المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المطلب الأول: في تاريخ القبورية إجمالا - جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية - جـ ١

[شمس الدين الأفغاني]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات

- ‌الأحاديث

- ‌المقالة الحنفية الحنيفية التي تقمع القبورية

- ‌القصيدة السلفية اليمانية ثم الحنفيةفي كشف فضائح القبورية الشركية

- ‌ الفصل الأول: في أهمية شأن العقيدة عند علماء الحنفية

- ‌المبحث الأولفي تعريف التوحيد عند علماء الحنفية

- ‌ المطلب الأول: في تعريف التوحيد لغة

- ‌المطلب الثانيفي معنى التوحيد اصطلاحًا

- ‌المطلب الثالثفي إبطال تعريف القبورية للتوحيد

- ‌المبحث الثانيفي أنواع التوحيد عند علماء الحنفيةوردهم على القبورية في ذلك

- ‌المطلب الثانيفي التقسيم الثنائي للتوحيد عند علماء الحنفية

- ‌المطلب الثالثفي التقسيم الثلاثي للتوحيد عند الحنفية

- ‌الفصل الثالثفي أهمية توحيد الألوهيةوكونه هو الغاية عند علماء الحنفية

- ‌المبحث الثانيفي بيان شروط صحة توحيد العبادة

- ‌المبحث الثانيفي جهود علماء الحنفية لإبطال تعريف القبورية للعبادة

- ‌ المطلب الأول: رد علماء الحنفية على تعريف القبورية للعبادة

- ‌المطلب الثانيفي تعريف العبادة لغة

- ‌المطلب الثالثفي تعريف العبادة اصطلاحا وشرعًا عند علماء الحنفية

- ‌المبحث الثالثفي أركان العبادة وأنواعها وشروط صحتها عند علماء الحنفية وردهم على القبورية

- ‌ المطلب الأول: في أركان العبادة عند علماء الحنفية

- ‌المطلب الثانيفي أنواع العبادة

- ‌المطلب الثالثفي صحة شروط العبادة

- ‌ الفصل الأول: في تعريف الشرك وأنواعه ومصدره وتطوره، ونشأة القبورية

- ‌المطلب الثانيفي تعريف علماء الحنفية للشرك

- ‌المطلب الثالثفي جهود علماء الحنفية في إبطال تعريف القبورية للشرك

- ‌المبحث الثانيفي بيان أنواع الشرك عند علماء الحنفيةوردهم على القبورية

- ‌المبحث الثالثفي مصدر الشرك بعبادة القبور وتطوره، ونشأة القبورية

- ‌ المطلب الأول: في مصدر الشرك بعبادة القبور ونشأة القبورية عند علماء الحنفية

- ‌المطلب الثانيفي تطور الشرك بعبادة القبور وأهلها وانتشار القبورية في العالم

- ‌المطلب الثالثفي تحقيق علماء الحنفية أن القبورية أهل الشرك وثنية عبدة الأوثان

- ‌المبحث الأولفي تحقيق علماء الحنفية أن الشرك موجود في القبورية

- ‌ المطلب الأول: في تاريخ القبورية إجمالًا

- ‌المبحث الثانيفي جهود علماء الحنفيةفي المقارنة بين القبورية الحديثة وبين الوثنية القديمة

- ‌الفصل الثالثفي أجوبة علماء الحنفية عن شبهات القبورية الأخرى

- ‌الشبهة الأولى: شبهة الأحجار والأشجار والأصنام والأوثان

- ‌الشبهة الرابعة: شبهة تنقيص الأنبياء والأولياء:

الفصل: ‌ المطلب الأول: في تاريخ القبورية إجمالا

‌المبحث الأول

في تحقيق علماء الحنفية أن الشرك موجود في القبورية

، وأن القبورية عمت البلاد وطمت العباد، إلا من رحمه الله، بذكر أمثلة من إشراك القبورية بعبادة القبور وأهلها في شرق الأرض وغربها، الموجودة في أكثر البلاد، والتي ارتكبها أكثر العباد

وفيه مطلبان:

-‌

‌ المطلب الأول: في تاريخ القبورية إجمالًا

.

- المطلب الثاني: في جهود علماء الحنفية في بيان أن الشرك بعبادة القبور وأهلها قد طم البلاد وعم العباد إلا من شاء الله تعالى من أهل التوحيد.

