الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كعب بن زهير ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم*
كعب وقصة اسلامه:
يعد كعب بن زهير بن أبي سلمى رضى الله عنه واحدا من فحول الشعراء المخضرمين فهو من مضر، وأمه كبشه بنت عمار بن عدى، تزوجها زهير بن أبي سلمى، وكانت منازلهم بالحاجر من نجد، وزهير تزوجها على زوجته الأولى أم أوفى التي لم تكن يعيش لها ولد ولما تزوج كبشة أصابتها الغيره فطلقها ثم ندم بعد ذلك.
أما نسب والده فهو زهير بن ربيعة بن رباح، ويعد زهير من الشعراء الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء في الجاهلية (امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني) وقد أجمع النقاد على رأي عمر بن الخطاب رضى الله عنه فيه بأنه كان لا يفاضل ويتجنب وحشى الكلام، ولم يمدح أحدا إلا بما فيه، فكان كثير التنقيح والتهذيب حتى زعموا أنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، وينقحها في أربعة أشهر، ثم يعرضها على أصحابه في أربعة أشهر، وعاش حوالي تسعين عاما، وتوفى قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتحدثوا فقالوا: أن زهيرا كان كثيرا ما يلتقي بأهل الكتاب ويسمع منهم ويتحدث إليهم ويفكر فيما دعى إليه منهم، لذا جاء تفكيره واضحا من خلال ما يذكره عن الفناء والبقاء حيث يقول:
بدا لي أن الناس تفنى نفوسهم
…
وأموالهم ولا أرى الدهر فانيا
«وذات ليلة رأى زهير فيما يراه النائم أن أسباب السماء قدمت إليه، فلما هم أن ينالها نأت عنه، ثم أفاق من نومه، ولم يشك في أن لهذه الرؤيا دلالتها وتأويلها، فجمع بنيه الثلاثة (سالما وكعبا وبجيرا) وقال لهم: أنه كائن خبرا،
وأوصاهم أن يستقصرا هذا الخبر، وينتفعوا به وبما يحدث به من أخبار السماء «1» .
واتفق الرواة على أن الشعر لم يتصل في الجاهلية بأحد إلا في زهير، وفي الإسلام بجرير وكعب، فوالد كعب زهير كان شاعرا، وجده أبو سلمى كذلك، عمتاه (سلمى والخنساء) وخال أبيه بشامه بن الغدير، وابنا عمته (تماضر) الخنساء، وأخوها صخر، وابنا بنته سلمى العوثبان وقريض، وأخوه بجير، وولده عقبة (المضرب) وحفيده العوام بن عقبة، فكلهم شعراء، فكعب أحد الفحول المجيدين في الشعر ومقدم على أهل طبقته، وقال كعب الشعر وهو صغير، فكان أبوه زهير ينهاه ويضربه مخافة أن يقول ما لا فيه خير ولا منفعه، ويحكي أن زهير علم باستمراره في قول الشعر، فدعاه وضربه ضربا شديدا، ثم أطلق سراحه وسرحه في بهمة فانطلق يرتجز فخرج إليه زهير وهو غضبان فدعا بناقته فأردفه خلفه ثم راح يضرب ناقته وهو يريد أن يتعرّف على ما عند كعب ويعلم ما عنده ويطلع على شعره، وتأكد بعد ذلك زهير من استرسال كعب في الشعر فأذن له فقال له: قد أذنت لك يا بني، فنزل كعب إلى أهله قائلا:
أبيت فلا أهجو الصديق ومن ييع
…
يعرض أبيه في المعاشر ينفق
وقد ولد كعب في الجاهلية ثم أسلم وامتد به العمر حتى زمن معاوية بن أبي سفيان.
وقد تأخر بجير وكعب عن الدخول في الإسلام، ولما زاد انتشار الإسلام تامر كعب ويجير ضد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في المدينة المنورة، فانطلقا حتى بلغا (الابرق) .
قال بجير لأخيه كعب: اقم هنا حتى اتى هذا الرجل فأسمع منه واعلم علمه ثم أعود إليك، وأقام كعب وذهب بجير وبقى كعب ينتظر عودة أخيه بجير الذي امن برسالة السماء لأول وهلة رأى فيها الرسول عليه الصلاة والسلام فأقام
(1) طه حسين- تاريخ الادب.
