الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الدِّيَاتِ
مقدمة
أصلها: من الفعل: وَدَى يَدِي، فأبدلت الواو بالهاء، فهي كالعِدَةِ مِن الوَعْدِ، والدية في الأصل مصدر، ولكن سمي به المال المؤدى؛ بسبب الجِناية.
والديات: جمع دِيَة، مخففة الياء.
وشرعًا: هي المال المؤدَّى إلى المجني عليه، أو وليه بسبب جِناية. والدية ثابتة بالكتاب.
قال تعالى: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92].
وبالسنة:
جاء في الصحيحين: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "قضى بدِيَةِ المرأة على عاقلتها".
وبالإجماع: قال في "شرح الإقناع" وغيره: "وهي ثابتة بالإجماع". قال في "الإقناع وشرحه": "كل من أتلف إنسانًا مسلمًا، أو ذميًّا مستأمَنًا، أو مهادنًا، بمباشرة لإتلافه، أو بسبب كشهادة عليه؛ سواء كان عمدًا، أو خطأ، أو شبه عمد- لزمته ديته: إما في ماله، أو على عاقلته".
فإن كان عمدًا محضًا، فالدية في مال الجاني، وإن كانت شبه عمدٍ، أو خطَأً فعلى عاقلته.
والدية عقوبة مالية تحل محل القصاص إذا سقط، أو امتنع؛ لسبب من أسباب السقوط، أو الامتناع، هذا إذا كانت الجِناية عمدًا.
وتكون الدية عقوبة أصلية، إذا كانت الجناية شبه عمدٍ، أو خطأً؛ سواء
أكانت على النفس، أم فيما دون النفس.
والدية إذا أطلقت يراد بها الدية الكاملة.
وقد اختلف العلماء في أصلها: فالمشهور من مذهب أحمد: أنَّ أصول الدية خمسة أصول: مائة من الإبل، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، أو ألف مثقال ذهب، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، فهذه الخمس أصول الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئًا منها لزم المجني عليه، أو ولي دمه قبولُه؛ فالخيرة لمن وجبت عليه.
وهذا القول من مفردات مذهب الإمام أحمد.
وذهب جمهور العلماء إلى أنَّ: الأصل في الدية هي الإبل، والأجناس الأربعة أبدال عنها، قال ابن منجا: هذه الرواية هي الصحيحة من حيث الدّليل، وقال الزركشي: هي "أظهر" دليلًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنَّ في قتيل السَّوط والعصا مائة من الإبل".
***
1023 -
عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَن أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلى أَهْلِ اليَمَنِ، فذَكَرَ الحَدِيثَ، وفَيهِ:"إِنَّ مَنِ اعْتَبطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إِلَاّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ المَقْتُولِ، وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ: مائةً مِنَ الإِبلِ، وفي الأنفِ إِذَا أَوعب جدعه الدية، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَة، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةَ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ، وَفِي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَة، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيةُ، وَفِي الرِّجْلِ الوَاحِدَةِ نِصْف الدِّيَةِ، وَفِي المَأْمُومَةِ ثُلُث الدِّيَةِ، وَفِي الجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وفِي المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي كُلِّ إِصْبعٍ مِن أَصَابعِ اليَدِ، وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإِبِل، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وفِي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالمَرْأَةِ، وَعَلى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِيِنَارٍ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي المَرَاسِيلِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الجَارُودِ، وَابنُ حِبَّانَ، وَأَحْمَدُ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح، وقد سبق الكلام عليه في كتاب الطهارة.
على أنَّ المحدثين اختلفوا في صحة الحديث، فقال أبو داود: "قد أُسند
(1) أبو داود في المراسيل (1/ 121)، النسائي (4853)، ابن خزيمة (4/ 19)، ابن الجارود (1/ 198)، ابن حبان (14/ 501).
هذا الحديث، ولا يصح، والذي في إسناده سليمان بن داود وهم، إنَّما هو سليمان بن أرقم"، وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي، أنَّه الصواب، وتبعه صالح جزرة، وأبو الحسن الهروي.
وقال النسائي: "وهذا أشبه بالصواب؛ يعني: عن سليمان بن أرقم".
وقال ابن حزم: "صحيفة عمرو بن حزم منقطعة، لا تقوم بها حجة، وسليمان بن داود متَّفق على تركه".
قال ابن حبان: "سليمان بن داود اليمامي ضعيف، وسليمان بن داود الخولاني ثقة، وكلاهما يروي عن الزهري، والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني، فمن ضعَّفه، فإنَّما ظن أنَّ الراوي له هو اليمامي".
قال ابن حجر: "ولولا ما تقدّم من أنَّ الحكم بن موسى وهِم في قوله: سليمان بن داود، وإنما هو سليمان بن أرقم -لكان لكلام ابن حبان وجه، وصححه الحاكم، وابن حبان، والبيهقي، ونقل عن أحمد أنَّه قال: أرجو أن يكون صحيحًا".
وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة، لا من حيث الإسناد، بل من حيث الشهرة:
فقال الشافعي: "لم يقبلوا هذا الحديث؛ حتى ثبت عندهم أنَّه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن عبد البر: "هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم، معرفةً يستغني بشهرتها عن الإسناد؛ لأنَّه أشبه التواتر في مجيئه؛ لتلقي الناس له بالصواب والمعرفة".
وقال العقيلي: "هذا حديث ثابت محفوظ، إِلَّا أنا نرى أنَّه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري".
وقال يعقوب بن سفيان: "لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابًا أصح
من كتاب عمرو بن حزم هذا؛ فإنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه، ويدعون رأيهم".
وقال الحاكم: "قد شهد عمر بن عبد العزيز، وإمام عصره الزهري لهذا الكتاب بالصحة".
مفردات الحديث:
- اعتَبَط: بالعين المهملة، بعدها: مثناة فوقية، ثم موحدة، آخره طاء مهملة؛ يقال: اعتبطه يعتبطه اعتباطًا؛ قتله بلا جنايةٍ، ولا جريرةٍ، توجب قتله، يقاد قاتله به، ويقتل، وكل من مات بغير علة فقد اعتبط.
قتلًا: أي: قتلًا بلا جناية، ولا جريرة توجب قتله، وهو مفعول مطلق؛ لأنَّه نوع منه.
- فإنَّه: جواب الشرط.
- بيِّنة: البينة: هي الحجة الواضحة، وكل ما أبان الحق، وأظهره فهو بيِّنة.
- أُوعِبَ: بضم الهمزة، وسكون الواو، وكسر العين المهملة، فموحدة: أوعبه إيعابًا: أخذه أجمع، ولم يدع منه شيئًا، والمراد هنا: قطع جميع أنفه.
- الشَّفتَيْنِ: شفة الشيء: حرفه، وشفة الإنسان هو: الجزء اللحمي الظاهر، الذي يستر الأسنان، وهما شفتان.
