المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التعزير مقدمة التعزير: مصدر من: العَزْر، وهو لغة: اللوم، وعزَّره تعزيرًا: - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٦

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب التعزير مقدمة التعزير: مصدر من: العَزْر، وهو لغة: اللوم، وعزَّره تعزيرًا:

‌باب التعزير

مقدمة

التعزير: مصدر من: العَزْر، وهو لغة: اللوم، وعزَّره تعزيرًا: لامه وردَّه، ومنه سمِّي التأديب الذي دون الحد: تعزيرًا؛ لأنَّه يمنع ويرد الجاني من معاودة الذنب.

وتعريفه شرعًا: عقوبة غير مقدرة تجب حقًّا لله، أو لآدمي في كل معصية لا حد فيها، ولا كفارة.

والمعاصي التي لم يقدر لها حدود هي الكثرة الغالبة في الشريعة، فإنَّ العقوبات المحددة هي: الردة، والزنا، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، وقطع الطريق.

قال الشيخ عبد القادر عودة: التعازير مجموعة من العقوبات غير مقدرة، تبدأ بأتفه العقوبات، كالنصح والإنذار، وتنتهي بأشد العقوبات، كالحبس والجلد، وقد تصل للقتل في الجرائم الخطيرة، ويترك للقاضي أن يختار من بينها العقوبة الملائمة للجريمة، وبحال المجرم، ونفسيته، وسوابقه؛ لأنَّ ظروف الجرم، والمجرمين تختلف اختلافًا بينًا، فما يردع شخصًا عن جريمة، قد لا يردع غيره، ومن أجل هذا وضعت الشريعة لجرائم التعازير عقوبات متعددة مختلفة، هي مجموعة كاملة من العقوبات، تتسلل من أخف العقوبات إلى أشدها، وتركت للقاضي أن يختار من بينها العقوبة التي يراها كفيلة بتأديب الجاني، واستصلاحه، وحماية الجماعة من الإجرام.

ص: 314

قال أبو ثور: التعزير على قدر الجناية.

وقال مالك: التعزير على قدر الجرم.

وقال أبو يوسف: التعزير على قدر عظم الذنب، وعلى قدر ما يراه الحاكم من احتمال المضروب.

وقال الشيخ تقي الدين: وقد يكون التعزير بالقتل، وقد يكون بالمال، إتلافًا وأخذًا.

***

ص: 315

1089 -

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلَاّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- لا يُجلد: جلده: أصاب جلده، والجِلْد: غشاء الجسم، يقال: جلده بالسَّوط، أو السيف، أو نحوهما؛ أي: ضربه.

- أسواط: جمع "سوط"؛ وهو ما يضرب به من جلد؛ سواء كان مضفورًا، أو لم يكن.

- إلَاّ في حد: الحد لغة: المنع، وجمعه:"حدود"، ويراد بحدود الله محارمه، كما يسمى بها ما حده، وقدَّره من الأحكام، كما يراد بها أيضًا: العقوبات المقدرات، وهنا يجوز أن يراد بها: محارم الله؛ لكونها زواجر من الله تعالى ونواهٍ منه تعالى، ويجوز أن يراد بها: ما حده وقدره؛ لأنَّ الحدود مقدرة محددة، بلا زيادة فيها، ولا نقصان منها، ويجوز أن يراد بها العقوبات المقدرة من أجل تقديرها، من أجل أنَّها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب.

* ما يؤخذ من هذا الحديث:

1 -

النساء، والصبيان، والخدم، ونحوهم، يجب على القائم على شؤونهم تهذيبهم، وتقويم أخلاقهم، ويكون بالتوجيه، والتعليم، والإرشاد، والقدوة الحسنة من راعيهم، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.

2 -

إذا لم يفد التوجيه والتعليم، ثم التهديد والتخويف -فلا بأس من ضربهم،

(1) البخاري (6848)، مسلم (1708).

ص: 316

ضربًا غير مبرح، ولا مؤلم، تتقى فيه المواطن الحسَّاسة، والأعضاء الشريفة، كالوجه، ولا يزاد عن عشرة أسواط؛ فإنَّهم هم المقصودون بهذا الحديث، في أصح أقوال العلماء في معنى هذا الحديث.

3 -

ظاهر الحديث تحريم الزيادة على عشرة أسواط؛ لأنَّ الحديث جاء بصيغة النَّهي، والأصل فيه التحريم.

