الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
لقد تناول كثير من الشعراء موضوع مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ورددت الألسنة مدائحهم وبخاصة في حلقات الذكر كلما حلت مناسبة دينية وما أكثرها.
وحظيت القصائد الثلاث التي نظمها الشعراء كعب بن زهير والإمام البوصيري وأحمد شوقي بمكانة طيبة بين قصائد المدح لسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وقد جمع بين هذه القصائد خط فكري يكاد يكون واحدا انطلق من التسمية التي صارت علما عليها، فقد عرفت قصيدة كعب بالبردة، ومن بعده كانت بردة البوصيري، ثم جاءت نهج البردة لأمير الشعراء تيمنا ببردة الرسول عليه الصلاة والسلام.
البردة لغويا:
ورد في المعاجم اللغوية أن البردة كساء مخطط يلتحف به «1» .
بل هي قطعة طولية من القماش الصوفي السميك الذي يستعمله الناس لستر أجسامهم أثناء النهار كما تتخذ غطاء في أثناء الليل وكانت البردة معروفة عند البدو ومن أشهرها برود اليمن «2» .
وكان هذا النوع من اللباس معروفا في الأندلس ويبدو أن البرد معروف عند فلاحي مصر «3» .
عن أنس بن مالك قال: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه (الحبرة) .
بل هي الحبرة بكسر الحاء وفتح الباء: وهي ضرب من نوع برود اليمن تتخذ من كتان أو قطن محبرة، أي مزينة «التحبير هو التزيين والتحسين» ..
(1) المعجم الوسيط.
(2)
الملابس عند العرب.
(3)
الملابس عند العرب ص 55.
عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة قالت: هل تدرون ما البردة؟
قال سهل: نعم.. هي الشملة منسوج في حاشيتها، قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها.
والشملة هي البردة وأن ما يميز الشملة من البردة هو حياكة شيء إضافي في أطرافها (أي بعض الزينة في حاشية البرود)«1» .
وعن أنس بن مالك «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكيا فخرج وهو يتكئ على أسامة بن زيد وعليه ثوب قطري قد توشح به فصلى بهم وذلك نوع من البرود» .
(1) مختصر الشمائل المحمدية ص 47.
مفهوم المعارضة الأدبية
يقصد بالمعارضة الأدبية النسيج على غرار عمل أدبي اخر، وقد عرفت المعارضة الأدبية قديما حينما بدأ كتاب وأدباء أوروبا بتقليد غيرهم من الكتاب والنقاد وبخاصة الكلاسيكيين (اليونان والرومان) وكانت جودة العمل وقيمته الأدبية تقاس بمدى مطابقته لأعمال أولئك الكتاب، أما على الساحة الأدبية العربية فقد برزت المعارضات وظهرت منذ العصر الجاهلي وقد فسرت بعدة مفاهيم، فمن قائل بأنها احتذاء شاعر بشاعر اخر، ومن قائل أن المعارضة هي أن فلانا سار حيال فلان وعارض فلان كتاب أو قصيدة أو قصة فلان.
والمعارض محب لعمل الاخر ومعجب به ومعترف ببراعة صاحبه، وهذا الاعجاب لا يتقيد بفترة زمنية محددة أو بشخصية دون شخصية «1» .
ونجد هنا اعتراف أمير الشعراء أحمد شوقي باعجابه وتقديره للإمام البوصيري حيث يقول:
المادحون وأرباب الهوى تبع
…
لصاحب البردة الفيحاء ذى القدم
ويقول:
الله يشهد أنى لا اعارضه
…
من ذا يعارض صوب العارض العرم
وهناك أمثلة كثيرة في أدبنا العربي للمعارضات الأدبية. ولم تكن المعارضة بدافع الضعف، وإنما لاظهار القدرات من خلال التنويع والوقوف على أجود الأعمال الأدبية. كما أصبح شعر المعارضة ذا قيمة أدبية لثقافة الشاعر وما يحيط به من تيارات وروافد أخرى للوقوف على الحياة الاجتماعية التي عاشها تطورها خلال تلك الحقبة الزمنية؛ والذي يتتبع شعر المعارضة، في أدبنا العربي يجد أنه كان متجليا في جميع العصور الأدبية وقد رصد بعض النقاد حركة المعارضة الشعرية تاريخيا كوتأكدوا من ذلك وبالتالي قسموها إلى الفترات التاريخية التالية: -
(1) المعرضات في الشعر العربي.
