الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع عشر: الصحاري
الصحراء تعبير نباتي يطلق على الأقاليم التي يندر فيها النبات. ويندر النبات في أي إقليم نتيجة عاملين: أولهما قلة المطر، وثانيهما قلة الحرارة ومن هنا انقسمت الصحاري إلى ثلاثة أقسام:
أ- صحاري حارة. ب- صحاري معتدلة. جـ- صحاري باردة
وسندرس فيما يلي كل قسم من هذه الأقسام.
أ- الصحاري الحارة:
توجد الصحاري الحارة حيث الحرارة وفيرة والمطر القليل، بل إن الحرارة هنا تعتبر من ضمن العوامل التي تساعد على زيادة الظروف الصحراوية لأنها تساعد على البخر وتبدد القدر الضئيل من المطر الذي يسقط في هذه الجهات. ويبلغ مقدار ما يسقط من المطر في الصحاري الحارة أقل من 25 سم في السنة، ولكن سرعان ما تبدد هذه الكمية بسبب شدة الحرارة ويسهل فهم هذه الحقيقة إذا ما عرفنا أن مقدار المطر الذي يسقط في جهات الغابات المخروطية هو 25 سم أيضًا، ومع ذلك يساعد هذا القدر في الجهات الباردة على نمو الأشجار لأن الحرارة منخفضة لا تبدد منه شيئًا.
وتقع الصحاري الحارة في غرب القارات بعد الأقاليم المدارية من ناحية القطبين. وهي جهات يسودها الضغط المرتفع والتيارات الهوائية الهابطة من الطبقات العليا من الجو، ومن شأن الضغط المرتفع أن يطرد الرياح، ومن شأن التيارات الهوائية الهابطة أن تزداد قابلية لحمل أبخرة جديدة لا للتخلص مما بها
على شكل مطر. وكلا العاملين يحرم الجهات الصحراوية من الظروف المسببة للمطر.
توزيع الصحاري الحارة:
تشغل الصحاري الحارة مساحات كبيرة في نصف الكرة الشمالي. فهي تمتد في شمال إفريقية من ساحل المحيط الأطلسي غربًا إلى البحر الأحمر شرقًا، ثم تتجاوز البحر الأحمر إلى شبه جزيرة العرب، ومنها إلى حدود بلوخستان ثم إلى صحراء ثار في الهند، ثم في أمريكا الشمالية توجد الصحراء الحارة في كاليفورنيا وأما في نصف الكرة الجنوبي فالمساحات الصحراوية أقل لعدم اتساع مساحة اليابس في هذه الجهات. فيشمل الإقليم الصحراوي مساحات بين جبال الإنديز وبين المحيط الهادي في بيرو وشمال شيلي. ثم في جنوب إفريقية توجد صحراء كلهاري في غرب جنوب القارة وتمتد حتى المحيط الأطلسي حيث توجد صحراء ناميب Namib وكذلك في استراليا توجد الصحراء في غرب القارة ويجمع بين كل هذه الجهات -سواء في نصف الكرة الشمالي أو نصفها الجنوبي- صفتان طبيعيتان هما:
1-
أنها تقع في عروض حارة.
2-
المتوسط السنوي للمطر فيها أقل من 25 سم.