ص: 441

الفصل الثاني

في جهود علماء الحنفية في تحقيق أن الشرك موجود في القبورية من هذه الأمة وأنه انتشر شرقًا وغربًا وردهم على القبورية في ذلك

وفيه مباحث ثلاثة:

- المبحث الأول: في تحقيق علماء الحنفية أن الشرك موجود في القبورية في شرق الأرض وغربها، وأن القبورية قد عمت البلاد وطمست العباد إلا من رحمه الله.

- المبحث الثاني: في جهود علماء الحنفية في المقارنة بين القبورية وبين الوثنية الأولى، وتحقيق أن القبورية أشد شركًا من مشركي العرب في باب الاستغاثة بالأموات عند إلمام الملمات.

- المبحث الثالث: في جواب الحنفية عن شبهة القبورية التي تشبثوا بها من إنكار وجود الشرك في هذه الأمة.

ص: 443

المطلب الأول

في تاريخ القبورية إجمالًا

لقد سبق على لسان علماء الحنفية:

أن القبورية نشأت من قوم نوح عليه الصلاة والسلام؛ ثم انتشرت وتطورت وعمت جميع الأمم من المشركين كعاد، وثمود، ومدين، وغيرهم، ثم اليهود والنصارى، فضلًا عن العرب في الجاهلية، وكذا الفلاسفة بيونان، ومن طريق هؤلاء الأمم تسربت القبورية إلى الروافض والصوفية والمتفلسفة في الإسلام ومن هؤلاء جميعًا دخلت عبادة القبور وأهلها - على المنتسبين إلى المذاهب الأربعة؛ ففي الحنفية أكثر، ثم في المالكية والشافعية، وفي الحنابلة نزر قليل؛ فعمت العباد وطمت البلاد إلا من شاء الله تعالى من أهل التوحيد، وتوضيح ذلك وتحقيقه في المطلب الثاني على لسان علماء الحنفية بشيء من التفصيل.

ص: 445

المطلب الثاني

في جهود علماء الحنفية في بيان

أن الشرك بعبادة القبور وأهلها قد طم البلاد وعم العباد

من هذه الأمة إلا من شاء الله تعالى من أهل التوحيد

لقد سرح علماء الحنفية أنظارهم في أحوال القبورية من هذه الأمة فحققوا أنهم انتشروا في شرق الأرض وغربها *

وسهولها وجبالها * وقراها ومدنها * وبلادها وعبادها * وهندها وأفغانها * وتركها ورومها * وما وراء نهرها*

ومصرها وشامها * ونحوها: برها وبحرها *

وبهذا قد كذب علماء الحنفية دعوى القبورية في عدم وقوع الشرك في هذه الأمة لأن القبورية قد ادعوا لتبرير شركياتهم:

أن الشرك غير واقع وغير موجود، وأن المؤمنين الموحدين وزوار القبور المستغيثين بالأولياء - لا يشركون بالله ولا يعبدون الأولياء ولا قبورهم، وإنما يعظمونهم ويستعينون بهم وينذرون لهم ويتوسلون بهم إلى الله عز وجل.

وفيما يلي أسوق نصوص علماء الحنفية التي تكذب القبورية وتثبت

ص: 447

وجود الشرك فيهم بأوسع ما يكون وأن القبورية اتبعوا سنن اليهود والنصارى والمشركين حذو النعل بالنعل شبرًا بشبر والقذة بالقذة.

1 -

8 - قال الإمام قاسم بن قطلوبغا (879هـ) ، وتبعه ابن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني (970هـ) وخير الدين الرملي (993هـ) وسراج الدين عمر بن نجيم (1005هـ) ، وعلاء الدين الحصكفي (1088هـ) وابن عابدين الشامي (1252هـ)، والعلامتان: شكري الآلوسي (1342هـ) والخجندي (1379هـ) ، واللفظ

ص: 448

للأول؛ مبينين أحوال القبورية في عصورهم وعبادتهم لغير الله بالنذور والنداء والاستغاثة، وغيرها من أنواع العبادة:

(وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام - على ما هو مشاهد - كأن يكون لإنسان غائب، أو مريض، أو له حاجة ضرورية؛ فيأتي بعض قبور الصلحاء فيجعل ستره على رأسه؛ فيقول: يا سيدي فلان!

