الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
في تطور الشرك بعبادة القبور وأهلها وانتشار القبورية في العالم
عند علماء الحنفية
وردهم على القبورية
والكلام هاهنا في تحقيق عشرة أمور:
الأمر الأول: في تحقيق أن أول فرقة قبورية هي قوم نوح عليه الصلاة والسلام؛ وأما سائر فرق القبورية فتبع لها.
لقد تبين من كلام علماء الحنفية:
أن الإشراك بالله تعالى أول ما ظهر وبدأ - إنما ظهر وبدأ في قوم نوح بمكر الشيطان وحيله الخفية المزخرفة اللطيفة وكيده لبني آدم في الإغواء والإضلال بسبب عبادة القبور وأهلها:
فصار قوم نوح أول فرقة مشركة قبورية وثنية - ظهرت على وجه الأرض في تاريخ البشرية، وانشقت عن المسلمين الموحدين، فقبورية قوم نوح هم السلف الشرير السوء الطالح لكل مشرك قبوري ولجميع الفرق القبورية في شرق الأرض وغربها، عجمها، وعربها، تركها، وبربرها، هندها، وغيرها؛ سواء تنتمي إلى الإسلام أم إلى الرفض أم إلى الفلسفة، أم إلى الصوفية، أم إلى الكلام، أم إلى ملة من ملل الكفر ونحله.
فعبادة القبور هي أصل شرك العالم، وقبورية قوم نوح هي أم القبوريات؛ ثم انتشرت القبورية في اليهود والنصارى والعرب والعجم من الهند والترك والبربر وغيرهم؛ فقد قال الإمام ابن أبي العز (792هـ) ، والعلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) ، واللفظ للأول، في بيان مبدأ عبادة القبور وتطور القبورية في العالم:
(فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية
…
؛ ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم؛ بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم:
من الهند، والترك والبربر، وغيرهم؛ تارة يعتقدون: أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين، ويتخذونهم شفعاء ويتوسلون بهم إلى الله؛ وهذا أصل شرك العرب؛ قال الله تعالى حكاية عن قوم نوح؛ {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] ؛ وقد ثبت في صحيح البخاري وكتب التفسير، وقصص الأنبياء وغيرها، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره من السلف:
أن هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح؛ فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم، وأن هذه الأصنام بعينها -
صارت إلى قبائل العرب؛ ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما قبيلة قبيلة) .
وقال الإمامان: محمد البركوي (981هـ) وأحمد الرومي (1043هـ)، والشيخان: سبحان بخش الهندي، وإبراهيم السورتي - في تحقيق مبدأ عبادة القبور وأهلها، ونشأة القبورية وتطورها وانتشارها في العالم، مبينين أن القبورية قديمًا وحديثًا يعبدون الصالحين دون الأحجار، واللفظ للأول:
(ومن أعظم مكائده - أي الشيطان - التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته - ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه:
من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابها من دون الله تعالى، وعبدت قبورهم، واتخذت أوثانًا، وبنيت عليها الهياكل، وصورت صور أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادًا لها ظل، ثم جعلت أصنامًا، وعبدت مع الله تعالى، وكان ابتداء هذا الداء العظيم في قوم نوح) ، ثم ساقوا أثر ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية المذكورة
كما نقلته عن ابن أبي العز آنفًا، ثم قالوا:
(وكان هذا مبدأ عبادة الأصنام:
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين:
فتنة القبور، وفتنة التماثيل؛ وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
،:
ففي هذا الحديث: ما ذكر من الجمع بين التماثيل والقبور) .
قلت: لقد ظهر من كلام هؤلاء الأعلام من الحنفية:
أن القبورية نشأت في قوم نوح، ثم تطورت وانتشرت فيمن بعدهم من الأقوام والأمم حتى جاءت نوبة اليهود والنصارى؛ فهم صاروا من أعظم فرق القبورية وشرارها حتى آل الأمر إلى جزيرة العرب؛ فكان العرب في الجاهلية من أعظم قبورية العالم؛ وكانوا جميعًا قد جمعوا بين فتنتين:
فتنة الشرك بعبادة القبور.
وفتنة الصور والتماثيل.
كما تبين من ذلك أنهم كانوا يعبدون الصالحين دون الأحجار لا كما يزعم القبورية.
الأمر الثاني: في تحقيق أن مشركي العرب كانوا قبورية كسلفهم قوم نوح عليه السلام.
أقول: بالنسبة إلى مشركي العرب في الجزيرة وكونهم قبورية فالأمر أوضح وأشهر من أن يبرهن عليه ويذكر؛ فإنهم كانوا قبورية يعبدون القبور وأهلها، فقد صرح الإمام محمود الآلوسي (1170هـ) :
أن ((اللات)) كان رجلًا من ثقيف يلت السويق بالزيت؛ فلما توفي جعلوا قبره وثنًا، وأنه كان يلت السويق على الحجر؛ فلا يشرب منه أحد إلا سمن، فعبدوه، وعبدوا ذلك الحجر إجلالًا.