ويتبين من هذا التوزيع أن أكبر الصحاري الحارة مساحة هي الصحراء الكبرى وشبه جزيرة العرب، ويمكن اعتبارهما إقليمًا صحراويًّا متصلًا تزيد مساحته عن مساحة القارة الأوروبية كلها، ويلاحظ في هذا التوزيع أيضًا أن إفريقيا الشمالية واستراليا سيئتا الحظ في أن أكبر عرض فيهما يقع في النطاق الصحراوي وعلى العكس من ذلك نجد أمريكا الشمالية تضيق سريعًا جنوب عرض 20 ْشمالًا وهو العرض الذي يحد الإقليم الصحراوي، ويعتبر خليج المكسيك في هذه الجهة مصدرًا للرطوبة يغذي الأراضي المحيطة به وبذلك يقلل من المساحة الصحراوية في أمريكا الشمالية. وكذلك الحال في أمريكا الجنوبية إذ تضيق
القارة في العروض الصحراوية فتنحصر الصحراء في شريط ضيق بين الجبال وبين الساحل في كل من بيرو وشمال شيلي وليس معنى الصحراء خلو الإقليم من النبات خلوًّا تامًّا بل معناه فقره الشديد في الحياة النباتية، وتنمو في الصحراء الحارة نباتات ذات طابع خاص فلا يستطيع أن يعيش في هذه الصحراء -بدون الري- إلا النباتات التي تحتمل الجفاف الشديد والتي تستطيع مقاومته بخفض البخر إلى أدنى حد ممكن وبمد جذورها في الأرض إلى أبعد حد ممكن حتى تصل إلى مستوى الماء الباطني، وباختزان المياه في سوقها وأوراقها ومن النباتات الصحراوية ما يبقى هامدًا عدة شهور بل عدة سنوات حتى إذا سقط عليه المطر استيقظ وعاد إلى الحياة. وبسبب عدم انتظام المطر الصحراوي لا توجد دورة فصلية للنبات بل نجد النبات الصحراوي وليد الصدفة يزدهر بسرعة عجيبة إذا سقط المطر، ولكنه ازدهار مؤقت لا يلبث أن يزول في فترة قصيرة.
وحيثما تقترب الصحراء من البحر كما في بيرو وجنوب غرب إفريقية ينشأ من ذلك مصدر آخر من مصادر الرطوبة -غير المطر- يتمثل في الضباب الذي يتوغل في داخل اليابس في بعض الأحيان، ولبعض النباتات الصحراوية خاصية امتصاص الرطوبة من الضباب والندى بواسطة أوراقها، ومن أمثلة ذلك أيضًا اليمن حيث يغطي سفوحها ضباب من البحر الأحمر فيمد أشجار البن بالرطوبة فضلًا عن أنه يظللها ويحميها من شمس النهار المحرقة.
الاستغلال الاقتصادي للصحاري الحارة:
ليست الصحراء عديمة القيمة من ناحية الاستغلال الاقتصادي بل تستغل بعض جهاتها في ناحيتين هامتين: هما الزراعة واستخراج المعادن.
الاستغلال الزراعي:
نجد في بعض الصحاري أجزاء تقوم بها الزراعة المعتمدة على المياه الجوفية. وهذه هي التي نسميها الواحات. فالواحات عبارة عن أحواض منخفضة تتسرب إليها المياه من الجهات المرتفعة المحيطة بها ثم تظهر في منخفضات الواحات
على شكل ينابيع وآبار تكفي مياهها لري عدد كبير من الأفدنة وإعالة عدد وافر من السكان.
ومن أحسن الأمثلة على ذلك واحات الصحراء الغربية في مصر مثل الخارجة وسيوة، هذا فضلًا عن أن بعض جهات الصحراء تجري فيها أنهار تنبع من جهات بعيدة عن الإقليم الصحراوي وتصل إلى الجهات الصحراوية فتجعل منها أقاليم وافرة الثروة الزراعية، ومن أحسن الأمثلة على ذلك مصر التي هي قطعة من الصحراء الصميمة أحالها النيل إلى قطر زراعي من الدرجة الأولى، ومن أحسن الأمثلة كذلك على تحول الصحراء إلى أرض مزروعة ما حدث في صحراء الكلورادو في أمريكا الشمالية وفي حوض نهر السند بالباكستان.
ومما يبعث على الدهشة ذلك القدر الضئيل من المطر -أو حتى الندى- الذي تنمو عليه الغلات على حافات الصحراء، ولكن يمكن القول إن الزراعة في الصحراء تعتمد اعتمادًا رئيسيًّا على الري إما من المجاري المائية السطحية وإما من موارد الماء الباطنية حيث تنشأ الواحات وأشهر الغلات الصحراوية نخيل البلح الذي يجد في الصحراء الحارة أنسب الظروف لنموه، فرغم تعطش جذوره للمياه يتلفه المطر في فترة التلقيح كما يتلف ثمرته فيما بعد. فلكي ينتج النخيل ثمرًا جيدًا يحتاج إلى فصل حار طويل وهو ما لا يتوفر في الصحاري الباردة.
