المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

راشد قائلين لأنه بطلاقها إياها ثلاثًا يعيبها لامتناع كثير من - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ٢

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: راشد قائلين لأنه بطلاقها إياها ثلاثًا يعيبها لامتناع كثير من

راشد قائلين لأنه بطلاقها إياها ثلاثًا يعيبها لامتناع كثير من الناس من تزوجها خوف جعلها إياه محللًا فتسيء عشرته ليطلقها فتحل للأول ودرج صاحب المختصر على القول الآخر وهو لزوم الخلع وهو مذهب المدونة وغيرها لحصول غرضها وزيادة قاله التتائي وما درج عليه الناظم هو المعتمد فلو زاد رحمه الله

إن عينت واحدة أو أطلقت

وقيل بل يلزمها وإن أبت

وأبت في كلام الناظم من الإباية بمعنى الامتناع وفي البيت الزائد أبت بتشديد التاء من البتات بمعنى القطع ثم قال

(فصل)

أي هذا فصل في ذكر صريح الطلاق وكنايته على سبيل الإجمال لأن المقصود هنا نفوذه لا بيان جزئياته وإليه الإشارة بقوله

(وينفذ الطلاق بالصريح

وبالكنايات على الصحيح)

يعني أن الطلاق يلزم بالقول الصريح اتفاقًا وبالكناية على القول الصحيح المشهور فالصريح هو ما فيه الطاء واللام والقاف نحو طلقت أو أنت طالق وكذا إن قال أنت طالقًا بالنصب أو بالخفض لأنه إن كان جاهلًا فواضح وإن كان عالمًا فهازل وهزله جد كذا في الزرقاني (فرع) قال ابن العربي إضافة الطلاق إلى جزء من أجزائها مسألة كبيرة فيها خلاف فقال مالك والشافعي يطلق جميعها وقال أبو حنيفة يلزمه الطلاق في ذكر الرأس ونحوه ولا يلزمه الطلاق في ذكر اليد ونحوها وفي قوله روحك طالق أو كلامك طالق قولان عندنا والمختار اللزوم في الكلام وعند أبي حنيفة لا يلزم فيه شيء اهـ. والكنايات قسمان ظاهرة وخفية فالظاهرة هي ما كانت في العرف دالة على الطلاق مثل سرحتك وفارقتك أو أنت علي حرام. والخفية هي التي لم تكن كذلك بأن كانت محتملة له ولمعناها الأصلي نحو اذهبي وانصرفي أو أنت حرة ويقبل قوله فيما يدعيه إن رفعته زوجته للقاضي فإن قال نويت به الطلاق لزمه وإن نوى