4 -

حدود الله تعالى تطلق ويراد بها: كالعقوبات المقدرة، كالزنا والقذف، ويراد بها عقوبات غير مقدرة، كالعقوبة على الإفطار في نهار رمضان، ومنع الزكاة، وغير ذلك من فعل المحرَّمات، أو ترك الواجبات.

5 -

والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحد فوق عشر جلدات، إلَاّ في حد من حدود الله" المراد به: المعصية، وأنَّ الذي لا يزاد على ذلك تأديب الصغير، والزوجة، والخادم، ونحوهم في غير معصية.

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء في المراد من معنى قوله: "إلَاّ في حد من حدود الله"-: فبعضهم ذهب إلا أنَّ المراد "بالحدود" هي التي قدرت عقوبتها شرعًا، كحد الزنا، والقذف، والسرقة، والقصاص في النفس، وما دونها من الأطراف، والجروح.

فعلى هذا يكون ما عداها من المعاصي، هو الذي عقوبةُ مرتكبه التعزير، وهو من عشرة أسواط، فما دون، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، على أنَّ الأصحاب يريدون بالتعزير المقدر لمن كان قد فعل المعصية.

أما المقيم عليها، فيعزر حتى يقلع عنها، ولذا قال شيخ الإسلام: "والذين قدروا التعزير من أصحابنا، إنَّما هو فيما إذا كان تعزيرًا على ما مضىى من فعل، أو ترك.

فإن كان تعزيرًا لأجل ما هو فاعل له، فهو بمنزلة قتل المرتد، والحربي،

ص: 317

وقتال الباغي، وهذا تعزير لا يقدر، بل ينتهي إلى القتل، كما في الصائل لأخذ المال، يجوز أن يمنع ولو بالقتل وله بقية.

وعنه: أنَّ كل معصية لها مثل المقدر، لا يبلغ بها حد المقدر، كأن يزني بجارية له فيها شرك، فيجلد مائة سوط، إلَاّ واحدًا.

ومذهب أبي حنيفة، والشافعي: أنه لا يبلغ بالتعزير الحدود المقدرة.

وذهب بعض العلماء إلى: أنَّ معنى قوله: "إلَاّ في حد من حدود الله": أنَّ المراد بحدود الله: أوامره ونواهيه، وأنَّه ما دام التعزير لأجل ارتكاب معصية: بترك واجبٍ، أو فعل محرَّم، فيبلغ به الحدّ الذي يراه الإمام رادعًا، وزاجرًا من ارتكابه، والعودة إليه.

وذلك يختلف باختلاف المكان والزمان، وباختلاف الأشخاص، وباختلاف المعصية، فبالأزمنة والأمكنة، حكم بالتخفيف، أو التشديد في عقوبة العصاة، وكنالك الأشخاص، لكل منهم أدبه اللائق، والكافي لردعه، فبعضهم يكفيه التوبيخ، وبعضهم الضرب والجلد، وبعضهم الحبس، وبعضهم أخذ المال.

والذين يندر أن تقع منهم المعاصي، وهم ذوو الهيئات، فينبغي التجاوز عنهم، وبعضهم مجاهرون معاندون، فينبغي النكاية بهم.

والمعاصي تختلف في عظمها وخفتها، فينبغي للحاكم ملاحظة الأحوال والظروف، والملابسات، ليكون على بصيرة من أمره، ولتكون تعزيراته وتأديباته واقعة موقعها، وافية بمقصودها، وهو راجع إلى رأي الحاكم، فقد يكون بأخذ المال، وقد يكون بالقتل.

وكل هذه العقوبات، لها أصل في الشرع، وإليك كلام العلماء في هذا الباب:

قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- فيمن شرب خمرًا في نهار رمضان، أو أتى شيئًا نحو هذا: "أقيم عليه الحد، وأغلظ عليه، مثل الذي يقتل في

ص: 318

الحرم دية، وثلث دية".

وقال أيضًا: "إذا أتت المرأة المرأة، تعاقبان وتؤدبان".

وقال أيضًا فيمن طعن على الصحابة: "إنَّه قد وجب على السلطان عقوبته، فإن تاب، وإلَاّ أعاد العقوبة".

وقد أطال الناقل عن شيخ الإسلام في "الاختيارات" في هذا الباب فنجتزىء من ذلك بفقرات، تبين رأيه، وتنير الطريق في هذه المسألة.

قال رحمه الله: "وقد يكون التعزير في النيل من عِرضه، مثل أن يقال: يا ظالم، يا معتدي، وبإقامته من المجلس".