- قوَد: بفتحتين: القصاص؛ يقال: قاد الأمير القاتل بالقتيل: قتله به قودًا، وأصله: الانقياد، سمِّي به القصاص؛ لِما فيه من انقياد الجاني له بما جناه.
- البَيْضَتَينِ: هم الخصيتان، مفردها: خصية؛ وهي البيضة من أعضاء التناسل.
- الصُّلب: بضم الصاد المهملة، وسكون اللام؛ هو العمود الفقري.
- المأمومة: هي التي تخرق الجلد، حتى تصل إلى أم الدماغ، وأم الدماغ هي: المنطقة التي فيها الدماغ في الرأس.
- الجائفة: هو: الجرح الذي يصل إِلى باطن الجوف؛ سواء أكان من بطن، أم
صدر، أم ظهر، أم نحر، أم غير ذلك.
- المُنَقِّلَة: هي الشجة التي توضح عظم الرأس، وتهشمه، وتنقل عظامه بتكسيره.
- المُوضِحَة: هي الشجة التي توضح عظم الرأس، وتبدي بياضه، ولا تكسره، فهي خاصة بالرأس والوجه.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
ثبوت القصاص، إذا قَتَل المسلم المعصوم عمدًا وعدوانًا.
2 -
ثبُوت الديَة في قتل العمد العدوان، إذا رضي بها أولياء المقتول، أو امتنع القصاص لسبب من أسباب الامتناع، أو سقط لسبب من أسباب السقوط.
3 -
أنَّ الدية الكاملة في النفس هي مائة من الإبل، والمذهب أنَّ الخمسة الأجناس كلها أصول.
ولكن القول الراجح أنَّ الأصل هي الإبل، والأجناس الباقية أبدال عنها.
4 -
مما يدل على أنَّ الأصل الإبل، والباقيات أبدال ما يأتي:
- التغليظ والتخفيف خاص في الإبل دون غيرها.
- كل الديات في غير النفس تقدر بالإبل.
وهذا القول رواية قوية في المذهب، رجَّحها بعض أئمة المذهب.
5 -
الأعضاء في بدن الإنسان: إما أن تكون عضوًا واحدًا فقط؛ كالأنف، واللسان، والذكر، وإما أن تكون عضوين؛ كالعينين، والأذنين، والخِصيتين، وإما أن تكون أربعة؛ كالأجفان الأربعة.
فما فيه عضو واحد -كالأنف- ففيه دية كاملة، وإن كان مما فيه عضوان، ففيهما دية كاملة، وفي الواحد نصف الدية، وإن كان فيه أربعة، ففيها كلها دية كاملة، وفي كل واحد منها ربع الدية.
6 -
أما المأمومة وهي: التي تصل إلى أم الدماغ -وأم الدماغ هي جلدة رقيقة
فيها الدماغ- ففيها ثلث الدية.
7 -
وأما الجائفة وهي: الطعنة التي تصل إِلى باطن الجوف؛ سواء أكان من بطنٍ، أم ظهرٍ، أم صدرٍ، أم نحرٍ، أم دماغٍ -ففيها أيضًا ثلث الدية.
8 -
وأما المُنَقِّلَة -وهي: الَّتي توضح العظم، وتهشمه، وتنقل عظامه بتكسيرها- ففيها. خمس عشرة من الإبل؛ بإجماع العلماء.
9 -
وأما أصابع اليد، أو الرجل: ففي كل أصبع عُشر الدية، وهو عَشْر من الإبل؛ لأنَّ أصابع اليدين فيها الدية كاملة؛ وفي أصابع الرجلين الدية كاملة، فيكون في كل أصبع عُشرها.
وفي أنملة إبهام يد، أو رجل نصف العُشر، وهو خمس من الإبل؛ لأنَّ فيه أنملتين، أما الأنملة من غير الإبهام ففيها ثلث عُشر عُشرها؛ لأنَّ في كل أصبع ثلاث أنامل.
10 -
أما السن: ففيه خمس من الأبل، سواء أكان سنًّا، أم ضرسًا، أو نابًا، وهي نصف عشر الدية.
ومجموع الأسنان: اثنان وثلاثون، أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وعشرون ضرسًا، في كل جانب عشرة: خمسة من أعلى، وخمسة تحتها، فتكون ديتها كلها مائة وستين بعيرًا.
11 -
إذا قتل الرجل المرأة عمدًا وعدوانًا، قُتِل قِصَاصًا بها، ولا يضر نقص ديتها عنه، فهي مكافئة له من حيث حرمة الدم.
12 -
أما قدر الدية بالذَّهب: فألف دينار، ويكون قدره بالغرام أربعة آلاف ومئتين وخمسين غرامًا.
***
1024 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "دِيَةُ الخَطَأِ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ. وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وأَخْرَجَهُ الأرْبَعَةُ بِلَفْظِ: "وَعِشْرُونَ بنَي مَخَاضٍ"، بدل:"بنَي لَبُونٍ".
وَإِسْنَادُ الأوَّل أَقْوَى، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ مِن المَرْفُوعِ (1).
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ:"الدِّيَةُ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا"(2).
ــ
* درجة الحديثين:
هذان حديثان: أحدهما: حديث ابن مسعود والثاني حديث عمرو بن شعيب.
أما حديث ابن مسعود: فقال المصنف عنه ما يلي:
(1) الدارقطني (3332) أبو داود (4545)، الترمذي (1386)، النسائي (4802)، ابن ماجه (2631)، ابن أبي شيبة (9/ 134).
(2)
أبو داود (4541)، الترمذي (1387).
أخرجه الدارقطني، وسكت عنه.
وأما رواية الأربعة فهي بلفظ: "وعشرون بني مخاض"، بدل:"بني لبون"، ولكن إسناد الأول أقوى من إسناد رواية الأربعة، فإنَّ في رواية الأربعة خشف بن مالك الطائي، قال الدارقطني: إنَّه رجل مجهول، وفيه أيضًا الحجاج بن أرطأة. اهـ.
قال في "التلخيص" عن هذا الحديث: "حديث ابن مسعود": رواه أحمد وأصحاب السنن والدارقطني والبيهقي مرفوعًا.
ورواه الدارقطني موقوفًا من طريق أبي عبيدة عن أبيه، وقال: هذا إسناد حسن، وضعَّف الأول من وجوه عديدة، وقوى رواية أبي عبيدة.
أما حديث عمرو بن شعيب: فرواه الخمسة إِلَاّ الترمذي، وسكت عنه أبو داود، لكن قال المنذري: في إسناده عمرو بن شعيب، أما من دون عمرو ابن شعيب فهم ثقات، إِلَاّ محمَّد بن راشد المكحولي، وقد وثقه أحمد، وابن معين، والنسائي، وضعَّفه ابن حبان، وأبو زرعة، قال الدارقطني: حديث ضعيف، غير ثابت عن أهل المعرفة بالحديث، وقد ضعَّفه البيهقي، والمنذري.
