المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4- مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ووصف المسلمين من حوله: - ثلاثية البردة بردة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

[حسن حسين]

الفصل: ‌4- مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ووصف المسلمين من حوله:

ونكتشف أن شوقي قد استفاد ممن سبقه في كتابة المدائح النبوية وممّن نهج نهج بردة البوصيري مثل البارودي وغيره وقد حاول بموهبته الكبيرة أن يتفوق عليهم من حيث بساطة الوصف ومن حيث المقابلة الشديدة «فمحمد صفوة الباري ورحمته.. وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة حتى الورود» أي أنه هو الذي يملك كل شيء بأمر الله، وهو المقدّم في الكون حتى على الأنبياء الذين اختارهم الله، على جبريل صاحب الوحي وأمينه. إن اختيار شوقي للألفاظ في هذا الجزء يؤكد أنه وصل إلى درجة راقية جدا في اختيار أقل الألفاظ غرابة وأبسط الألفاظ معنى، وذلك ليصل المعنى لكل سامع لهذه القصيدة، فلعل هدفه الرئيسي هو نشر هذه القصيدة على السنة العامة قبل الخاصة وبين بسطاء المسلمين قبل علمائهم.

‌4- مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ووصف المسلمين من حوله:

-

لم يتناول كعب غرض الوصف لمولد الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا الغرض لم يسبق للجاهليين أو المخضرمين أمثال كعب التطرق إليه، فهو لم يكن يعرف بالتفصيل كيف ولد الرسول الكريم ولم يكن قد استقر هذا الوصف في أذهانهم وطرأ عليها ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سمح بالكتابة في مثل ذلك على الرغم من تأصل هذه الدلالات والاشارات والبشائر بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم وما صحبه من ايات إلهية وأحداث كونية لا يعلمها ولا يقوم بها إلا الله سبحانه وتعالى (تنبيها لعباده وإشارة لهم بخلق جديد كان معلوما منذ عهد أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتحقق في هذا اليوم بخلق سيد الخلق أجمعين) فكعب لم يكن قد تعمّق في الإسلام ولم يكن قد تعرف تعرفا جيدا على ملامحه وأصوله ومع ذلك فقد جاء كعب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليمنحه السلام والأمان فلما منحه الرسول صلى الله عليه وسلم بغيته أنشأ يقول القصيدة وهو لم يترك عبادة الأصنام إلا في لحظته وساعته فلم يرتب ولم يقصد إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال ميلاده وإنما من خلال مجلسه في المسجد ومن حوله رجال الاسلام فركز على مدح الرسول ومدح المسلمين ولم يصف ميلاد

ص: 149

الرسول صلى الله عليه وسلم واستبدل وصف الميلاد بأبيات يصف فيها المسلمين الأوائل بأنهم كالأسود وأن ملابسهم ملابس حرب، يملكون من الدنيا بدلة حرب سابغة وسيفا ورمحا ويملكون من الاخرة تهليلا للموت، والطعن لا يقع إلا في نحورهم. وهم لا يتلقون الطعن أبدا وهم مدبرون، وهنا نجد أن كعبا قد حاول التركيز على مدح الرسول بمدح صحابته رضوان الله عليهم والتابعين له، ولم يمدحهم إلا بما رأى منهم مباشرة فغزوة بدر قريبة وسمع عنها ما سمع، يصف ما سمع عن بأس المسلمين في الغزوات، وهو لا يقول هذا رياء وانما يقوله عن خوف من بطشهم، فقد سمع، هدد عندما اهدر دمه، وان تأكده من قوة المسلمين وبأسهم وتعاونهم وتعاضدهم وإيمانهم بما أنزل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ذلك جعله ينبهر بدعوتهم ويمدحهم بما فيهم وليس بزخرف القول ولا بمنمق الكلم.

وبعد كعب نلتقي بالإمام البوصيري في وصفه مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فيتحدث الامام البوصيري في سلاسة ويسر ومباشرة عن مولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيشير إلى الايات والمظاهر التي صاحبت هذا المولد الكريم، من تصدّع الإيوان، وخمود نار المجوس، ويحيرة ساوة، وكيف غاضت، وأصوات الجن تهتف في السماء، وما إلى ذلك من مظاهر ودلالات سجّلها وأشار إليها كل من كتب في السيرة النبوية، واستمدها الإمام البوصيري وغيره، وأول هذه المعجزات حدوث هزيمة أبرهة في عام الفيل عام مولده صلى الله عليه وسلم. وقد اتخذ الإمام البوصيري في حديثه عن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوبا جديدا على كتابته، فهو لم يخرج بنا إلى الروحانيات كعادته، ولا إلى التهويمات الميتافيزيقية، وإنما التزم التزاما شديدا بتعاقب الأحداث وتواليها، بلا مبالغة أو إضفاء شيء من الرهبة على هذه المواقف، وإنه رغب أن يوصلها لنا كما جاءت في كتب السيرة فهو ملتزم التزاما دقيقا لا يخرج في معظم أبياته عن النظم الجيد والمعنى التاريخي المؤكّد.

أما الشاعر أحمد شوقي فقد كتب ثمانية أبيات في وصف مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يمزج الواقع بالخيال فقط، وانما مزج الواقع بالخيال وبالعاطفة المشبوبة للمسلم المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو لا يحكي بدقة المؤرخ، وإنما ينسج نسيجا شعريا

ص: 150