الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قتال أهل البغي
مقدمة
القتال: مصدر "قاتله"، أي: حاربه وواقعه.
البغي: بغي عليه -بالغين المعجمة- بغْيًا، بفتح الموحدة، وسكون المعجمة-: عدا، وظلم، وعدل عن الحق.
والمراد هنا: البغاة الظلمة الخارجون عن طاعة الإمام، المعتدون عليه، فإذا خرجوا عن طاعة الإمام، الواجبة عليهم، دعاهم الإمام وكشف شبهتهم، فإن أقروا -بأن رجعوا عن بغيهم- تركهم، فإن أبوا الرجوع وعَظَهم، وخوَّفهم القتال، وإن أصروا قاتلهم، لقوله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9].
قال الوزير: اتَّفقوا على أنَّه إذا خرج على إمام المسلمين طائفةٌ ذات شوكة بتأويل سائغ، فإنه يباح قتالهم حتى يفيئوا إلى أمر الله.
ويجب نصب الإمام للمسلمين؛ لحماية بيضة الإسلام، والذود عن حوزته، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وتدبير أحوال المسلمين.
وتثبت ولايته بواحد من الأمور الآتية:
1 -
أن تكون باختيار وإجماع المسلمين، كإمامة أبي بكر الصديق.
2 -
أن تكون إمامته بنص الإمام الذي قبله؛ كولاية عمر بن الخطاب حينما استخلفه أبو بكر الصديق رضي الله عنهما.
3 -
أو يجعل الأمر شورى في عدد معيَّن محصور؛ ليتَّفق أهل البيعة على أحدهم، ثم يتَّفقون عليه؛ كبيعة وإمامة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
4 -
أو يتولى على النَّاس بقهره وقوته حتى يدعنوا له، ويَدْعوه إمامًا، فتثبت له الإمامة، ويلزم الرعية طاعته، كولاية عبد الملك بن مروان.
***
1036 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ، فَلَيْسَ مِنَّا". مُتَّفَقٌ علَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
البغي له معانٍ كثيرةٌ: منها الظلم والسَّعي بالفساد، والعدول عن الحق، وغير ذلك من الأمور التي تعود إِلى الإفساد في الأرض.
2 -
المراد بالبغي هنا: الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين بغير حق، فالباغي هو الخارج عن الطاعة الواجبة عليه للإمام بغير حق.
3 -
إذا فعل قوم ذلك، وخرجوا عن الطاعة، فعلى الإمام أن يدعوهم، ويكشف شبهتهم، فإن تمردوا، بدأ بقتالهم حتى يفيئوا إِلى أمر الله.
4 -
على الرعية القيام مع الإمام، ومساندته، ونصرته إذا خرج عليه قوم لهم شوكة ومنعة، وشقوا عصا الطاعة.
5 -
الحديث يدل على تحريم حمل السلاح على المسلمين، وأنَّ من حمله عليهم وأخافهم، فقد شذَّ وخرج عن جماعة المسلمين، وعِداد صفوفهم.
6 -
أنَّ الإسلام دين الألفة والجماعة؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، قال تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92].
أما التفرق والشقاق والتعادي، فهذا عمل مناف للإسلام، وتعاليمه.
قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران].
7 -
وحامل السلاح على المسلمين إن كان مستحلًّا لقتالهم فهو كافر، وإن كان
(1) البخاري (6874)، مسلم (98).
لم يستحله، وإنما حمله، وخرج عليهم؛ لاعتقاده تعديل وضع الحكم، أو الطمع في السلطة ونحو ذلك -فهو باغٍ يحل قتاله حتى يعود إِلى جماعة المسلمين، فإذا عاد كُفَّ عنه.
8 -
قال الشيخ: اتَّفقوا على أنَّ قطاع الطريق؛ إذا انشقوا على ولي الأمر، ثم تابوا بعد ذلك -لم يسقط عنهم الحدّ، بل تجب إقامته عليهم، وإن تابوا؛ لئلا يُتَّخذ ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود الله.
***
1037 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، وَمَاتَ -فَمِيْتَتُهُ مِيْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- من خرج عن الطاعة: أي: طاعة ولي أمر المسلمين.
- مِيتة: هذا هو مصدر الهيئة من الثلاثي المجرد على وزن "فِعْلة"، بكسر الفاء، تقول: عاش عِيشةً حسنةً، ومات مِيتَةً سيئةً، وما فوق الثلاثي يكون مصدره مصدر نوع.
