المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تأصيل لحكم ما يسمىبفقه الواقع - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٤

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌رأي العلامة الألباني في أطروحاتعبد الرحمن عبد الخالق -سدده الله-حول العمل السياسي والجماعي

- ‌السلفية والعمل السياسي والتكتل الحزبيعبد الرحمن عبد الخالق أنموذجاًورأي الألباني في بعض كُتُبعبد الرحمن عبد الخالق

- ‌رأي الشيخ في كتابعبد الرحمن عبد الخالق

- ‌المسلمون والعمل السياسي

- ‌حول عبد الرحمن عبد الخالق

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منهوحكم المظاهرات والمسيرات

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌متفرقات حول العملالسياسي والجماعي

- ‌الإمارة والبيعةفي الجماعات

- ‌حكم ما تفعله الجماعاتمن تأمير أمراء

- ‌الإمارة في الجماعات الإسلامية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌الفرق بين إمارة السفروالإمارة الكبرى

- ‌مجموعة شباب يسكنون في بيتهل يجوز أن يُوَلَّوا أحدهم أمورهموهل يطلقون عليه اسم «الأمير»

- ‌توضيح حول إمارة السفر

- ‌الإمارة في الدعوة

- ‌إمارة المرأة على الجماعة

- ‌الإمارة

- ‌حدود الطاعة في إمارة السفر

- ‌حكم البيعة العامة والخاصة التي تأخذهابعض الجماعات على أتباعها

- ‌لمن البيعة؟ .. ثم متى الوصول؟ والكلامعلى التصفية والتربية

- ‌كيف تصح البيعة الآن

- ‌فَصْل أحد المنضويين تحتجماعة لمخالفة أمر الأمير

- ‌التعارف الذي تفعلهبعض الجماعات

- ‌التعارف عند الجماعات

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌حكم الجمعياتوالمؤسسات الخيرية

- ‌نصيحة لمن يقومعلى جمعيات وهو جاهل

- ‌حكم الجمعيات التعاونية

- ‌المؤسسات الخيرية

- ‌حكم الجمعيات الخيرية

- ‌الجمعيات الخيرية-جمعيةالحكمة اليمانية

- ‌أعمال الخير

- ‌حكم النقابات

- ‌حكم الانخراط في النقابات

- ‌رأي العلامة الألباني في فكرمحمد سرور -سدده الله

- ‌حول فِكْرمحمد سرور -سدده الله

- ‌رأي الشيخ فيما يسمى بالسروريين

- ‌رأي العلامة الألبانيفيما يسمى بفقه الواقع

- ‌فقه الواقع

- ‌واقع المسلمين:

- ‌معرفةُ الحق بالرد:

- ‌مسألة «فقه الواقع»:

- ‌أهمية معرفة الواقع:

- ‌من أنواع «الفقه» الواجبة:

- ‌نريدُ (المنهج) لا مجرد الكلام:

- ‌الانقسام حول «فقه الواقع»:

- ‌الكمال عزيزٌ؛ فالواجب التعاونُ:

- ‌خطأ (العالم) لا يُسقطُهُ:

- ‌فهذه قسمة تخالف الشرع والواقع

- ‌خطأ (الجهل) بالواقع:

- ‌التأكيد على وجوب التعاون:

- ‌الغلو فيما لابد منه:

- ‌لا ينكر «فقه الواقع»:

- ‌بين العلماء والحكام:

- ‌علة ذل المسلمين:

- ‌من أغلاط بعض (الدعاة):

- ‌التصفية والتربية:

- ‌الإسلام الصحيح:

- ‌كيف يأتي نصر الله

- ‌سبب (مرض) المسلمين:

- ‌الغلو في (فقه الواقع):

- ‌واقع (الدعاة) مع (فقه الواقع):

- ‌القول الوسط الحق في «فقه الواقع»:

- ‌وجوب المحبة والولاء:

- ‌خطر الطعن بالعلماء:

- ‌كيف نعالج الأخطاء

- ‌خطر (السياسة) المعاصرة:

