المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قصيدة الامام البوصيري - ثلاثية البردة بردة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

[حسن حسين]

الفصل: ‌قصيدة الامام البوصيري

‌قصيدة الامام البوصيري

أمن تذكر جيران بذي سلم

مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة

وأومض البرق في الظلماء من أضم

فما لعينك ان قلت أكففا هتما

وما لقلبك ان قلت استفق يهم

أيحسب الصب ان الحب منكتم

ما بين منسجم منه ومضطرم

لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل

ولا أرقت لذكر البان والعلم

فكيف تنكر حبا بعد ما شهدت

به عليك عدول الدمع والسقم

وأثبت الوجد خطى عبرة وضنى

مثل البهار على خديك والعنم

نعم سرى طيف من أهوى فأرقني

والحب يعترض اللذات بالألم

يا لائمي في الهوى العذرى معذرة

منى اليك ولو أنصفت لم تلم

عدتك حالي لا سرى بمستتر

عن الوشاة ولا دائي بمنحسم

محضتني النصح لكن لست أسمعه

ان المحب عن العذال في صمم

اني اتهمت نصيح الشيب في عذل

والشيب أبعد في نصح عن التهم

فان امارتي بالسوء ما اتعظت

من جهلها بنذير الشيب والهرم

ولا أعدت من الفعل الجميل قرى

ضيف ألم برأسي غير محتشم

لو كنت أعلم أني ما أوقره

كتمت سرا بدا لي منه بالكتم

من لي برد جماح من غوايتها

كما يرد جماح الخيل باللجم

فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها

ان الطعام يقوى شهوة التهم

والنفس كالطفل ان تهمله شب على

حب الرضاع وان تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه

ان الهوى ما تولى يصم أو يصم

وراعها وهي في الأعمال سائمة

وان هي استحلت المرعى فلا تسم

كم حسنت لذة للمرء قاتلة

من حيث لم يدر أن السم في الدسم

واخش الدسائس من جوع ومن شبع

فرب مخصة شر من التخم

واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت

من المحارم والزم حمية الندم

ص: 176

وخالف النفس والشيطان واعصهما

وان هما محضاك النصح فاتهم

ولا تطع منهما خصما ولا حكما

فانت تعرف كيد الخصم والحكم

استغفر الله من قول بلا عمل

لقد نسبت له نسلا لذي عقم

أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به

وما استقمت فما قولي لك استقم

ولا تزودت قبل الموت نافلة

ولم أصل سوى فرض ولم أصم

ظلمات سنة من أحياء الظلام الى

أن اشتكت قدماه الضر من ورم

وشد من سغب أحشاءه وطوى

تحت الحجارة كشحا مترف الادم

وراودته الجبال الشم من ذهب

عن نفسه فأراها أيما شمم

وأكدت زهده فيها ضرورته

ان الضرورة لا تعدو على العصم

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من

لولاه لم تخرج الدنيا منالعدم

محمد سيد الكونين والثقلين

والفريقين من عرب ومن عجم

نبينا الامر الناهي فلا أحد

أبر في قول لا منه ولا نعم

هو الحبيب الذي ترجى شفاعته

لكل هول من الأهوال مقتحم

دعا إلى الله فالمستمسكون به

مستمسكون بحبل غير منفصم

فاق النبيين في خلق وفي خلق

ولم يدانوه في علم ولا كرم

وكلهم من رسول الله ملتمس

غرفا من البحر أو رشفا من الديم

ووافقون لديه عند حدهم

من نقطة العلم أو من شكلة الحكم

فهو الذي تم معناه وصورته

ثم اصطفاه حبيبا باريء النسم

منزه عن شريك في محاسنه

فجوهر الحسن فيه غير منفسم

دع ما ادعته النصاري في نبيهم

واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف

وانسب إلى قدرة ما شئت من عظم

فان فضل رسول الله ليس له

حد فيعرب عنه ناطق بفم

لو ناسبت قدره ايباته عظاما

أحيى اسمه حين يدعو دارس الرمم

لم يمتحنا بما تعي العقول به

حرصا علينا فلن نرتب ولم نهم

أعيى الورى فهم معناه فليس يرى في

القرب والبعد فيه غير منفحم

ص: 177

كالشمس تظهر للعينين من بعد

صغيرة ونكل الطرف من أمم

وكيف يدرك في الدنيا حفيقته

قوم نيام تسلوا منه بالحلم

فمبلغ العلم فيه أنه بشر

وأنه خير خلق الله كلهم

وكل اي أتى الرسل الكرام بها

فانما اتصلت من نوره بهم

فانه شمس فضل هم كواكبها

يظهرون أنوارها للناس في الظلم

أكرم بخلق نبي زانه خلق

بالحسن مشتمل بالبشر متسم

كالزهر في ترف والبدر في شرف

والبحر في كرم والدهر في همم

