الرجل والمرأة على النكاح ولم
تقم على أصله بينة وهما غير طاريين فلا يخلو الأمر من وجهين أحدهما أن تكون المرأة في ملكه وتحت حجابه فالميراث بينهما قائم والزوجية بينهما ثابتة إذا طال كونه معها واشتهر الأمر لأنه إذا لم يطل ذلك ويشتهر فوجوده معها ريبة توجب عليهما الأدب والحد إن تقاررا بالوطء على اختلاف في ذلك وكذلك إذا لم يعلم منهما إقرار لأن كونها في ملكه وتحت حجابه كالإقرار منهما بالنكاح أو أقوى وأما إذا كانت بائنة عنه منقطعة فإن شهد فيه بالسماع وطال الأمر مدة تبيد فيها الشهود ففي ذلك قولان قد قيل إن الشهادة في ذلك بالسماع عاملة وقيل لا تجوز وأما إن لم يمض من المدة ما تبيد فيه الشهود فلا خلاف أن الميراث لا يكون بينهما إلا أن تقوم بينة على أصل النكاح وأما الطارئان فلا يعترضان اهـ (قلت) ولعلهم لم يراعوا الخلاف حتى ينتفي الحد إن دخلا بلا إشهاد ولم يحصل فشو ونحوه لأن هاته المسألة مبنية على سد الذرائع. كما علمت وهو مقدم على مراعاة الخلاف لأنه أقوى منها في الاعتبار. وقول الناظم وفي الدخول خبر مقدم والحتم مبتدأ مؤخر وللإشهاد متعلق به وهو مبتدأ ومكمل خبره وفي الانعقاد متعلق به (فالركن الأول) الزوج ويشترط في جواز إقدامه على النكاح أن يكون خاليًا من الموانع الآتي بيانها في شروط الزوجة كما يشترط في لزوم النكاح له أن يكون مطلق اليد والاختيار ليس بمحجور عليه ولا بمكره فإن كان محجورًا عليه أو نكرهًا فإن نكاحه غير لازم ففي الحطاب ستة يرد نكاحهم العبد والسفيه والمفلس والمحرم والمريض والمرتد إلا أن يجيز السيد للعبد وولي السفيه وغرماء المدين بهذه الثلاثة تجوز بالإجازة والثلاثة الباقية لا تجوز بالإجازة ويفسخ وإن دخلوا ولهم أن يراجعوا إذا طلقوا طلاقًا رجعيًا اهـ (فرع) مرتب إذا وطئها المكره على العقد غير مكره على الوطء لزمه إمضاء النكاح على المسمى وإن زاد على صداق المثل ويدرأ الحد عنه إلا أن يقول وطئتها على غير رضى مني بالنكاح فيحد ويلزمه المسمى وتحد المرأة إن كانت عالمة بأنه مكره على النكاح وغير راض بالوطء (والركن الثاني) الزوجة ويشترط فيها ما يشترط في
الزوج ما عدا إطلاق اليد لأنها إن كانت محجورة فلا اعتبار بإذنها وإن لم تكن محجورة لزمها النكاح بمجرد الإذن. وأن تكون خلية من الموانع التي تقتضي تحريمها قال ابن رشد وهي على شطرين (الأول) فيما يحرم على التأبيد (والثاني) فيما يحرم في حالة (فالذي) يحرم على التأبيد خمسة أنواع (النوع الأول) المقاربة وهي السبع الوارد فيها نص الكتاب العزيز في قول الله عز وجل: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
…
} إلى آخر الآية. وهي أصول الرجل وفصوله وفصول أو أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا فالأصول الأمهات وإن علون والفصول البنات وإن سفلن لابن أو بنت والمنفية بلعان والمخلوقة من ماء الزنى على المشهور. وفصول أول أصوله الأخوات وإن سفلن. وأول فصل من كل أصل العمات والخالات فبنات العمات والخالات حلائل (الثاني) الرضاع فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والولادة وسيأتي في بابه (الثالث) المصاهرة قال الله تعالى: {وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} وحلائل الأبناء وإن سفلوا وكذا زوجة ابن البنت وأمته. وحلائل الآباء وإن علون من الجانبين لقول الله تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} وكذا