الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشاعر والقصيدة
تأثر الشاعر أحمد شوقي في قصيدته (نهج البردة) بالشاعرين: كعب بن زهير والإمام البوصيري، وإذا تنقلنا مع شوقي بين أجزاء قصيدته نجده قد بدأها بالنسيب وقد أسرف شوقي في هذا الجانب حتى بلغ عدد أبياته أربعة وعشرين بيتا ولعلها من أجود ما كتب الشعراء في الغزل ثم تطرق إلى الحكمة وضرب الأمثال، وهو غرض من أغراض الشعر الكلاسيكي، وجعل لذلك أربعة عشر بيتا لجأ بعدها إلى التضرع والتوسل في ستة أبيات بلغت من التركيز وقوة التصوير مدى بعيدا، وكانت له معبرا إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبراز صفاته الطيبة الكريمة في أربعة وعشرين بيتا ولم ينس شوقي وهو يمتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشير إلى معجزته الكبرى القران الكريم ويبين منزلته بين الكتاب السماوية الاخرى في ستة أبيات محكمة البناء بالغة الدلالة والمعنى، كما تناول بعد ذلك مولد النبي صلى الله عليه وسلم وتحدث عن البشائر التي أنبأت بمجيئه في ثمانية أبيات، ثم تحدث عن الاسراء والمعراج في ثمانية أبيات أخرى لم يفته فيها أي حدث تم في هذه الليلة الغراء، كما بين مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أبيات انتقل بعدها إلى الحديث عن الهجرة وكيف نجى الله رسوله صلى الله عليه وسلم وصاحبه فلم تصل إليهما يد الكفر والشرك.
وشوقي في قصيدته التي سار فيها على درب سلفة الإمام البوصيري لا يتجرد من ثوب التواضع أمامه فله فضل السبق ولا قبل له بالوقوف أمامه في صوغ مديحه. وكان ذلك التعبير عن التواضع في ستة أبيات تعتبر خروجا عن الغرض الرئيسي للقصيدة، وخروجا على الشكل الكلاسيكي للقصيدة الدينية إلا أنه ليس مخلا بالموضوع العام، وإنما هو محاولة تجديدية من قبل شوقي بقصد كسر حدة الرتابة، بعده يعود لموضوعه الأساسي فيتحدث عن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ويركز على شجاعته وهيبته بين أصحابه، فضلا عن جمال طلعته وفيض كرمه وعطائه.
وتناول شوقي بعد ذلك في أثنى عشر بيتا انتقل بها إلى الحديث عن جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم في الإسلام وخصص شوقي له سبعة عشر بيتا يحث الشاعر في نهايتها المسلمين على العودة إلى منابع الشريعة الإسلامية وإحياء الفريضة السادسة وهي الجهاد في سبيل الله، وفي اطار هذا يمدح المسلمين الأوائل الذين أعانوا الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته وناصروه في سبعة أبيات ينفذ من خلالها إلى الحديث عن جوهر الشريعة الإسلامية التي غيرت مجرى التاريخ في ثلاثة عشر بيتا يبين في اخرها أن التمسك بكتاب الله يؤدي إلى السعادة في الدارين، ولا يفوته بعد ذلك أن يفرد عشرة أبيات يعقد فيها مقارنة بين الحضارات السابقة وحضارة المسلمين، وأخيرا نجد أمير الشعراء يمتدح الخلفاء الراشدين ويجعل خامسهم عمر بن عبد العزيز ويبين صفاتهم السامية، كما يتناول شوقي ماثر وأعمال الخلفاء في اثنى عشر بيتا استمد الخيال فيها من البيئة العربية، وقد قصد شوقي أن ينهي حديثه عن الخلفاء الراشدين بأبي بكر الصديق ليزيد من تكريمه وليكون مسك الختام فأبو بكر مقدم على سائر الصحابة وسائر الخلفاء.
وينهي شوقي قصيدته الميمية المطولة بالصلاة والسلام على الأنبياء وعلى رأسهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي هو خير الرسل وخاتم النبيين في أربعة عشر بيتا جاءت غاية في الطلاوة ونهاية في الحلاوة ثم يتحول شوقي ويتجه مرة أخرى إلى العالم الإسلامي المعاصر فيدعو له بما يرفع من شأنه ويطلب من المسلمين أن يهبوا من رقادهم، فكم من شعوب لا تدين بالإسلام قد استيقظت من رقادها وسادت في موكب النهضة.
ثم يتوجه إلى الله عز وجل طالبا السعادة والهناء والنعيم لشعوب الأمة الإسلامية ويطلب بحق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يخفف العناء عن المسلمين ويحسن ختامهم، كما أحسن بدأهم.
وتنهي القصيدة العصماء ببيت يقول فيه:
يا رب أحسنت بدء المسلمين به
…
فتمم الفضل وامنح حسن مختتم