الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حكم الصائل
مقدمة
يقال: صال عليه صولاً: سطا عليه؛ ليقهره، ويغلبه على أمره، والصيالة تكون على: النفس، والعِرض، والأهل، والمال.
فمن صال عليه آدمي، أو بهيمة، أو على نسائه، أو ولده، أو ماله -دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، فإن لم يندفع إلَاّ بالقتل، أو خاف إن لم يبدأه عاجله الصائل بالقتل- فله ضربه بما يقتله، أو يقطع طرفه، ويكون ذلك هدرًا؛ لأنَّه أتلفه لدفع شره؛ كالباغي، وإن قُتل المصول عليه، فهو شهيد مضمون.
***
1092 -
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ". رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
رواه أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي، فقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال في "التلخيص": حديث: "من قتل دون ماله، فهو شهيد" من حديث عمرو بن العاص رواه البخاري، وفي الباب عن سعيد بن زيد في "السنن"، وابن حبان، والحاكم.
قال السيوطي: إنَّه حديث حسن، وقال: إنَّه من الأحاديث المتواترة ووافقه الكتاني، وغيره.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يدل على مشروعية الدفاع عن المال؛ لأنَّ المقتول دفاعًا عن ماله لم ينل مرتبة الشهادة، إلَاّ لأنَّ قتاله دون ماله قتال مشروع.
2 -
أما الشهادة التي نالها فهي مرتبة الشهداء، الذين قتلوا ظلمًا دون حقوقهم، وهي من جنس الشهادة التي قتل صاحبها وهو يقاتل؛ لتكون كلمة الله هي العليا.
3 -
العلماء لم يعطوا هذه الشهادة، وأمثالها الأحكام الظاهرة التي لشهيد المعركة؛ من حيث عدم تغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه؛ حيث
(1) أبو داود (4772)، الترمذي (1421)، النسائي (7/ 116)، ابن ماجه (2580).
صرع بدمائه وثيابه، وإنما هذا الشهيد، وأمثاله يُعْمل بهم مثل ما يعمل في غيرهم من موتى المسلمين.
4 -
وإذا كان الدفاع عن المال مشروعًا، وإذا قتل المدافع فهو شهيد، فإنَّ الدفاع عن النفس، وذوات المحارم، والوطن أولى؛ لأنَّها أهم من المال.
5 -
قال في "الروض المربع وحاشيته": ومن صال على نفسٍ، أو حرمته، كأمه، وبنته، وأخته، وزوجته، أو ماله، فللمصول عليه الدفاع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، فإذا اندفع بالأسهل، حرم الأصعب؛ إذ المقصود دفعه، فإذا اندفع بالقليل، فلا حاجة إلى أكثر منه، إلَاّ أن يخاف أن يبتدره، فله الدفع بالأصعب، وصوَّبه في "الإنصاف".
***
1093 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ رضي الله عنه قَالَ: "سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تَكُونُ فِتَنٌ، فَكُنْ فِيهَا عَبْدَ اللهِ المَقْتُول، وَلَا تَكُنِ القَاتِلَ". أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، (1) وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ نَحْوَهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ (2).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
وقد روي عن عدة من الصحابة، أخرجه:
1 -
أحمد (21993) والطبراني (4/ 189)، من حديث خالد بن عرفطة، إلَاّ أنَّ فيه علي بن زيد بن جدعان، وفيه مقال.
2 -
أحمد (1612)، والترمذي (2194)، من حديث سعد بن أبي وقاص.
3 -
أحمد (5720) من حديث ابن عمر.
4 -
أحمد (19231) وأبو داود (4259)، وابن حبان (13/ 297) من حديث أبي موسى، وصحَّحه القشيري على شرط الشيخين.
فالحديث بممجموع هذه الطرق قوي في بابه.