ص: 135

عدمه لم يلزمه شيء ويحلف. وقوله على الصحيح راجع لقوله وبالكنايات ومقابل القول الصحيح عدم لزوم الطلاق بالكناية وإنما يلزم بالصريح فقط وبه قال جماعة منهم أصبغ فقد قال لا يلزم في تحريم الزوجة شيء كتحريم الطعام. وقال القاضي أبو بكر بن العربي إذا حرم الزوجة فقد اختلف العلماء في ذلك على خمسة عشر قولًا (الأول) أنها يمين تكفر قاله أبو بكر الصديق وعائشة والأوزاعي (الثاني) قال ابن مسعود تجب فيه كفارة وليست بيمين وبه قال ابن عباس في إحدى روايتيه والشافعي في أحد قوليه (الثالث) أنها طلقة رجعية قاله عمر بن الخطاب والزهري وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون (الرابع) أنها ظهار قاله عثمان وأحمد بن حنبل (الخامس) أنها طلقة بائنة قاله حماد بن سلمة ورواه ابن خويز منداد عن مالك (السادس) أنها ثلاث تطليقات قاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو هريرة ومالك (السابع) قال أبو حنيفة إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما نوى وإلا كانت يمينًا وكان الرجل موليًا من امرأته (الثامن) أنه لا ينفعه نية الظهار وإنما يكون طلاقًا قاله ابن القاسم (التاسع) قال يحيى بن عمر يكون طلاقًا فإن ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار (العاشر) هي ثلاث قبل وبعد لكنه ينوي في التي لم يدخل بها في الواحدة قاله مالك وابن القاسم (الحادي عشر) ثلاث ولا ينوي بحال ولا في محا قاله عبد الملك في المبسوط (الثاني عشر) هي في التي لم يدخل بها واحدة وفي التي دخل بها ثلاث قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم (الثالث عشر) أنه إن نوى الظهار وهو أن ينوي أنها محرمة كتحريم أمه كان ظهارًا وإن نوى تحريم عينها بجملته بغير طلاق تحريمًا مطلقًا وجبت كفارة يمين وإن لم ينو شيئًا فعليه كفارة يمين قاله الشافعي (الرابع عشر) أنه إن لم ينو شيئًا لم يكن شيء (الخامس عشر) أنه لا شيء عليه فيما قاله مسروق وربيعة من أهل المدينة ورأيت بعد ذلك لسعيد بن حنبل أن عليه عتق رقبة وإن لم يجعلها ظهارًا ولست أعلم له وجهًا ثم قال بعد أن ذكر توجيه الأقوال المذكورة وعدد صورها عشرة (الأولى) قوله حرام (الثانية)

ص: 136

قوله علي حرام (الثالثة) أنت حرام (الرابعة) أنت علي حرام (الخامسة) الحلال علي حرام (السادسة) ما أنقلب إليه حرام (السابعة) ما أعيس فيه حرام (الثامنة) ما أملكه حرام علي (التاسعة) الحلال حرام (العاشرة) أن يضيف التحريم إلى جزء من أجزائها فأما الأولى والثانية والتاسعة فلا شيء عليه فيها لأنها لفظ مطلق لا ذكر للزوجة فيه ولو قال ما أنقلب إليه حرام فهو يلزمه ما يلزمه في قوله الحلال علي حرام أن يدخل فيه الزوجة إلا أن يحاشيها ولا يلزمه شيء في غيرها من المحللات والصحيح جواز المحاشاة بالقلب وأما إضافة التحريم إلى جزء من أجزائها فحكمه ما تقدم في إضافة الطلاق إلى الجزء اهـ. وفي فائق الونشريسي قال ابن العربي التزام الحرام في حلال أو مباح حرام وعلى فاعله التوبة مما اجترح من الجناح وليس ما حرم على نفسه من ذلك بحرام وهذا أمر مجمع عليه لقوله تعالى: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} فإن صدر هذا في الأنثى وهي مملوكة فكذلك وإن صدر في الحرة وهي في العصمة فكذلك عند طوائف من العلماء وطائفة حملته على الطلاق إذ هو كناية عنه وهل هو ثلاث أو واحدة بائنة أو واحدة رجعية الخلاف وإن صدر في حرة وليست في العصمة ولم يتعلق بشرط التزويج سقط كالطلاق وإن تعلق بشرط لم يلزم بخلاف الطلاق والفرق بينهما أن الشرع ورد بحل العصمة بالطلاق دون الحرام والحرام ملحق بالطلاق في جميع وجوهه لكونه أصلًا متفقًا عليه ويقصر بالحرام على العصمة الحاصلة دون غيرها لكونه فرعًا مختلفًا فيه اهـ. وفي نوازل الطلاق من المعيار سئل السيد عبد الله بن عبد الله الشريف التلمساني عمن قال لزوجته أنت علي حرام ولم ينو الثلاث واطلع على جميع الأقوال الواردة في المسألة واتفق مع زوجته على تقليد من يقول يلزمه طلقة بائنة وعقد النكاح على ذلك (فأجاب) يتركان وتقليدهما وليس لقاضي الموضع أن يتعرض لهما والله تعالى أعلم اهـ. وفي نوازل الطلاق من العلمي (وسئل) أبو عبد الله محمد بن القاسم القصار عمن قال لزوجته عليه الحرام لو دخلت دار فلان ثم إنها بعد سنين دخلتها فهل سيدي يلزمه

