الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انفرد أحدهما بالطلاق لم ينفذ طلاقه (فإن) قيل فلم عدل القضاة عن الحكمين إلى الأمناء مع أن آيتهما محكمة وهو أمر لا ينبغي (أجيب) بأن الحكام وأهل العلم مجمعون على أنها فريضة وآيتها نص في الحكم باقية على ذلك لم تنسخ ولكن ضاق عليهم شرط الله في أن يجدوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها في كل نازلة مع إجماع العلماء على أن الحكمين إنما يتخيران عالمين فقيهين ذكيين ورعين فلما عز هذا المطلب لجأ الحكام فمن لم يجد من هذه صفتهما من أهل المتشاقين إلى إخراجهما إلى من يوثق بدينه وصلاح حاله من الرجال والنساء لتعرف أحوالهما والاطلاع بهما إلى ما يرجى أن يصلح بينهما فكثيرًا ما يكون ذلك بينهما لا على وجه التحكيم لمن عنده من رجل أو امرأة ولا على وجه الفصل بينهما ولا رأيت قط فيما شاهدت قديمًا وحديثًا أحدًا قضى على متشاقين بشهادة أمين ولا أمينة ولكنهم يحبسون الموصوف بالظلم منهما فلربما رجعا عن ذلك وتتاركا ولم يعودا إليه وهم الأكثرون قاله أبو إبراهيم كذا في العيار (قلت) ولا يكفي هذا الجواب لأنه إذا لم يوجد من أهلهما من تتوفر فيه الشروط بعث من غيرهما وإنما الجواب هو أن تقديم دار الأمين لرجاء اصطلاحهما كما هو الجاري به عمل تونس ولا يكون الترافع في ذلك إلا من لفيف الناس ومن لا يعبأ بهم (فرع) وسئل ابن الحاج عمن جعل أمينًا مع الرجل والمرأة على من تكون نفقة الأمين ومؤنته إن كانت على من طلبها أو على المتعدي وكيف إن أشكل الأمر على الحاكم (فأجاب) النفقة على من طلب الأمينة فإذا أشكل الأمر فعلى الزوج الذي تشتكي منه الضرر حتى يتبين غير ذلك والله أعلم اهـ وفي فائق ابن راشد فإن اتفق الزوجان على الأمينة كانت نفقتهما عليهما عند مالك اهـ ثم قال
(فصل في الرضاع)
أقول ينحصر الكلام في هذا الفصل في خمسة أنظار (الأول) في معناه لغة واصطلاحًا (الثاني) في أركانه وهي المرضع واللبن والمحل (الثالث) في الرضاع القاطع للنكاح
(الرابع) فيمن يحرم من الرضاع (الخامس) فيما يثبت به الرضاع (النظر الأول) في معناه لغة واصطلاحًا أما معناه لغة فهو امتصاص الثدي أو الضرع. ويقال الرضاع والرضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما. ويقال رضع الصبي رضعًا مثل سمع يسمع سمعًا ويقال رضع يرضع رضعًا مثل ضرب يضرب ضربًا. ويقال رضع يرضع رضعًا من باب تعب ويقال أرضعته أمه إرضاعًا (قال) القاضي عياض وأرضعته أمه وامرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت مرضعة اهـ قال ابن مالك في الكافية
وما من الصفات بالأنثى يخص
…
عن تاء استغنى لأن اللفظ نص
وحيث معنى الفعل ينوي التاء زد
…
كذي غدت مرضعة طفلًا ولد
وحاصله أنه إذا أريد أنها ترضع بالقوة فيجرد من التاء وإن أريد أنها ترضع بالفعل فتثبت التاء قال الله تعالى: {يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت} . وفي التوضيح ذكر أهل اللغة أنه لا يقال في لبن بنات آدم لبن وإنما يقال فيه لبان واللبن لسائر الحيوان غيرهن وجاء في الحديث كثيرًا خلاف قولهم اهـ. وأما معناه اصطلاحًا فعرفه الإمام ابن عرفة بقوله الرضاع عرفًا وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء آخر لتحريمهم بالسعوط والحقنة ولا دليل إلا مسمى الرضاع (فقوله) رحمه الله تعالى وصول جنس يشمل جميع أنواع الواصلات من مائعات وغيرها وإضافته إلى اللبن فصل يخرج به غيره من ريق ونحوه وسواء وصل اللبن بفعل فاعل وهو المرضع أو وصل من غيرها ولهذا قال وصول ولم يقل إيصال. وإضافة اللبن إلى آدمي فصل يخرج به لبن غيره من البهائم فإنه لا يحرم عندنا. وقوله لمحل أي جوف جار ومجرور متعلق بوصول ومحل مضاف ومظنة مضاف إليه وكذا ما بعده وغذاء بكسر الغين المعجمة بعدها ذال معجمة وهو ما يتغذى به فصل يخرج به ما لم يصل للجوف بأن رجع من الحلق أو وصل ولم يكن غذاء كما إذا وصل من منفذ ضيق ونحوه كما يأتي. وقوله آخر صفة لموصوف محذوف أي آدمي آخر فصل يخرج به وصول اللبن