كأنه، وهو فرد من جلالته

في عسكر حين تلقاه وفي حشم

كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف

من معدني منطق منه ومبتسم

لا طيب بعدل تربا ضم أعظمه

طوبى لمنتشق منه وملتثم

ابان مولده عن طيب عنصره

يا طيب مبتدأ منه ومختتم

يوم تفرس فيه الفرس أنهم

قد أنذروا بحلول البؤس والنقم

وبات ايوان كسرى وهو منصدع

كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم

والنار خامدة الأنفاس من أسف

عليه والنهر ساهي العين من سدم

وساء ساوة ان غاضت بحيرتها

ورد واردها بالغيظ حين ظمى

كأن بالنار ما بالماء من بلل

حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم

والجن تهتف والأنوار ساطعة

والحق يظهر من معنى ومن كلم

عموا وصموا فاعلان البشائر لم

تسمع وبارقة الانذار لم تشم

من بعد ما اخبر الأقوام كاهنهم

بأن دينهم المعوج لم يقم

وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب

منقضة وفق ما في الأرض من صنم

حتى غدا عن طريق الوحي منهزم

من الشياطين يقفوا اثر منهزم

كأنهم هربا أبطال ابرهة

أو عسكر بالحصى من راحتيه رمى

نبذا به بعد تسبيح ببطنهما

نبذا لمسبح من أحشاء ملتقم

جاءت لدعوته الأشجار ساجدة

تمشيء إليه على ساق بلا قدم

كأنما سطرت سطرا لما كتبت

فروعها من بديع الخط في اللقم

ص: 178

مثل الغمامة أني سار سائرة

تقيه حر وطيس للهجير حمى

أقسمت بالقمر المنشق أن له

من قلبه نسبة مبرورة القسم

وما حوى الغار من خير ومن كرم

وكل طرف من الكفار عنه عمى

فالصدق في الغار والصديق لم يرما

وهم يقولون ما بالغار من ارم

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على

خير البرية لم تنسج ولم تحم

وقاية الله أغنت عن مضاعفة

من الدروع وعن عال من الأطم

ما سامني الدهر ضيما واستجرت به

إلا ونلت جوارا منه لم يضم

ولا التمست غنى الدارين من يده

إلا استلمت الندى من خير مستلم

لا تنكر الوحى من رؤياه ان له

قلبا إذا نامت العينان لم ينم

وذاك حين بلوغ من نبوته

فليس ينكر فيه حال محتلم

تبارك الله ما وحي بمكتسب

ولا نبي على غيب بمتهم

كم أبرأت وصبا باللمس راحته

وأطلقت أربا من ريقه اللمم

وأحييت السنة الشهباء دعوته

حتى حكت غرة في الأعصر الدهم

بعارض جاد أو خلت البطا بها

سيب من اليم أو سيل من العرم

دعني ووصفي ايات له ظهرت

ظهور نار القرى ليلى على علم

فالدر يزداد حسنا وهو منتظم

وليس نيقص قدرا غير منتظم

فما تطاول امال المديح إلى

ما فيه من كرم الأخلاق والشيم

ايات حق من الرحمن محدثة

قديمة صفة الموصوف بالقدم

لم تقترن بزمان وهي تخبرنا

عن المعاد وعن عاد وعن ارم

دامت لدينا ففاقت كل معجزة

من النبين إذ جاءت ولم تدم

محكمات فما تبقين من شبه

لذي شقاق وما تبغين من حكم

ما حوربت قط إلا عاد من حرب

اعدى الأعادي إليها ملقى السلم

ردت بلاغتها دعوى معارضها

رد الغيور يد الجاني عن الحرم

لها معان كموج البحر في مدد

وفوق جوهرة في الحسن والقيم

فما تعد ولا تحصى عجائبها

ولا تسام على الاكثار بالسام

ص: 179

قرت بها عين قاريها فقلت له

لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم

ان تتلها خيفة من حر نار لظى

أطفأت نار لظى من وردها الشبم

كأنها الحوض تبيض الوجوه به

من العصاة وقد جاؤا كالحمم

وكالصراط وكالميزان معدله

فالقسط من غيرها في الناس لم يقم

لا تعجبن لحسود راح ينكرها

تجاهلا وهو عين الحاذق الفهم

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم الماء من سقم

يا خير من يمم العافون ساحته

سعيا وفوق متون الاينق الرسم

ومن هو الاية الكبرى لمعتبر

ومن هو النعمة العظمى لمغتنم

سريت من حرم ليلا إلى حرم

كما سرى البدر في داج من الظلم

وبت ترقى إلى أن نلت منزلة

من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقد متك جميع الأنبياء بها

والرسل تقديم مخدوم على خدم

وأنت تخترق السبع الطباق بهم

في موكب كنت فيه صاحب العلم

حتى إذا لم تدع شأوا لمستبق

من الدنو ولا مرقى لمستنم

خفضت كل مقام بالاضافة إذ

نوديت بالرفع مثل المفرد العلم

كيما تفوز بوصل أي مستتر