ص: 137

الثلاث أو طلقة بائنة لكون الرجل لم يعتد بذلك الحلف (فأجاب) المشهور يلزمه الثلاث وصحح كثير من المحققين لزوم واحدة بائنة والفتوى به وقالوا أنه يخلص مع الله اهـ. وقال عقبة وقال أبو العباس سيدي أحمد بن عرضون بعد أن ذكر خمسة أقوال للمالكية في المسألة المشهور لزوم الثلاث ويليه في القوة أنها طلقة بائنة وهذا القول اختاره غير واحد منهم ابن رشد والقاضي أبو بكر بن العربي والإمام ابن سراج والإمام أبو عبد الله بن الفخار والشيخ أبو عبد الله السرقسطي وغيرهم من المتأخرين اهـ ونظمه صاحب العمل الفاسي فقال

وطلقة بائنة في التحريم

وحلف به في عرف الإقليم

وأفتى به الشيخ التاودي وغيره وكفى بهؤلاء الشيوخ سلفًا وخلفًا قدوة والله الموفق للصواب. واعلم أن التحريم والتحليل صعب جدًا والاحتياط في الحرام كالاحتياط في الحلال فقد قال عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي مات فيه لا يتكل الناس علي بشيء لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله تعالى في كتابه يا فاطمة بنت رسول الله ويا صفية عمة رسول الله اعملا لما عند الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئًا هذا الحديث رواه ابن القاسم عن مالك كما في أحكام ابن العربي عند قول الله عز وجل: {وأنذر عشيرتك الأقربين} في سورة الشعراء وفي الجزء الأول من المعيار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو عفو ثم قال الناظم

(وينفذ الواقع من سكران

مختلط كالعتق والأيمان)

يعني أن طلاق السكران بحرام نافذ إذا كان عنده نوع تمييز كما ينفذ عليه عتقه ويمينه التي صدرت منه بطلاق أو غيره فإن كان سكره بحلال أو كان غير مختلط ولا مميز فإن كان مطبقًا لا يميز الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا يلزمه طلاق ولا عتق ولا يمين لأنه كالمجنون وما درج عليه الناظم من الأقوال التي وردت في المسألة

ص: 138

ضعيف والمشهور ما تقدم وهو لزوم طلاق السكران بحرام ميز أو لم يميز (فرع) سئل سيدي عبد الرحمن الحائك عن السكران إذا طلق وأراد ارتكاب قول ابن عبد الحكم فيه أن السكران لا يلزمه طلاق وإن خالف المشهور فأجاب المشهور لزوم الطلاق كما في التوضيح وغيره وما لابن عبد الحكم مقابل لا تجوز الفتوى به إلا لأمر اقتضاه ومن أخذ به في نفسه خلصه وذلك ما لم تأسره البينة وإلا فلا يحكم عليه إلا بالراجح وهذا من فائدة ذكر الأقوال الشاذة في المذهب والله الموفق اهـ من أجوبة الشيخ المهدي. وقوله مختلط بكسر اللام اسم فاعل مجرور ونعت لسكران وقوله

(ومن مريض ومتى من المرض

مات فللزوجة الإرث مفترض)

(ما لم يكن بخلع أو تخيير

أو مرض ليس من المحذور)