حليلة الابن من الرضاع وقال: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} وكذا منكوحة الأب من الرضاع (الرابع) اللعان فالملاعنة محرمة على التأبيد ولو أكذب الملاعن نفسه كما يأتي (الخامس) النكاح في العدة وقد وقع النص على تحريم العقد على المعتدة في قول الله تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} الآية، قال صاحب المختصر وحرم خطبة معتدة ومواعدتها كوليها كمستبرأة من زنى وتأبد تحريمها بوطء اهـ ثم ينكشف أن عدتها قد انقضت ثبت نكاحها وليس لأحدهما نقضه (والذي يحرم) في حالة دون حالة عشرة أنواع (الأول) المرض من الجانبين إذا كان مخوفًا غير متطاول وسيأتي بيان المرض المانع عند قول الناظم. ومن مريض ومتى من المرض
البيت في فصل صريح الطلاق فإذا وقع عقد النكاح في المرض المانع فإنه يفسخ قبل البناء وبعده ولو ولدت الأولاد ويلحقون به فإذا مات أحدهما قبل الفسخ فلا ميراث له لأنه فاسد لعقده ولا شيء للزوجة من الصداق إذا حصل موت أو فسخ قبل البناء ولها المسمى بعده من ثلث ماله ثم قال ابن راشد (الثاني) الإحرام بأحد النسكين فلا يجوز لمحرم بحج أو عمرة نكاح ولا إنكاح حتى يطوف طواف الإفاضة ويصلي ركعتي الطواف (الثالث) الردة فإذا نكح الرجل بعد ارتداده لم يجز ويفسخ رجع إلى الإسلام أو لم يرجع (الرابع) أن تكون ذات زوج غير مسبية لقول الله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} الآية لأن السبي يهدم النكاح (الخامس) الكفاءة في الدين إلا الكتابية للمسلم قال الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} ، {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} وقال تعالى:{فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} (السادس) الرق فلا يجوز للرجل أن يتزوج أمته ولا المرأة عبدها (السابع) المستوفاة طلاقًا فإذا طلق الحر زوجته ثلاثًا أو طلق العبد زوجته اثنتين فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره نكاحًا صحيحًا بشروطه المذكورة في محلها (الثامن) أن تكون المرأة راكنة إلى الغير ولم يبق بينهما إلا العقد (التاسع) أن تكون يتيمة غير بالغ وفي إنكاحها ثلاث روايات إحداها أنها تزوج مطلقًا وذلك لسائر الأولياء. وثانيتها أنها لا تزوج حتى تبلغ. وثالثتها أنها تزوج إذا بلغت عشر سنسن وكانت مطيقة للوطي ودعتها ضرورة إلى ذلك وخيف فسادها ويأذن القاضي وبهذه الرواية جرى عمل المتأخرين (العاشر) محرمة الجمع ولها صورتان (الأولى) الجمع بين الختين وهو محرم بالكتاب قال الله تعالى في آية المحرمات: {وأن تجمعوا بين الأختين} . وألحقت السنة بذلك الجمع بين العمة وابنة أخيها والخالة وابنة أختها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها. وقد أجمع المسلمون على الأخذ بهذا النهي في الجمع بين الأختين وفي الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في
النكاح وفي الوطء بملك اليمين (وكذا) لا يجوز الجمع بين العمتين ولا بين الخالتين فصورة العمتين أن يتزوج رجلان كل واحد منهما أم الآخر وصورة الخالتين أن يتزوج رجلان كل واحد منهما بنت الآخر فيولد لكل بنت فكل واحدة من البنتين عمة الأخرى في الأولى وكل واحدة خالة الأخرى في الثانية ومعنى قول القائل
ولي خالة وأنا خالها
…
ولي عمة وأنا عمها
فأما التي أنا عم لها
…
فإن أبي أمه أمها