1-
المعارضة في الشعر الجاهلي.
2-
المعارضة في الشعر الإسلامي (صدر الإسلام) .
3-
المعارضة في عصر الدولة الأموية.
4-
المعارضة في عصر الدولة العباسية.
5-
المعارضة الأندلسية.
6-
المعارضة في العصر المملوكي.
7-
المعارضة في العصر الحديث «1» .
ومن هذا المفهوم المعنى المعارض نقول: إن شوقي في ميميته نهج طريق البوصيري أي سلكه وعارض ميميته الميمونة مقتفيا نفس الطريق
ملتزما بنفس الموضوعات التي طرقها البوصيري في القصيدة مترنما متغنيا بالرسول خلقا وخلقا ومترفقا بحال المسلمين سلوكا وعملا، ومتشفعا بسيد البشر من ذنبه تزلفا وضعفا وواصفا لأخلاق الرسول الكريم وعلو مقامه عند الله وعند البشر أجمعين تكبيرا وتعظيما.
وعندما نذكر (البردة) ، نتذكر القصيدة العصماء للإمام البوصيري التي صاغها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ذاكرا مناقبه، من يوم مولده، ومتدرجا بها حتى بعثته الميمونة لتخرج البشرية من الظلمات إلى النور. وهذه البردة ما زالت تردد في كل بقاع العالم الإسلامي وما زالت تحتل المكان الأول بين المدائح النبوية وكل الأشعار التي خاض ناظموها هذا المجال شرفا لهم.
وحين نقول (نهج البردة) فاننا لسنا بحاجة إلى تفسير كلمة نهج إذ يتبادر للذهن مباشرة أن الشاعر قد سار فيها على طريق البردة «2» .
فقد حظيت البردة بمكانة لم تصل إليها أي قصيدة سواها وبخاصة عند أهل التصوف وشطرت وخمست وسبعت، وإذا كان مقياس خلود العمل الأدبي هو
(1) المعرضات في الشعر العربي.
(2)
هناك أيضا المنهج على وزن المذهب والمنهاج هو الطريق الواضح ونهج الطريق أي أبانه وأوضحه، ونهجه أيضا أي سلكه.
الاهتمام من الناس والانتشار فإن البردة نالت الخلود والشهرة في العالم الإسلامي واحتلت مكانة أدبية فريدة في الأدب العربي وفي الاداب العالمية فترجمت إلى عدة لغات كالفرنسية والألمانية والانجليزية بالاضافة إلى معرفة الفئات المسلمة لها في الهند وباكستان وإيران وغيرها، وتأثر الكثير من شعراء هذه الدول بقصيدة البردة والشعر الصوفي وبخاصة الشاعر محمد اقبال حيث نجد في قصائده الأولى تأثير الصوفية إذ يقول:
قد كان هذا الكون قبل وجودنا
…
روضا وازهارا بغير شميم
والورد في الأكمام مجهول الشذى
…
لا يرتجى ورد بغير نسيم
بل كانت الأيام قبل وجودنا
…
ليلا لظالمها وللمظلوم
لما أطل محمد زكت الربا
…
واخضر في البستان كل هشيم
واذاعت الفردوس مكنون الشذى
…
فاذا الورى في نضرة ونعيم «1»
ويعتبر الشعراء المداحون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن البردة كالدستور للشعر والشعراء فقد نسج على منوالها كثير من الشعراء وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه جديد في مدح خير البرية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام إلا أنه لم يكن بالصورة التي كانت عليها بردة البوصيري وقد سارع كثير من الأدباء والنقاد إلى شرح البردة، كما لقيت هذه القصيدة من الاهتمام والدراسة والبحث والمقارنة والمعارضة والتنقيب في أغوارها للوصول إلى نفسية وروحانية الشاعر الشيء الكثير.