قال الخطابي: لا أعرف أحدًا قال به من الفقهاء.
* مفردات الحديث:
- الخَطَأ: يقال: خطىء الرجل يخطأ خطأً: ضد أصاب، والخطأ ضد الصواب، والمراد هنا: أن يفعل المكلف ما له فعله، فيصيب آدميًّا معصومًا، لم يقصده بالفعل، فيقتله، وكذا عمد الصبي، والمجنون يعد خطأ.
- حقَّة:-بكسر الحاء وتشديد القاف، ثم تاء التأنيث-: هي من الإبل ما دخلت في السنة الرابعة، سمِّيت بذلك؛ لأنَّها استحقت الركوب؛ والحمل.
- جذعة: -بفتحات-: هي ما دخلت في السنة الخامسة، سميت بذلك؛ لأنَّها أسقطت مقدم أسنانها.
- مخاض: هي التي أتى عليها الحول من الإبل، ودخلت في السنة الثانية، فأمها غالبًا ماخض: أي حامل.
- لبون: ما أتى عليه سنتان، ودخل في الثالثة، فصارت أمه غالبًا، ذات لبن؛ لأنَّها حملت، ووضعت بعده.
- خَلِفة: -بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام، بعدها فاء-: وهي الحامل، ولذا جاء في رواية ابن ماجه:"في بطونها أولادها"، وتُجمع الخَلِفة على: خَلِفَات.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم أنَّ التصحيح هو أنَّ الأصل في الدية هي الإبل، وأنَّ الأجناس الباقية هي أبدال؛ ذلك أنَّ الإبل هي التي يدخلها التغليظ، والتخفيف.
2 -
هذا الحديث أفاد أنَّ دية قتل الخطأ دية مخففة، فهي تقسم أخماسًا: عشرون حِقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مَخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بني لبون، وهذا التحديد هو مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور السلف، إِلَاّ أنَّهم اختلفوا في الخامس: فقال أبو حنيفة: "إنَّه بنو مخاض"، وقال الآخرون:"هو بنو لبون"، وإسناد الدارقطني أقوى، وفيه "بنو لبون" فهو أرجح.
قال ابن حجر: وإسناد هذا الحديث أقوى من الروايات الأخر، فهو أصل في تعبين أسنان إبل الدية.
3 -
أما رواية أبي داود والنسائي عن عمرو بن شعيب: "الدية ثلاثون حِقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خَلِفَة، في بطونها أولادها".
فقد أخذ بعها جماعة من السلف، منهم: عطاء، ومحمَّد بن الحسن، وروي عن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي موسى، والمغيرة، وهي رواية عن الإمام أحمد، اختارها أبو الخطاب، والموفق في العمدة، والزركشي.
4 -
هذا التحديد في دية الخطأ، أما دية العمد وشبه العمد، فسيأتي الحديث
رقم (1026) في بيأنها إن شاء الله تعالى.
وعن الإمام رواية ثالثة: أنَّ دية الخطأ تقسم أرباعًا:
خمسًا وعشرين جذعة، وخمسًا وعشرين حقَّة، وخمسًا وعشرين بنت لبون، وخمسًا وعشرين بنت مخاض، رواها عن الإمام أحمد الجماعة، واختارها الخرقي؛ لما روى الزهري عن السائب بن يزيد قال:"كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعًا: خمسًا وعشرين جذعة، وخمسًا وعشرين حقة، وخمسًا وعشرين بنت لبون، وخمسًا وعشرين بنت مخاض".
وهو قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
* قرار هيئة كبار العلماء بشأن تحديد الديات: قرار رقم (50) وتاريخ 30/ 8/ 1396 هـ:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
أما بعد:
ففي الدورة التاسعة لمجلس هيئة كبار العلماء، المنعقدة بمدينة الطائف، في شهر شعبان 1396 هـ؛ جرى الاطلاع على خطاب المقام السامي الوارد من سمو نائب رئيس مجلس الوزراء رقم (33867) في 2/ 12/ 1395 هـ، المتضمن الموافقة على ما اقترح من إعادة النظر في تقويم دية النفس، على ضوء تغير أقيام الإبل، التي هي الأصل في الدية، بما يكون محققًا للعدل والإنصاف.
فقد قامت الهيئة ببحث المسألة على ضوء النصوص الواردة في أصول الدية، وحيث إنَّه لا يعلم خلاف بين العلماء في أنَّ الإبل أصل في الدية، وإنَّ ديَّة الحر المسلم مائة من الإبل، وبما أنَّ الراجح من أقوال أهل العلم أنَّ الأصل في الدية هو الإبل، وما سواها من الأنواع فهو من باب القيمة، كما هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله واختيار الخرقي، والموفق، وغيرهما
من علماء الحنابلة، وهو الراجح عند أئمة الدعوة رحمهم الله للأحاديث الواردة في ذلك منها: حديث عبد الله بن عمرو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إنَّ دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا: مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها"، وحديث عمرو بن حزم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"وفي النفس مائة من الإبل"، وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بني مخاض، وعشرون بنات لبون".
وروى أبو داود بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: "في شبه العمد خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض"، وهذه الأحاديث تدل على أنَّ الأصل في الديات هو الإبل، ولأنَّه صلى الله عليه وسلم فرَّق بين دية العمد وشبهه، وبين دية الخطأ، فغلظ في الأول، وخفف في الثاني، ولا يتحقق التفريق المشار إليه في غير الإبل، ومن ذلك يتَّضح رجحان القول بأنَّ الأصل في الدية هو الإبل خاصة وما عداها قيم، ويؤيده أنَّ دية ما دون النفس من الأعضاء، والأسنان، والكسور، إنما وردت في الأحاديث مقدرة بالإبل، وبناءً على هذا القول المختار، وهو أنَّ الأصل في الدية الإبل، وعلى أنَّه يجوز تقويمها؛ لما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قام خطيبًا فقال:"إنَّ الإبل قد غلت، قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مئتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مئتي حلة".