إن رد غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي؛ فلك من الذهب كذا، ومن الفضة كذا، ومن الطعام كذا، ومن الماء كذا، ومن الشمع كذا، ومن الزيت كذا:

فهذا النذر باطل بالإجماع؛ لوجوه:

منها: أنه نذر لمخلوق؛ والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون للمخلوق.

ومنها: أن المنذور له ميت؛ والميت لا يملك.

ومنها: [أنه] إن ظن: أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى، واعتقاده ذلك كفر

) ؛ وزاد الحصكفي: (وقد ابتلي الناس بذلك ولا سيما في هذه الأعصار)، وزاد ابن عابدين:(ولا سيما في مولد السيد أحمد البدوي) ،

ص: 449

وحكاه عن النهر الفائق.

قلت: يظهر من هذا النص أن أكثر العوام في عصور هؤلاء العلماء الحنفية كانوا يستغيثون بالأموات * عند إلمام الملمات * وينذرون لهم أنواعًا من النذور عند الكربات * ولا يقصدون القبور إلا لهذه الشركيات معرضين عن دعاء رب البريات *

وهذه وثنية سافرة * قبورية فاجرة *

وهذا من أعظم الحجج على وجود الشرك في القبورية وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها.

9 -

وقال الإمام البركوي (981هـ) مبينًا كثرة القبورية في بلاد

ص: 450

الروم والترك؛ ناقمًا عليهم كاشفًا لعوراتهم، مشتكيًا إلى الله عز وجل، ذاكرًا سبب تأليف كتابه في الرد على القبورية:

(وبعد: فهذه أوراق انتخبتها من ((إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان)) للشيخ الإمام العلامة ابن القيم.....؛ لأن كثيرًا من الناس في هذا الزمان - جعلوا بعض القبور كالأوثان:

يصلون عندها ويذبحون القربان....؛ ومن أعظم مكائده [أي الشيطان] التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته - ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه، وأوليائه:

من الفتنة بالقبور؛ حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابها من دون الله تعالى، وعبدت القبور، واتخذت أوثانًا، وبنيت عليها الهياكل) .

10 -

11 - وقال الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي الملقب عند الحنفية بالإمام الرباني ومجدد الألف الثاني (1034هـ) ، وتبعه الشيخ محمد مراد المنزاوي المكي (؟) .

مشتكيًا حال القبورية إلى الله مبينًا أن الشرك قد عم وطم في جهلة أهل الإسلام رجالًا ونساء في الهند بطولها وعرضها:

ص: 451

(التبري من الكفر شرط الإسلام، والاجتناب عن شائبة الشرك توحيد، والاستمداد من الأصنام والطاغوت في دفع الأمراض والأسقام كما هو شائع فيما بين جهلة أهل الإسلام - عين الشرك والضلالة

، وأكثر النساء مبتليات بهذا الاستمداد الممنوع عنه بواسطة كمال الجهل فيهن يطلبن دفع البلية من هذه الأسماء الخالية عن المسميات، ومفتونات بأداء مراسم الشرك وأهل الشرك، خصوصًا وقت عروض مرض الجدري

، فإن ذلك الفعل مشهود ومحسوس، من خيارهن وشرارهن، في ذلك الوقت؛ بحيث لا تكاد توجد امرأة خالية من دقائق هذا الشرك

؛ إلا من عصمها الله تعالى

، كما أن جهله أهل الإسلام خصوصًا طائفة نسائهم - يؤدون رسوم أهل الكفر

؛ وكل ذلك شرك وكفر بدين الإسلام؛ قال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] ، وما يفعلونه من ذبح الحيوانات عند قبور المشائخ المنذورة لهم - جعله الفقهاء أيضًا في الروايات الفقهية داخلًا في الشرك

؛ ومثل ذلك صيام النساء بنية المشائخ

؛ ويطلبن حوائجهن منهم بواسطة تلك الصيام، ويزعمن قضاء حوائجهن منهم،

ص: 452

وهذا الفعل إشراك للغير في عبادة الله تعالى وطلب لقضاء الحوائج من الغير بواسطة العبادة إليه) .