وقال: "والتعزير بالمال سائغ، إتلافًا وأخذًا، وهو جارٍ على أصل أحمد، لأنَّه لم يختلف أصحابه أنَّ العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها".

وقول الشيخ أبي محمَّد المقدسي: "ابن قدامة": ولا يجوز أخذ مال المعزر إشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة.

وقال: "ويملك السلطان تعزير من ثبت عنده أنَّه كتم الخبر الواجب، كما يملك تعزير المقر إقرارًا مجهولاً حتى يفسره، أو من كتم الإقرار".

وقد يكون التعزير بتركه المستحب، كما يعزر العاطس الذي لم يحمد الله، بترك تشميته".

وقال: "وأفتيت أميرًا مقدمًا على عسكر كبير في الحربية، لمن نهبوا أموال المسلمين، ولم ينزجروا إلَاّ بالقتل، أن يقتل من يكفون بقتله، ولو أنَّهم عشرة؛ إذ هو من باب دفع الصائل".

وقال ابن القيم: "والصواب أنَّ المراد بالحدود هنا: الحقوق التي هي أوامر الله ونواهيه".

وهي المرادة بقوله تعالى: {يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة]

ص: 319

وفي أخرى: وقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187].

وقال: أما الذي لا يزاد على الجلدات العشر، فهي التأديبات التي لا تتعلَّق بمعصية، كتأديب الأب ولده الصغير.

وقال أبو يوسف: "التعزير على قدر عظم الذنب وصغره، وعلى قدر ما يرى الحاكم من احتمال المضروب، فيما بينه وبين أقل من ثمانين".

وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "التعزير على قدر الجرم، فإن كان جرمه أعظم من القذف، ضرب مائة أو أكثر".

وقال أبو ثور: التعزير على قدر الجناية، وتسرع الفاعل في الشر، وعلى قدر ما يكون أنكى، وأبلغ في الأدب، كان جاوز التعزير الحد، إذا كان الجرم عظيمًا، مثل أن يقتل الرجل عبده، أو يقطع منه شيئًا، أو يعاقبه عقوبة يسرف فيها، فتكون العقوبة فيه على قدر ذلك، وما يراه الإمام إذا كان عدلاً مأمونًا.

وقال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله تعالى وجميع هؤلاء الأئمة-:

"والصحيح جواز الزيادة في التعزير على عشر جلدات، بحسب المصلحة والزجر".

فهذا أقوال الأئمة، وآراؤهم في التعزير، رحمهم الله تعالى.

فائدتان عن شيخ الإسلام:

الأولى: كان عمر بن الخطاب يكرر التعزير، ويفرقه في الفعل، إذا اشتمل على أنواع من المحرَّمات، فكان يعزر في اليوم الأول مائة، وفي اليوم الثاني مائة، وفي اليوم الثالث مائة، يفرق التعزير؛ لئلا يفضي إلى فساد بعض الأعضاء.

الثانية: الذي عنده مماليك وغلمان يجب عليه أن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وإذا كان قادرًا على عقوبتهم، فينبغى له أن يعزرهم على ذلك، إذا لم يؤدوا الواجبات، ويتركوا المحرَّمات.

ص: 320

1090 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، إِلَاّ الحُدُودَ". رَوَاه أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ. (1)

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف.

الحديث له طرق كثيرة، ولكنها لا تخلو من مقال.

قال في "التلخيص": رواه أحمد وأبو داود والنسائي والعقيلي من حديث عائشة.

قال العقيلي: له طرق، وليس منها شيء يثبت، وذكره ابن طاهر بسنده إلى أنس، وقال: وهو بهذا الإسناد باطل، ورواه الشافعي، وابن حبان.

قال الشافعي: سمعتُ من أهل العلم من يعرف هذا الحديث، ويقول. "يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته، ما لم يكن حدًّا".

وقال عبد الحق: ذكره ابن عدي في باب واصل الرقاشي، ولم يذكر له علة.

قُلتُ: واصل ضعيف.

* مفردات الحديث:

- أقيلوا: يقال: أقاله عثرته: صفح عنه وتجاوز، والمراد بالإقالة هنا: التجاوز، وعدم المؤاخذة.

- ذَوِي الهيئات: جمع "هيئة"، والهيئة: صورة الشيء، وشكله، وحالته،

(1) أحمد (24946)، أبو داود (4375)، النسائي في الكبرى (4/ 310)، البيهقي (8/ 267).