وذكر الشيخ جوهر الرحمن.
عن الحافظ ابن كثير (774هـ) قوله:
(فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه) .
قلت: فإن قيل ماذا كان نوع عبادة العرب لللات؟
قلت: لقد صرح الحنفية بأنهم كانوا يستعينون به عند الشدائد كدأب قبورية اليوم وبذلك كفروا وأشركوا بالله في عبادته؛ قال الإمام ولي الله الدهلوي (1176هـ) :
(وكفر الله مشركي مكة لقولهم لرجل سخي كان يلت السويق للحاج:
إنه نصب منصب الألوهية؛ فجعلوا يستعينون به عند الشدائد) .
قلت: هذا كله برهان بل براهين على أن مشركي العرب من أعظم فرق القبورية في العالم، وأنهم أقحاح في القبورية، ومنه تبين أن المشركين كانوا يعبدون الصالحين دون الأحجار لا كما هو زعم القبورية الآن.
ومن أعظم الحجج الباهرة القاهرة على أن مشركي العرب كانوا قبورية يعبدون القبور وأهلها - نهي النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الإسلام عن زيارة القبور؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:
«نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها» .
وقال صلى الله عليه وسلم:
قلت: ولقد علل كثير من علماء الحنفية نهي النبي صلى الله عليه وسلم هذا عن زيارة القبور في بداية الإسلام؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف عليهم، لكون القبور مبدأ لعبادة الأصنام في العرب وقبلهم، فنهاهم أولًا لكونهم حديثي عهد بالشرك سدا لذريعة الشرك وحماية لحمى التوحيد؛ لأن زيارة القبور كانت تفتح عليهم باب عبادة القبور وأهلها؛ ثم لما تمكن التوحيد في قلوبهم واطمأنت نفوسهم على تحريم عبادة غير الله - أذن لهم في زيارة القبور للتزهيد في الدنيا وتذكير الآخرة والدعاء للأموات بالمغفرة.
أقول: انتبه أخي المسلم إلى أن النبي أذن لهم فيما بعد في زيارة القبور، ولكن حذرهم من الشرك وشوائبه بقوله صلى الله عليه وسلم:«ولا تقولوا هجرا» .
وقد صرح علماء الحنفية في شرح كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا: ((هجرا)) :
(هجرًا: أي فحشًا:
وأي فحش أعظم من الشرك عندها قولًا وفعلًا؟!) .
قلت: بعد هذا لا حاجة إلى البرهنة على أن مشركي العرب كانوا قبورية أقحاح بأكثر من هذه البراهين القاهرة الباهرة؛
فلقد تبين من هذه النصوص أن المشركين كانوا يعبدون الصالحين المقربين عند الله على زعمهم أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى، ولم يكونوا يعبدون الأحجار لذاتها؛ لا كما هو زعم القبورية الكذبة مبررين شركهم بالأكاذيب؛ ولذلك قال الشيخ ابن آصف الفنجفيري الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن بعد سرد أقوال المفسرين:
(فاتفقت كلمتهم على أن المشركين [كانوا] يدعون العباد الصالحين ويتوسلون بهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله
…
، ويعطون النذور لهم باعتقاد أنهم يقربونا إلى الله زلفى فكان شركهم العبادة للمقبورين والدعاء من الغائبين والأموات أن أصحاب القبور يسمعون الدعاء والنداء ويعلمون السر وأخفى ويتصرفون في الأمور كيف يشاءون) .
الأمر الثالث: في تحقيق أن اليهود والنصارى - كانوا قبورية أقحاحًا.
أما اليهود والنصارى - فقد سبق في نصوص علماء الحنفية:
أنهم من شر القبورية الذين كانوا يعبدون الصالحين ويتخذون قبورهم مساجد،
وقد نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي قريبًا فكانوا يعبدون القبور وأهلها، مع ارتكابهم فتنة التماثيل والصور بجانب فتنة الشرك بعبادة القبور وأهلها، ويوضح هذا أن كثيرًا من علماء الحنفية - قد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم:
«لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
وفي لفظ «عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه - وفي لفظ: ((مات فيه)) -:
لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
قالت: (ولولا ذلك لأبرزوا قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا) » .
ورواه أبو هريرة رضي الله عنه أيضًا بهذا اللفظ على تحريم اتخاذ القبور مساجد والبناء على القبور، وأن ذلك من أعظم وسائل الشرك ووسائل عبادة القبور وأهلها قديمًا وحديثًا؛
وهذا كله حجج ساطعة وأدلة قاطعة على أن اليهود والنصارى من أعظم فرق القبورية في العالم وأشرارها.