12 -

14 - وقال الإمام أحمد الرومي في (1043هـ) ؛ مبينًا حال القبورية في بلاد الشرك والروم، وتبعه الشيخان: سبحان بخش الهندي (؟ هـ) ، ومحمد إبراهيم السورتي (؟ هـ)، واللفظ للأول:

(قال ابن القيم في إغاثته نقلًا عن شيخه [شيخ الإسلام] :

إن هذه العلة [أي العكوف على القبور، وإيقاد السرج عليها]- التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ القبور مساجد - هي التي أوقعت كثيرًا من الناس، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه

ص: 453

من الشرك؛ فإن الشرك؛ بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه - أقرب إلى النفوس من الشرك بشجر أو حجر؛ ولهذا تجد كثيرًا من الناس عند القبور يتضرعون ويخشعون ويعبدون بقلوبهم - عبادة لا يفعلون مثلها في بيوت الله تعالى ولا في وقت السحر، ويرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء لديها - ما لا يرجون في المساجد

) .

قلت: في هذا النص يبين لنا شيخ الإسلام (728هـ) وابن القيم الهمام (751هـ) .

حالة القبورية في الشام ومصر؛ ويبين لنا الإمام أحمد الرومي (1043هـ) أحوال القبورية في البلاد الرومية، كما يبين لنا الشيخان: سبحان بخش، والسورتي حالة القبورية في الديار الهندية وأنهم على كثرتهم يرتكبون الشرك بعبادة القبور وأهلها.

15 -

18 - وقال الإمام صنع الله الحلبي المكي (1120هـ) ؛

ص: 454

مبينًا سبب تأليف كتابه ((سيف الله

)) كاشفًا عن أسرار القبورية الأستار بذكر عقائدهم الشركية الوثنية، وتبعه العلامتان: شكري الآلوسي (1342هـ) والخجندي (1379هـ) وشيخ القرآن الفنجفيري (1407هـ) واللفظ للأول:

(هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات *

يدعون أن للأولياء تصرفًا في حياتهم وبعد الممات *، ويستغاث بهم في الشدة والبليات * وبهممهم تكشف المهمات *

فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات *؛ مستدلين على أن ذلك منهم كرامات *......) .

قلت: هذا النص بين لنا فيه الشيخ صنع الله أحوال القبورية التركية والرومية ويبين فيه لنا الآلوسي أحوال القبورية العراقية، ويبين فيه لنا الخجندي أحوال القبورية بما وراء النهر ويبين فيه لنا الفنجفيري أحوال القبورية بباكستان وأفغانستان،

ص: 455

وفي ذلك عبرة للقبورية أيما عبرة!!!

19 -

وقال الإمام ولي الله الدهلوي (1176هـ) مبينًا شرك القبورية في البلاد الهندية الشاسعة بطولها وعرضها، محققا أنهم على طريقة المشركين الأولين:

(وإن كنت متوقفًا في تصوير حال المشركين وعقائدهم وأعمالهم؛ فانظر إلى حال العوام والجهلة من أهل الزمان، خصوصًا من سكن منهم بأطراف دار الإسلام؛ كيف يظنون الولاية وماذا يخيل إليهم منها.....؛ ويذهبون إلى القبور والآثار، ويرتكبون أنواعًا من الشرك، وكيف تطرق إليهم التشبيه والتحريف؟

ففي الحديث الصحيح: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل» .

وما من آفة من هذه الآفات إلا وقوم من أهل هذا الزمان واقعون في

ص: 456

ارتكابها، معتقدون مثلها) .

20 -

وقال رحمه الله أيضًا مبينًا أن الشرك قد عم وطم:

(فلست أرى أحدًا إلا وفيه الإشراك؛ كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] .

قلت: نص هذا الإمام في بيان انتشار القبورية في البلاد الهندية لا يحتاج إلى تعليق، فهو بنصه وفصه يدل على أن أكثر المنتسبين إلى الإسلام في البلاد الهندية كانوا قبورية وثنية عبدة القبور وأهلها.