وحيث يمكن الري تزرع الذرة بنوعيها الشامي والرفيعة وكذلك البقول تحت ظلال النخيل، وفي بعض الأحيان ينمو الكروم حيث تتسلق فروعه على جذوع النخيل وتنتج البساتين الصحراوية في بعض الجهات الرمان والتوت والكروم والمشمش والطباق والأفيون والقطن والقمح والذرة والشعير والبرسيم والبطيخ، وكل هذا بفضل وسائل الري الصناعي؛ وذلك لأن تربة الصحراء حينما تروى تكون شديدة الخصوبة عظيمة الإنتاج.
الاستغلال المعدني:
أجزاء كثيرة من الصحاري الحارة غنية بالمعادن، وإذا كان توزيع النبات
يرتبط بالمناخ ويعتمد على توفر المياه للنبات وللإنسان الذي يستغل هذا النبات، فإن توزيع المعادن لا يرتبط بشيء من هذا بل يوجد في جهات جرداء من الماء والنبات والإنسان. ومع ذلك يلجأ الإنسان لاستغلالها وينقل إليها بوسائل النقل الحديثة حاجته من الماء والطعام، ومن أمثلة ذلك منطقة النترات في شيلي ومنطقة الذهب في غرب استراليا ومنطقة الفوسفات وزيت البترول في صحراء مصر الشرقية.
وفي كثير من الأماكن لا يحتاج كشف المعادن بالصحراء إلى مجهود كبير بل تتركز الأملاح السطحية بحيث يقوم التعدين المثمر ومثال أملاح النترات في شيلي والفوسفات في تونس، ولهذه الأملاح قيمة كبيرة كسماد، ولا شك أنه من المفارقات العجيبة أن أعظم مخصب في العالم يجلب من أشد أجزاء العالم جدبًا!.
وخلاصة هذا أن الصحراء الحارة تساهم في الإنتاج العالمي بنصيب وافر، وهي تضم خليطًا من السكان يشتغل فريق منهم بالزراعة وفريق بالتعدين وفريق ثالث بالتجارة، غير أن الأجزاء الصحراوية ذات القيمة الاقتصادية لا تكون إلا نسبة ضئيلة جدًّا من المساحات الصحراوية بالعالم.
ب- الصحراء المعتدلة:
العامل الرئيسي في تكوين هذه الصحراء هو المناخ، فالمناخ في هذه الصحراوات قارس إذ تشتد الحرارة صيفًا وتشتد البرودة شتاء، وتتكون عليها في فصل الشتاء مناطق متسعة من الضغط المرتفع بسبب برودة الهواء، كما تتكون عليها في فصل الصيف مناطق من الضغط المنخفض تجذب لها الرياح من المحيط، ومع ذلك لا يسقط بها إلا نذر يسير من المطر؛ وذلك لأن الرياح تقطع مسافات بعيدة أو تجتاز جبالًا عالية قبل الوصول إلى هذه الجهات، وبذلك تفقد معظم ما بها من رطوبة قبل الوصول إليها، على أن بعض جهات هذا الإقليم القريبة من البحر المتوسط يسقط بها مطر شتوي ومثال ذلك إيران.
وتغطي بعض جهات هذه الصحاري المعتدلة طبقة فقيرة من الحشائش تتحول بالتدريج إلى مراعي الإستبس المعروفة.
وترجع قحولة الصحراوات المعتدلة إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي:
أولًا: البعد عن البحر.
ثانيًا: شكلها الحوضي بين أراضٍ مرتفعة.
ثالثًا: ضد الإعصار الذي يقوم عليها شتاء.
ونتيجة لهذا لا تستطيع الرياح الحاملة للمطر أن تتوغل في هذه الجهات، ثم هي إذا استطاعت الوصول إليها فإنما تهبط إلى أحواض، وبذلك تزيد حرارتها وتزداد قابليتها لحمل رطوبة جديدة لا للتخلص مما بها من رطوبة.
ولا يتسع اليابس في العروض الوسطى اتساعًا يسمح بتكون الصحاري المعتدلة إلا في أوراسيا وأمريكا الشمالية وأما في نصف الكرة الجنوبي فلا نجد ما يجوز أن يعتبر من الصحاري المعتدلة إلا بتاجونيا، فهذه رغم ضيق أمريكا الجنوبية تعتبر صحراء بسبب الحاجز المحكم الذي تكونه الإنديز ضد الرياح الغربية.