- ‌تأصيل لحكم ما يسمىبفقه الواقع

- ‌نقاش حول مسائل منهجيةيتضمن الكلام على فقه الواقع

- ‌حول فقه الواقع

- ‌نتيجة الانشغال بفقه الواقع

- ‌حول الشيخ سلمان العودة -سدده الله

الفصل: ‌تأصيل لحكم ما يسمىبفقه الواقع

‌تأصيل لحكم ما يسمى

بفقه الواقع

السائل: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبهِ أجمعين، وبعد، فضيلة الشيخ يعني يدور اليوم في الساحة الإسلامية عموماً وجهات نظر يستطيع أن يقول القائل عنها بأنها مختلفة في ظاهرها وقد يوفق بينها لو وجهت إلى التوجيه الصحيح ووجهة النظر هذه بما يظهر لي بما كثر من الحوادث الطارئة على الساحة الإسلامية التي أصبحت متتابعة، وقد يصدق قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يوشك أن تتابع عليكم الفتن، فانتقل الناس يريدون أن يحللوا هذه الفتن ويضعوا لها علاجاً، ونحسبهم إن شاء الله إنهم على نيةٍ صادقة، فأصبحوا بهذا التحليل ما بين غالٍ وجاف، حتى تميز شيء في الساحة يسمى بالفقه الواقع، والسؤال هو: ما هو المنهج الصحيح على ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لهذا الفقه بين الغلو فيه أو الجفا عنه، هذا أولاً، وثانياً ما وصيتكم حفظكم الله لمن غلا فيهِ ولمن جفا عنه، وثالثاً الوصية لمن ينتقد العلماء الأجلاء بأنهم لا يفقهون الواقع، وقد يحملهُ ذلك على أن يغلظ في العبارة فينزل من قدرهم عند من يسمعون منه مع تسليمنا إن شاء الله من باب حسن الظن بهِ بسلامة نيتهِ،

ص: 247

ولكن لم توفقهُ العبارة؟

الشيخ: أحسنت، وجزاك الله خير، وأظنك أشرت في مطلع كلامك إلى الحديث المشهور وهو قولهُ صلى الله عليه آلهِ وسلم الذي تجلى بأقوى مظاهرهِ في فتنة الخليج ألا وهو قولهُ صلى الله عليه وآله وسلم يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها قالوا أو من قلةٍ يومئذٍ نحن يا رسول الله، قال: لا، بل انتم يومئذٍ كثير ولكنهم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا وما الوهن يا رسول الله، قال: حب الدنيا وكراهية الموت، الواقع أن هذا الحديث كما قلت في مطلع كلمتي تجلى في هذه الحرب الخليجية، حيثُ اتفقت الكفار كلهم ضد دولةٍ شعبها مسلمٌ، وإن كانت حكومتها تحكمُ بغير ما انزل الله، لذلك صار الكثير من الشباب المسلم الواعي لهذا التجمع والتحالف الكافر الذي تظاهر بالدفاع عن شعبٍ مسلم ألا وهو شعب الكويت في طريقِ محاربةِ للشعب العراقي، فإذا بالنتيجة تنعكسُ على الشعبينِ كليهما معاً فيصبحُ الشعبان محتلين من قبل الذي كان يحملُ راية الدعوة إلى الانتصار للمظلوم ألا وهو الشعب الكويتي، عرف كثيرٌ من الباحثين الناقدينَ الياقظينَ من المسلمينَ من شبابهم وكهولهم، أن هذه فتنة عمياء صماء بكماء، فتنبهوا لشيءٍ سموهُ بفقه الواقع، أنا لا أخالف بضرورةِ هذا العلم الذي ابتدعوا له هذا الاسم ألا وهو فقه الواقع، لأن الحقيقة أن كثيراً من العلماء قد نصوا أن العلماء الذين ينبغي أن يتولوا توجيه الأمة وأن يضعوا لهم الأجوبة لحل مشاكلهم لا بد أن يكونوا عالمين وعارفين

ص: 248

بواقعهم، فمعرفة الواقع هذا واجبٌ بلا شك من الواجبات التي يجب أن يقوم بها طائفةً من المسلمين كأي علمٍ من العلوم الشرعية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو العسكرية، أيُ علمٍ ينفع الأمة المسلمة وبخاصة إذا ما تطورت هذه العلوم بتطور الأزمنة والأمكنة، فلا بد من أن يكون هناك علماء في كل هذه الفنون، ولكننا

