الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قتال الجاني وقتل المرتد
مقدمة
الجاني: جمعه: "جناة"، والجِناية لغة: التعدي على بدنٍ، أو مالٍ، أو عرضٍ.
فهذا يُدفع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلَاّ بالقتل، قتل بلا ضمان، ولا إثم.
أما المرتد: فهو لغةً: الراجع، قال تعالى:{وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} [المائدة: 21].
واصطلاحًا: الذي يكفر بعد إسلامه طوعًا.
فمن أشرك بالله تعالى، أو جحد ربوبيته، أو ألوهيته، أو صفة من صفاته، أو اتَّخذ لله صاحبة أو ولدًا، أو جحد بعض كتبه أو بعض رسله، أو سبَّ الله، أو أحدًا من رسله، أو جحد تحريم شيء من المحرَّمات الظاهرة المجمع عليها، كالزنا، أو جَحد حِلَّ ما أحلَّ الله لعباده مما لا خلاف فيه، كالخبز -عُرِّف حكم ذلك، فإن أصرَّ، أو كان مثله لا يجهله، كفر لمعاندته للإسلام، وامتناعه من الالتزام لأحكامه، وعدم قبوله لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
1041 -
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ". رَوَاهُ أَبُو داوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد من طريق عبد الله بن علي بن أبي طالب.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلتُ: وإسناده صحيح، فرجاله كلهم ثقات، وللحديث طرق أُخر في "المسند"، وله شواهد كثير بزيادات في متنه، وقد ذكره السيوطي، والكتاني، والمناوي، وغيرهم من الأحاديث المتواترة، وقد جاء في ابن ماجه (2581) من حديث عبد الله بن عمر بمعناه.
* مفردات الحديث:
- دون ماله: أي: في حفظه والدفاع عنه.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الجاني هو المعتدي على نَفْسٍ، أو طرفٍ، أو عرضٍ، أو مال، فمن اعتدى على شيء من ذلك، فللمعتدي عليه الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، فإن لم يندفع إلَاّ بالقتل، فلا ضمان على المدافع.
وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد.
(1) أبو داود (4771) الترمذي (1419) النسائي (7/ 115).
2 -
فإنْ قُتل المدافع عن شيء من هذه الأمور فهو شهيد؛ لأنَّه يدافع عن حق ضد باطل.
3 -
الشهيد -هنا- ليس كشهيد المعركة: لا يغسل، ولا يصلى عليه، ويدفن في ثيابه التي استشهد وهي عليه، وإنما هو شهيد في الآخرة، ولكن تجري عليه الأحكام الظاهرة من حيث التغسيل، والتكفين، والصلاة عليه.
4 -
مشروعية الدفاع عن النفس، والأهل، والعِرض والمال، ويكون بالأسهل، ما لم يخش أن يبدأه الصائل بالقتل إن لم يعاجله، فله ضربه بما يقتله، أو يقطع طرفه، ويكون ذلك هدرًا.
5 -
دفاع الصائل على النفس، والأهل، والعِرض، والمال مشروع -ما لم يكن زمن فتنة وخلاف وفرقة، فليستسلم، ولا يقاتل أحدًا.
قال الأوزاعي: فرْق بين الحال التي للناس فيها إمام وجماعة، فيُحْمل الحديث عنها.
* قرار هيئة كبار العلماء بشأن حوادث السطو والاختطاف وتعاطي المسكرات:
قرار رقم (85) وتاريخ 11/ 11/ 1401 هـ:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
ففي الدورة السابعة عشرة لمجلس كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض في شهر رجب عام 1401 هـ، اطَّلع المجلس على كتاب جلالة الملك خالد بن عبد العزيز حفظه الله، الذي بعثه إلى سماحة الشيخ عبد الله بن محمَّد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وإلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، يطلب فيه جلالته دراسة موضوعين هامين، فيهما إفساد للأخلاق، وإخلال بالأمن:
أحدهما: قيام بعض المجرمين بحوادث السطو، والاختطاف داخل المدن،
وخارجها، بقصد الاعتداء على العرض، أو النفس، أو المال.
الثاني: تعاطى المسكرات، والمخدرات على اختلاف أنواعها، وترويجها، وتهريبها، مما سبب كثرة استعمالها، وإدمان بعض المنحرفين على تعاطيها، حتى فسدت أخلاقهم، وذهبت معنوياتهم، وقاموا بحوادث جنائية.