وأما في أوراسيا فتمتد هذه الصحراوات المعتدلة من بحر قزوين إلى حافة خنجان ولكنها غير متصلة بل تقوم فيها مجموعات من الجبال تكون واحات عالية تقطع الصحراء إلى عدد من الأحواض المنعزلة. وتتمثل الصحراء المعتدلة في أمريكا الشمالية في الحوض العظيم.
وهنا ينبغي أن نلتفت إلى نوع الواحات في الصحراء الحارة والصحراء المعتدلة، فالواحات في الصحراء الحارة عبارة عن منخفضات تعتمد على الماء الباطني وأما الواحات في الصحراء المعتدلة فعبارة عن جبال مرتفعة تتلقى الرطوبة من طبقات الجو.
جـ- الصحراء الباردة:
تقع الصحاري الباردة حيث درجة الحرارة في معظم شهور السنة أقل من الدرجة اللازمة للإنبات، وبذلك يتعذر نمو النبات. ففي المنطقة القطبية -حيث توجد هذه الصحاري- يطول الشتاء وتزداد برودته كما أن الصيف قصير المكث قليل الدفء، ونتيجة لهذه الظروف المناخية يستحيل نمو الأنواع النباتية بصورها المختلفة وواضح من هذا أن المظهر العام للإقليم القطبي شبيه بالمظهر العام للصحراء، ومن أجل هذا أطلق عليه اسم الصحراء الباردة أو الجليدية، فتشترك الصحراء الحارة والصحراء الباردة في ظاهرة هامة هي وجود جهات كثيرة جرداء من كل حياة نباتية بسبب قلة المطر في الصحراء الباردة. وهناك عامل مشترك آخر بين الصحراوين هو عدم ملاءمة المناخ لقيام الزراعة.
وتنتشر الصحراء الباردة في أطراف القارات الشمالية في آسيا وأوربا وأمريكا الشمالية ثم في القارة القطبية الجنوبية.
وكما تتدرج الحشائش الحارة "السفانا" إلى الصحراء الحارة تتدرج الحشائش الباردة "التندرا" إلى الصحراء الباردة ومن أحسن الأمثلة على ذلك جرينلنده في نصف الكرة الشمالي والقارة القطبية الجنوبية في نصف الكرة الجنوبي.
ويوجد في جرينلنده وفي القارة الجنوبية "أنتاركتيكا" -حيث اجتمع عاملا الارتفاع والبعد عن خط الاستواء- مناخ أشد قسوة من مناخ التندرا. فجرينلنده إقليم جبلي مرتفع يتراوح ارتفاع قممه بين 5 و 11 ألف قدم، ولهذا كانت الجزيرة مغطاة بغطاء من الجليد لا يعرف سمكه. ولا يظهر من جرينلنده إلا شريط ساحلي ضيق. ولا يسكن من هذا الشريط الساحلي إلا جزؤه الغربي. والبحار المحيطة بها موطن لحيوانات كثيرة أهمها فرس البحر وبقر البحر والدببة القطبية والحيتان التي تمد الناس بالطعام واللباس كما تمدهم بالزيت للإضاءة والتدفئة.
أما أنتاركتيكا فهي قارة شامخة الارتفاع تحيط بالقطب الجنوبي ويغطيها كساء من الجليد الدائم الذي لا يذوب مطلقًا ولهذا كانت غير صالحة لقيام أية حياة نباتية أو حيوانية أو بشرية بها.
الاستغلال الاقتصادي في الصحاري البرية:
تكاد تكون الصحاري الباردة خالية من السكان ولكن قد يستطيع الإنسان بوسائل العلم الحديثة أن يستغلها في رعي بعض الحيوان مثل حيوان الكاريبو "الرنة الأمريكي" الذي تعتبر لحومه وجلوده ذات قيمة اقتصادية كبيرة كما قد تستغل بعض جهات الصحاري الباردة في استخراج المعادن كما في حوض نهر كلونديك في ألاسكا.