21 -

وقال ابن عربشاه (854هـ) : واصفًا حال القبورية ببغداد وما وراء النهر وتهافتهم على عبادة القبور وأهلها تهافت الفراش على النار، حتى عبدوا الفسقة الفجرة * من الملوك الظلمة الجورة *؛ حيث كانوا يعبدون تيمور (806هـ) وقبره بأنواع من العبادات؛

ص: 457

إلى أن جعلوه وثنًا يعبد من دون الله:

(* وقبره في مكانه المشهور * تنقل إليه النذور * وتطلب عنده الحاجات * ويبتهل عنده بالدعوات * وتخضع الملوك إذا مرت به إعظامًا * وربما تنزل عن مراكبها إجلالًا له وإكرامًا *) .

22 -

ومن أوضح الحجج على أن أكثر الناس صاروا قبورية لجهلهم بالتوحيد - ما ذكره علماء الحنفية:

من أن التتار لما أغاروا على بلاد الشام - كان القبورية يخرجون يستغيثون بالموتى عند القبور، يرجون عندها كشف الضر، ودفع التتار؛ ولذا قال بعض شعراء القبورية:

يا خائفين من التتر

لوذوا بقبر أبي عمر

وفي لفظ:

عوذوا بقبر أبي عمر

ينجكيم من الضرر

وقد صرح علماء الحنفية بعد ذكر هذه القصة المؤلمة أيضًا:

أن أهل العلم والفضل والفهم ممن كانوا يدركون الأمور ويعرفون الواقع -

ص: 458

لم يشتركوا أولًا في قتال التتار؛ ولم ينجح القبورية بل التتار غلبوهم؛ لأن القيادة كانت بأيدي القبورية المستغيثين بالأموات، ولكن لما نصحوا وقبلوا النصيحة ونبهوا - انتبهوا، وأخلصوا الدعاء لله تعالى، وجاهدوا التتار بقيادة شيخ الإسلام فنصرهم الله تعالى على التتار.

لأن الجهاد في المرة الأولى لم تكن فيه فائدة لا دينية ولا دنيوية؛ لعدم القتال الشرعي.

قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة؛ إنا لله وإنا إليه راجعون؛ فإن كثيرًا من الجهاد في أفغانستان كان بقيادة القبورية؛ ولذلك رأيت ما حدث الآن بعد جهاد استمر حوالي خمس عشرة سنة!؟! .

ص: 459

23 -

وبهذه المناسبة أذكر ما ذكره الشيخ عبد الرزاق البيطار الحنفي رحمه الله (1335هـ) :

من أن جنود الفرنسيين والإفرنج حينما أغاروا على مصر صاح المحاربون في المسلمين وصرخوا مستغيثين بغير الله مع الله:

(يا رب يا لطيف، ويا رجال الله، ونحو ذلك) ؛ 24- وعلق عليه حفيده الشيخ محمد بهجت البيطار بقوله:

(قال تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] ، وقال سبحانه وتعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62] ....) .

قلت: يظهر من هذا وأمثاله أن الشرك والقبورية والوثنية تموج أمواجًا *

حتى صار المنهل العذب ملحًا أجاجًا *

25 -

وبهذه المناسبة تذكرت ما ذكره الكوثري أحد أئمة القبورية

ص: 460

ورافع لواء الجهمية وشيخ عصبة المتعصبة المقلدة الحنفية والوالغ في أعراض الأئمة:

من أن أرض الشام يحرسها من الآفات والبلايا - أربعة من الأولياء الذين يتصرفون في قبورهم.

انظر أيها المسلم إلى هذا الكفر البواح والشرك الصراح الذي ارتكبه قبورية الشام!؟!

26 -

27 - وقال الإمام المجاهد إسماعيل الدهلوي الملقب عند الحنفية بالشاه الشهيد (1246هـ) وتبعه الشيخ أبو الحسن علي الندوي مبينين استفحال الشرك بعبادة القبور وأهلها في البلاد الهندية، محققين أن أكثر الناس هم أهل الشرك بالله تعالى:

واللفظ للثاني:

(استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس:

اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر

، مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة:

ومن المشاهد اليوم أن كثيرًا من الناس - يستعينون بالمشائخ والأنبياء والأئمة والشهداء

، تقليد جهال المسلمين للمشركين القدامى:

والحاصل أنه ما سلك عباد الأوثان في الهند طريقًا مع آلهتهم - إلا وسلكه الأدعياء من المسلمين مع الأنبياء والأولياء والأئمة

ص: 461

والشهداء والملائكة والجنيات، واتبعوا سنن جيرانهم من المشركين شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وحذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل.