وذكر جلالته أنَّه لا يقضي على هذه الأمور إلَاّ عقوبات فورية رادعة، في حدود ما تقتضيه الشريعة الإسلامية المطهرة؛ لأنَّ إطالة الإجراءات في مثل هذه المسائل يسبب تأخير تنفيذ الجزاء، ونسيان الجريمة.
وقد أحاله سماحته إِلى المجلس للقيام بالدراسة المطلوبة، ولما نظر المجلس في الموضوع، رأى أنَّه ينبغي دراسته دراسة وافية متأنية، وأن تعد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثًا فيه، ثم يناقش في الدورة الثامنة عشر، وأصدر قراره رقم (83) وتاريخ 23/ 7/ 1401 هـ يتضمن الوصية بالتعميم على الدوائر المختصة بمكافحة الجرائم، والتحقيق فيها، ودوائر القضاء بأن يهتم المختصون في تلك الدوائر بإعطاء هذا الجرائم أولوية في النظر والإنجاز، وأن يولوها اهتمامًا بالغًا من الإسراع، الذي لا يخل بما يقتضيه العمل من إتقان.
وفي الدورة الثامنة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف من 29/ 10/ 1401 هـ حتى 11/ 11/ 1401 هـ، نظر المجلس في الموضوع، واطَّلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة، وبعد المناقشة المستفيضة، وتداول الرأي، انتهى المجلس إِلى ما يلي:
أولًا: ما يتعلَّق بقضايا السطو والخطف:
لقد اطَّلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أنَّ الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس، والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة، وهي الدين، والنفس، والعرض، والعقل،
والمال، وقدر تلك الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم، أو أعراضهم، أو أموالهم، وما تسببه من التهديد للأمن العام في البلاد، والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم، وأبدانهم، وأرواحهم، وأعراضهم، وعقولهم بما شرعه من الحدود، والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص، وأنَّ تنفيذ مقتضى آية الحرابة، وما حكم به صلى الله عليه وسلم في المحاربين -كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان، وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين؛ إذ قال الله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33].
وفي الصحيحين -واللفظ للبخاري- عن أنس رضي الله عنه قال: "قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا في الصفة، فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، ابعثنا رسلًا، فقال: ما أجد لكم إلَاّ أن تلحقو بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوها، فشربوا من ألبانها، وأبوالها، حتى صحوا وسمنوا، وقتلوا الراعي، واستاقوا الذود، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصريخ، فبعث الطلب في آثارهم، فما ترجَّل النهار حتى أتى بهم، فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم، وقطع أيديهم، وأرجلهم، وما حسمهم، ثم ألقوا في الحرة يستسقون، فما سقوا حتى ماتوا، قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله" اهـ.
وبناء على ما تقدم، فإنَّ المجلس يقرر الأمور التالية:
(أ) أنَّ جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة -من ضروب المحاربة، والسعي في الأرض
فسادًا، المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة؛ سواء وقع ذلك على النفس، أو المال، أو العرض، أو أحدث إخافة السبل، وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى، أو في الصحارى والقفار، كما هو الراجح من آراء العلماء -رحمهم الله تعالى- قال ابن العربي -يحكي عن وقت قضائه-: "رفع إليَّ قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبةً على نفسها من زوجها، ومن جملة المسلمين معه فيها، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب، فأخذوا، وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله بهم من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأنَّ الحرابة إنما تكون في الأموال، لا في الفروج، فقلت لهم: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، ألَمْ تعلموا أنَّ الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأنَّ الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم، وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب الرجل من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة، لكانت لمن يسلب الفروج. اهـ.
(ب) يرى المجلس في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] أنَّ "أو" للتخيير، كما هو الظّاهر من الآية الكريمة، وقول كثيرين من المحققين من أهل العلم، رحمهم الله.