أخوها أبي وأبوها أخي
…
ولي خالة هكذا حكمها
فأين الفقيه الذي عنده
…
علوم الديانة أو وجهها
يبين لنا نسبًا خالصًا
…
ويكشف للنفس ما غمها
صورة الأولى أخوه لأمه تزوج بجدته من أبيه فأولدها بنتًا فهي عمته وهو عمها وصورة الثانية جده من جهة أمه تزوج أخته من أبيه فأولدها بنتًا فهي خالته وهو خالها (فريدة) تقول امرأة لطفل يا ولد أخي ويا ولد أختي صورتها أخوها لأبيها تزوج أختها لأمها فولدت طفلًا. وتقول امرأة لطفل أيضًا يا ولد أخي ويا من أبوه أخو أولادي صورتها رجل تزوج امرأة وأبوه تزوج ابنتها فولد لكل طفل فولد الكبرى أخو الصغرى وأبوه أخو أولادها. وقول القائل في ستة نسوة كلهن من امرأة واحدة اثنتان منهن بناتي واثنتان عماتي واثنتان أخواتي صورتها امرأة لها بنتان ورجل وأبوه وابنه تزوج الابن بالأم والأب بإحدى البنتين والرجل بالأخرى وولد كل بنتان وهو واضح (الصورة الثانية) الجمع مع أربعة نسوة والخامسة محرمة إجماعًا على الحر والعبد. واختلف في المخلقة وهي التي أفسدت على زوجها فطلقها هل يتأبد بتحريمها على من أفسدها وكذا الهاربة على من هرب بها والراجح عدم التأبيد والله أعلم (والركن الثالث) الصيغة وإليها أشار الناظم بقوله
(فالصيغة النطق بما كانكحا
…
من مقتض تأبدا مستوضحا)
يعني أن الصيغة هي التلفظ من الولي بكلام يدل ويقتضي تمليك عصمة وليته على التأبيد لنكاحها ممن خطبها منه اقتضاء واضح الدلالة على ذلك كقوله أنكحت وزوجت وكذلك وهبت وتصدقت وأعطيت ومنحت قاصدًا بواحدة من هذه الأربعة النكاح مع ذكر الصداق قال ابن الحاجب الصيغة من الولي لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وكذلك وهبت بتسمية الصداق ومن الزوج ما يدل على القبول اهـ وسواء تقدم الإيجاب على القبول الذي هو مندوب أو تقدم القبول على الإيجاب كأن يقول الزوج للولي زوجني فيقول الولي زوجتك فينعقد النكاح (فرع) سئل العلامة الورزيري عمن قال لرجل إن أعطيتني كذا وكذا زوجتك ابنتي هل يلزمه التزويج إن أعطاه ذلك أم لا (فأجاب) قال في العتبية من قال لرجل إن أتيتني بخمسين دينارًا زوجتك ابنتي فعدة لا تلزم وقال التونسي أحب إلي أن تلزم والله أعلم اهـ قلت المشهور في المسألة اللزوم وهو مذهب المدونة إن ورطه ببيع أثاثه مثلًا ولها نظائر في التزامات الحطاب. وفهم من قوله فالصيغة النطق الخ أنه لا ينعقد بالإشارة المفهمة ونحوها كقول صاحب الاستذكار النكاح يفتقر إلى التصريح ليقع الإشهاد عليه لكن قال الحطاب ينبغي أن يقيد ذلك بمن يمكنه النطق اهـ قال ابن راشد فإن كان الزوجان صماوين بكماوين قلت هذا ما أصدق فلان الأصم الأبكم زوجه الصماء البكماء وتبني على ما تقدم إلى الإشهاد فتقول شهد على إشهاد الزوجين المذكورين بما فيه عنهما من أسهداه به على أنفسهما في صحتهما وجواز أمرهما وعلم رضاهما بذلك بالإشارة المفهمة عنهما مرادهما ورضاهما بعد تلقينه لهما في كل فصل من الفصول المذكورة المرة بعد المرة بالإشارة التي لم يشك شهوده في فهمها لها ووقوفهما عليها أشهده مع ذلك المنكح فلان بما فيه عنه وهو بصحة وجواز أمر وذلك بتاريخ كذا اهـ والهاء من أشهداه عائد على من في قوله أشهداه وقد رأيت في بلد نفطة زوجين بهاته الصفة يفهم كل واحد منهما صاحبه فهمًا جيدًا والرجل قلال صناعة (تنبيهان) الأول لا بد من الفور بين الإيجاب والقبول فإن