فما أجرأهم على الله!

وما أبعد الشقة بين الاسم والمسمى والحقيقة والدعوى، وصدق الله العظيم، إذ قال في سورة يوسف (106) :

{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .

28 -

وله مبحث مهم وتحقيق حقيق وعميق في عودة الوثنية الأولى والجاهلية الجهلاء في كثير المنتسبين إلى الإسلام بل أكثرهم.

29 -

وتبعه في ذلك الشيخ أبو الحسن الندوي.

30 -

31 - وقال الإمام محمود الآلوسي (1270هـ) وتبعه ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) مبينين حال القبورية العراقية وغيرهم واللفظ للأول:

(إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله من الأولياء:

الأحياء منهم والأموات:

مثل يا سيدي فلان! أغثني.

وليس ذلك من التوسل المباح في شيء..) .

وقالا واللفظ للأول أيضًا في بيان إشراك القبورية:

ص: 462

(وأعظم من ذلك: أنهم يطلبون من أصحاب القبور نحو إشفاء المريض وإغناء الفقير ورد الضالة، وتيسير كل عسير) .

32 -

36 - وقال رحمه الله وتبعه العلامتان: ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) والشيخان الرباطي والرستمي مبينين أن القبورية انتشرت في البر والبحر وأن شرك القبورية أشد وأعظم من شرك الوثنية الأولى:

واللفظ للأول:

(وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جم في بر أو بحر - دعوا من لا يضر ولا ينفع * ولا يرى ولا يسمع *

) .

إلى آخر كلامه القامع للقبورية القاطع لدابرهم والقالع لشبهاتهم.

37 -

38 - وقال رحمه الله أيضًا وتبعه الشيخ الغلام الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1980م) مبينين أن القبورية في كثرتهم الكاثرة أكثر من الدود، وذلك في تفسير قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] :

(إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلًا، وكان مرتكبًا ما يعد شركًا كيفما كان،

ص: 463

ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها، وهم اليوم أكثر من الدود) .

39 -

وقال رحمه الله مبينًا أن أكثر العوام قد ارتكبوا شركًا أشد من شرك الوثنية الأولى، وذلك في تفسير قوله تعالى:{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [النحل: 54] :

(وفي الآية ما يدل على أن صنيع أكثر العوام اليوم:

من الجؤار إلى غير الله....- سفه عظيم وضلال جديد، ولكنه أشد من الضلال القديم.....) .

40 -

45 - وقال رحمه الله، وتبعه العلامتان: ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ)، وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) والعلام الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1980م) والشيخان: الرباطي والرستمي، واللفظ للأول، مبينين أن القبورية يرتكبون أنواعًا من الإشراك بالله تعالى، وأنهم مفسدون للدين وضحكة لليهود والنصارى وأهل النحل والدهرية لسفاهتهم:

(وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} ....إلخ [الحج: 73]- إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله، وينذرون لهم النذور....، قاتلهم الله! ما

ص: 464

أجهلهم! وأكثر افتراءهم! ......، وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة:

من اليهود والنصارى، وكذا لأهل النحل والدهرية) .

46 -

49 - وقال رحمه الله مبينًا كثرة القبورية المستغيثين بالأموات عباد القبور وأهلها بأنواع العبادات، وتبعه العلامتان ابنه نعمان الآلوسي (1317هـ) وحفيده شكري الآلوسي (1342هـ) والشيخ الرستمي، وذلك في تفسير قوله تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الزمر: 45] :

(وقد رأينا كثيرًا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله بها المشركين؛ يهشون لذكر أموات، يستغيثون بهم ويطلبون منهم

) .

إلى آخر كلامه القامع للقبورية القاطع لدابرهم القالع لشبهاتهم.