(ج) يرى المجلس بالأكثرية أن يتولى نواب الإمام القضاة إثبات نوع الجريمة، والحكم فيها، فإذا ثبت لديهم أنَّها من المحاربة لله ورسوله، والسَّعي في الأرض فسادًا -فإنَّهم مخيرون في الحكم فيها بين القتل، أو الصلب، أو قطع اليد والرِّجل من خلاف، أو النفي من الأرض؛ بناءً على اجتهادهم، مراعين واقع المجرم، وظروف الجريمة،
وأثرها في المجتمع، وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، إلَاّ إذا كان المحارب قد قتل، فإنَّه يتعيَّن قتله حتمًا، كما حكاه ابن العربي المالكي إجماعًا، وقال صاحب "الإنصاف" من الحنابلة:"لا نزاع فيه".
ثانيًا: ما يتعلَّق بقضايا المسكرات والمخدرات:
نظرًا إلى أنَّ للمخدرات آثارًا سيئة على نفوس متعاطيها، وتحملهم على ارتكاب جرائم الفتك، وحوادث السيارات، والجري وراء أوهام تؤدي إِلى ذلك، وأنَّها توجد طبقة من المجرمين شأنهم العدوان، وأنَّها تسبب حالة من المرح والتهيج، مع اعتقاد متعاطيها أنَّه قادر على كل شيء، فضلًا عن اتجاهه إِلى اختراع أفكار وهمية، تحمله على ارتكاب الجريمة، كما أنَّ لها أثارًا ضارة بالصحة العامة، وقد تؤدي إلى الخلل في العقل، والجنون، وحيث إنَّ أصحاب هذه الجرائم فريقان:
أحدهما: يتعاطاها للاستعمال فقط، فهذا يجري في حقه الحكم الشرعي للسكر، فإن أدمن على تعاطيها، ولم يجد في حقه إقامة الحد، كان للحاكم الشرعي الاجتهاد في تقرير العقوبة التعزيرية، الموجبة للزجر والردع، ولو بقتله.
الثاني: من يروجها؛ سواء كان ذلك بطريق التصنيع، أو الاستيراد، بيعًا وشراءً، أو إهداءً، ونحو ذلك من ضروب إشاعتها ونشرها، فإن كان ذلك للمرة الأولى، فيعزر تعزيرًا بليغًا، بالحبس، أو الجلد، أو الغرامة المالية، أو بها جميعًا، حسبما يقتضيه النظر القضائي، وإنَّ تكرر منه ذلك، فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع، ولو كان ذلك بالقتل؛ لأنَّه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض، وممن تأصل الإجرام في نفوسهم، وقد قرَّر المحققون من أهل العلم أنَّ القتل ضرب من التعزير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ومن لم يندفع فساده
في الأرض إلَاّ بالقتل، قتل؛ مثل: قتل المفرق لجماعة المسلمين، الداعي للبدع في الدين -إِلى أن قال-: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رجل تعمَّد الكذب عليه، وسأله ابن الديلمي: عمن لم ينته عن شرب الخمر، فقال: من لم ينته عنها فاقتلوه. وفي موضع آخر قال رحمه الله في تعليل القتل تعزيرًا ما نصه: "وهذا لأنَّ المفسد كالصائل وإذا لم يندفع الصائل إلَاّ بالقتل، قتل".
ثالثًا: نظرًا إلى أنَّ جرائم الخطف والسطو وتعاطى المسكرات والمخدرات على سبيل الترويج لها من القضايا الهامة التي قد يحكم فيها بالقتل تعزيرًا -فإنَّه ينبغي أن تختص بنظرها المحاكم العامة، وأن تنظر من ثلاثة قضاة، كما هو الحال في قضايا القتل والرجم، وأن ترفع للتمييز، ثم للمجلس الأعلى للقضاء؛ لمراجعة الأحكام الصادرة بخصوصها، براءةً للذمة، واحتياطًا لسفك الدماء.
رابعًا: ما يتعلَّق بالنواحي الإدارية:
نظرًا لما لاحظه المجلس من كثرة وقوع جرائم القتل، والسطو، والخطف، وتناول المخدرات، والمسكرات، وضرورة اتِّخاذ إجراءات، وتدابير وقائية تعين على ما تهدف إليه حكومة جلالة الملك حفظه الله من استتباب الأمن، وتقليل الحوادث -فإنَّه يوصي بالأمور التالية:
1 -
ستقوم الحكومة وفقها الله بتقوية أجهزة الإمارات، ورجال الأمن، وخاصة في كون المسئولين فيها من الرجال المعروفين بالدين، والقوَّة، والأمانة، ويشعر كل أمير ناحية بأنَّه المسئول الأول من ناحية حفظ الأمن، في البلاد التي تقع تحت أمارته، وأنَّ على الشرطة ورجال الإمارات الجِدّ والاجتهاد في سبيل تأدية واجباتهم، والقيام بمتابعة الجميع، ومعاقبة المَقصر في أداء واجبه، بما يكفي لردع أمثاله.