سمعنا ولاحظنا انه صار هناك غلوٌ ويقابلهُ تفريط كما جاء في السؤال، الغلو الذي ينبع منه ما يظهر بأنهم يريدون من كل عالمٍ بالشرع يكون عالماً لما سموهُ بفقهِ الواقع، كما أن العكس أيضاً أوهموا السامعينَ بأن كل من كان فقيهاً بواقع العالم الإسلامي فيجب عليه أيضاً أن يكون فقيهاً في الكتاب والسنة، ومعنى هذا المنطق فيما أفهم من ظاهر ذاك الكلام الذي سمعناه أكثر من مره وربما قرأنا شيئاً منه أحياناً، ظاهر هذا الكلام أنه ينبغي أن يوجد هناكَ نبيٌ مصطفى مرسل من الله تبارك وتعالى إلى هذه الأمة، ذلك لأنه لا يمكن لأي عالمٍ مهما سمى وعلا وكان من بين الناس مصطفى ولكنهُ لم يبلغ أن يكون نبيا، كذلك لإجماع الأمة انه لا نبيَ بعده عليه الصلاة والسلام، ومعنى هذا أنه لا يمكن أن تصور وجود إنسانٍ كاملٍ بكل معنى هذه الكلمة، ومن ذلك انه يكون عالماً بكل هذه العلوم التي أشرنا إليها ويقتضيها هذه الكلمة فقهُ الواقع، كأن هذا الكلام يوجب على العالم بالشرع مثلاً أن يكون عارفاً بالاقتصادِ، والاجتماعِ، والسياسةِ، والنظم العسكرية، وطريقة استعمال الأسلحة الحديثة ووو إلى آخر ما هنالك، وما أظن إنساناً عاقلاً إذا تصور استحالة اجتماع هذه العلوم في صدر إنسانٍ كامل مهما كان كاملاً، هذا

ص: 249

أمر مستحيل، ولذلك فالوسط بين الإفراط والتفريط، التفريط الذي أيضاً سمعنا بعض الناس يقولون ما يهمنا نحن أن نعرفَ هذا الواقع، هذا خطأ، فالعدل أن يقال لا بد لكل علمٍ أن يكون هناك عارفون به ثم هؤلاء المتخصصون في مختلف العلوم التي يجب على مجموع العلماء المسلمين أن يجمعوا هذه العلوم وليس أن يجمعها فرد واحد، هؤلاء هم الذين يجب أن يتعاونوا في تحقيق مصلحة الأمة المسلمة وتحقيق ما ينشدهُ كل مسلم من إقامةِ الدولة المسلمة وتحقيق المجتمع الإسلامي، فمثلاً الطبيبُ لا يجوز له أن يحكم في كثير من العلميات مثلاً الجراحية التي يقوم بها بأنها تجوز

شرعاً يجب أن يستعين برأي العالم الفقيه بكتاب اللهِ وحديث رسول اللهِ، وعلى منهج السلف الصالح كما ندينُ الله فيهِ، فمن الصعب إن لم نقل من المستحيل أن يكون الطبيب المتمكن في علمهِ أن يكون أيضاً فقيهاً في الكتاب والسنة متمكناً فيهِ، هذا يكاد يكون مستحيلاً ولذلك لا بد من أن يتعاون كل ذي فنٍ مع ذي فنٍ آخر وبذلك تتحقق المصلحة الإسلامية، وهذه المسألة من البداهةِ في مكان، فإن المسلم لا يكاد يتصور عالماً خبيراً بالكتاب والسنة ثم هو مع ذلك طبيب، ثم هو مع ذلك يعرف كما يقولون اليوم فقه الواقع، هذا بقدر ما يشغلهُ هذا العلم ينشغلُ عن ذاك العلم، وبقدر ما ينشغل بذاك العلم، ينشغلُ عن هذا العلم، ولا يكون الكمال إلا بتعاون هؤلاء العلماء كلاً في اختصاصهِ مع الآخرين، وبذلك تتحقق مصلحة الأمة، لكن الذي نلاحظهُ دائماً وأبداً هو أن للعواطف الجامحة التي لا حدود لها، أنه يكون من آثارها الغلو في ما لا

ص: 250

بد منه فالذي لا بد منه إما أن يكون فرضاً عينياً فهذا يجب على كل مسلم، وإما يكون فرضاً كفائياً، فلا يجوز أن نجعل الفرض الكفائي كالفرض العيني، نقول مثلاً إن طلاب العلم يجب أن يكونوا عارفين بفقه الواقع، يا أخي علماء المسلمين الكبار لا يمكن أن نطلق هذا الكلام فيهم، فضلاً عن أن نقول أن طلاب العلم يجب أن يعرفوا واقعهم وما يترتبُ من وراء هذه المعرفة من فقهٍ يعطي لكل حالةٍ حكمها ولكن أيضاً لا يجوز لأحدٍ من طلاب العلم أن ينكر ضرورة هذا الفقه بالواقع، لأنه الحقيقة لا يمكن الوصول إلى تحقيق