- جَاهلية: منسوبة إِلى: الجهل، والمراد به: من مات على الكفر قبل الإسلام.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
نصب إمام المسلمين فرض كفاية، ويتم نصبه بمبايعته من أهل العقد من العلماء، ووجوه الناس، وأعيانهم.
2 -
مهمة الإمام: حفظ الدين، وحماية بيضة الإسلام، وإقامة الحدود، وتحصين الثغور، وجهاد المعاند، وجباية الصدقات، وتقدير العطاء، واستكفاء الأمناء.
3 -
من خرج عن طاعة الإمام، وفارق الجماعة، فشذَّ عن جماعتهم -فقد ذكر العلماء أنَّهم أحد أصناف أربعة:
أحدها: قوم خرجوا على الإمام وطاعته بلا تأويل، فهؤلاء قُطَّاع طريق.
الثاني: خرجوا بتأويل، إلَاّ أنَّهم نفر يسير لا منعة لهم؛ كالعشرة ونحوهم،
(1) مسلم (1848).
فهؤلاء حكمهم حكم قطاع الطويق.
الثالث: قومٍ خرجوا على الإمام، وراموا خَلعه بتأويل سائغ؛ سواء كان تأويلهم خطأً وصوابًا، ولهم شوكة ومنعة -فهؤلاء هم البغاة، فعلى الإمام أن يراسلهم، وينظر ما يدَّعون، وما ينقمون، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ذكروا شبهة كشفها، فإن فاؤوا، وإلَاّ قاتلهم وجوبًا، وعلى رعيته إعانته.
الرابع: الخوارج الذين يكفِّرون بالذنب، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم -فهؤلاء فسقة، يجوز قتالهم ابتداء.
4 -
فأي إنسان خرج من المسلمين بداعٍ من هذه الدواعي الأربعة، فهو خارج عن طاعة الإمام، ومفارق جماعة المسلمين، فإذا مات على هذه الحال، فقد مات على طريق أهل الجاهلية، الذين لا ينظمهم إمام، ولا تجمعهم كلمة.
5 -
قال شيخ الإسلام: جمهور المسلمين يفرقون بين الخوارج، والبغاة، والمتأولين، وهو المعروف عن الصحابة.
6 -
قال شيخ الإسلام: طاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بها، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمور، فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم، إلَاّ لما يأخذه من المال، فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم -فما له في الآخرة من خلاق، والقصد أنَّ طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله واجبة، ومناصحتهم من باب التعاون على البر والتقوى.
7 -
قال شيخ الإسلام: لا يخفى أنَّ الله قد فضَّل الرجال على النِّساء، فلا يحل أن تُسَاوى المرأة بالرجل فيما من شأنه الاختصاص بالرجال، كالولايات، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا يفلح قوم، ولَّوا أمرهم امرأة".
وأما حضور المرأة مجالس الرجال: فإن كان في حضورها مصلحة، وكانت متحجبة متسترة، فلا بأس في ذلك.
1038 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَقْتُلُ عَمَّارًا الفِئَةُ البَاغِيةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- الفئة: على وزن: "عِد"؛ هي الجماعة والطائفة من الناس، والهاء عوض عن الياء، لأنَّ أصلها:"فِأَيٌ" جمعها. "فِآت"؛ قال في "الكليات": الفئة هي الجماعة المتظاهرة، التي يرجع بعضها إلى بعض في التعاضد.
وقال في "التعريفات": الفئة: الطائفة المقيمة وراء الجيش؛ للالتجاء إليهم عند الهزيمة، ومنه قوله تعالى:{أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16].
- الباغية: يقال: بغى على فلان يبغي بغيًا: عدا عليه وظلمه، فالبغي هو الاعتداء والظلم.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
لما قتل الخوارج الثائرون الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بايع أهل الحل والعقد بالمدينة وغيرها عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وتمت له البيعة على المسلمين.
2 -
كان معاوية بن أبي سفيان بالشام أميرًا لعمر بن الخطاب، ثم لعثمان -رضي الله عن الجميع، فامتنع من بيعة علي؛ بحجة أنَّ قتلة ابن عمه عثمان منضمون مع علي، ويطلب تسليمهم؛ للانتقام منهم.
فانقسم المسلمون إِلى طائفتين: طائفة تؤثر الخليفة الرابع علي، والأخرى تؤثر معاوية؛ الذي يطالب بقتلة الخليفة المقتول ظلمًا.
