المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌8- الشريعة الاسلامية: - ثلاثية البردة بردة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

[حسن حسين]

الفصل: ‌8- الشريعة الاسلامية:

استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.. إلى اخر الاية الكريمة) صدق الله العظيم.

فهو يحث المعاصرين له من المسلمين على الجهاد نظرا لأن الجهاد فريضة إسلامية مؤكدة.

ونجد في هذا الجزء أن أحمد شوقي قد تفوق على نفسه من حيث الايقاع واختيار الكلمات المناسبة والمباشرة إلى المعنى، ولكنه خرج عن مفهوم الجهاد في المستقبل أي أنه ترك عهد الرسول وتقدم إلى عهد أحمد شوقي نفسه ناظرا إلى حال المسلمين انذاك وداعيا لهم بدعوى الجهاد مذكرا به.

وإذا قارنا بين كعب بن زهير وبين الإمام البوصيري وبين أحمد شوقي نجد أن كلّا منهم ابن عصره وسليل مجتمعه، فكل واحد قد وصف ما يرها هذا يصف المسلمين وهم يحاربون بالفعل، وذلك يطلب من المسلمين أن يستعدوا لجهاد قادم والثالث يفكر في الحرب ويصفها وكأنها معركة داخلية بين الانسان ونفسه.

كل شاعر منهم قد وصف عصره وعبّر عما يجيش داخل نفسه من أفكاره وهموم زمانه.

‌8- الشريعة الاسلامية:

الشريعة الإسلامية لم تذكر ولم يشر إليها عند كعب بن زهير إلا في بيت واحد من أبياته فهو يسوق في معرض مدحه للرسول الكريم وصفا للقران الكريم ويصفه بالنافلة، ثم يصف ما تضمنه القران وفيه مواعظ ثم فيه تاريخ الأقدمين، اذن فهو يدرك قيمة القران الكريم، مع أنه لم يؤمن به إلا من هنيهات بسيطة وندرك من عدم الاسهاب أنه لم يكن قد تأثر بالإسلام تأثرا بيّنا، لكنه نظر للإسلام نظرة اجمالية تحكمها لحظة الاشراق بعد منحه الأمان، أما الإمام البوصيري فقد كتب سبعة عشر بيتا يصف فيها القران الكريم من خلال نظرة عامة ثم تناول القران الكريم كسور وايات متفرقات فهو يطنب في مدح هذه الايات والكلمات والأحرف ثم يقول فيها ان ما وصلت إليه من مدح للقران لا

ص: 161

يتجاوز الحقيقة ولن يصل إلى القيامة الحقيقية والأخلاقية للقران الكريم، ثم ينتقل إلى أنه لا يمكن لإنسان أن يحارب القران ولو حاول أحد مناقشة القران لا نكسر وانهزم أمام بلاغة ليست من صنع البشر، ثم ينتقل إلى معاني القران ويتصورها عالية كأمواج البحر وهي لا تخبو معانيها، وكلما تقدم الزمن وزاد القدم زادت قيمتها كالجواهر كلما مكتث زادت قيمتها ثم يصف من يتمسك بالقران الكريم، فهو يعتصم بحبل الله ولا يستطيع انسان أو مخلوق أن يصل إليه أو يمسه شيء طالما هو مستمسك ومستعصم بهذا القران الكريم وهو كلام الله عز وجل، كما أن أحكامه هي العدل بين الناس ولا ينكرها غير الحاسد ولا يجحدها إلا الجاهل، وهنا يؤكد الإمام البوصيري أن هذا الجاهل وهذا الجاحد ليس الا صاحب مرض وصاحب غرض، ويفهم من وراء معاني هذه الأبيات أن ما ينكره الجاحد من شريعة سمحاء وحدود عادلة هو أمر ثابت ومؤكد إذن وهو هنا كمن ينكر نور الشمس على الرغم من وضوحه.