وهذا يدل على أنَّ إيجاب عمر رضي الله عنه لِما سوى الإبل كان على سبيل التقويم؛ من أجل غلاء الإبل، ولو كانت الأنواع الأخرى أصولًا بنفسها، لم يكن إيجابها تقويمًا للإبل، ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك، ولا
كان لذكره معنى، وهذا التقويم يكون في كل زمان بحسبه، وحيث إنَّ تقدير الدية في عام (1390 هـ) بأربعة وعشرين ألف ريال عربي سعودي، بالنسبة للخطأ، وسبعة وعشرين ألف ريال للعمد وشبهه، ومن قبل مجلس القضاء، بموجب قراره رقم (155) وتاريخ: 6/ 11/ 1395 هـ، كان حسبما توصل إليه المجلس آنذاك من معرفة قيمة الوسط من أقيام الإبل التي هي الأصل في الدية، كما تقدّم، ونظرًا لارتفاع أقيام الإبل ارتفاعًا شديدًا، بعد التاريخ المشار إليه، وحيث إنَّ سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، قد كتب إِلى عدة محاكم في مناطق مختلفة من المملكة، يطلب تكليف اثنين أو ثلاثة من أهل الخبرة والأمانة، بالتعرف على القيمة المتوسطة للأنواع الواجبة في الدية من الإبل، ووردت إجابات هذه المحاكم بمضمون ما قرَّره أهل الخبرة في كل بلد عن متوسط القيمة، ونظرًا إِلى اختلاف التقديرات الواردة من المحاكم، فقد قرر المجلس بأغلبية الحاضرين من أعضائه -الأخذ بأقلها تقديرًا لأنَّه الأحوط، ولأنَّ الأصل براءة الذمة مما زاد على ذلك، ولأنَّ القاتل إذا أحضر مائة من الإبل من الأنواع المنصوص عليها، السالمة من العيوب، وجب على أولياء القتيل قبولها:"في أي مكان كانوا، ولو كانت قيمتها في ذلك المكان أقل منها في مكان آخر".
وبحسب هذا التقدير المشار إليه، تكون دية العمد وشبهه "خمسة وأربعين ألف ريال"، ودية الخطأ "أربعين ألف ريال"، ويستمر العمل بموجب هذا التقدير ما لم تتغيَّر قيمة الإبل بزيادة كثيرة، أو نقص كبير يوجب إعادة النظر.
والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمَّد، وعى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
***
1025 -
وَعَنِ ابْنِ عَمْرو رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ علَى اللهِ ثَلَاثَة: مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ لِذُحْلِ الجَاهِلِيَّةِ". أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ (1)، وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَاسِ (2).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
قال في "التلخيص": رواه أحمد، وابن حبان، من حديث عبد الله بن عمرو.
ورواه الدارقطني، والطبراني، والحاكم، من حديث أبي شريح.
ورواه الحاكم، والبيهقي من حديث عائشة.
ورواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس مرفوعًا: "أبغضُ النَّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهرق دمه".
* مفردات الحديث:
- أَعْتَى: اسم تفضيل من: العُتُو، وهو التجبّر؛ أي: أطغاهم، وأشدهم تمردًا.
- لذُحل: -بضم الذال، وسكون الحاء المهملة-: لعداوة الجاهلية وثأرها، جمعه: أذحال وذحول.
- الجاهلية: يقال: جهل يجهل جهلًا وجهالة: ضد علم، والجاهلية: حالة الجهل، كما تطلق على ما قبل الإسلام.
(1) ابن حبان (13/ 340)، أحمد (2/ 179، 187).
(2)
البخاري (6882).
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
شدة تحريم هذه الجرائم الثلاث، ووصف صاحبها بأنَّه أشد الناس تجبرًا وعتوًا، وهذه الثلاث هي:
الأولى: مَنْ قتل نفسًا محرَّمة في حرَم الله الآمن؛ لأنَّ قتل النفس التي حرَّم الله أعظم الذنوب بعد الشرك، وهي في حرم الله أشد حرمة، وأعظم إثمًا؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [الحج].
قال ابن مسعود: "ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه، إِلَّا أن يكون رجلًا بالبيت الحرام، لأذاقه الله تعالى من عذاب أليم".
وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "إنَّ دماءكم، وأعراضكم، وأموالكم عليكم حرام، كحرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا"[رواه مسلم (1218)].
الثانية: من المحرَّمات الثلاث: منْ قتل غير قاتله، قال تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
وقال تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33].
وذلك بأن يقتل غير قاتله، أو يقتل معه غيره، أو يمثِّل بقاتله.
وكان الإسراف في القتل بهذه الأمور الثلاثة عادة جاهلية نهى الله تعالى عنها.
الثالثة: القتل من أجل عداوات الجاهلية وثآراتها التي قضا عليها الإسلام وأبطلها، فقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:"ودماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أوَّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة، وكان مسترضعًا في بني سعد، فقتله هذيل".
2 -
ذهب جمهور العلماء إلى تغليظ الدية في الجملة، ولكنهم اختلفوا في تفصيلها.
فذهب الإمام مالك إلى: أنَّ الدية تغلظ في قتل الخطأ والعمد، فيما إذا
قتل الأب، أو الأم، وإن علوا من الأجداد والجدات، إذا قتل واحدٌ منهم ابنه، أو حفيده، أو سبطه، فتغلظ عليه الدية بالتثليث؛ لامتناع القصاص في العمد منه للأبوة.
وذهب الإمام الشافعي إِلى: تغليظ دية الخطأ فقط؛ إذا أوقع القتل في البلد الحرام، أو في الشهر الحرام، أو النسب المحرَّم.
وذهب الإمام أحمد إلى: تغليظ الدية في البلد الحرام، وفي الشهر الحرم، وفي حالة الإحرام، وهذا القول هو المشهور من المذهب عند المتأخرين، ومشى عليه في "الإقناع" و"المنتهى"، وهي بهذه الصفة من المفردات، وصفة التغليظ أن يزاد لكل حال ثلث الدية.
والرواية الأُخرى عن أحمد: أنه لا تغليظ مطلقًا، واختارها الخرقي، وابن قدامة في "المغني"، وصاحب "الشرح الكبير"؛ لظاهر الآية:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النِّساء: 92].
وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وعلى أي حال، وهو ظاهر الأخبار، وعلى هذه الرواية العمل في المحاكم الشرعية في المملكة العربية السعودية.
* تنبيه: التغليظ هو عند الجمهور بقتل الخطأ فقط، دون العمد.
***
1026 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلَا إِنَّ دِيَةَ الخَطَإِ شِبْهَ العَمْدِ: مَا كَانَ بالسَّوْطِ وَالَعَصَا، مِائَةٌ مِنَ الإِبلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
صحَّحه ابن حبان وابن القطان.
قال في "التلخيص": رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو، وصححه ابن حبان، وقال ابن القطان: هو صحيح، ولا يضره الاختلاف.
وللحديث طرق متعددة، قوَّى بعضها بعضًا.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
"شبه العمد"، أو "خطأ العمد" عرَّفه الفقهاء: بأن يقصد الجاني جِناية لا تَقتل غالبًا، مثل: أن يضرب شخصًا بسَوط، أو عصا، أو حجر صغير في غير مَقْتل.
2 -
و"قتل شبه العمد": أخذ صورة العمد من حيث قصد الاعتداء، وأخذ صورة الخطأ من حيث عدم إرادة القتل، وعدم الآلة القاتلة.
3 -
دية شبه العمد كَدِية العمد في تغليظها، فحديث الباب:"مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها".
(1) أبو داود (4547)، النسائي (8/ 41)، ابن ماجه (2627)، ابن حبان (1526).