المنشودة بإجماع المسلمين وهو التخلص مثلاً من الاستعمار الكافر للبلاد الإسلامية أو على الأقل لبعضها إلا أن نعرف ما يأتمرون وما يجتمعون عليه لكي يستمر استعمارهم واستعبادهم للعالم الإسلامي.

لكني أقول ليست العلة محصورة بعدم معرفةِ فقه الواقع، وبعبارة أخرى ليست علة بقاء المسلمين فيما هو عليهِ من الذلِ واستعباد الكفار حتى اليهود لبعض البلاد الإسلامية ليست سبب في ذلك هو جهلُ الكثير من أهل العلمِ لفقه الواقع، ولذلك فأنا أرى الاهتمام بفقه الواقع بحيث يفهم العالم الإسلامي أن علة هذا الواقع المزري الذي يعيشهُ المسلم إنما هو جهلهم بفقه الواقع، لأن هذا بلا شك ما أعتقد أنه أمر يختلف فيه اثنان أو كما يقال في قديم الزمان ينتطحُ فيه عنزان، إن العلة الأساسية هي أولاً جهل المسلمين بالإسلام الذي أنزلهُ الله على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام، وثانياً هو إن كثيراً من المسلمين من الذين يعرفون أحكام الإسلام في بعض شؤونهم لا

ص: 251

يعملون بها ويهملونها، فلذلك حينما ينبه المسلمون إلى هاتين القضيتين القضية الأولى: أن يعنى العلماء العارفون بأحكام الشريعة في الإسلام الصحيح، إن يعنى هؤلاء إلى دعوة المسلمين إلى هذا الإسلام الصحيح وتفهيمهم إياه، ثم تربيتهم على هذا الإسلام الصحيح، هذا هو الحل الذي جاءت به النصوص في الكتاب والسنة، فحينما يقرأ هؤلاء المسلمون جميعاً قول الله عز وجل {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7] فمن المتفق عليه دون خلافٍ والحمد له بين المسلمين أن معنى إن تنصروا الله أي إن عملتم بما أمركم به نصركم الله على أعدائكم وكذلك نصوص آخري وأخر كثيرة معروفة بالكتاب والسنة، لكن من أهمها ما جاء في الحديث الذي يناسبُ تماماً واقعنا، حيث إن هذا الحديث وصف فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الداء والمرض الذي سيصيبُ المسلمينَ لما يأتي من بعدهِ عليه السلام من زمان، وقرن مع هذا الوصف الداء وصف لهم العلاج في ذاك الحديث المعروف ألا وهو قولهُ صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً

لا ينزعهُ عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم»، فإذاً ليس مرض المسلمين اليوم هو جهلهم بعلمٍ ما، أقول هذا معترفين إن كل علمٍ ينفع المسلمين فهو واجب، ولكن ليس سبب هذا الذل الذي حل بالمسلمين هو أنهم جهلوا هذا الفقه المسمى اليوم بفقه الواقع، وإنما العلة كما جاء في هذا الحديث الصحيح إن يهملوا العمل بما علموا من الدينِ فيقول إن هذا هو المرض إذا تبايعتم بالعينة وهذه العينة نوع من المعاملات

