الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باللذة كوسيلة وغاية؛ أما شوقي فهو يأخذ الأمر مأخذا أخلاقيا يركز فيه تربويا على تربية النفس حتى تصل إلى درجة التقوى ولا يأخذ مذهبا جسديا في مسألة اللذة إنما يهتم أساسا بموقف تربوي أخلاقي ولا يهتم بسوى ذلك من الاتجاهات، فالنفس عند شوقي خيرة طالما هي خيرة والنفس شريرة ما لم تقوم من الصغر وتمنع من الاتجاه إلى الشر.
3- في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين:
كان المدح هو أهم غرض من أغراض القصيدة العربية ويقابله الهجاء كغرض مضاد فإن تعرض الشاعر العربي لشخص، فأما بالمدح وأما بالهجاء ولا شيء بينهما، ومن هنا نستطيع أن نؤكد أن مدح الأشخاص أو هجائهم.. غرض أصيل من أغراض الشعر العربي من قبل ظهور الإسلام. ويبدأ كعب في دخوله إلى الغرض الأساسي في قصيدته وهو المدح بتمهيد ذكي، فهو لا يبدأ بتكريم وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بالأمس قد هاجمه فيواجه بهذا المدح المباشر عارا، وإنما يمهد لهذا المدح بوضع خاص بينه كواحد من الرعية وبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كحاكم غاضب على هذا الشاعر، وكنبي ورسول سمع أن هذا الشاعر خارج على مذهبه ورسالته، فهو يأمل في العفو، ويتمنى الصفح قائلا في بداية هذا التمني (نبئت أن رسول الله أوعدني) . فيرد هذه المقولة التي تعني أن الرسول الكريم قد هدده بالقتل، يرد بأن العفو عند رسول الله مطموع فيه ومرجو، ولكن كيف يرجو هذا الشاعر وهو الذي هجا الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يأمل في العفو عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟ .. إنه يقول بذكاء الداهية العربي مخاطبا الرسول الكريم:
(مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القران) ..
وهو هنا يخاطبه بما يحب: (الله جل جلاله والقران الكريم) ثم يتجه في هذا القسم المملوء مدحا طالبا بكل تواضع ألا يأخذه الرسول بأقوال غير مؤكدة لأنه لم يذن وإن كثرت فيه الأقاويل. وهنا نجد هذا الشاعر يمهد بكلام منطقي عند إنسان مختار من الله لصدقه وعقله وأمانته فهو يتجه إليه مخاطبا فيه عقله
ويؤكد تصديقه لرسالة الرسول الكريم. ويستمر كعب حتى يصل بأبياته في المدح إلى وصف الرسول بأنه الأسد الأكثر قوة وهو الذي لا يستطيع حازم أن يهزمه، وإلى أجمل أبيات القصيدة طرا «أن الرسول لنور يستضاء به، مهند من سيوف الله مسلول» وهنا وبكل ذكاء وبقوة التصوير والخيال يجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهم صفتين يتصف بهما صاحب الرسالة وهما (قوة البيان والحجة) متمثلين في القران الذي يهدي ويضيء لمن حوله وقوة السيف التي تمنح قوة الانتشار. فهو نور الفكر ينشر بحد السيف، فنجد أن كعبا يتخذ من التفكير المنطقي والتشبيه المادي وسيلة لمدح الرسول الكريم فلا يشبهه بأخيلة بعيدة عن مدركات العقل أو حتى بعيدة عن مدركات العين والأذن. نعم هو لا يستطيع أن يخرج على أساليب المدح المادي البحتة وإن كان قد استخدم أخيلة وتشبيهات غاية في الجدة ولا اعتقد أن إنسانا قبله قد استطاع أن يكتب في مدح أفضل من هذا البيت وأمدح إذ يقول:
ان الرسول لنور يستضاء به
…
مهند من سيوف الله مسلول
ثم ننتقل إلى الإمام البوصيري حين يمدح الرسول الكريم فنجده يمهد لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم بنوع من التطهر المادي والنفسي ويركز قبل المدح على زهده ويبين أمنيته في أن يكون أهلا لمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصل إلى بداية المدح المباشر بقوله:
محمد سيد الكونين والثقلي
…
ن والفريقين من عرب ومن عجم
نبينا الامر الناهي فلا أحد
…
أبر في قول لا منه ولا نعم
وهنا نجد الإمام البوصيري يركز على العواطف الصوفية والأساليب الروحية في مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد فاق النبيين في خلق، ولم يدانوه في علم وهو يغرف من بحر العلم، وهو الذي تم معناه وصورته، ومنزه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منفصم، ثم يقارنه بعيسى عليه السلام من حيث معجزاته، ثم يفضله على العرب نسبا، فهو من سلالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبي الأنبياء.
ونجد أن البوصيري قد أجاد في وصف الروحانيات وإن كان قد استخدم التشبيهات المادية في بعض الأبيات واصفا الرسول عليه الصلاة والسلام بأبيات منها.
يقول:
فمبلغ العلم فيه أنه بشر
…
وانه خير خلق الله كلهم
كالزهر في ترف والبدر في شرف
…
والبحر في كرم والدهر في همم
لا طيب يعدل تريا ضم أعظمه
…
طوبي لمنتشق منه وملتثم
ومن خلال هذه الأبيات نجد أن الإمام البوصيري قد وضع صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في موضع روحي لا ينزل به إلى المادية إلا إذا اضطر إلى ذلك اضطرارا.
ويتخذ شوقي طريق الإمام البوصيري في الوصول إلى المدح لرسول الله عن طريق الضراعة والاستغفار ومحاولة التطهر متوسلا بدموعه وعبراته ليقبل منه هذا المدح فيبدأ ببيت مشابه لبيت كعب القائل فيه:
(.. والعفو عند رسول الله مأمول) فيجاري كعبا في.. هذا المعنى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
(ان جل ذنبي عن الغفران لي أمل في الله..)
وهو يبدأ بهذا ويصل فيه إلى أقصى درجات التذلل ويعتبر أن أقصى درجات التذلل للرسول الكريم ليست إلا شيئا يسيرا يقدمه كل ذي تقوى فهو كي يصل إلى مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لابد أن يمر بمرحلة من التذلل والاستكانة ولزوم بابه طلبا للعفو وللشفاعة يوم القيامة حيث لا يشفع عند الله إلا الرسول الكريم وبعد ذلك يصل في مدح الرسول الكريم إلى المخرج بين الوقائع التاريخية والصفات الروحية ويخلط بين الصفات النفسية والأشكال الطبيعية في الأجرام السماوية، مثل وصفه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه صفوة الباري، وصاحب الحوض؛ ومن التاريخ نجده يستمد هذا التشبيه (نمو إليه.. ورب أصل للفرع في الفخار نمى) ..