4 -
أما تقدير تغليظها عند الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، وجماعة من السلف-: فهو ما روي عن ابن مسعود من أنَّها تقسم أرباعًا: "خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون جذعة".
وجاء هذا الأثر عن السائب بن يزيد، رضي الله عنهما مرفوعًا.
5 -
ودية شبه العمد كَدِية الخطأ في وجوبها على عاقلة الجاني؛ لِما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى، بحجر فقتلها، وما في بطنها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ دية جنينها عبدٌ أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها".
***
1027 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هذِهِ وَهَذِه سَوَاءٌ" يَعْنِي الخِنْصَرَ، وَالإِبْهَامَ. رَواهُ البُخَارِيُّ.
وَلأَبي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: "دِيَةُ الأَصَابعِ سَوَاءٌ، وَالأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ".
وَلابْنِ حِبَّانَ: "دِيَةُ أَصَابعِ اليَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ، عَشْرَةٌ مِنَ الإِبِلِ لِكُلِّ إِصْبعٍ"(1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
رواية أبي داود، والترمذي صححهما الترمذي، وابن حبان، وابن عبد الهادي، وقال ابن القطان: رجاله كلهم ثقات.
وأما رواية ابن حبان: فصححها ابن حبان، وقال الشوكاني: رجال إسناده رجال التصحيح.
* مفردات الحديث:
- الأصابع: جمع "أصبع"؛ وهو أحد اليد أو القدم.
- الأسنان: جمع "سِن"؛ وهو قطعة من العظم، مؤنثة، تنبت في الفك.
- الثَّنِيَّة: إحدى الأسنان الأربع، التي في مقدم الفم، ثنتان من فوق، وثنتان من تحت.
- الضرْس: السن الطاحنة، يذكر ويؤنث، جمع:" أضراس وضروس".
(1) البخاري (6895)، أبو داود (4559)، ابن حبان (5980)، الترمذي (1391).
- سواء: -بالفتح ممدودة، وتضم سينه، ويقصر- وهو المثل والنظير، والمعنى: أنَّ دية كل واحدة، من الأصابع واحدة وكل من الأسنان واحدة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
اليدان فيهما عشرة أصابع، كل أصبع فيها عُشْر الدية من الإبل، لا فرق بينهما في ذلك، فالخنصر الصغير الذي في طرف الكف، والإبهام الكبير الذي عليه الاعتماد في القبض، والبطش وغير ذلك، كلاهما على حد سواء في قدر الدية، ومجموع الأصابع العشرة في اليدين فيها الدية كاملة.
والرِّجْلان مثل اليدين والأصابع، وإن اختلفت، فكل واحد منها يؤدي دورًا لا يقوم به الأصبع الآخر، والله حكيم خبير.
2 -
أما الأسنان فهي اثنتان وثلاثون: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب، وعشرون ضرسًا، في كل جانب عشرة: الأعلى خمسة، وتحتها خمسة، والجانب الآخر كذلك.
3 -
كل واحدة من هذه الاثنتين والثلاثين سواء في الدية، فكل واحد منها له وظيفته الخاصة من حيث الجمال، ومن حيث القطع، ومن حيث المضغ وغيره.
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": "ثم زيَّن سبحانه الفم من الأسنان التي هي جمال له وزينه .. وبها قوام العبد وغذاؤه، وجعل بعضها أرحاء للطحن، وبعضها آلة القطع، فأحكم أصولها، وحدد رؤوسها، وبيَّض لونها، ورتَّب صفوفها، متساوية الرؤوس، متناسقة الترتيب".
4 -
كل واحد من الأسنان، أو الأضراس فيه خمسة من الإبل، مجموع ديتها:"مائة وستون" بعيرًا.
***
1028 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم رَفَعَهُ قَالَ: "مَنْ تَطَبَّبَ -وَلَمْ يَكُنْ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا- فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، إِلَاّ أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ أَقْوَى مِمَّنْ وَصَلَهُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن بطريقه الآخر.
قال المصنف: أخرجه الدارقطني، وصححه الحاكم، ورواه أبو داود والنسائي، وغيرهما، إِلَاّ أنَّ إرساله أقوى من وصله، وصحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبى.
وله شاهد من طريق عمر بن عبد العزيز عن الوفد الذي قدموا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه.
* مفردات الحديث:
- تطَبَّبَ: يعني: ادَّعى علم الطب، ولم يكن طبيبًا؛ بأن لم يكن عنده علم، ولا خبرة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
يدل الحديث على أنَّ من ادَّعى علم الطب، وليس بعالم فيه، ولا يحسنه،
(1) أبو داود (4586)، النسائي (8/ 52)، ابن ماجه (3466)، الدارقطني (3/ 196)، الحاكم (4/ 212).
فغرَّ النَّاس، وعالجهم، فأتلف بعلاجه نفسًا، فما دونها من الأعضاء، فهو ضامن؛ لأنَّه متعدٍ، حيث غرَّ النَّاس، وأعدَّ نفسه لما لا يعرفه.
قال الطيبي في "شرح المشكاة": لا أعلم خلافًا في أنَّ المعالج إذا تعدى، فتلف المريض كان ضامنًا، وكذا المتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه، فهو متعدٍّ، فإن تولد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القود؛ لأنَّه لم يستبد بذلك دون إذن المريض.
2 -
أما حكم عمله: فإنَّه محرَّم عليه هذه الدعوى الكاذبة، والتغرير بالناس، والعبث بأبدانهم بالجهل والكذب.
3 -
وما أخذه من أجرة: فهي محرَّمة؛ لأنَّها من أكل أموال النَّاس بالباطل، ونتيجة خداع، وثمرة تمويه.
4 -
هذه الطريقة يتعاطاها، ويفعلها كثير ممن يدعون المعرفة بالطب الشعبي، يظهرون أمام البسطاء بالمعرفة، فيكوونهم بالنار، ويصِفُون لهم الوصفات، التي إن لم تضر فإنها لا تنفع.
5 -
يقاس على ادِّعاء الطب بالجهل كل عمل يدعيه الإنسان، أو صنعة ينسب إليها، وهو لا يحسن ذلك، ثم يفسد على الناس أموالهم، فإنَّه بادعائه هذا أو إقدامه على دعوى الإصلاح ضامن لكل ما خرَّب، أو فسد من جرَّاء عمله، وما يأخذه من مال فهو حرام، وأكل لأموال النَّاس بالباطل.
6 -
وأعظم من هذا كله ادعاء العلم الشرعي، وتعاطي الفتوى مع الجهل، فإذا كانت الأبدان تضمن مع الجهل، فكيف الإضرار بالدين؟!
7 -
وهذه فتوى حول الموضوع صادرة من مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها في زمنه: سماحة الشيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله تعالى- قال: من محمَّد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز أيَّده الله بتوفيقه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فالإشارة إِلى خطاب جلالتكم رقم: 5/ 12/ 10/ 1531 في 15/ 8/ 1380 هـ المتضمن السؤال عمَّا يحل من حوداث السيارات، وعما ينشأ على أيدي الأطباء عند إجراء العمليات من حوادث الوفيات
…
إلخ.