(1) مسلم (2916).
3 -
ووجد طائفة ثالثة اعتزلت المعسكرين، وابتعدت عن الفتنة.
4 -
حصلت معركة كبيرة جدًّا بين علي ومعاوية في صِفين، قُتل فيها عمَّار بن ياسر رضي الله عنه الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه:"تقتل عمَّارًا الفئة الباغية".
5 -
قال شيخ الإسلام: حديث عمَّار: "تقتله الفئة" قد طعن فيه طائفة من أهل العلم، ولكن رواه مسلم في "صحيحه"، وهو في بعض "نسخ البخاري"، ولكن ليس في كون عمار تقتله الفئة الباغية خروج تلك الفئة من الإيمان، فقد جعلهم القرآن إخوة، مع وجود القتال، والبغي منهم، لاسيَّما المتأول المجتهد.
6 -
قال الشيخ: بعض أكابر الصحابة يرى القتال مع الطائفة التي فيها عمَّار، وبعضهم يرى الإمساك عن القتال مطلقًا، فالذين يرونه مع طائفة عمار يحتجون بهذا الحديث؛ لأنَّ الله أمر بقتال الطائفة التي تبغي، والساكتون يحتجون بالأحاديث الصحيحة الكثيرة من أنَّ القعود في الفتنة خير من القتال.
7 -
مذهب أهل السنة والجماعة: يرون الصواب مع علي، ولكنهم يتولَّون الجميع، ويعرفون لهم سابقتهم، وصحبتهم، وفضلهم، ويسكتون عما جرى بينهم، رضي الله عنهم أجمعين.
8 -
أما أهل الأهواء: فقال عنهم شيخ الإسلام: إنَّهم في قتال علي ومحاربيه على أقوال:
الخوارج تكفِّر الطائفتين جميعًا.
الرافضة تكفر من قاتل عليًّا.
أما أهل السنة: فمتَّفقون على عدالة القوم، ثم لهم في التصويب والتخطئة مذاهب لأصحابنا، وغيرهم:
الأول: أنَّ المصيب علي رضي الله عنه.
الثاني: الجميع مصيبون، رضي الله عنهم.
الثالث: المصيب واحد، لا بعينه.
الرابع: الإمساك عما شجر بينهم مطلقًا، مع العلم أنَّ عليًّا وأصحابه أولى الطائفتين بالحق.
وجمهور أهل العلم: يفرقون بين الخوارج المارقين، وبين أهل الجمل وصفين، وغير أهل الجمل وصفين ممن يعدون البغاة المتأولين، وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء، وعليه نصوص أكثر الأئمة الأربعة وأتباعهم.
***
1039 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَدْرِي -يَابْنَ أُمِّ عَبْدٍ- كَيْفَ حُكْمُ اللهِ فِيْمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الأُمَّة؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: لا يُجْهَزُ جَرِيحُهَا، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهَا، وَلَا يُطْلَبُ هَارِبُهَا، وَلَا يُقْسَمُ فَيْؤْهَا". رَوَاهُ البَزَّارُ وَالحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، فَوَهِمَ؛ لأَنَّ فِي إسْنَادِهِ كَوْثَرَ بْنَ حكِيمٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ (1)، وَصَحَّحَهُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طُرُقٍ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالحَاكِمُ (2).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث ضعيف جدًا، لكن صحَّ عن علي رضي الله عنه موقوفًا.
قال ابن حجر في "التلخيص": رواه الحاكم والبيهقي، وسكت عنه الحاكم، وقال ابن عدي: هذا الحديث غير محفوظ، وقال البيهقي: ضعيف.
قال ابن حجر: في إسناده: كوثر بن حكيم، وقد قال البخاري: إنه متروك. اهـ.
فقول المصنف هنا في "بلوغ المرام": صحَّحه الحاكم، يعارضه ما في "التلخيص" أنَّه سكت، والواقع أنَّه سكت عنه كما في "المستدرك"(2/ 155)، هذا عن المرفوع، لكن صحَّ عن علي موقوفًا.
* مفردات الحديث:
- ابن أم عبد: هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأم عبد هي والدته، بنت
(1) البزار (1849) الزوائد، الحاكم (2/ 155).
(2)
ابن أبي شيبة (15/ 263)، الحاكم (2/ 155).
عبد بن سواء بن قريم بن صاهك الهذلية، من قبيلة هذيل.