الأمر الرابع: في تحقيق أن جميع الأمم من المشركين كانوا قبورية.
الظاهر أن جميع الأمم من المشركين كعاد وثمود ومدين وغيرهم - كانوا قبورية كسلفهم قوم نوح عليه السلام؛ لما ذكره علماء الحنفية من قول النبي صلى الله عليه وسلم قولًا عاما شاملًا لجميع المشركين قبل العرب: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك» ، قاله قبل أن يموت بخمس.
وقد استدل بهذا الحديث جمع من علماء الحنفية؛ فدل ذلك على أن جميع الأمم المشركة كانوا قبورية.
الأمر الخامس: في تحقيق أن فلاسفة اليونان كانوا قبورية أجلادا.
لقد صرح الرازي (606هـ) بأن فلاسفة اليونان كانوا يستمدون الفيوض من القبور وأهلها إذا اعترتهم مشكلة من المشكلات وكان الفلاسفة من تلاميذ أرسطو إذا دهمتهم نازلة - ذهبوا إلى قبره للحصول على المدد والفيض، وهكذا يعبدون القبور وأهلها؛
كعادة قبورية هذه الأمم، قلت: هذا الرازي من أعظم أئمة القبورية ولا سيما الكوثري والكوثرية.
فإن الكوثري ينهل من قبورياته المستنقعات، ويعتمد على بحوثه الكلامية غاية الاعتماد، حتى نقل كلامه عن هذه الصفحة من مطالبه ويقول: إن الأئمة: الرازي والتفتازاني والجرجاني من كبار أئمة أصول الدين الذين يفزع إليهم في المشكلات ومعرفة الإيمان والكفر والتوحيد والشرك، معظمًا كتاب المطالب العالية.
والفلاسفة اليونانية الوثنية المشركة من أعظم السلف للديوبندية في الاستفاضة من القبور!؟! .
الأمر السادس: في تحقيق أن المتفلسفة في الإسلام أمثال الفارابي (339هـ) الضال الكافر وابن سينا الحنفي القرمطي (428هـ) ونصير الشرك الطوسي الساحر الوثني (672هـ) .
الذين لعبوا بالإسلام ما لعب بولس بالنصرانية - كانوا من أعظم القبورية الوثنية الأجلاد، ولهم تفلسف في زيارة القبور الشركية والوثنية - في غاية الضلال والإضلال؛
كما ذكره عنهم كثير من علماء الحنفية، وسيأتي نص كلامهم بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
الأمر السابع: في تحقيق أن الروافض بجميع فرقهم قبورية أجلاد وثنية أقحاح؛ فهم أول من وضع الأحاديث القبورية والروايات الوثنية - لزيارة المشاهد، فعطلوا المساجد وعمروا المشاهد التي كانوا يشركون فيها.
ولهذا كانت الرافضة من أبعد الناس عن العلم والدين؛ إذ عمروا المشاهد وعطلوا المساجد؛ وألف بعض أعناقهم كتابًا وثنيا سماه ((مناسك حج المشاهدة)) ؛ مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام؛ ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام؛ ودخول في دين عبادة الأصنام كما صرح بذلك علماء الحنفية.
وقد بني مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما بالقاهرة بأيدي الروافض.
الأمر الثامن: في تحقيق: أن الصوفية قبورية؛
بل هم أشنع قبورية هذه الأمة على الإطلاق وأبشعها؛ فهم ملاحدة اتحادية وزنادقة حلولية، يعبدون القبور وأهلها على طريقة الوثنية.
ولعلماء الحنفية كلام قامع لهم، قاطع لدابرهم، قالع لشبهاتهم؛ قال العلامة محمود شكري الآلوسي (1342هـ) مبينًا كثرة القبورية وانتشارهم في البلاد والعباد، وأنهم أشنع شركًا من المشركين السابقين:
(وأما من ينتسب إلى طريقة من الطرائق الكثيرة - فعنده: أن الاستمداد من روحانية مشائخهم والاستغاثة بهم من الواجبات الشهيرة؛ فلا حفظ الله لهم حريمًا * ولا صان لهم أديمًا * نسأله أن يطهر الأرض من أمثالهم * ويريح المسلمين من كفرهم وإضلالهم) .
الأمر التاسع: في تحقيق أن كثيرًا من المتكلمين من الماتريدية والأشعرية وغيرهم - قبورية؛ لتأثرهم بالفلاسفة والمناطقة والصوفية، وجعلهم حقيقة توحيد الألوهية عين توحيد الربوبية كما سبق على لسان علماء الحنفية.