المسألة الأولى: إذا انقلبت السيارة، وكان الانقلاب ناتجًا عن تفريط السائق أو تعديه، مثل السرعة الزائدة، أو عدم ضبطه آلات السيارة، أو غفلته عن تفقدها، أو لم يكن السائق يحسن القيادة، أو نحو ذلك، مما يعد تفريطًا، أو تعديًا -فإنَّه يضمن كل ما نتج، لأنَّه متسبب.
وإن لم يكن شيء من ذلك، وكان السائق حاذقًا ومتفقدًا لآلاتها، ولم يكن مسرعًا سرعة زائدة، فلا ضمان عليه؛ لأنَّ الأصل براءة الذمة، وإن اختلفا، فالبينة على الركَّاب، وعليه اليمين عند عجزهم.
المسألة الثانية: إذا نام إنسان تحت سيارة، فشغل سيارته وأتلفته، فالسائق ضامن كل ما نتج عنه؛ لأنَّه هو المباشر، والمفرط بعدم تفقده ما تحت سيارته، وينطبق عليه حكم من فعل ما له فعله، فأصاب آدميًّا معصومًا.
المسألة الثالثة: إذا ألقى الراكب نفسه من السيارة، وهي تسير بدون علم السائق، فلا ضمان على أحد، ما دام الراكب بالغًا عاقلًا، بخلاف الصغير والمجنون.
المسألة الرابعة: إذا عالج الطبيب مريضًا، وحصل من علاجه تلف نفس، أو طرف -فإنَّه يضمن إذا تعدى أو فرط.
* وخطأ الطبيب:
1 -
إما أن يكون بجهله بالطب، فهو ضامن كل ما تلف بسببه، من نفس، فما دونها بالدية، ويسقط عنه القصاص.
2 -
أن يكون حاذقًا في الطب، ولكنه أخطأ الدواء، أو صفة استعماله، أو
جنت يده على عضو صحيح، فهذا الطبيب جنى جناية خطأ مضمونة، فإذا كانت أقل من الثُّلث، ففي مال الطبيب خاصته، وإلَاّ فعلى عاقلته.
3 -
أن يكون الطبيب حاذقًا، وأعطى الصنعة حقها، ولم تجن يده، أو يقصِّر في اختيار الدواء في الكمية والكيفية، فإذا استعمل كل ما يمكنه، ونتج عن فعله المأذون من المكلف أو غير المكلف تلف، فلا ضمان عليه؛ لأنَّها سراية مضمون فيها، كسراية الحد والقصاص، والله أعلم.
* قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن حوادث السير: قرار رقم (71):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد خاتم النببين، وعلى آله وصحبه.
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندرسيري باجوان بروناي دار السلام، من 1 إلى 7 محرَّم 1414 هـ، الموافق 21 - 27 يونيو 1993 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إِلى المجمع بخصوص موضوع: "حوادث السير"
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، وبالنظر إلى تفاقم حوادث السير، وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم، واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات، بما يحقق شروط الأمن، كسلامة الأجهزة، وقواعد نقل الملكية، ورخص القيادة، والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن، والقدرة والرؤية، والدراية بقواعد المرور، والتقيد بها، وتحديد السرعة المعقولة، والحمولة.
قرَّر ما يلي:
1 -
أ) إنَّ الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجب شرعًا؛ لأنَّه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات؛ بناءً على دليل المصالح المرسلة، ويبنغي أن تشتمل تلك الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال.
ب) مما تقتضيه المصلحة أيضًا سن الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي، لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور؛ لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات، والأسواق من أصحاب المركبات، ووسائل النقل الأخرى؛ أخذًا بأحكام الحسبة المقررة.
2 -
الحوادث التي تنتج عن تيسير المركبات، تطبق عليها أحكام الجِنايات، المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار؛ سواء في البدن، أم المال، إذا تحققت عناصرها من خطأ، وضرر، ولا يعفى من هذه المسؤولية إِلَاّ في الحالات الآتية:
أ) إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها، وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.
ب) إذا كان بسبب فعل متضرر المؤثر تأثيرًا قويًّا في أحداث النتيجة.
ج) إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه، فيتحمل ذلك الغير المسؤلية.
3 -
ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها، إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء.
4 -
إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر، كان على كل واحد منهما
تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال.
5 -
أ) مراعاة ما سيأتي من تفصيل؛ فإنَّ الأصل أنَّ المباشر ضامن، ولو لم يكن متعديًا، وأما المتسبب فلا يضمن إِلَاّ إذا كان متعديًا، أو مفرطًا.
ب) إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب، إِلَاّ إذا كان المتسبب متعديًا، والمباشر غير متعدٍّ.
ج) إذا اجتمع سببان مختلفان، كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤلية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا، أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما، فالتبعة عليهما على السواء، والله أعلم.
***
1029 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فِي المَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأرْبَعَةُ.
وَزَادَ أَحْمَدُ: "وَالأَصَابعُ سَوَاءٌ، كُلُّهُنَّ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الإبِلِ". وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الجَارُودِ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال المصنف: رواه الإمام أحمد، والأربعة، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود.
وقال الشوكاني: سكت عنه أبو داود، والمنذري، وصاحب "التلخيص"، ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات.
وقد حسَّنه الترمذي.
* مفردات الحديث:
- المواضح: جمع "مُوضِحة": والموضحة هي؛ الشجة في الرأس، أو الوجه خاصة، تشق الجلد، وتبرز العظم، وتوضحه ولا تكسره.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
المواضح جمع "موضحة"، وهي إحدى شجاج الرأس والوجه خاصة،
(1) أحمد (2/ 215)، أبو داود (4566)، النسائي (8/ 57)، الترمذي (1390)، ابن ماجه (2655)، وابن الجارود (785).
سميت: "موضحة"؛ لأنَّها توضح العظم وتبرزه، وديتها نصف عُشر الدية، خمس من الإبل، فإن نزلت إِلى الوجه فموضحتان، لأنَّها أوضحته في عضوين، وإن كان بينهما حاجز فموضحتان، ولو كانتا في الرأس وحده، أو في الوجه وحده.
2 -
أما أصابع اليدين والرجلين، فتقدم أنَّ دية كل أصبع عشْر من الإبل، فأصابع اليدين فيها دية كاملة، وهي مائة من الإبل، ومثلها أصابع الرجلين.
***
1030 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ المُسْلِمِينَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالأرْبَعَةُ.
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: "دِيةُ المُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الحُرِّ".
وَلِلنَّسَائِيِّ: "عَقْلُ المَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ، حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا". وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وقال الترمذي: حديث حسن، وقد صحَّحه ابن خزيمة.