يعني أن من طلق زوجته قبل البناء أو بعده طلاقًا رجعيًا أو بائنًا صادف آخر الثلاث أولا وهو مريض مرضًا مخوفًا غير متطاول ومات من مرضه الذي طلق فيه فإن زوجته ترثه وإن انقضت عدتها وتزوجت أزواجًا فلا ينقطع ميراثها منه إلا إذا صح منه صحة بينة أو تسببت هي في الطلاق كما لو أعطته مالًا فطلقها عليه أو خيرها فاختارت الطلاق أو كان المرض غير مخوف أو كان مخوفًا لكنه متطاول يقدر معه على التصرف كمرض السل الذي يلازم صاحبه الفراش فإنها لا ترثه في جميعها وما درج عليه الناظم في مسألتي الخلع والتخيير خلاف الراجح والراجح أنها ترثه فيهما والله تعالى أعلم وقوله

(والخلف في مطلق هزلًا وضح

ثالثها إلا أن الهزل اتضح)

يعني أن أهل المذهب اختلفوا في حكم من طلق زوجته هزلًا ولعبًا على ثلاثة أقوال قيل يلزمه مطلقًا وهو المشهور وقيل لا يلزمه وقيل إن اتضح الهزل ودل دليل عليه لم يلزمه وإن لم يتضح الأمر لزمه وقوله

(ومالك ليس له بملزم

لمكره في الفعل أو في القسم)

ص: 139

يعني أن من أكره على النطق بالطلاق فطلق فلا يلزمه طلاق عند مالك لخبر مسلم لا طلاق في إغلاق أي إكراه وخبر حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (تتمة) قال الزرقاني من أكره على أن يطلق طلقة فطلق ثلاثًا أو على أن يعتق عبدًا فأعتق أكثر أو على أن يطلق زوجته فأعتق عبده أو عكسه فالظاهر عدم لزوم شيء من ذلك له لأن ما يصدر منه حال إكراهه بمنزلة المجنون قاله علي الأجهوري وكذا إذا أكره على طلاق زوجة من إحدى زوجتيه أو زوجاته فطلق أكثر من واحدة أو أكره على طلاق حفصة فطلق عمرة والإكراه أن يكون بمجرد غلبة الظن ولا يشترط يقين الخائف اهـ قال الأمير في حاشيته على مجموعه عند قوله وفي عج وعب أي علي الأجهوري وعبد الباقي لو أكره على طلاق فزاد أو أعتق أو عكسه فلغو لتنزيله منزلة المجنون الخ في النفس من ذلك شيء فإن بعض الأئمة كالحنفية يقولون بلزوم طلاق المكره وقد قال المصنف باللزوم إذا ترك التورية فهذا أشد من ترك التروية نعم ربما يظهر هذا الكلام على القول الشاذ الذي نقله شيخنا السيد من أن طلاق الغضبان لا يلزم اهـ. وقوله أو في القسم يعني أن من أكره على يمين بالطلاق أو بغيره فحلف ثم حنث فإن مالكًا رضي الله عنه لا يلزمه شيئًا لا طلاقًا ولا غيره (وظاهره) أن الإكراه في الصورتين لا يترتب عليه شيء سواء كان شرعيًا أو غير شرعي وليس كذلك بل الإكراه الشرعي بمنزلة الطوع كما مر في أبواب متفرقة. وأما الإكراه على فعل المحلوف عليه كحلفه بطلاق لا دخل دارًا فأكره على دخولها أو حمل وأدخلها مكرهًا فلا حنث عليه إذا لم يتعلق به حق مخلوق وكانت صيغة يمينه على بر كما مثلنا فإن كانت صيغة حنث فإنه يحنث ولم يكن الآمر بالإكراه هو الحالف ولم يعلم أنه سيكره ولم يقل في يمينه لأدخلها طائعًا ولا مكرهًا ولم يفعله بعد زوال الإكراه عندنا حيث كانت يمينه غير مقيدة بأجل فإن اختل شرط من هذه الشروط الستة حنث كما في الزرقاني وغيره (تنبيه) يكون الإكراه نافعًا في صيغة البر إذا كان على فعل الحالف نفسه كما إذا حلف بعليه الطلاق لا يدخل الدار فدخلها أو أدخل إليها

ص: 140