2 -
تؤكد الدولة وفقها الله على الإمارات، بأنه إذا وقعت جريمة القتل، أو السطو، والاعتداء على العرض، ونحو ذلك من الجرائم المخلة بالأمن، فإنَّ إمارة الجهة التي وقعت فيها مسؤولة عن القضية من ابتدائها حتى يتم تنفيذ مقتضى الحكم الصادر فيها، فتقوم ببذل جميع الأسباب والوسائل للقبض على الجاني، وسرعة إنهاء الإجراءات الضرورية، ما دامت لديها، ثم تتابعها، وتكلف مندوبًا من جهتها يقوم بالتعقيب عليها لدى الجهات الأخرى، ويطلب من كل أمير ناحية أن يكتب تقريرًا عن القضية بعد انتهائها، وتنفيذ الحكم الصادر فيها يبين سيرها، وملاحظاته بشأنها.
3 -
يرى المجلس تأليف لجنة من مندوبين؛ أحدهما: من وزارة الداخلية، والثّاني: من وزارة العدل؛ لدراسة مجرى المعاملات الجنائية، والروتين الذي تمر به، والبحث عن الطريقة المثلى لذلك، مما لا يؤثر على الإجراءات الضرورية في التحقيق، والنظر القضائي.
وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
***
1042 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: "قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبهُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَاخْتَصَمَا إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، كَما يَعَضُّ الفَحْلُ؟! لَا دِيَةَ لَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- ثَنِيَّته: الثنية: إحدى الأسنان الأربع، التي في مقدم الفم: ثنتان من فوق، وثنتان من تحت.
- الفَحْل: -بفتح الفاء، وسكون الحاء، بعدها لام- جمعه: فحول، هو الذكر من الحيوانات، والمراد هنا: الجمل، وهو الفحل من الإبل.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تخاصم يعلى بن أمية مع أجير له، فعضَّ يعلى يد أجيره، فانتزع المعضوضة يده من فم يعلى، ونزع مع اليد ثنيته، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطل دية الثنيتين، ولم يوجب لهما ضمانًا، وعدم الضمان في هذه الصورة هو مذهب الأئمة الثلاثة، أما الإمام مالك فيوجب الضمان.
2 -
ثم قال صلى الله عليه وسلم زاجرًا وناهيًا عن مثل هذه الحال: "أيعض أحدكم أخاه، كما يعض الفحل"؟!.
3 -
فالحديث يدل على أنَّ العاض معتدٍ صائلٍ على المعضوض، وأنَّ للمعضوض الدفاع عن نفسه، ولا يترتَّب على دفاعه ضمان ما يتلف بسببه؛ لأنَّه دفاع مشروع مأذون، وما ترتب على المأذون فغير مضمون.
(1) البخاري (6892)، مسلم (1673).
4 -
الخصومةُ عامةً ممقوتةٌ، ولكن تزيد بشاعتها إذا كانت بطريقة وحشية، تشبه عمل الحيوانات الشرسة من فحول الإبل ونحوها.
5 -
النبي صلى الله عليه وسلم أهدر سقوط الثنيتين قصاصًا ودية؛ ذلك أنَّه اعتبره من الدفاع بالمبادرة، التي لا يوجد في تلك الحال أسهل منها.
قال في "الإقناع وشرحه": وإن عض يده إنسان عضًّا محرمًا، فانتزع المعضوض، يده من فيه، ولو بعنف، فسقطت ثنايا العاض -فهدر، ظالمًا كان المعضوض، أو مظلومًا؛ لحديث عمران بن حصين.
***
1043 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَع عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ -لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ".
وَفِي لَفْظ لأحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ:"فَلَا دِيَةَ لهُ، وَلَا قِصَاصَ"(1).
ــ
* درجة الحديث:
لفظ أحمد، والنسائي صحَّحه الترمذي، وابن حبان، والبيهقي، قال ذلك الحافظ في "الفتح".
* مفردات الحديث:
- اطَّلع: طلع ونظر، قال تعالى:{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)} [الصافات]. أي: تطالع إليه، ونظر إليه؛ ليعرفه.
- فحَذَفْته: بالحاء المهملة، أي؛ رماه بحصاة، وروي بالخاء المعجمة الفوقية، والمعنى: رميته بالحصاة من أصبعيك، وهذا هو الخذف.
- فَفَقَأْتَ عينه: فقأ العين، أو البشرة ونحوها -بالهمز-: شقَّها، فخرج ما فيها.
- جُنَاح: -بضم الجيم- هو الإثم.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تحريم النظر إِلى بيوت الناس؛ سواء كان من مكان عال، كالمنارة، أو
(1) البخاري (6902)، مسلم (2158)، أحمد (2/ 243)، النسائي (8/ 61)، ابن حبان (5972).
البيت المشرف، ونحوهما، أو كان من خلال الباب، أو نوافذ الجدر، فمن أي طريق فهو محرَّم، لا يجوز؛ لأنَّه اطلاع على عورات الناس، والنساء خاصّة، وكشف أحوالهم، وهذا اعتداء محرَّم، لا يجوز.
2 -
أنَّ من اطَّلع على بيت غيره بغير إذنه، فإنَّه لا حرمة له، ولا لنظره، فلو حذفه صاحب المنزل بحصاة، ففقأ عينه، لم يكن عليه إثم، ولا قصاص، ولا دية؛ لأنَّه مأذون له في هذا الدفاع، والمترتب على المأذون غير مضمون.
3 -
أما إذا حصل الإذن بالدخول، أو بالنظر من مكانٍ عالٍ على المنزل، فوقعت عين الأجنبي على ما لا يحل، فلا جناح عليه.
وإن فقأ عينه صاحب المنزل، فهو آثم ضامن؛ لأنَّ التقصير من المنظور إليه، وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء.
4 -
الحديث يدل على جواز رمي الناظر قبل الإنذار، فق؛ جاء في الحديث الآخر:"أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جعل يَخْتِل المطلع؛ ليطعنه".
5 -
هذا التأديب الإسلامي كله؛ محافظة على حرية الإنسان المباحة في بيته، فإنَّ الإنسان يتبذل ويتبسط، ويكون في حالة لا يرغب أن يطَّلع عليه أحد وهو فيها، فإذا أراد معتد أن يكشف حاله بدون إذنه، فجزاؤه ردعه بما يناسبه.
6 -
من هذا نأخذ وجوب أخذ احتياط الجيران عند البناء، بألا يكشف جار جاره، وأنَّه يجب على الجهة المسؤولة عن تنظيم العمران، وهي "البلدية"، أن تلاحظ بأن يكون بناء المنطقة على سمت واحد في الارتفاع، أو تعمل عملًا وتصميمًا خاصًّا، حتى لا يكشف جار جاره؛ وقد روى الواقدي أنَّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وهو واليه على مصر:"سلام عليك، بلغني أنَّ خارجة بن حذافة بنى غرفة، لقد أراد أن يطِّلع على عورات جيرانه، فإذا أتاك كتابي هذا، فاهدمها، إن شاء الله تعالى، والسلام".
1044 -
وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ حِفْظَ الحوَائِطِ بالنَّهَارِ عَلى أَهْلِهَا، وَأَنَّ حِفْظَ المَاشِيَّةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ المَاشِيَّةِ مَا أَصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، والأَرْبَعَةُ، إِلَاّ التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
صحَّحه ابن حبان، وهو حديث مقبول.
قال المصنف: رواه الإمام أحمد، والأربعة، إلَاّ الترمذي، وصحَّحه ابن حبان، وفي إسناده اختلاف، ومدار هذا الاختلاف على الزهري، فقد روي من طرق كلها عنه عن حزام عن البراء، وحزام لم يسمع من البراء، قاله عبد الحق وابن حزم، وقال الشافعي: أخذنا به؛ لثبوته، واتصاله، ومعرفة رجاله.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث وإن كان مرسلًا فهو مشهور، وحدَّث به الأئمة الثقات، وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول.