عن العيون وسر أي مكتتم

فحزت كل فخار غير مشترك

وحزت كل مقام غير مزدحم

وجل مقدار ما وليت من رتب

وعز ادراك ما أوليت من نعم

بشرى لنا معشر الاسلام ان لنا

من العناية ركنا غير منهدم

لما دعا الله داعينا لطاعته

يا أكرم الرسل كنا أكرم الأمم

راعت قلوب العدا أنباء بعثته

كنبأة أجفلت غفلا من الغنم

ما زال يلقاهم في كل معترك

حتى حكوا بالقنا لحما على وضم

ودوا الفرار فكادوا يغبطون به

اشلاء شالت مع العقبان والرخم

تمضي الليالي ولا يدرون عدتها

ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم

كأنما الدين ضيف حل ساحتهم

بكل قرم إلى لحم العدا قرم

يجر بحر خميس فوق سابحة

يرمى بموج من الأبطال ملتطم

ص: 180

من كل منتدب لله محتسب

يسطو بمستأصل للكفر مصطلم

حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم

من بعد غربتها موصولة الرحم

مكفولة أبدا منهم بخير أب

وخير بعل فلم تيتم ولم تئم

هم الجبال فسل عنهم مصادمهم

ماذا رأى منهم في كل مصطدم

وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا

فصول حتف لهم أدهى من الوخم

المصدري البيض حمرا بعد ما رودت

من العدا كل مسود من اللمم

والكاتبين بسمر الخط ما تركت

أقلامهم حرف جسم غير منعجم

شاكي السلاح لهم سيما تميزهم

والورد يمتاز بالسيما من السلم

تهدى اليك رياح النصر نشرهم

فتحسب الزهر في الأكمام كل كمى

كأنهم في ظهور الخيل نبئت ربا

من شدة الحزم لا من شدة الحزم

طارت قلوب العدا من بأسهم فرقا

فما تفرق بين البهم والبهم

ومن تكن برسول الله نصرته

ان تلقه الأسد في اجامها تجم

ولن ترى من ولى غير منتصر

به ولا من عدو غير منقصم

أحل أمته في حرز ملته

كالليث حل مع الأشبال في أجم

كم جدلت كلمات الله من جدل

فيه وكم خصم البرهان من خصم

كفاك بالعلم في الأمى معجزة

في الجاهلية والتأديب في اليتم

خدمته بمديح استقيل به

ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم

إذ قلداني ما تخشى عواقبه

كأنني بهما هدى من النعم

أطعمت غي الصبا في الحالتين وما

حصلت إلا على الاثام والندم

فيا خسارة نفس في تجارتها

لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم

ومن يبيع اجلا منه بعاجلة

يبن له الغبن في بيع وفي سلم

ان ات ذنبا فما عهدي بمنتقض

من النبي ولا حبلى بمنصرم

فان لي ذمة منه بتسميتي

محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم

ان لم يكن في معادي اخذا بيدي

فضلا وإلا فقل يا زلة القدم

حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه

أو يرجى الجار منه غير محترم

ص: 181

ومنذ الزمت أفكاري مدائحه

وجدته لخلاصي خير ملتزم

ولن يفوت الغنى منه يدا تربت

ان الحيا ينبت كالأزهار في الأكم

ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت

يدا زهير بما أثنى على هرم

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به

سواك عند حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي

إذ الكريم تجلى باسم منتقم

فان من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم

يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت

ان الكبائر في الغفران كالمم

لعل رحمة ربي حين يقسمها

تأتي على حسب العصيان في القسم

يا رب واجعل رجائي غير منعكس

لديك واجعل حسابي غير منخرم

والطف بعبدك في الدارين ان له

صبرا متى تدعه الأهوال ينهزم

واذن لسحب صلاة منك دائمة

على النبي بمنهل ومنسجم

ما رنحت عذابات البان ريح صبا

واطرب العيس حادي العيس بالنغم

ثم الرضا عن أبي بكر وعن عمر

وعن علي وعن عثمان ذي الكرم

والال والصحب ثم التابعين فهم

أهل التقى والنقى والحلم والكرم

يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا

واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر الهي لكل المسلمين بما

يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم

بجاه من بيته في طيبة حرم

واسمه قسم من أعصم القسم

وهذه بردة المختار قد ختمت

والحمد لله في بدء وفي ختم

أبياتها قد أتت ستين مع مائة

فرج بها كربنا يا واسع الكرم

ص: 182