وقد تأثر بهذه الروحانية كثير من الشعراء مثل أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته «نهج البردة» ، كما حاول محمود سامي البارودي معارضة البوصيري في أربعمائة وسبعة وأربعين بيتا يقول في مطلعها:
يا رائد البرق يمم دارة العلم
…
واحد الغمام إلى حي بذى سلم
في بلدة مثل جوف العير لست أرى
…
فيها سوى أمم تعنو إلى الصنم «2»
(1) ديوان محمد إقبال.
(2)
ديوان محمود سامي البارودي.
وعارض أبو بكر حجة الحمودي «1» وبذل جهدا مضنيا في معارضة البوصيري وكان ابن حجة شاعرا مسترسلا ومؤلفا، وشعره مملوء بأوجه البلاغة، وشهرته بدأت بمعارضته لقصيدة الإمام البوصيري (البردة) فيقول:
لي في ابتداء مد حكم يا عرب ذى سلم
…
براعة تستهل الدمع في العلم
بالله سربى، فسربى طلقوا وطني
…
وركبوا في ضلوعي مطلق السقم
أما عائشة الباعونية «2» فقد حاولت معارضة البوصيري في قصيدة لها حيث تقول:
في حسن مطلع أقماري بذى سلم
…
اصبحت في زمرة العشاق كالعم
أقول والدمع جار جار في مقلتي
…
والجار جار يعذل فيه منهم
يا سعد ان أبصرت عيناك كاظمة
…
وجئت سلعا فسل عن أهلها القدم
ولا يفوتنا أن نشير إلى تأثر البوصيري في بردته بابن الفارض «3» في قصيدته التي يقول فيها:
هل نار ليلى بدت بذى سلم
…
أم بارق لاح في الزوراء فالعلم
أرواح نعمان هلا نسمة حمرا
…
وماء وجرة هلا نهلة بفم
(1) هو أبو المحاسن تقي الدين أبو بكر بن علي بن عبد الله الحموي الأرزاري، ولد في حماة سنة 767 هـ، وتنقل في طلب العلم بين الموصل ودمشق والقاهرة.
(2)
هي الشيخة أم عبد الوهاب بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الدين بن خليفة الباعونية الدمشقية، ولدت في دمشق وحفظت القران الكريم وكان عمرها ثمان سنوات، تلقت العلم على يد إسماعيل الخوارزمي، ثم رحلت إلى مصر وتلقت هناك حظا وافرا من العلوم، واجيزت بالأفتاء والتدريس، وقد كانت عالمة فاضلة وأدبية بارعة وشاعرة مجيدة.
(3)
ابن الفارض هو حفص بن عمر بن أبي الحسن الحموي الأصل المصري المولد والدار، سمى بسلطان العاشقين، من أسرة فقيرة، بدأ حياته الصوفية بالاعتكاف والتعبد في جبل المقدم، كان كثير العباده، أما الفن الشعري لابن الفارض فشعره عذب أنيق، والرمزية فيه، وتدور أغراض ابن الفارض على الحب الالهي الذي يقوم على الاتحاد أى الاعتقاد بأن جميع مظاهر الوجود متساوية في الشرف والقيامة لأنها في الحقيقة تمثل جوانب من الألوهية.
يا لائما لا في حبهم سفها
…
كف الملام فلو أحببت لم تلم
وحرمة الوصل، واللوذ العتيق وبالعه
…
د الوثيق، وما قد كان في القدم
طوعا لقاض أتى في حكمه عجبا
…
أفتى بسفك دمي في الحل والحرم
أيكم لم يسمع الشكورى وأيكم لم
…
يحر جوابا وعم حال المشوق عمى «1»
(1) تاريخ الأدب العربي.
الفصل الأول كعب بن زهير ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم)