الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب منه
يسأل أحد الإخوة يقول: هل التعارف الذي يجري في بداية كل حلقة عند بعض الناس من السنة؟
الشيخ: قال تعالى: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] هذا الذي جرى عليه عرف بعض المتأخرين إنما هو من المحدثات في الدين، لا أصل له في الشرع مطلقاً إنما هو تقليد غربي، وهو أمر لائق بهم وليس لائقاً بنا للفرق بين الحياتين الاجتماعيتين حياة المسلمين وحياة الكافرين، فإن المسلمين لهم لقاءات كثيرة تتعدد في كل يوم خمس مرات في بيوت الله والمساجد، ثم تتسع دائرة هذا اللقاء في الجوامع من المساجد التي يشرع فيها الخطبة، وحين أقول: التي يشرع فيها الخطبة إنما أعني وأشير إلى أنه ليس من السنة أن تقام صلاة الجمعة في كل مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس، إنما تتجمع أو يتجمع أفراد هذه المساجد في المسجد الجامع الذي يتسع لأكبر كمية ممكنة من المسلمين.
ثم يتسع دائرة هذا اللقاء في السنة مرتين في العيد الأضحى وفي العيد عيد الفطر، ثم تتسع إلى ما لا نهاية ولا شيء بعده أن يلتقي المسلمون من كل بلاد الدنيا على صعيد واحد في عرفات في الجمع الأكبر، كل هذه التجمعات التي
شرعت في دين الإسلام لحكم بالغة لا يعرفوا لها أثراً أولئك الكفار ذلك لأنهم حرموا من نعمة الإسلام، ولذلك فهم دائماً وأبداً يبتدعون اجتماعات واصطلاحات وتعريفات لأنهم يشعرون بالنقص الذي يعيشونه ويحيونه دائماً وأبداً، فيأتي بعض المسلمين الذين أولاً: لا يهتمون بخطورة الإحداث في الدين، وذلك ناتج من جهلهم بعظمة هذا الدين وإغناؤه للمسلمين عن كل هذه المحدثات التي يتلقاها بعض المسلمين من هؤلاء الجاهلين بالشرع فيظنون أنهم بذلك يحسنون الصنع، ولو أنهم عرفوا هذه التشريعات وجمعوها في أذهانهم وتصوروا عظمة فوائدها في مجتمعاتهم لأغناهم ذلك عن كل ما قد يستحسنه أحدهم من ما يبتدعه أولئك الفقهاء في التشريع.
فليس لمثل هذا التعارف في الإسلام أثر مطلقاً، نعم. هناك تعارف خاص ومصغر جداً وعملي بينما التعارف الذي يجري ونتحدث عنه آنفاً بأنه غير مشروع في كثير من الأحيان إن كان ممكناً ففيه التكلف ظاهر جداً، وفي أحيان أخرى كمثل هذا المجتمع المبارك الآن يكاد أن يكون التعارف فيه أمر مستحيلاً، فهناك تعارف خاص كما قلت آنفاً وهو أن المسلم إذا أحب رجلاً مسلماً فيسن في حقه أن يخبره بأنه يحبه لله تبارك وتعالى، وبالمقابل يستحب لهذا المحبوب في الله أن يخاطب حبيبه بقوله: أحبك الله الذي أحببتني له.
وهناك روايات معروفة في كتب السنة لا يحضرني الآن مرتبة ثبوتها، ولكنها تنص على أنه ينبغي لكل من هذين المتحابين في الله أن يتعارفا باسميهما أيضاً، فإن ذلك مما يساعد أحدهما على الآخر أن يهتم بشؤون
بعضهما البعض. هذا النوع من التعارف هو الذي ثبت في السنة.
أما أن يتعارفوا في حلقة أنا الفقير إلى الله أو نحو ذلك من العبارات فلان بن فلان وهات يكون كل واحد من هؤلاء الجالسين يكون عنده حافظة ابن عباس، فيلتقط هذه الأسماء كما يلتقط المغناطيس الحديد. ومن هنا يظهر أن هذا الأمر بالإضافة إلى ما ذكرنا آنفاً أنه ليس أصل في الدين ففيه تكلف ظاهر مبين. نعم.
مداخلة: .... بارك الله فيك وأعلى قدرك. ربما يكون هناك أخلاط من الناس جمعتهم جلسة واحدة هكذا وأحبَّ كما قلت بعضهم أن يسأل عن بعض الزملاء لديه.
الشيخ: نعم.
مداخلة: فسأله أو عرف بنفسه وما أرى في ذلك بأس إذا يعني أخذنا بعموم الآيات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].
الشيخ: نعم.
مداخلة: فلو كان هناك الجلسة خاصة فقط في التعارف كما عليه الكفار يعقدون الندوات أو يعقدون حفلات معينة فقط للتعارف ليس إلا، ربما يكون يصدق عليهم ما تفضلت.
الشيخ: وربما أيضاً.
مداخلة: نعم. بل هو الأكيد إن شاء الله.
الشيخ: طيب.
مداخلة: أما في جلسة هكذا ربما يكون لي قريب هنا بين هؤلاء الناس ولكن مجرد ما عرفت عن نفسي قد يكون هذا القريب يعني كان أولى به أن يسأل عني أو أن يتحدث معي حول هذه أو حول كذا وكذا.
الشيخ: نعم.
مداخلة: أما إني إذا أحببته كيف يكون الحب من جلسة واحدة من غير حديث ما سبق أو من غير سلوكيات أنا مارستها أمامه حتى يحبني مثلاً أو يألف لي؟
الشيخ: أظن أنك هدمت ما بنيت في آخر كلمة.
مداخلة:
…
الشيخ: وذلك. ما عليك لا بأس وجزاك الله خير، لأنك فتحت أمامي بحثاً مهماً، ونحن افتتحنا هذا الجمع المبارك إن شاء الله بخطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقدمها بين يدي كل جملة وكلمة وفيها: كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن مما يتعلق في هذه الكلية تفصيل ما كنت أرى من المناسب أن ندخل فيه حتى نفسح مجال لتوجيه الأسئلة الأخرى وللإجابة عليها، ولكن لا بد من كلمة ولو موجزة بناءً على ما سمعت من الكلام المفيد إن شاء الله، فأقول:
أولاً: إن كان هناك نص عام كما أشرت إليه أنت في القرآن: {لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وكان هذا النص يفيد أن المقصود بالتعارف فيه إنما هو ما اسمك وما اسم أبيك وما مهنتك وما كذا وأين تسكن وو، إلى آخره. حينئذ نقول كما قلت، نقول بقولك: إنه يجوز مثل هذا التعارف ولكن نشترط فيه شرطاً أساسياً في كل جزئية يمكن أن تدخل في نص عام، ذلك الشرط هو عدم الالتزام خشية أن تصبح سنة مطردة مستمرة.
نعتقد جازمين أن القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث أنها طبقت عملياً أو لم يطبق تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما كان من نصوص الكتاب والسنة مما ينبغي أن يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى وأن يتعبد به تعبداً داخلاً في حكم من الأحكام المعروفة من المندوب إلى الفرض، لا شك أن مثل ذلك قد طبق في العهد الأول الأنور حيث أنزل الله عز وجل قوله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] إلى آخر الآية. وفهم منها السلف الصالح أنه لا يمكن الزيادة على ما كان عليه الأمر في عهد النبوة والرسالة مما يتعلق بهذا القسم الأول، من أجل ذلك جاء عن الإمام مالك إمام دار الهجرة تلك الكلمة التي تستحق كما كان يقال قديماً أن تكتب بماء الذهب لأهميتها وبالغ حكمتها، يقول رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة، اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم
ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. هذا هو القسم الأول.
فلا أستطيع ولا غيري يستطيع سواء كان أعلى منا علماً وفهماً أو دوننا، لا يستطيع أحد يفهم هذه الحقيقة الشرعية التي ذكرتها آنفاً لا يستطيع أحد أن يتصور؛ لأن السلف فاتتهم جزئية واحدة من هذه العبادات التي تشملها هذه الآية الكريمة وغيرها من نصوص شرعية معروفة.
أما القسم الثاني: فهو الذي نتصور أنه خاضع للظروف وللملابسات، فيجد المسلم هناك نصاً عاماً يساعده على العمل به فنقول: إنه يجوز. ومن هذا القبيل المثال الذي ذكرته، لكن الحقيقة أن هذا المثال وقد ضربت استدللت له بالآية فالآية تحتاج الحقيقة إلى دراسة، إلى ما قاله علماء التفسير في قوله تعالى:{لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] أي: هل من هذا التعارف ذلك المثال الذي أنت مثلت به. أما أنا شخصياً فأقول: ليس الفقيه بحاجة إلى مثل هذا الاستدلال إذا كان النص القرآني بعد فهمه على ضوء علماء التفسير وما قالوه فيه لسنا بحاجة إلى أن ننزع إلى مثل هذا النص أو أن نستدل به، لأن المبادئ العامة في الشريعة والتي منها اتخذت القاعدة المعروفة عند العلماء بالمصالح المرسلة تفسح لنا مجالاً واسعاً لتسليك مثل هذه الجزئية بالشرط السابق ذكره ألا يتخذ ذلك سنة مستمرة. هذا جوابي على ما قلت وفيك بارك.
مداخلة: لو ذهبت أنا لزيارة أحد الإخوة ووجدت عنده أخوين أو ثلاثة أو أكثر وطلبت أن أتعارف منهم هل أعتبر أنا مبتدعاً؟
الشيخ: سمعت الجواب.
(الهدى والنور /305/ 26: 03: 00)