تأخر بيسير كاليوم واليومين جاز وإلا فلا وهذا في النكاح الموقوف وقد اضطربت أقوالهم فيه فمن ذلك قول الباجي هو أن يعقد الولي نكاحها ويوقفه على إجازتها ويذكر أنه لم يعلمها ذلك وكذا لو أنفذ الزوج قبوله وبقي الإيجاب موقوفًا انظر الرصاع. وأما تقديم الإيجاب على القبول في البكر المجبرة يزوجها أبوها من غائب فهو جائز طل الزمن أو لم يطل قال في الأجوبة الفاسية (وسئل) شيخ شيوخنا أبو محمد عبد الله العبدوسي عمن أشهد أنه أنكح ابنته البكر من فلان بصداق مسمى فلم يبلغه الخبر إلا بعد سنين (فأجاب) إن هذا إيجاب للرجل المذكور فيها فإن قبله الزوج حين بلغه صح نكاحه قرب أم بعد ولا يجري فيه الخلاف الذي في النكاح الموقوف قال وكثير من الطلبة يلتبس عليه الفرق بين المسألتين اهـ (وسئل) الشيخ السراج عن رجل عقد النكاح لولده على امرأة ولم يسمع من الولد قبول ولا رد فبقي الولد كذلك سنة ومات فهل يصح هذا النكاح ويحمل على القبول فيلزم الصداق والميراث والعدة أو يحمل على عدمه ولا يلزم شيء من ذلك (فأجاب) بأنه لا يحمل على القبول ولا صداق في ذلك ولا ميراث ولا عدة لأن النكاح لم ينعقد ولم يثبت إلا بثبوت قبوله وقبوله لم يثبت اهـ ونظيرها في عدم صحة النكاح لعدم ثبوت شرطه فتوى الإمام البرجيني ونقل عن الإمام القصار خلافه ويجري مجرى الرضى بالقول حضور الزوج لإطعام الطعام كذا في المعيار (تنبيه) لا بد من تقييد المسألة بكون الابن رشيدًا إذ لو كان سفيهًا لزمه النكاح على القول بأن للولي جبر السفيه على النكاح كذا في السجلماسي على العمل الفاسي (الثاني) أن ناكح الفاتحة ليس بعقد شرعي وإنما هو تراكن فلا يترتب عليه أثر النكاح من إرث وصداق وإن قبضت الزوجة شيئًا ردته ففي المعيار نقلًا عن ابن لب في نوازل النكاح من أن عادة الناس عند الخطبة التواعد على الإيجاب والانعقاد يتوقف على زمان يحضره الشهود وينبرم به الأمر فمن ادعى انبرام العقد قبل ذلك فهو مدع خلاف العرف ودعواه غير مثبتة اهـ (وقول) الناظم فالصيغة النطق مبتدأ وخبر وبما متعلق بالنطق
بمعنى المنطوق وكانكحا صفة أما أو صلة ومن بيان لما ومقتض صفة لموصوف محذوف تقديره كلام وتأبدا مفعول مقتض ومستوضحًا بكسر الضاد واضحًا نعت له (والركن الرابع) المهر ويسمى الصداق كما سيأتي قريبًا والأصل في مشروعيته الكتاب العزيز قال الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} . وقال جل جلاله: {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات} . وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال التمس ولو خاتمًا من حديد إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث. وحكمه الوجوب فلا يجوز العقد على شرط إسقاطه وقد شرع الناظم في بيان بعض شروط فقال
(وربع دينار أقل المصدق
…
وليس للأكثر حد ما ارتقي)
(أو ما به قوم أو دراهم
…
ثلاثة فهي له تقاوم)
يعني أنه يشترط في الصداق أن يكون أقله ربع دينار شرعي من الذهب الخالص أو ثلاثة دراهم شرعية من الفضة الخالصة أو ما يساوي أحدهما من العروض (قال) ابن عات في طرره إذا تزوج بعرض خاصة قيل أنه يعتبر في قيمته أحدهما وقيل لا يعتبر إلا الورق خاصة وبالقول الأول قال ابن سهل رحمه الله اهـ (وأما) أكثره فلا حد له حتى لا يرتقي عليه ولا يتعداه. وفي الطرر استحب عمر أربعمائة درهم (قال) ابن لبابة أراد عمر أن يحمل الناس أن لا يجاوزوا هذه العدة حتى أتت امرأة فقالت له يا أمير المؤمنين يقول الله عز وجل خلاف ما تريد أن تفعل قال وما يقول قالت يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} فقال كل الناس أعلم منك يا عمر حتى النساء. وقال ابن حبيب المياسرة في الصداق أحب إلينا وأقرب إلى اليسر في الدين اهـ وقال عليه الصلاة والسلام من يُمن المرأة قلة صداقها. وقوله فهي له تقاوم أي الدراهم الثلاثة تقاوم ربع دينار فضمير له يعود عليه. ومفهومه أنه إذا كان الصداق أقل من ربع دينار فهو فاسد وهو كذلك وأنمه إن دخل فإن لم يدخل خير بين إتمامه ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما يساوي ذلك فلا يفسخ وبين عدم إنمامه
فيفسخ على المشهور بطلاق لأنه مختلف فيه ولها نصف المسمى كما قال صاحب المختصر وسقط بالفسخ قبله إلا نكاح الدرهمين فنصفهما اهـ وقوله المصدق بضم الميم وفتح الدال وقوله حد بالرفع والتنوين اسم ليس وقوله ما ارتقي ما نافية وارتقي بضم التاء مبني للنائب. ولما ذكر أقل الصداق ذكر قدر الدراهم الشرعية بدراهم وقته استشعارًا لسؤال سائل سأله عن ذلك فقال:
(وقدرها بالدرهم السبعين
…
نحو من العشرين في التبيين)
(وينبغي في ذاك الاحتياط
…
كخمسة بقدرها تناط)
يعني أن العشرين درهمًا من الدراهم السبعينية المعروفة عندهم في ذلك الوقت أو نحوها هي قدر الدراهم الثلاثة الشرعية ومع ذلك فينبغي الاحتياط بزيادة خمسة دراهم على العشرين لتحقيق قدر الثلاثة الدراهم خوفًا من أن يكون في العشرين نقص أو غش فينقص الصداق الشرعي عن أقله فيزول الخوف بتلك الزيادة (قلت) وفي هذا التقريب تأمل وقد قربت الدينار الشرعي في زماننا فوجدته نصف لويز بضم أوله مصغرًا والدرهم الشرعي قدر نصف فرنك وهما سكتان جيدتان من سكك الأفرنج وكنت سمعت ذلك من بعض مشائخي رحمهم الله تعالى (وقوله) نحو أي قرب. وقوله تناط قال التسولي معنى تناط هنا تضبط الثلاثة الدراهم الشرعية والنوط التعليق يقال ناطه ينوطه أي علقه ومعنى التعليق هنا الضبط لأنه يفسر في كل شيء بما يناسبه ألا ترى أنه في تعليق القدرة بالممكنات بمعنى التأثير وفي تعليق العلم بالمعلوم بمعنى الانكشاف وفي تعليق المجرور بعامله بمعنى أنه معمول والله أعلم اهـ (ولما) كان الصداق على نوعين صداق تسمية وصداق تفويض شرع الناظم في بيانهما فقال:
(ومنه ما سمي أو ما فوضا
…
فيه وحتمًا للدخول فرضا)
فنكاح التسمية هو أن يسمي الصداق فيه وهو الغالب في الأنكحة ومنه إذا كانت عدة قوم جارية بينهم في قدر معلوم لا ينقص عنه فإنه في حكم المسمى. ونكاح التفويض هو
أن يعقداه بدون ذكر صداق وهو جائز لقول الله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} ولولا صحة النكاح على التفويض لما صح إيقاع الطلاق قاله ابن راشد. وعرفه الإمام ابن عرفة بقوله ما عقد دون تسمية مهر ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد وأخرج بالقيد الأخير نكاح التحكيم اهـ قال الرصاع قوله ما عقد دون تسمية أصله نكاح عقد فأطلق ما على النكاح لأن نكاح التسمية قسم منه وهو جنس له وقوله دون تسمية احترز به من نكاح المسمى وقوله ولا صرفه لحكم أحد أخرج به إذا تزوجها على حكم فلان فيما يعنيه من مهرها لأن حكمه حكم المسمى وهو المسمى بنكاح التحكيم اهـ وإذا وقع العقد على شرط إسقاط الصداق فسخ قبل البناء وثبت يعده بصداق المثل (وأما) نكاح التحكيم فقد عرفه الإمام ابن عرفة بقوله ما عقد على صرف قدر مهرها