ص: 321

والمراد: ذوو الهيئات الحسنة ممن ليسوا من أهل الشر، وإنما هي زلة، وقعت منهم.

- عثَراتِهم: جمع: "عشرة"، والمراد بها: الزلة، كما وقع في بعض الروايات.

قال الإمام الشافعي: ذوو الهيئات الذين تقال عثراتهم: هم الذين لا يُعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة، قال الماوردي: العثرة: هي أول معصية زلَّ فيها.

* ما يؤخد من الحديث:

1 -

الخطاب موجَّه إلى الأئمة، وولاة أمور المسلمين، الذي يتولون أمور الرعية، ويقيمون فيهم الحدود، ويؤدبونهم على تصرفاتهم المنحرفة.

2 -

فالشارع الحكيم يأمرهم بأن يتسامحوا، ولا يؤاخذوا ذوي الهيئات الكريمة، والنفوس الطيبة، والسلوك الحسن، الذي يندر أن يقع منهم الشر، ويقل فيهم الإساءة، يوصيهم بأنَّ مثل هؤلاء إذا زلوا مرَّة، أو عثروا أن يعفوا عنهم، ويعرفوا لهم سابقتهم، وحسن سيرتهم.

3 -

ولكن هذه الإقالة، والمسامحة إنما هي في التعزيرات، التي مرجعها إلى اجتهاد الحاكم الشرعي، وليس ذلك في حدود الله تعالى؛ فإنَّ حدود الله تعالى لا تعطل، وتقام على كل أحد، مهما كانت حاله ومنزلته.

***

ص: 322

1091 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: "مَا كنْتُ لأُقِيمَ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا، فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي، إِلَاّ شَارِبَ الخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ". أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- لأُقيم: بنصب المضارع على تقدير "أن" الناصبة بعد اللام المكسورة، وهذه اللام تسمى لام الجحود.

- فيموت: لأجل إقامة الحد والمضارع منصوب؛ لكونه جوابًا للمضارع المنصوب.

- فأجد: منصوب في جواب النفي؛ أي: فأنا آسف وأحزن.

- ودَيْته: أي دفعت ديته لورثته.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الحدود المقدرة، كالزنا والقذف قدرها الشارع الحكيم، وحدَّها، فلا يزاد عليها، ولا ينقص منها، قال تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حدَّ حدودًا؛ فلا تعتدوها".

فالحدود مقدرة من لدن حكيم خبير، فهي بقدر طاقة الصحيح من بني آدم، وأما ضعيف البدن: فقد أوصى صلى الله عليه وسلم أن يقام عليه الحد، وقال:"خُذُوا عِثْكَالاً فيه مائة شِمراخ، ثم اضربوه واحدة، ففعلوا".

2 -

فمن مات من الحد المقدر من الله تعالى بلا زيادة، فإنَّها سراية من عمل

(1) البخاري (6778).

ص: 323

مشروع مأذون فيه، فلا قصاص، ولا دية، ولا كفارة؛ لأنَّ الحق قتله.

قال في "الروض المربع وحاشيته": ومن مات في الحد، فالحقُّ قتله، ولا شيء على من حده؛ لأنَّه أتى به على الوجه المشروع بأمر من الله تعالى، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الموفق: لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في سائر الحدود، إذا أُتِي بها على الوجه المشروع من غير زيادة، لا يضمن من مات بها.

3 -

أما من مات من سراية التعزير، فإنَّ باب التعزير باب واسع أمام اجتهاد الحاكم الشرعي، وقد يراعى الكمّ، أو الكيف، فيحصل التلف، فيكون من خطأ الإمام الذي يضمنه بيت المال.

4 -

حديث الباب يمكن تأويله على أحد أمرين:

أحدهما: أنَّ عقوبة السكر هي عقوبة تعزيرية، لا حد لها، فيكون مرجع تأديبه إلى اجتهاد الحاكم، فإذا أخطأ وَدَاه.

الثاني: أنَّ حد الخمر هو أخف الحدود كمًّا وكيفًا؛ ولذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: "أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فقال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه".

قال في "حاشية الروض المربع": "ما خفَّ في عدده، كان أخف في صفته"، فيكون معنى الحديث: أنَّ أخف الحدود كمًّا وكيفًا هو حد الشارب الخمر، فلو مات سلمت ديته لأهله؛ لأنَّ عقوبته زادت على ما يجب عليه من حدود الله، والله أعلم.

***

ص: 324