* مفردات الحديث:
- الحوائط: جمع "حائط"؛ وهو البستان المحاط بسور.
- الماشية: هي: الإبل، والبقر، والغنم، وأكثر ما يستعمل في الغنم، جمعه:"المواشي".
(1) أحمد (18132)، أبو داود (3570)، النسائي في الكبرى (4113)، ابن ماجه (2332).
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يدل على أنَّ الواجب على أصحاب البساتين حفظها بالنهار، لأنَّهم منتشرون فيها، ويعلمون فيها، وأما المواشي فهذا أوان رعيها، التي جرت عادتها أن ترعى فيه.
2 -
أما في الليل، فأصحاب البساتين ينامون، ويرتاحون من عناء النهار، وبساتينهم ليس عليها حائط، فهي مُشْرَعة.
والليل ليس وقت رعي المواشي، فعلى أصحاب المواشى حفظها باللّيل؛ لئلا تُفسِد على الناس مزارعهم، وهم عنها غافلون.
3 -
قال في "الإقناع وشرحه": ويضمن رب البهائم ما أفسدت من زرعٍ، وشجرٍ، وغيرهما ليلًا؛ لحديث البراء.
قال ابن عبد البر: هذا وإن كان مرسلًا فهو مشهور، وحدث به الأئمة الثقات، وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول.
ذلك أنَّ العادة من أهل المواشي إرسالها نهارًا للرعي، وحفظها ليلًا، وعادة أهل الحوائط حفظها نهارًا، فإذا أفسدت شيئًا ليلًا كان من ضمان من هي بيده، إنَّ فرَّط في حفظها.
قال النووي: أجمع العلماء على أنَّ جناية البهائم بالنَّهار لا ضمان فيها، إلَاّ أن يكون معها سائق، أو قائد، فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته، وأما إذا أتلفت ليلًا فمذهب الشافعي، وأحمد الضمان على صاحبها.
4 -
في زماننا ابتلى الناس بأعظم مما في البساتين، وهي الطرق البرية، التي تمر معها السيارات، التي تجد المواشي في وسط الطريق، فتصدم بها ليلًا، فيحصل نتيجة هذا الحادث الوفيات الجماعية، فتزهق فيها النفوس البريئة، والبوادي مسربون مواشيهم في هذه الطرق، وبهذا فلابد أن يُضرب على يد هؤلاء المتهاونين والمتساهلين بأرواح الناس بيد من حديد، ويجازون
الجزاء الذي يضطرهم أن يُبعدوا مواشيهم عن الطرق المعدة للسير.
* قرار هيئة كبار العلماء بشأن ضمان البهائم التي تعترض الطرق:
رقم (111) وتاريخ 12/ 11/ 1403 هـ:
وقد جاء فيه ما نصه:
أوَّلًا: عدم ضمان البهائم التي تعترض الطرق العامة المبعدة بالإسفلت، إذا تلفت نتيجة اعتراضها بالطرق المذكورة، فصدمت فهي هدر، وصاحبها آثم بتركها وإهمالها؛ لما يترتب على ذلك من أخطار جسيمة، تتمثَّل في إتلاف الأنفس، والأموال، وتكرار الحوادث المفجعة، ولما يترتب على حفظها وإبعادها عن الطرق العامة من أسباب السلامة، وأمن الطرق، والأخذ بالحيطة في حفظ الأموال، والأنفس؛ تحقيقًا للمقتضى الشرعي، وتحريًا للمصالح العامة، وامتثالًا لأمر ولي الأمر.
ثانيًا: نظرًا إِلى أن ولي الأمر سبق وأن حذَّر أصحاب المواشي من الاقتراب بمواشيهم إِلى الطرق العامة، فإنَّ المجلس يرى أنَّ على ولي الأمر التأكيد على تحذير أصحاب المواشي، وإعلامهم بهدر مواشيهم في حال تعرضها للطرق وصدمها؛ وذلك في وسائل الإعلام المختلفة من تلفزة وإذاعة، وإبلاغ ذلك إلى رؤساء القبائل وأعيانها، وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
***
1045 -
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه: "فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ، تُمَّ تَهَوَّدَ قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَقُتِلَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُدَ: "وَكانَ قَدِ اسْتُتِيبَ قَبْلَ ذلِكَ"(1).