* مفردات الحديث:
- عبد الله بن خبَّاب: -بفتح الخاء، ثم باء مشددة، ثم ألف، ثم آخره باء-: ابن الأرَت بن جندل، ينتهي نسبه إلى زيد مناة بن تميم، وخبَّاب حليف بني زهرة، من السابقين الأوَّلين إلى الإسلام، وممن عُذِّب في الله تعالى، ومن المهاجرين الأوَّلين، شهد بدرًا، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعبد الله
(1) أحمد (205599)، الدارقطني (3/ 132).
(2)
أحمد (21993).
صحبة، فهو ثاني مولود ولد في الإسلام، بعد عبد الله بن الزبير.
- فِتَن: جمع: "فتنة"، وهي تطلق على أشياء كثيرة: من فتنة الإعجاب، والاستهواء، وفتنة المال، وفتنة الشيطان، والابتلاء، والعذاب، وفتنة الحروب، والقتال، ولعلَّها المراد هنا.
* ما يؤخذ من الحديث:
هذا الحديث يتعلَّق به مسائل نجملها فيما يأتي:
1 -
أن تكون كلمة المسلمين مجتمعة على إمام واحد؛ سواء كان عدلاً أو جائرًا، ثم إن خرج عليه خارجة لهم منعة، يريدون شق عصا الطاعة، والخروج على الوالي -فهؤلاء يجب على ولي الأمر أن يراسلهم، فإذا راسلهم، وامتنعوا عن الطاعة، وأخافوا المسلمين، فيجب عليه قتالهم؛ ليكف شرهم، ويجب على الرعية القيام معه، وقتال هؤلاء الخارجين حتى يفيئوا ويعودوا إلى أمر الله، والطاعة.
فقد روى مسلم أيضًا (1852) عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم -فاقتلوه".
وروى مسلم (1844) عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن بايع إمامًا، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر".
هذا هو واجب الرعية مع الإمام القائم، حينما ينازعه الأمر منازع، يريد أن ينقض بيعته، أو يشاقه.
2 -
أما واجب ولاة المسلمين فهو العدل، والاستقامة، والنصح للرعية، وغير ذلك مما هو من أعمال الولاية العامة، فقد جاء في البخاري (2409)، مسلم (1829)، من حديث ابن عمر؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّكم راعٍ،
وكلكم مسؤول، فالإمام الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته".
وجاء في مسلم (142) من حديث معقل بن يسار قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يُحِطها بنصحه، إلَاّ لم يجد رائحة الجنة"؛ فمسؤولية ولاة الأمر كبيرة جدًّا، وأمرهم خطير.
3 -
إلَاّ أنَّ ظلم الولاة، وعدم إنصافهم، ووجود التقصير منهم، والأثرة على الرعية، لا يسوغ الخروج عليهم، ولا شقَّ عصا طاعتهم، ولا يبرز معاداتهم ومشاقتهم، فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اسمعوا وأطيعوا، وإن اسْتُعْمِل عليكم عبد حبشي، كأنَّ رأسه زبيبة".
وجاء في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرةٍ علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله". وجاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكم سترون بعدي أثرة، وأمورًا تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم".
فهذا هو موقف الرعية من الوالي، السمع والطاعة؛ لأنَّ الخروج على الولاة -ولو كانوا ظالمين- يحصل به من الشر، والفتن ما هو أعظم منه.
4 -
ألا يكون للأمة إمام يقودها، وإنما أمرها منفلت، وكلمتها مفرقة، أو يكون في كل قطر والٍ، فتحدث بينهم فتن، وتقوم بينهم حروب، فهذه هي الفتنة التي أشار إليها حديث الباب، والتي يجب الكف عنها، والقعود عنها، وعدم الدخول فيها، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتل تحت راية عِمِّيَّة، يدعو لعصبيةٍ، أو ينصر لعصبية -فقِتلة جاهلية".
والعميَّة: فعيلة من: "العماء"، وهو الضلالة، نسأل الله العافية.
انتهى كتاب الحدود