لحكم حاكم قال الرصاع بيانه ظاهر اهـ وجمعها صاحب المختصر بقوله وجاز نكاح التفويض والتحكيم عقد بلا ذكر مهر قال الحطاب عقد بلا ذكر مهر تفسير لنكاح التفويض والتحكيم لأنه لما جمع النوعين فسرهما بالقدر المشترك بينهما وهو عدم ذكر المهر ولا صرف الحكم فيه لحاكم ونكاح التحكيم بأنه صرف الحكم فيه لحاكم اهـ. وقوله وحتمًا للدخول فرضًا يعني أن صداق المثل في نكاح التفويض يفرض لوقوع الدخول فرضًا محتمًا وأما قبل الدخول فلا يتحتم الفرض وإن امتنعت من تمكينه حتى يفرض لها لزمه أحد أمرين إما الفراق ولا شيء عليه أو الفرض ويكره لها أن تمكن نفسها قبل أن يدفع لها ربع دينار أو ما يماثله ولزمها المفروض في نكاح التفويض وفي تحكيم الزوج إن فرض لها صداق المثل قال صاحب المختصر ومهر المثل ما يرغب به مثله فيها باعتبار دين وجمال وحسب ومال وبلد وأخت شقيقة أو لأب اهـ ولا يلزمه أن يفرض لها ذلك بل إن شاء طلق ولا شيء عليه وجاز الرضى بدونه للرشيدة وللأب في محجورته والسيد في أمته ولو بعد الدخول بها وتقرر
صداق المثل على الزوج وللوصي في السفيهة الرضى بدونه قبل الدخول وإن لم ترض حيث كان نظرًا لها كرجاء حسن عشرة الزوج لها لا بعده لتقرره بوطئه فإسقاط شيء منه غير نظر فليس الوصي كالأب لقوة تصرفه دونه لا البكر المهملة فليس لها الرضى بدون صداق المثل. وقوله وحتمًا صفة لموصوف محذوف كما مر وهو مفعول مطلق لفرضًا النبي للنائب وألفه للإطلاق وللدخول يجوز أن تكون اللام داخلة على مضاف محذوف كما قدرناه ويجوز أن تكون بمعنى بعد كما في قول الله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (فرع) إذا اختلفا في التفويض والتسمية قال مالك في المدونة في رجل تزوج امرأة فهلكت قبل البناء فلما طلب بالصداق قال تزوجت على تفويض فالقول قوله مع يمينه وله الميراث وليس عليه صداق وإن طلق قبل البناء فلا شيء عليه وإن مات الزوج وادعت المرأة تسمية وقال ورثته كان على تفويض فالقول قولهم مع أيمانهم ولها الميراث دون الصداق. وحمل الشيخ أبو الحسن قوله على أن النكاح كان عندهم على تسمية وعلى تفويض قال ولو كانت العادة عند قوم التسمية خاصة لم يصدق الزوج في دعوى التفويض وكان القول قول من ادعى التسمية إذا أتت هي أو والدها بما يشبه كذا في الفائق ثم قال
(وكل ما يصح ملكًا يمهر
…
إلا إذا ما كان فيه غرر)
يعني أن كل ما يصح ملكه يصح أن يكون مهرًا إلا إذا كان فيه غرر كثير كالعبد الآبق والبعير الشارد والثمرة التي لم يبد صلاحها أو جلد أضحية لأنه لا يجوز بيعه أو عقد بألف وإن كانت له زوجة فالفان فسخ قبل البناء للشك الواقع في قدر الصداق وثبت بعده بصداق المثل لأنه نكاح بغرر. وفي المختصر مع مزج الزرقاني الصداق كالثمن في مقابلة السلعة إثباتًا ونفيًا فيشترط فيه كونه طاهرًا منتفعًا به مقدورًا على تسليمه معًا وما في موانعه كوقوعه بخمر أو خنزير ولو كانت الزوجة ذمية أو مجهول ويغتفر فيه من يسير القدر ما لا يغتفر في الثمن لجوازه بشورة وبصداق المثل اهـ وإنما اغتفر فيه ذلك لأن النكاح مبني على المكارمة بخلاف البيع لأنه مبني على المشاحة فلا يجوز
فيه الغرر مطلقًا والله أعلم (فرع) إن وقع النكاح بقلة خل حاضرة مطينة فإذا هي خمر ثبت النكاح وعليه مثل الخل كمن تزوجت بمهر فوجدت به عيبًا فلها مثله غير معيب إن وجد وإلا فبقيمته ترجع. وإن وقع بقلة خمر فإذا هي خل ثبت النكاح أيضًا لكن إن رضياه فلعلها تقول لم أشتر خلًا إن كرهت أو هو يقول لم أبع منك خلًا إن كره النكاح. وقوله