مع صحابة الرسول الكريم حيث وجد الأمن والأمان والاستقرار، ويئس كعب من مقدم أخيه وطال انتظاره حتى استيقن أن أخاه بجيرا اتبع دين محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه قد صبأ، فغاظه ذلك وساءه فأرسل إلى أخيه يؤنبه برسالة يقول فيها:
ألا أبلغا عنى بجيرا رسالة
…
فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
شربت مع المأمون كأس رؤية
…
فانهلك المأمور منها وعلكا
خالفت أسباب الورى وتبعته
…
على أي شيء ريب غيرك دلكا
فإن أنت لم تفعل فلست باسف
…
ولا قائل أما عثرت لعالكا
وتلقي بجير رسالة أخيه كعب ونقلها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأباح الرسول عليه الصلاة والسلام دم كعب لتعرضه للدين وللنبي والمسلمين بالإساءة. وكان كعب كغيره من شعراء الشرك يهجو النبي عليه الصلاة والسلام ويحرض عليه ويدس إلى مجلسه من يناله بمكروه ويقول الشعر كما كان يقوله غيره من الشعراء، وعلم كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح دمه كغيره من الشعراء الذين نالوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالاساءة ففر الكثير من هؤلاء بعد الفتح وقتل من قتل من أمثال: نضر بن الحارث الذي قتله الرسول صلى الله عليه وسلم، وكعب ليس بأقل جرما منه ومن هؤلاء الخصوم. كل ذلك ملأ قلب كعب رعبا وفزعا وخوفا مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وحاول كعب الفرار كغيره من أمثال ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب، ولكن دون جدوى فضاقت به الأرض وتخاذل الناس من أمامه ولم يجد من يمد له يد العون فأخوه بجير على غير ملته والصراع في نفسه صراع رهيب لأنه يعلم بأن المسلمين أن رأوه سيقتلونه لعلمه بأنه ليس هناك ممن نطق بالشهادتين من يرفض ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم فهو هالك لا محالة ويأمل بجير أن يخطو كعب خطاه حيث الاستقرار النفسي والاطمئنان والتضحية في سبيل الحق، فما كان من بجير إلا أن بعث إلى أخيه كعب ينصحه بأن يطلب العفو من النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي عليه الصلاة والسلام رؤوف رحيم، ذو خلق كريم، يأمر بالعفو ويعرض عن الجاهلين، وجاءته رسالة بجير ينشده للإسلام والشهادة:
من مبلغ كعبا فهل لك في التي
…
تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات واحده
…
فتنجو اذا كان النجاة وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت
…
من النار الا الطاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه
…
ودين أبي سلمى على محرم
فلما بلغ الكتاب كعبا ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وقد انفض عنه من كانوا بالأمس يدفعونه لهجاء الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا:
(مقتول)
…
فاستقرت عزيمة كعب على أن يستجير بعفو النبي من غضب النبي عليه الصلاة والسلام وانطلق حتى بلغ المدينة فاوى إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه كما تقول بعض الروايات- ليأخذه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهناك رواية أخرى تقول أنه نزل على رجل من جهينة كانت بينه وبين كعب صلة، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فصلى معه صلى الله عليه وسلم، ثم أشار لكعب إلى الرسول فقال: هذا رسول الله فقم إليه، يقول كعب:(فعرفت رسول الله بالصفة فتخطيت حتى جلست إليه)، وكان كعب ملثما بعمامته فقال: يا رسول الله هذا رجل جاء يبايعك على الإسلام فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده فحسر كعب عن وجهه وقال: هذا مقام العائذ بك يا رسول الله، أنا كعب بن زهير وهم به الأنصار عند معرفتهم له لما قدم من اساءة للنبي عليه الصلاة والسلام وتواثبوا يريد كل واحد منهم قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فإنه قد جاء تائبا عما كان عليه، ونهاهم عنه وبايع كعب النبي عليه الصلاة والسلام وتقول بعض الروايات: أن النبي استنشد أبا بكر ما كان كعب قد قاله في هجائهم فقال صلى الله عليه وسلم كيف قال يا أبا بكر؟
فأنشده أياه أبو بكر، فلما بلغ قوله (فانهلك المأمور منها وعلكا) فقال كعب: لم أقل المأمور يا رسول الله وإنما قلت المأمون، فقال النبي مأمون والله مأمون ورضى النبي عليه الصلاة والسلام عن كعب بن زهير فما كان من كعب إلا أن وقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وأنشده قصيدته التي عرفت فيما بعد بقصيدة البردة، وقد أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه القصيدة وبخاصة عندما وصل إلى قوله:
ان الرسول لنور يستضاء به
…
مهند من سيوف الله مسلول
وقد سر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يكون بجانبه شاعر مجيد وقد كان من كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديره لكعب أن وهبه بردته الخاصة فسميت هذه القصيدة فيما بعد ببردة كعب، وأن معاوية أراد أن يشتري البرده من كعب وأغلى له الثمن ولكن كعبا أبى أن يبيع بردة الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما مات كعب راجع معاوية أهله فاشتراها بأربعين ألف درهم وهي التي توارثها الخلفاء فيما بعد وكانوا يخرجون بها للناس في العيدين ثم انتهت إلى الخلفاء من الأتراك من بني عثمان فحفظها السلطان مراد الثاني في صندوق من الذهب ولم تزل محفوظة فيه إلى الان في الاستانة في تركيا والله أعلم..