الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
في التقسيم الثلاثي للتوحيد عند الحنفية
لقد سبق أن علماء الحنفية يقسمون التوحيد إلى نوعين، ولكنهم تارة يقسمونه إلى ثلاثة أنواع؛ فيقولون: التوحيد أنواع ثلاثة:
الأول: توحيد الأسماء والصفات.
الثاني: توحيد الربوبية.
الثالث: توحيد الألوهية ((توحيد الإلهية)) .
قلت: هذه الأقسام الثلاثة للتوحيد التي ذكرها علماء الحنفية لا تختلف في المعنى عن النوعين اللذين ذكرهما هؤلاء العلماء الحنفية في التقسيم الثنائي السابق.
وإنما الفرق في المباني لا في المعاني؛ فإن النوعين السابقين في المعنى لا يختلفان عن هذه الثلاثة كما
سبق، غير أن الفرق في الإجمال والتفصيل؛ فمن أجمل ذكر النوعين ومن فصل ذكر الثلاثة.
وهذا التقسيم الثلاثي الذي ذكره علماء الحنفية - أيضًا موافق لما قاله سائر أئمة السنة؛ فقد ذكر هذه الأنواع الثلاثة كثير منهم غير الحنفية أيضًا.
وبعدما ذكرت تقسيم الحنفية التوحيد إلى الأنواع الثلاثة يحسن أن أذكر عنهم تعريف كل نوع على حدة؛ لتتضح المحجة وتقام الحجة:
الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات:
هو اعتقاد إثبات ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم له تعالى من غير تشبيه ولا تكييف ولا تأويل.
الثاني: تعريف توحيد الربوبية:
هو الاعتقاد بأن الله هو وحده الخالق الرازق والمدبر والنافع والضار والمجير والمحيي والمميت:
فلا خالق ولا رازق ولا مدبر ولا نافع ولا ضار ولا مجير غيره سبحانه.
الثالث: تعريف توحيد الألوهية:
هو الاعتقاد بإفراد العبادة لله الواحد الصمد؛ لأن ((الإله)) من يقصد للعبادة.
قلت: هذه الأنواع للتوحيد التي ذكرها علماء الحنفية كما ذكرها غيرهم من أئمة السنة - هي الحق الصواب الذي لا يحتمل النقيض؛ لأن توحيد العبادة - الذي هو أهم هذه الأنواع - هو في الحقيقة مفترق الطرق بين المسلمين وبين المشركين، ولأجل تحقيقه أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وهو المتضمن المستلزم لتوحيد الربوبية وتوحيد الصفات، أما ما ذكره القبورية والكلامية - فناقص؛ لأنه بعض الحق لا كله؛
لعدم شموله توحيد العبادة الذي هو المقصود الأعلى الأسمى والغاية العظمى، فإن توحيد الربوبية لا خلاف فيه للمشركين؛ قال العلامة محمود شكري الآلوسي (1342هـ) ، والإمام ابن أبي العز (792هـ)، واللفظ للأول:
(توحيد الربوبية هو الذي أقرت به الكفار جميعهم؛ ولم يخالف أحد منهم في هذا الأصل إلا الثنوية والمجوس.
وأما غيرهما من سائر فرق الكفر والشرك - فقد اتفقوا على أن خالق العالم ورازقهم، ومدبر أمرهم ونافعهم وضارهم، ومجيرهم واحد، لا رب ولا خالق ولا رازق ولا مدبر ولا نافع ولا ضار ولا مجير غيره؛ كما قال سبحانه وتعالى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] ،
{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84-85] .
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31] ....، وإذا علمت هذا - تبين لك أن المعركة بين أهل التوحيد والمشركين - في الألوهية فقط....، وجميع الرسل من أولهم إلى آخرهم دعوا إلى توحيد الله وعبادته) .
قلت: إذا كان الأمر على ما ذكره علماء الحنفية من اعتراف المشركين كافة بتوحيد الربوبية؛ وأن المعترك كان توحيد الألوهية؛ وأن الله قد أنزل لتحقيقه الكتب وأرسل للدعوة إليه الرسل - كيف يصح للقبورية إنكارهم لتقسيم التوحيد إلى الربوبية والألوهية؟
وكيف يتم لهم أن توحيد الربوبية هو الغاية؟
وبهذه التحقيقات النفيسة تبين إبطال جميع ما هذوا به في الطعن في تقسيم التوحيد إلى هذه الأنواع الثلاثة، كيف لا وقد اعترف بهذا كله أحد كبار من له صلة بالقبورية ألا وهو الشيخ أبو غدة الكوثري الحنفي:
وفيما يلي نصه بحرفه وفصه ليكون فيه عبرة للمعتبرين ونكال للمعاندين وإتمام الحجة على القبورية وإلقام الحجر في أفواه الخرافية عامة، والكوثرية خاصة؛ قال بعد ذكر توحيد الأسماء والصفات:
(وأما تقسيم التوحيد إلى ما ذكره هؤلاء الأئمة:
شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية - فهذا تقسيم اصطلاحي استقاه العلماء مما جاء في الكتاب والسنة في مواضع لا تحصى؛ مما رد الله تعالى به على المشركين الذين كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية دون توحيد الألوهية؛ وفي سورة الفاتحة التي يقرأها المسلم في صلاته مرات كل يوم - دليل على ذلك؛ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ) .
قلت: لقد أنطق الله هذا الكوثري ببعض الحق؛ فقد حقق وأثبت أن تقسيم التوحيد إلى هذه الأنواع الثلاثة من صميم الإسلام ومستقى من القرآن ولا سيما أم القرآن؛ فقوله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} : توحيد الربوبية.
وقوله جل وعلا: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : توحيد الأسماء والصفات.
وقوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : توحيد الألوهية.
فهل يبقى عذر للقبورية بعد شهادة هذا الكوثري بلسانه واعترافه ببيانه؟!!؟ .
وبعدما عرفنا التوحيد وأنواعه - ننتقل إلى الفصل الآتي لنعرف أهمية توحيد الألوهية، وكونه هو الغاية العظمى عند علماء الحنفية، وردهم على القبورية؛ لأنه من موضوع هذه الرسالة.
****