الأمر العاشر: أن كثيرًا بل أكثر من ينتمون إلى المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة قبورية،
ولعلماء الحنفية جهود في كشف الستار عن أسرارهم وكتب ألفوها في قمعهم وقلع شبهاتهم؛ وهؤلاء القبورية المنتسبة إلى الأئمة الأربعة - فرق وألوان * وصنوف وأفنان *؛ وهم أكثر من أهل التوحيد - تكتظ بهم البلاد والبلدان *؛ كما سيأتي تفصيل ذلك على لسان علماء الحنفية الرادين على القبورية؛ فهم - كما قال الإمام الآلوسي (1270هـ) :
(عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر:
ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها؛ وهم اليوم أكثر من الدود) .
وقال ابن آصف الفنجفيري الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن:
(وقد صنف العلماء الربانيون في ردهم تواليفًا، وشنعوا عليهم تشنيعًا بليغًا، لكن الزائغين المحرفين في دين الله يبتغون لذلك حيلًا، وأسسوا قواعد مزخرفًا بالأقوال المموهة الباطلة؛
والعجب عن بعض من ينتمون أنفسهم بشيوخ الحديث فيدرسون في المشاهد دروسًا، ويقولون: قال الله تعالى، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ويكتمون الحق ويغمضون البصر مما يرون عباد القبور عليها عكوفًا، وينحرون عندها نذورًا، يمسحون أجداثًا، وشرعوا دينًا لم يأذن به الله؛
أعادوا بها معنى سواع ومثله
…
يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
…
كما يهتف المضطر بالواحد الصمد
وكم نحروا في سوحها من بحيرة
…
أهلت لغير الله جهلًا على عمد
وكم طائف عند القبور مقبلًا
…
ويلتمس الأركان منهن بالأيدي
فيجب على علماء الإسلام إزالة مواضع الشرك وهدم الطواغيت) .
قلت: لقد عرفت بالتجربة والاستقراء وبما قرأت وبما سمعت:
أن أكثر القبورية في المنتسبين إلى المذاهب الأربعة - هم الحنفية لكثرتهم ونفوذ سلطانهم ودولهم في شرق الأرض وغربها، من صينها إلى مغربها؛ وهندها، وأفغانها، وتركها، وشامها، ومصرها، ورومها، وغيرها من البلاد.
ولكثرة الفرق الضالة المبتدعة في الحنفية أيضًا.
ثم في الشافعية، ثم في المالكية، ونزر قليل من الحنابلة؛ لكون عامة الحنابلة من أهل الحديث والأثر والسنة المحضة ولكونهم أقل عددًا من بقية أهل المذاهب.
وأقول: هذه كانت نبذة من تاريخ القبورية الوثنية، من لدن قوم نوح عليه السلام؛ مرورًا بعامة الأمم من المشركين؛ أمثال عاد، وثمود، ومدين، بل اليهود والنصارى، فضلًا عن مشركي العرب، والعجم، في الجزيرة، والهند، وفارس، والروم، وغيرها؛ بل فلاسفة اليونان، من المناطقة المشائية، والصوفية الإشراقية؛ ومن طريق هؤلاء دخل شرك القبور إلى المتفلسفة في الإسلام أمثال الفارابي وابن سينا والطوسي، فهم قبورية أجلاد، وإلى الروافض بصفة عامة، فهم قبورية أقحاح، كما أن الصوفية قديمًا وحديثًا قبورية وثنية حلولية اتحادية إلا من شاء الله منهم، ثم من طريق الصوفية والروافض، وهؤلاء المتفلسفة - تسربت القبورية إلى كثير من المتكلمين، ومنهم جميعًا إلى كثير من المنتسبين إلى المذاهب الأربعة؛
حتى طمت القبورية، وشملت الوثنية البلاد * وعادت الجاهلية الأولى وعمت العباد *؛ إلا من شاء الله تعالى وما شاء.
حتى أصيب بهذا الداء العضال كثير من أهل الفقه والعلم والفضل والزهد، وهم لا يدرون ولا يشعرون * إنا لله وإنا إليه راجعون *
فضلًا عن العوام * الذين هم في الجهل كالأنعام *؛ وسيأتي لذلك مزيد تفصيل وتحقيق على لسان علماء الحنفية في الرد على القبورية؛ فاستمع لما في المطلب الآتي وما في الفصل بعده من عجائب انتشار القبورية في هذه الأمة وغرائب نفوذهم في البلاد والعباد، وأن القبورية فرقة مشركة، وثنية يعبدون القبور وعباد الأوثان وعبدة الأنصاب، إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لتكون على علم تام أن القبورية في إنكارهم وجود الشرك فيهم - إما منخدعون، جاهلون ممرضون * وخادعون مغالطون متجاهلون.
فنقول وبربنا الرحمن نستغيث ونستعين *
إذ هو المغيث المستعان المعين *:
*****