(والمهر والصداق ما قد أصدقا
…
وفي الكتاب بالمجاز أطلقا)
يعني أن القدر الذي يبذله الزوج لزوجته في النكاح يسمى مهرًا ويسمى صداقًا وقد زيد عليهما ثمانية وهي الفريضة والحباء بالكسر والمد والنحلة بكسر النون والنفقة والأجر والعقر بضم أوله وسكون ثانيه والطول بفتح الطاء والعليقة ومعناها واحد كما في شفاء الغليل لأبي الحسن وغيره وقد نظمتها فقلت
اعلم هداك الله للفلاح
…
أسماء ما يبذل في النكاح
مهر صداق وفريضة حبا
…
ونحلة نفقة دع الصبا
عليقة أجر وعقر يا فتى
…
ثمت طول عدها عشرًا أتى
وأما إطلاق الصداق على الكتاب الذي هو الحجة المتضمنة لشهادة الشهود على النكاح فهو مجاز. وقوله أصدقا وأطلقا بالبناء للنائب والفهما للإطلاق (تنبيه) قال ابن عات في طرره وقد سئل عن شراء الرق يكتب فيه الصداق وأجرة الكاتب على من تكون قال على الذي يتوثق لنفسه وهو ولي المرأة اهـ ونقل بعض القرويين مثله عن الوانوغي قال ولابن سها خلافه (قلت) والذي عليه عمل تونس أن الزوج هو الذي يشتري الرق ويعطي أجرة الكاتب ويأخذها وإذا احتاجت الزوجة إلى نسخة أخذتها وأعطت جميع ما يلزمها وأما أحر وثيقة سبب الأيم أو اليتيمة وكذا أجرة العون الذي يبلغ إذن القاضي للشهود فإنها لا تكون على الزوج بل على الزوجة إلا بشرط كما في البرنامج ثم قال
(ويكره النكاح بالمؤجل
…
إلا إذا ما كان مع معجل)
يعني أنه يكره عقد النكاح ابتداء على تأجيل الصداق كله بأجل معلوم إلا إذا كان المؤجل معه معجل بأن اتفقا على أن بعضه مؤجل وبعضه معجل فلا كراهة وما درج عليه الناظم من التفصيل ضعيف والراجح الكراهة مطلقًا قال مالك فيمن تزوج امرأة بدنانير مسماة نقدًا وبدنانير إلى سنة لا يعجبني هذا النكاح وليس هو نكاح من أدركنا اهـ (فرع) لو تزوجها بثلاثين دينارًا عشرة منها نقدًا وعشرة منها إلى أجل وسكتا عن العشرة الثالثة فالرواية أن العشرة المسكوت عنها ساقطة ولو كان ذلك في البيع لكانت تلك العشرة المسكوت عنها حالة. والفرق أن النكاح قد يظهر فيه عدد في العلانية ويكون في السر دونه فيكون سكوتهم بعد توزيع العشرين دليلًا على أن الصداق عشرين وليس كذلك في البيع فافترقا قاله ابن راشد وقوله
(وأجل الكوالئي المعينه .... ستة أشهر لعشرين سنه)
(بحسب المهور في المقدار
…
ونسبة الأزواج والأقدار)
يعني أنه يجوز في أجل الكالئي وهو دين الصداق إذا وقع ونزل أن يكون من ستة أشهر فأقل من يوم العقد إلى عشرين سنة وذلك بحسب أمور ثلاثة وهي قلة المهر وكثرته وكبر الزوجين وصغرهما وعلو القدر وضعته فإن زاد على العشرين لم يفسخ حتى يبلغ خمسين فإذا بلغها فسخ قبل الدخول وثبت بعده وهو ما رجع إليه ابن القاسم كما في نقل المواق خلاف ما في بعض الشراح أنه رجع إلى الأربعين قاله الزرقاني. واعلم أن قوله وأجل الكوالئي البيت يتضمن شرطًا من شروط الصداق بطريق المفهوم وهو أن يكون الصداق حالًا أو إلى أجل غير بعيد جدًا (تنبيه) من شرط الصداق أيضًا أن لا يكون مغصوبًا علماه وأن لا يكون مع بيع أو قرض ونحوهما على المشهور. وأن لا يتضمن إثبات النكاح رفعه كدفع العبد في صداقه نفسه أن ثبوت ملكها لزوجها يوجب فسخ نكاحها إذ لا يجوز للمرأة أن تتزوج ملكها كما مر وذلك لتنافي أحكام الملك للزوجية فهي تطلبه بحقوق الملك ومن جملتها رفع