وإسناده حسن، على الخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وللحديث شاهد عند الطبراني في "الأوسط".
قال الألباني: وأما رواية النسائي في عقل المرأة فإنَّها ضعيفة، ولها علَّتان:
الأولى: عنعنعة ابن جريج، فإنَّه مدلس.
والأخرى: ضعف إسماعيل بن عياش.
(1) أحمد (2/ 180)، أبو داود (4583)، الترمذي (1413)، النسائي (8/ 45)، ابن ماجه (2644).
* مفردات الحديث:
- أهل الذمة: هم بعض الكفار الذين يقرون على كفرهم، بعقد، يلتزمون فيه بذل الجزية، والتزام أحكام الملة.
- المعاهَد: هو الكافر الذي أُعطي أمانًا وعهدًا، يُحرم به قتله، ورِقه، وأسره.
- عَقْل المرأة: عقل المرأة ديتها، ودية المرأة على النّصف من دية الرجل، إِلَاّ فيما دون ثلث الدية، فتكون ديتها مثل دية الرجل.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
في هذا الحديث نوعان من الديات:
الأول: دية الكتابي نصف دية الحر المسلم؛ سواء كان ذميًّا، أو معاهَدًا، أو مستأمنًا؛ لاشتراكهم في وجوب حقن الدم.
وجراحاتهم من دياتهم، كجراحات المسلمين من دياتهم؛ لأنَّ الجرح تابع للقتل.
الثاني: دية المرأة، مسلمةً كانت أو كافرةً، فهي على النصف من دية رجل من أهل دينها، نقل ابن عبد البر، وابن المنذر إجماع العلماء عليه.
2 -
وجراحها تساوي جراح الرجل من أهل دينها، فيما دون ثلث ديته، فإذا بلغت الثلث، أو زادت عليه، صارت على النصف منه.
وذلك لما روي النسائي والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "عقل المرأة مثل عقل الرَّجل، حتى تبلغ الثلث من ديتها" قال ربيعة: قلتُ لسعيد بن المسيب: لما عظمت مصيبتها، قلَّ عقلها، قال:"هكذا السنة، يا ابن أخي".
4 -
ومساواتها للرجل إِلى ثلث الدية هو مذهب الإمامين مالك وأحمد، وأما أبو حنيفة والشافعي: فيريان أنَّها على النصف من دية الرجل مطلقًا.
* خلاف العلماء:
ذهب مالك وأحمد إلى: ما دلَّ عليه هذا الحديث؛ من أنَّ دية الذمي هي على النصف من دية المسلم، قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى: أنَّ دية الذمي مثل دية المسلم، ودليلهما: قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النِّساء: 92].
والظاهر من الإطلاق الكمال، والجواب أنَّ الآية مجملة، ولا يخفى أنَّ دليل القول الأول أقوى وأرجح، والله أعلم.
***
1031 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَقْلُ شِبْهِ العَمْدِ مُغَلَّظٌ، مِثْلُ عَقْلِ العَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ، وَذلِكَ أَنْ يَنْزُوَ الشَّيْطَانُ، فَتَكُونَ دِمَاءٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي غَيْرِ ضَغِينَةٍ، وَلَا حَمْلِ سِلَاحٍ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَضَعَّفَهُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
أخرجه الدارقطني وضعَّفه، وأخرجه البيهقي بإسناده، ولم يضعفه. وروي الحديث الإمام أحمد في "مسنده"، وقال في "بلوغ الأماني": في إسناده علي بن زيد بن جدعان، وفيه مقال، وقد روي من طريق أخرى من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، صحَّحه ابن حبان، وابن القطان، والسيوطي.
* مفردات الحديث:
- شِبهُ العمد: هو أن يقصد جنايةً بما لا يقتل غالبًا، فيموت من تلك الجِناية.
- مغلظة: الغلظة خلاف الرِّقة، والدية المغلظة: هي التي تكون في قتل العمد وشبه العمد، فتؤخذ أرباعًا من أسنان الإبل: بنات المخاض، واللبون، والحِقاق، والجذل.
- يَنْزُو الشيطان: نزا الفحل نزوًا: وثب، ونزا به الشر: تحرك، قال في "النهاية": يقال: نزوتُ على الشيء إذا وثبت عليه، وقد يكون في الأجسام
(1) الدارقطني (3/ 95)، أبو داود (4565).
والمعاني. والمراد ضغينته: هي الحقد والعداوة والبغضاء؛ جمعها: "ضغائن" من نزو الشيطان، وساوسه، وإغوائه بالإفساد بين الناس.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم تعريف قتل شبه العمد، وأنَّ فيه شائبة العمد؛ من حيث قصد الجناية، وشائبة الخطأ؛ من حيث عدم قصد القتل، وضعف الدلالة.
2 -
ولعدم ثبوت القصاص فيه، وأخذه صفة العمدية من حيث قصد الجِناية -فإنَّ الدية فيه مغلظة.
3 -
التغليظ في الدية فيه قولان للعلماء:
أحدهما: أن تكون الدية تجب أرباعًا: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمس وعشرون "جَذَعة"، وهذا هو المشهور في مذهب أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو مروي عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- موقوفًا، وعن غيره مرفوعًا، وتقدم.
الثاني: أنَّ تغليظ الدية هو: ثلاثون حِقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلِفَة في بطونها أولادها وهو مذهب مالك والشافعي، ورواية عن أحمد اختارها بعض أصحابه.
4 -
قتل شبه العمد يأتي من غير عداوة ولا ضغينة، ولا حمل سلاح، وإنما ينزو الشيطان بسبب مزاح أو لعب، فيحصل القتل الذي لم يقصد، فتتكوَّن الدماء بين الناس، والله لطيف بعباده.
***
1032 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا". رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ، وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ إِرْسَالَهُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث مرسل.
راوه الأربعة، والدارمي، والدارقطني والبيهقي من طريق عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، ورجَّح النسائي وأبو حاتم إرساله. وقد روي موقوفًا، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني: عبد الرحمن بن أبي زيد عن نافع بن جبير عن ابن عباس، قلتُ: هذا سند ضعيف، علَّته عبد الرحمن هذا، وهو ابن البيلماني، وهو ضعيف، كما هو مبيَّن في كتب الجرح والتعديل.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تقدم الخلاف في أنواع الدية، وأنَّها خمس هي: الإبل، والبقر، والغنم، والذَّهب، والفضة.
فبعض العلماء يرى: أنَّ هذه الخمسة كلها أصول في الدية، وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد.
2 -
وبعضهم يرى: أنَّ الأصل هو الإبل فقط، والباقيات أبدال عنها، وهو القول الراجح، وتقدم بيان أدلة هذا القول.
3 -
هذا الحديث فيه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ودى القتيل بالفضة، وهي اثنا عشر ألف
(1) أبو داود (4546)، الترمذي (1388)، النسائي (8/ 44)، ابن ماجه (2629).