ص: 252

الربوية، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع كناية عن الاهتمام بأمور الدنيا والركون إليها وعدم الاهتمام بالشريعة، ومن ذلك قولهُ عليه السلام في تمام الحديث وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعهُ عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم، وفي قولهِ عليه السلام حتى ترجعوا إلى دينكم إشارة صريحة إلى أن الدين الذي يجب الرجوع إليه هو الذي ذكرهُ الله عز وجل في أكثر من آيةٍ كريمة:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19]، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وهؤلاء الدعاة الذين يدندنون اليوم حول فقه الواقع ويرفعون من شأنه وهذا جقٌ لكنهم يغالونَ فيهِ، حيث يفهمون ربما بدون قصد أنه يجبُ ليس فقط على كل عالم بل على كل طالب علمٍ أن يكون عارفاً بهذا الفقه، هؤلاء يعرفون جيداً أن هذا الدين الذي ارتضاهُ ربنا عز وجل لأمة الإسلام قد تغيرت مفاهيمهُ منذ قديم الزمان حتى ما يتعلق بالعقيدة، فتجد ناساً كثيرين وكثيرين جداً يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقوم بسائر الأركان بل وقد يتعبدون بنوافل من العبادات كقيام الليل، والصدقات بالأموال الطائلة و، وإلى آخرهِ، لكنهم انحرفوا عن فهم مثل قولهِ تعالي {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] هؤلاء الدعاة فيما نعلم يشاركوننا في معرفتهم بسوء الواقع اليوم بين المسلمين جذرياً ألا وهو بعدهم عن الفهم الصحيح للإسلام فيما يجبُ على كل فردٍ وليس فيما يجبُ على بعضُ الأفراد العقيدة، تصحيح العقيدة، تصحيح العبادة، تصحيح السلوك، أين هذه الأمة التي قامت بهذا

ص: 253

الواجب العيني، ليس بالواجب الكفائي، الواجب الكفائي يأتي بعد الواجب العيني، فلذلك فالانشغال والاهتمام بدعوة الخاصة من الأمة الإسلامية إلى عناية بفرضٍ كفائي ألا وهو فقه الواقع وإهمال الاعتناء بالفقه الواجب عينياً على كل مسلم لما اشرنا إليه والحالة هذه إن في هذه الدعوة إفراطاً وتضييعاً لما يجب وجوبا عينيا على كل فرد من أفراد الأمة المسلمة، وغلواً في رفع شأن ما هو من الواجبات الكفائية.

ولذلك فأنا أرأى أن الأمر كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] فقه الواقع يجب هذا بلا شك ولكن وجوباً كفائياً، إذا قام به بعض العلماء سقط عن سائرهم من العلماء فضلاً عن طلاب العلم، فضلاً عن عامة المسلمين، فلذلك يجب الاعتدال لدعوة المسلمين إلى معرفة فقه الواقع، ويجب الدندنة دائماً وأبداً أن كل العلماء وفي مختلف اختصاصاتهم

يجب عليهم أن يكون كما جاء في الحديث الصحيح " مثل المؤمنين في تواددهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد" فهذا الجسد الواحد لا يمكن أن يشكل منه من أفراد الأمة إلا بالنظر إلى اختلافات الأنواع هذه، فمثلاً نحن بحاجة إلى ناس مفكرين وهم العلماء وعلى مختلف اختصاصاتهم، وبحاجة إلى منفذين كأيدي وأرجل ونحو ذلك وهم أفراد المجتمع، وبذلك يتحقق هذا المعنى الجميل الذي ضربهُ الرسول عليه السلام مثلاً، كمثل الجسد الواحد فالتعاون إذاً من عرفوا الفقه الشرعي ومن عرفوا الفقه الواقع هؤلاء يمدون هؤلاءِ بما عندهم من علم وهؤلاء يمدون أولئك بما عندهم من علم،

ص: 254

ومن هذا التعاون بين أفراد العلماء على اختصاصهم وتفرقهم في ذلك يمكن تحقيق ما ينشدهُ كل مسلم غيور.

أما بالنسبة لما جاء في السؤال الأخير، وهو الطعن في بعض العلماء بخطأ، فهو لا يجوز لأنه من التباغض الذي جاء في الأحاديث الكثيرة لتنهى المسلمين عن ذلك وإنما على كل من علم أمراً أخطأ فيه أحد العلماءِ أن يقوم بتذكيرهِ وبنصحهِ إن كان الخطأُ في مكانٍ محصورٍ كان التنبيه في ذلك المكان، دون إعلانٍ وإشهار، وإن كان الخطأ معلناً ومشهوراً فلا بأس من التنبيه والبيان لهذا الخطأ أيضاً على طريقة الإعلان ولكن كما قال تعالي:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، ولا يجوز أن ينال العلماء بعضهم من بعض إذا كانوا على كلمةٍ سواء على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، أما إذا كانوا من المبتدعين الضالين، فحينئذٍ هؤلاء لهم معاملة خاصة وأسلوب خاص، هذا ما يحضرني جواباً عما جاء في السؤال، ولعلي ما أضعتُ شيئاً ..

(الهدى والنور / 571/ 44: 00: 00)

ص: 255