لمحل صاحبته بأن أرضعت نفسها. وقوله لتحريمهم بالسعوط والحقنة علة لقوله لمحل مظنة الخ والسعوط ما صب من الأنف والحقنة ما يصب من الدبر ثم يصعد إلى المعدة. وينبغي أن يزيد في التعريف من منفذ واسع قاله البناني لإخراج الواصل من العين والأذن وأن يقيد أيضًا المظنة بغير الحقنة أما هي فلا بد فيها من الغذاء بالفعل ولا تكفي المظنة لقول المدونة وإن حقن بلبن فوصل لجوفه حتى يكون غذاء فإنه يحرم اهـ وهذا التعريف شامل لرضاع الكبير وللبان الصغيرة وللبن الذكر وللبن الميتة وللبن العجوز واللبن المخلوط وسيأتي بيان ذلك. وقوله ولا دليل إلا مسمى الرضاع أي عرفًا بحث فيه بأن له دليلًا في ذلك وهو إلحاقه بالرضاع أو الاحتياط وبيان ذلك أن الرضاع غلب في المعهود بين الناس على جذب اللبن من الثدي وامتصاصه بالشفتين لكن الفقهاء حكموا بأن الحقنة والسعوط يقع التحريم بهما دل ذلك على أن الرضاع عرفًا شرعيًا صادق عليهما والله أعلم (النظر الثاني في أركانه) وهي المرضع واللبن والمحل (أما) المرضع فيشترط أن تكون آدمية وإن صغيرة أو آيسة أو ميتة إذا تحقق أن لها لبنًا فلا أثر للبن البهيمة كالبقرة عندنا اتفاقًا كما تقدم ولا للبن الرجل على المشهور وقال ابن اللباد يحرم وقال غيره يكره. وقد أرضع رجل ابنته لما ماتت أمها إثر الولادة في بلدنا تورز وذلك لما ضمها إلى صدره ونام فلما استيقظ من نومه وجدها ترضع من ثديه وبقيت على تلك الحالة إلى أن صارت تتغذى بالطعام والشراب وقد أخبرني من أثق به بأن رجلًا أرضعه في حاضرة تونس وهذا من ألطاف الله تعالى بعبيده وهو على كل شيء قدير (وأما) اللبن فيشترط فيه أن يكون باقيًا على أصل خلقته أو خلط بطعام أو دواء واللبن غالب وعكسه لغو فإن تساويا فقولان التحريم وعدمه واختار أبو الحسن الثاني قال منفعة الطعام بانفراده كمنفعته إذا خلط بلبان اهـ فإن تغير عن أصل خلقته وخرج عن منفعة اللبن كماء أصفر أو أحمر لم يحرم (وأما) المحل الذي هو جوف الصبي فيشترط وصول اللبن إليه كما مر فلا أثر لغير الواصل ولا يشترط عندنا تعدد الرضعات بل يحصل الرضاع
وإن بمصة والمعتبر عندنا وصوله إلى الجوف بأي طريق كان كما تقدم في بيان التعريف (النظر الثالث) في الرضاع القاطع للنكاح في الإسلام والشرك سواء وشرطه وصول اللبن لجوف الطفل في الحولين من ولادته أو بزيادة الشهر والشهرين إن لم يقع الفطام فإن وقع الفطام ولو فبل الحولين ثم وقع الرضاع فيهما بعد الاستغناء عنه وانتقل عيشه إلى الطعام طالت المدة أو قصرت لا يحرم فرضاع الكبير لا يحرم من باب أولى (النظر الرابع) فيمن يحرم من الرضاع وإليه أشار الناظم رحمه الله تعالى بقوله
(وكل من تحرم شرعًا بالنسب
…
فميلها من الرضاع يجتنب)
أي يحرم وبعبارة أخرى أن كل امرأة حرمها الشرع العزيز بالنسب وهي السبعة المذكورة في قول الله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} فإن مثلها يحرم من الرضاع شرعًا وقد وقع النص على تحريم الأمهات والأخوات في القرآن العظيم قال الله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وفي رواية يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة (قال) ابن الحاجب فيقدر الطفل خاصة لصاحبة اللبن ولصاحبه إن كان فلذلك جاز أن يتزوج أخوه نسبًا أخته أو أمه من الرضاع. وقال الشيخ في الرسالة ومن أرضعت صبيًا فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر إخوة له اهـ فمن رضع امرأة حرمت عليه لأنها أمه ويحرم عليه كل من ولدته وإن لم ترضعه وكل من رضعها وإن لم تلده لأنهن أخواته ويحرم عليه بناتهن وبنات بناتهن وبنات بنيهن وبنات بنات بنيهن وإن سفلن ويحرم عليه أخواتها لأنهن خالات وأمهاتها لأنهن جدات وزوج المرضعة أبو الرضيع وأبوه جده وأخوه عمه وولده أخوه (تنبيه) إنما يكون الرضيع أخًا لبنات ذلك الفحل من الرضاع إذا كان قد وطئ المرضعة وأنزل قبل الإرضاع حتى يصدق عليه أنه شرب من لبن ذلك الفحل وأما لو رضع منها قبل نكاحه إياها