درهم، فيكون من أدلة مَنْ يرى أنَّ الخمسة كلها أصول، ولكن يمكن حمله بأنَّه لم يكن عند الجاني إبل في الوقت، أو أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صالح بين أهل القتيل والجاني.
4 -
كون الدية اثني عشر ألفًا هو مذهب الأئمة الثلاثة، أما مذهب الإمام أبي حنيفة فيرى أنَّ الدية عشرة آلاف.
***
1033 -
وَعَنْ أَبي رِمْثَةَ رضي الله عنه قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَمَعِي ابْنِي، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْنِي، أَشْهَدُ بِهِ، فَقَال: أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الجَارُودِ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال في "التلخيص": رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والحاكم من رواية أبي رمثة، ورواه أحمد أيضًا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث عمرو بن الأحوص، ورواه أحمد وابن ماجه وابن حبَّان من رواية الخشخاش العنبري، وروط أحمد أيضًا، والنسائي معناه من رواية ثعلبة بن زهدم، وقد صحَّحه ابن خزيمة، وابن الجارود.
وهذه الأحاديث يشد بعضمها بعضًا، ويقوِّي بعضها بعضًا، وهي معنى قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
* مفردات الحديث:
- لا يجني عليك، ولا تجني عليه: الجِناية: الذنب، أو ما يفعله الإنسان مما يوجب العقاب، أو القصاص، ومعناه: أنَّ الإنسان لا يطالب بجناية غيره.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يدل على أنَّه لا يطالب أحد بجناية غيره، قريبًا كان أو بعيدًا، حتى الأب مع ابنه، والابن مع أبيه، فالجاني يُطلب وحده بِجِنايته، ولا يطلب
(1) أبو داود (4495)، النسائي (8/ 53)، ابن الجارود (770).
بجنايته غيره، قال الله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وكانت المطالبة بجناية القريب عادةً جاهليةً، أبطلها الإسلام، وهذا في العمد خاصة، أما في غيره فسيأتي.
2 -
الحديث يشير إلى حكم العاقلة في الشريعة الإسلامية اِلحكيمة، ونحن نورد فيها جملًا طيبة مفيدة، لتكمل أبواب كتاب الجنايات من هذا الكتاب، ويكون منها فائدة للقارىء إن شاء الله تعالى.
3 -
العاقلة: هم ذكور العصبة نسبًا، من آباء، وأبناء، واخوة لغير أم، وأعمام، وأبنائهم، ووَلاء القريب منهم والبعيد، الذي يغرمون ثلث الدية فأكثر بسبب جناية قريبهم.
4 -
قال الشيخ تقي الدين: جناية الخطأ مما يعذر فيه الإنسان، فإيجاب الدية على الجاني خطأً ضررٌ عظيم به، من غير ذنب تعمده، والشارع أوجب على مَنْ عليهم موالاة القاتل ونصْره أن يعينوه على ذلك، فكان هذا كإيجاب النفقات التي تجب للقريب، فكان تحملها على وفق القياس.
5 -
ولا يعتبر في العاقلة أن يكونوا وارثين في الحال، بل متى كانوا وارثين لولا الحجب عقلوا.
6 -
ولا عقل على غير مكلف، ولا على فقير، ولا على أنثى، ولا مخالف لدين الجاني.
7 -
ولا تَحْمِل العاقلة عمدًا محضًا، بل تحمل الخطأ وشبه العمد، كما لا تحمل صلحًا عن إنكار، ولا اعترافًا لم تصدق به، ولا قيمة متلَف، ولا ما دون ثلث الدية الكاملة، بل يكون ذلك كله في مال الجاني.
8 -
يؤجل ما وجب على العاقلة على ثلاث سنين، من حين زهوق روح المجني عليه، أما الجروح فابتداء الحول من حين اندماله، يسلم عند رأس كل حول ثلثًا، فإن كانت الدية ثلثًا كدية المأمومة، حلَّت في آخر السنة الأولى، وإن
كانت نصف الدية، فالثلث في آخر السنة الأولى، والسدس الباقي في آخر السنة الثانية، وإن قتل اثنين ولو بجناية واحدة، فديتهما في ثلاث سنين.
9 -
يجتهد الحاكم في تحميل العاقلة كل واحد منهم ما يسهل عليه، ويبدأ بالأقرب، فالذي يليه، فإن اتَّسعت أموال الأقربين، لم يتجاوزهم إِلى من بعدهم، وإلَاّ انتقل إِلى من يليهم، كالميراث.
10 -
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: المذهب أنَّ الجاني لا يلزمه أن يحمل مع العاقلة شيئًا من الدية.
والقول الآخر: أنَّه يحمل مع العاقلة؛ لأنَّهم حملوا بسببه، ولا ينافي هذا أن الشارع جعل الدية على العاقلة، فإنَّها من باب التحمل؛ لأنَّها في الأصل واجبة على المتلِف.
11 -
قال في "المقنع" و"حاشيته": ومن لا عاقلة له، فإن كان مسلمًا ففي بيت المال، فإن لم يكن فلا شيء على القاتل على المذهب، ويحتمل أنَّها تجب في مال القاتل، وهو أولى؛ لعموم قوله تعالى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92].
12 -
قال الشيخ صالح الحصين: إنَّ وجوب العقل واجب على بيت المال في كل حالةٍ لا يبقى فيها سبيل للثبوت على غير بيت المال، ولا يوجد ما يُسقط العقل عنه.
13 -
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: الذي يتحمَّله بيت المال في الديات والديون هي:
الأولى: إذا مات أحد المسلمين، وعليه دين أو دية، أو غيرها، ولم يخلف وفاء، فعلى ولي الأمر قضاؤه من بيت المال، كما ثبت بالأحاديث الصحيحة.
الثانية: إذا جنى إنسان على آخر، وكانت الجِناية خطأ أو شبه عمد، ولم
تكن له عاقلة موسرة -فالمشهور من المذهب أنَّ الدية في بيت المال.
الثالثة: إذا حكم القاضي بالقسامة، فنكل الورثة عن حلف الأيمان، ولم يرضوا بيمين المدَّعي عليه، فإنَّ الإمام يفديه من بيت المال.
الرابعة؛ كل مقتول جُهل قاتله، كمن مات في زحمة طواف، أو عند الجمرة، ونحو ذلك، فديته في بيت المال.
أما الدية في قتل العمد: فتجب في مال الجاني، وتكون من ضمن الديون التي في ذمته، فإن كان موسرًا لزمه الوفاء، وإن كان معسرًا فَنَظِرة إلى ميسرة، ويسوغ أن يُدفع له من الزكاة؛ ليوفي به هذه الدين؛ لأنَّه من الغارمين. وإن مات مدينًا فعلى ولي الأمر قضاء دينه من بيت مال المسلمين.
***