1046 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ، فَاقْتُلُوهُ". رَوَاهُ البُخَاريُّ (2).
ــ
* درجة الحديث (1045):
رواية أبي داود قوَّاها الحافظ في "الفتح" على الروايات النافية للاستتياب.
…
(1) البخاري (6923)، مسلم (3/ 1456)، أبو داود (4355).
(2)
البخاري (6922).
1047 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أَمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا، فَلَا تَنْتَهِي، فَلَمَّا كانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، أَخَذَ المِغْوَلَ، فَجَعَلَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكأَ عَلَيْهَا، فَقَتَلَهَا، فَبلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: أَلَا اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ". رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ (1).
ــ
* درجة الحديث.
الحديث حسن. قال المصنف: رواه أبو داود، ورواته ثقات. اهـ.
وقد سكت عنه أبو داود، والمنذري، وأخرجه النسائي.
قال الشوكاني: وفي الباب عن أبي برزة عند أبي داود والنسائي.
قال ابن عبد الهادي: واستدل به الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله.
* مفردات الحديث:
- أم ولد: الأم أصلها: "أمه"، ولذلك جمعت على:" أمَّات" باعتبار اللفظ، و"أمهات" باعتبار الأصل، وأم الولد هي مَنْ ولدت من مالكها ما فيه صورة إنسان، ولو خفية أو ميتًا، وهذه السابَّة غير مسلمة، ولذا اجترأت على هذا الأمر الشنيع.
- المِغْوَل: -بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة-: عصا فيه سنان دقيق، جمعه:"مغاول".
- واتَّكأ عليها: تحامل عليها بعصاه حتى قتلها.
- دمها هدَر: أهدر دمها، معناه: أباحه، وأسقط القصاص فيه، والدية.
* ما يؤخذ من الأحاديث الثلاثة:
1 -
المرتد لغة: هو الراجع.
(1) أبو داود (4361).
وشرعًا: الذي يكفر بعد إسلامه.
قال في "المغني": المرتد أغلظ كفرًا من الكافر الأصلي.
2 -
قال في "نيل المآرب": من ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار، دُعِي إلى الإسلام ثلاثة أيام وجوبًا، وضيق عليه، وحبس، فإن أسلم، وإلَاّ قُتِل بالسيف.
3 -
الأحاديث الثلاثة كلها تدل على وجوب قتل المرتد عن دين الإسلام، وقتْلُ المرتد إجماع أهل العلم؛ ذلك أنَّ كفره أغلظ من الكافر الأصلي، فالذي دخل الإسلام وعرفه، ثم رغب عنه، وكفر به، هذا دليل على خبث طويته، وسوء نيته، فمثل هذه النفس الخبيثة ليس لها جزاء إلَاّ القتل.
4 -
ودليل هذا الحكم حديث الباب رقم (1046): "من بدَّل دينه، فاقتلوه" أي: مَنْ ارتد عن الإسلام، وهو عامٌّ للرجال والنساء.
5 -
أما أنَّ حد المرتد هو قتله، فهو إجماع العلماء، وإنما الخلاف هل تجب استتابته قبل قتله، أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لا تجب استتابته، بل تستحب، وقال الثلاثة: يستتاب.
6 -
قال الشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ: تنقسم الأشياء التي تحصل بها الردة إلى ثلاثة أشياء:
الأول: إذا جحد ما علم أنَّ الرسول جاء به، وخالف ما عُلِم بالضرورة أنَّ الرسول بلَّغه الأصول، أو الفروع.
الثاني: ما يخفى دليله، فهذا لا يكفر حتى تقام عليه الحجة، من حيث الثبوت، ومن حيث الدلالة.
الثالث: أشياء تكون غامضة، فهذه لا تكفّر الشخص، ولو بعد إقامة الأدلة عليه؛ سواء كانت في الفروع أو الأصول، فلا يكفر إلَاّ المعاند فقط.
7 -
الكفار نوعان:
أحدهما: لم يدخل الإسلام أصلًا، فالكتاب، والسنة، والإجماع على كفرهم.