ثم عقد عليها ووطئها وأنزل بعد انقطاع الرضاع فلا تكون بناته أخوات له لأنه لم يشرب من لبنه حتى يكون ابنًا له لقولهم يجوز للربيب أن يتزوج بنت امرأة أبيه من رجل غيره بشرط فطامها قبل نكاح أبيه لأمها (النظر الخامس) فيما يثبت به الرضاع وثبوته بأحد أمرين إما بالإقرار وإما بالإشهاد وقد أشار إلى الأول منهما وله ثلاث حالات فقال
(فإن أقر الزوج بالرضاع
…
فهو إلى فسخ النكاح داع)
(ويلزم الصداق بالبناء
…
ونصفه من قبل الابتناء)
(كذاك بالإقرار منهما معا
…
لا باعتراف زوجة إن وقعا)
الحالة الأولى أن الزوج المكلف إذا أقر بعد عقد النكاح أنه أخ لزوجته أو ابنها من الرضاع مثلًا وثبت إقراره بالبينة وأنكرت الزوجة ذلك أخذ بإقراره وفسخ النكاح ولها المسمى إن كان حلالًا وإلا فصداق المثل بالدخول وقد تقدم الكلام على الحد ولحوق الولد في تعريف النكاح وإن أقر بعد العقد وقبل البناء فأنكرت فسخ النكاح أيضًا ولها نصف الصداق لأنه يتهم على إقراره ليفسخ بلا شيء وإن كان إقراره قبل العقد فلا شيء لها في فسخه بعده وقبل البناء لأن نكاحه وقع فاسدًا ولها المسمى بعد البناء (الحالة الثانية) أن يتفق الزوجان على الرضاع فإن النكاح يفسخ ولا صداق لها قبل البناء ولها المسمى بعده. وقول الناظم كذاك بالإقرار منهما معا التشبيه راجع للحكم السابق وهو فسخ النكاح فقط لا إلى ما وراء ذلك من الصداق فهو غير تام (الحالة الثالثة) أن تعترف الزوجة وحدها بأنهما أخوان من الرضاع وينكر الزوج ذلك ولم تقم على دعواها بينة فلا يلتفت إلى قولها لأنها تتهم على فسخ النكاح فلا يفسخ ولا تقدر على طلب المهر لإقرارها بفساد العقد فإن طلقها قبل البناء فلا شيء لها لإقرارها بفساد النكاح فيكون كالفسخ قبل البناء وإن طلقها بعد البناء فلها الصداق كاملًا (فرع) فو أقر أبوا الذكر والأنثى برضاع ولديهما الصغيرين وأنهما أخوا
رضاع قبل إقرارهما قبل عقد النكاح ويفسخ العقد إن وقع لا بعد العقد فلا يقبل كإقرارهما برضاع ولديهما الكبيرين قبل العقد فلا يمضي عليهما إقرارهما ويكونان شاهدين كأجنبيين فيجري فيهما ما يجري في الثبوت الآتي كما في الزرقاني (قال) ابن راشد وإن كان لا يفسخ نكاحهما لكن يستحب له التنزه عنها وأشار إلى الأمر الثاني الذي يثبت به الرضاع فقال
(ويفسخ النكاح بالعدلين
…
بصحة الإرضاع شاهدين)
(وباثنتين إن يكن قولهما
…
من قبل عقد قد فشا وعلما)
(ورجل وامرأة كذا وفي
…
واحدة خلف وفي الأولى اقتفي)
يعني أن النكاح يفسخ إذا ثبت الرضاع بشهادة عدلين وبامرأتين إن كان ذلك فاشيًا من قولهما قبل العقد فإن لم يحصل من قولهما فشو قبل العقد فإن الرضاع لا يثبت على القول المشهور والرجل والمرأة يشهدان بذلك مثل المرأتين في اشتراط الفشو قبل العقد ولا بد من التصريح بالفشو من الشهود عند القاضي والإعذار للزوجين في شهادة الرضاع واجب شرط في الحكم. وقد اختلف في شهادة المرأة الواحدة ولو مع الفشو فقيل لا يفسخ وهو المشهور وندب التنزه وقيل يفسخ قال ابن فتحون وهو أظهر وإليه أشار الناظم بقوله وفي الأولى بفتح الهمزة اقتفي أي ابتع الفسخ (قال) الشيخ ابن رحال في الحاشية وقد تحصل من إنقال الناس على هذا الكلام ثبوت الرضاع بعدلين دون شرط فشو. وبرجل وامرأة أو بامرأتين ثبته بهما بشرط الفشو فيها وبلا فشو لا ثبوت فيهما ولكن في ذلك خلاف قوي في الصورتين وإن صرح في التوضيح بأن المشهور فيهما عدم الثبوت وواحدة ولا فشو لا ثبوت اتفاقًا ومعه فيها خلاف والراجح عدم الثبوت والخلاف في العدالة مع وجود الفشو فظهر من ذلك عدم الشرطية لأنه قول ابن القاسم وروايته عن مالك. والأمان بعد العقد كالأجنبيين وقبله يثبت بهما الرضاع وإن لم يكن فشو اهـ. وقول الناظم