ويستخدم الإمام البوصيري مفردات عربية رقيقة ودقيقة وصحيحة. تناسب الغرض الذي يبغى أن يصل إليه، فعندما يمجد الإمام البوصيري القران الكريم مبينا فضله عند المسلمين فلابد أن تكون العبارة جزلة ضخمة واضحة لها جرس موسيقى عذب فاستخدم كلمات القران الكريم ذاته وصوره البلاغية ويبين لنا الإمام البوصيري من خلال هذه التراكيب الشعرية أثر القران النفسي على نفسية المسلم المستمسك بأحكامه والملتزم بحدوده ونجد الإمام البوصيري في هذا الجزء قد نجح نجاحا باهرا لما له من رغبة طبيعية في التوسل والزهد وحث الناس على الاستمساك بدين الله والتشبث بشريعته فهو البلسم الشافي والنور الهادي لكل ضال عن الشريعة السمحاء.

أما أحمد شوقي فيحدثنا في ثلاثة عشر بيتا حول الشريعة الاسلامية فهو يفرق بين الشريعة والقران، فالشريعة عند شوقي ليست القران فقط، وانما هي القران وكل فعل أو قول قام به الرسول صلى الله عليه وسلم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) صدق الله العظيم.

ص: 162

وهو يقرر أن جوهر العقيدة الإسلامية ليس إلا (لا إله إلا الله) فهو الواحد الأحد الفرد الصمد وهذا التوحيد هو دلالة العقل البشري دلالة تؤكد الفطرة السليمة لهذا العقل فلا يمكن أن يخلق العالم إلا إله واحد وإلا لحدثت بين هذا وذاك (استغفر الله ما لا تحمد عقباه) وهنا يصر شوقي على تأكيد أن أساس الشريعة الإسلامية هو التوحيد وهو فهم دقيق وعلمي للشريعة الإسلامية.

وينتقل شوقي إلى أن الشريعة الإسلامية قد رفعت من قيمة الدولة الاسلامية عندما استطاع العرب الذين لم يكونوا إلا رعاة للشياه أن يسيطروا على الفرس والروم بتمسكهم بهذه الشريعة وهذا التوحيد وقولهم: (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) ، وذكر شوقي أن العلم وأصول التمدن هما الأسس التي سار المسلمون بعد ذلك ثم التقشف والهيمنة على النفس للحد من انصياعها لأهوائها واستطاعوا أن يحولوا الدنيا كلها في عصرهم إلى ملتهم ودينهم بما أعطوه لمن حولهم من قدوة حسنة فقد ساروا على الشريعة الاسلامية نحو الفلاح وإلى الطريق المستقيم، ثم ينهي الأبيات ببيتين من أبيات الحكمة يصف فيهما عدل المسلمين الذي لا يقارنون فيه بمن سبقهم، فقد نالوا به السعادة في الدنيا والاخرة.

ونلاحظ أن شوقي لم يكن في مستواه الفني في هذا الغرض، فهو لم يتعمق كما تعمق البوصيري في تناوله معاني الشريعة الاسلامية وصفاتها، ولكنه ركز على التوحيد بالله كجوهر رئيسي لهذه الشريعة ثم يتكلم كلاما عاما بأنها غراء وقامت عليها الأسس، ثم يعرج على أن أمة الرعاة عندما استمسكت بهذه الشريعة استطاعت أن تهزم الأكاسرة والقياصرة وأن تنال السعادة والمكانة في الدنيا والاخرة ولا نجد الروعة في أبيات أحمد شوقي إلا في البيت الأول والبيت الأخير فقط، أما باقي الأبيات فهي انشائية منظومة متكلفة وليست كعادة أبيات أحمد شوقي ولا بتألقه وجمال سبكه ونظمه، ونجد أن هذا الجزء الذي تحدث فيه عن الشريعة الاسلامية قد تفوق فيه الامام البوصيري على أحمد شوقي أمير الشعراء لما بين الشخصين من فروق في دراسة الشريعة الاسلامية والتعمق في الدين الاسلامي من ناحية العلم والعمل.

ص: 163