- لا يُجْهَز: من أجهز على الجريح وجهز، أي: أسرع في قتله، وأتمه.
- هاربها: المنهزم عن ساحة القتال.
- فيْؤها: الفيء في الأصل مصدر فاء يفيء فيئة وفيو، إذا رجع، ثم أُطلق على ما أخذ من مال الكفار بحق الكفر، بلا قتال؛ كجزيةٍ، وخراجٍ، وعُشر مال تجارة حربي، وما تركوه فزعًا منَّا، ومال المرتد إذا مات على ردته، فيصرف ماله في مصالح المسلمين.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم أنَّ الخارجين على الإمام بتأويل سائغ ليسوا كفارًا، وإنما هم بغاة، يجب على الإمام مراسلتهم، وإزالة ما يدَّعون من مظلمة، وكشف ما لُبِّس عليهم من أمر، فإنَّ أصروا وتمردوا، قاتلهم الإمام، ووجب على رعيته معاونته على قتالهم، حتى يفيئوا ويرجعوا إِلى الطاعة، ولزوم الجماعة.
2 -
الدليل على هذا: ما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم قتالهم، بألَاّ يتَمَّ على قتل جريحهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يطلب هاربهم، ولا يقسم فيؤهم، فلا يعاملون معاملة الكفار في قتالهم من الإجهاز على جرحاهم، وجواز قتل أسراهم للمصلحة، والاستيلاء على أموالهم، إما غنيمة، أو فيئًا للمسلمين.
3 -
فالحديث يدل على أنَّ البغاة لا يخرجون ببغيهم، وخروجهم على الإمام عن دائرة الإسلام، أما قتالهم فما هو إلَاّ لتأديبهم؛ ليرجعوا إِلى الطاعة، ولزوم الجماعة، فإذا رجعوا، أو اندفع شرهم، كُفَّ عنهم.
4 -
قال في "المنتهى وشرحه": وإن اقتتلت طائفتان للمعصية، أو طلب رئاسة، فهما ظالمتان، تضمن كل منهما ما أتلفت على الأخرى.
قال الشيخ: فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة، وإن لم يُعلم عين المتلف.
***
1040 -
وَعَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ -وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ- فَاقْتلُوه". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
يفهم معنى الحديث من سوق طرقه:
فرواية مسلم جاءت بلفظ: "من أتاكم -وأمركم جميع، يريد أن يفرِّق جماعتكم- فاقتلوه".
وفي لفظ: "من أتاكم -وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرِّق جماعتكم- فاقتلوه".
وفي رواية لمسلم أيضًا: "من أراد أن يفرِّق أمر هذه الأُمَّة -وهي جميع- فاضربوه بالسيف كائنًا من كان".
2 -
هذه الطرق تدل على وجوب السمع والطاعة لولي أمر المسلمين، وتحريم الخروج عليه، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وجاء في الصحيحين من حديث ابن عباس؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من كره من أميره شيئًا، فليصبر؛ فإنَّه من خرج عن السلطان شبرًا، مات ميتة جاهلية".
وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك بالسمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك".
(1) مسلم (1852).
وجاء في مسلم أيضًا من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خلع يدًا من طاعة، لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية" أي: مات على ضلالة الجاهلية، الذين لا يدخلون تحت طاعة أمير، ويرون ذلك عيبًا ونقصًا في سيادتهم، والأحاديث في الباب كثيرة.
3 -
وهي تدل بمنطوقها على أنَّ من خرج على إمام قد اجتمعت عليه كلمة المسلمين، فإنه قد استحق القتل؛ لإدخاله الضرر على العباد، وصريحها، ولو كان الإمام جائرًا.
4 -
جاء حديث مقيِّد إطلاق هذه الأحاديث؛ بلفظ: "ما لم تروا كفرًا بواحًا".
5 -
وجوب طاعة ولاة الأمر، وعدم الخروج عليهم، ولو وجد منهم أثرةً واستبدادًا بالأموال، أو تقصيرًا في بعض أمور الرعية؛ فإنَّه يحقق مصالح كبيرة من الأمن، والاستقرار، وحقن الدماء، أما الخروج وخلع طاعته، فإنه يجر من المفاسد، والفوضى، واختلال الأمن، وسفك الدماء أمورًا عظيمة، من هذا جاء أمر الشارع الحكيم بالسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، فيما وافق نشاطك، وهواك، أو خالفهما، ما لم يؤمر بمعصية، أو يُرى كفرًا بواحًا.
***