الثاني: من يدَّعون الإسلام، ثم يصدر منهم ما يناقض هذا الإسلام، فهؤلاء لتكفيرهم أسباب منها:
(أ) الشرك بالله تعالى: إما في الربوبية، أو في الإلهية، بأن يصرف نوعًا من العبادة لغير الله: من الذبح، أو النذر وغير ذلك.
(ب) أن يجعل بينه وبين الله وسائط، يتقرَّب إليهم، ليقربوه إِلى الله، كما هو شرك المشركين.
(ج) أو جَحَدَ لبعض رسالة النبي محمَّد صلى الله عليه وسلم، بأنَّه رسول الله ببعض الأمور دون بعض، أو شرائع الدين دون حقائقه.
(د) من جَحَدَ وجوب الصلاة، أو الزَّكاة، أو الصيام، أو الحج إِلى بيت الله الحرام.
(هـ) من أنكر حكمًا ظاهرًا في الكتاب، والسنة، والإجماع، كأن يحرم أكل لحم الإبل، أو حِل الخنزير، أو ينكر حرمة الزنا، أو شرب الخمر.
8 -
تنبيهان: الأول:
يوجد ممن يقر بالشهادتين، ويؤدي شعائر الإسلام، ولكن يأتي ببعض الأعمال الشركية، بعضها شرك في الربوبية، وبعضها شرك في الإلهية، جهلًا وتقليدًا، فهؤلاء يجب أن يبيَّن لهم، ويوجَّهوا قبل أن يطلق على أعيانهم الكفر، أما وصف أعمالهم بأنَّها شرك وكفر، فهذا واجب.
الثاني: يوجد بعض الطوائف من أهل القبلة؛ كالخوارج الذين يكفِّرون الصحابة من أهل الجمل وصفين، ويجيزون الخروج على الإمام الظالم، ويكفِّرون مرتكبي الذنوب.
ومثل القدرية نُفاة القدر، الذين نَفَوا عن الله تعالى صفاته الأزلية، كالقدرة، والسمع، والبصر، واستحالة رؤية الله تعالى بالأبصار، وأنَّ كلامه حادث مخلوق، وكذلك المعتزلة، ممن اشتملت مقالاتهم على تكذيب
نصوص الكتاب والسنة في نفي صفات الله تعالى.
فأهل السنة والجماعة ينكرون على أصحاب هذه المذاهب والمقالات، ويرون أنَّ بدعهم القولية والفعلية بدع خبيثة خطيرة جدًّا؛ لأنَّها خالفت الحق بأجلى معانيه ومظاهره، ويقسمونهم إِلى ثلاثة أقسام:
أحدها: عارف بأنَّ بدعته مخالفة للكتاب والسنة، فنبَذَ ذلك، واتَّبع هواه، وما يميله أقرانه، فهذا لا شكَّ في كفره.
الثاني: راض ببدعته، ومُعرِض عن طلب الحق، والصواب من أدلته الصحيحة، فهذا ظالم فاسق.
الثالث: حريص على اتباع الحق، ومجتهد في إصابته، ولكن لم يتبيَّن له، ولم يظهر له، فأقام على ما هو عليه ظانًا أنَّه الصواب، فهذا ربَّما يغفر الله له خطأه، والله أعلم.
9 -
وفي هذه الأزمنة الأخيرة، ظهرت طوائف بأسماء جديدة وأفكار جديدة، هم أشد كفرًا وإلحادًا ممن قبلهم، نذكر أسماءهم فيما يلي:
(أ) الماسونية: التي خدمت الصهيونية والاستعمار، فهي أخطر جرثومة على العالم كله.
(ب) الشيوعية: التي ضمت ثلاث حركات تخريبية ملحدة من الشيوعية العالمية، والفاشية، والصهيونية.
(ج) البهائية والبابية: التي قامت على أسس من الوثنية في دعوى إلهية البهاء، وسلطته في تنفيذ مخططات تغيير الشريعة الإسلامية.
(د) القاديانية: الجادة في هدم العقيدة والشريعة الإسلامية بأسلوب ماكر خبيث.
فهذه الطوائف أصدر فيها المجمع الفقهي بمكة المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، أصدر في كل نِحلة منها قرارًا بأنَّها نِحَل خارجة عن الإسلام، وأنَّ من اعتنقها ليس مسلمًا؛ والله الهادي إِلى سواء السبيل.