50 -

وقال رحمه الله رادا على خرافات الغزالي حجة إسلام الصوفية والقبورية والأشعرية الجهمية (505هـ) ، والرازي فيلسوف الأشعرية وأحد أئمة الجهمية المعطلة المشككة الغلاة (606هـ) ، مبينًا كثرة

ص: 465

القبورية سخفة العقول:

وذلك في تفسير قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5] :

(وكذا في حملها على النفوس الفاضلة المفارقة - إيهام صحة ما يزعمه كثير من سخفة العقول:

من أن الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض وإنقاذ الغريق والنصر على الأعداء وغير ذلك مما يكون في عالم الكون والفساد، على معنى أن الله فوض إليهم ذلك، ومنهم من خص ذلك بخمسة، والكل جهل، وإن كان الثاني أشد جهلا) .

51 -

وقال العلامة السهسواني (1326هـ) مبينًا أن القبورية قد عمت البلاد * وطمت العباد * إلا من رحمه رب العباد *، ولا سيما بلاد اليمن، أما بلاد الهند ونحوها فالأمر فيها أطم وأعم:

(ومن أنكر حصول النداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالًا - فليخبرنا ما معنى ما نسمعه في الأقطار اليمانية؟ :

من قولهم:

((يا ابن العجيلي)) ، ((يا زيلعي)) ، ((يا ابن علوان)) ، ((يا فلان)) ،

ص: 466

((يا فلان)) ؛ هل ينكر هذا منكر؟ ويشك فيه شاك؟

وأما ما عدا ديار اليمن فالأمر فيها أطم وأعم! ففي كل قرية ميت يعتقده أهلها وينادونه، وفي كل مدينة جماعة منهم، حتى أنهم في حرم الله ينادون:((يا ابن عباس)) ، ((يا محجوب)) ! فما ظنك بغير ذلك؟

فلقد تلطف إبليس وجنوده - أخزاهم الله تعالى - لغالب أهل الملة الإسلامية بلطفة تزلزل الأقدام عن الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون) .

52 -

وقال العلامة نعمان الآلوسي (1317هـ) مشتكيًا حال القبورية وإفراطهم وانتشارهم في هذا الزمان * وارتكابهم للشرك في كل مكان *:

(وقد تعاظم الأمر في هذه الأزمان * وظهرت البدع في كل مكان * وبنيت القبب المذهبة على القبور * ونذرت لها النذور * وجعلت عليها الشبابيك من العين * وسرجت عليها السرج وقناديل اللجين * ووضعت عليها الأسلحة المجوهرة * وصرفت على سدنتها وبنائها القناطير

ص: 467

المقنطرة * وطاف حولها الزائرون * وتبرك بتقبيلها والتمسح بأعتابها الداخلون * وطلبوا منهم قضاء الحاجات * وتفريج الكربات * وجعلوا ذلك من أعظم الطاعات * ورموا من زجرهم عن هذا الفعل الشنيع بأعظم الهنات * وأسمعوه ما يكره من الكلمات *

، فإنا لله وإنا إليه راجعون) .

53 -

وقال العلامة شكري الآلوسي (1342هـ) بعدما ذكر عقائد المشركين السابقين وبعض أنواع الشرك الأكبر مبينًا أن القبورية عمت البلاد * وطمت العباد * إلا من شاء الله:

(وهذا الجهل قد عمت به البلوى في زمن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، وقبله وبعده، كما قال في الكافية الشافية:

ولقد رأينا من فريق يدعي ال

إسلام شركًا ظاهر التبيان

جعلوا له شركاء والوهم وسو

ووهم به في الحب لا السلطان

ص: 468

إلى آخر الأبيات) .

54 -

وقال رحمه الله مبينًا أن القبورية عمت وطمت حتى ابتلي بها كثير من العلماء فضلًا عن العوام والصوفية:

(وقد رأيت - والله! - بعيني رأسي من سجد للأعتاب * معرضًا عن رب الأرباب *، ولا أقول: إن العوام فقط على هذا المنوال * فكم قد رأينا وسمعنا عمن يدعي العلم قد فعل هذه الفعال *، وأما من ينتسب إلى طريقة من الطرائق الكثيرة - فعنده: أن الاستمداد من روحانية المشائخ والاستغاثة بهم من الواجبات الشهيرة؛ فلا حفظ الله لهم حريمًا * ولا صان لهم أديمًا *

نسأله أن يطهر الأرض من أمثالهم * ويريح المسلمين من كفرهم وإضلالهم *) .

54 -

وقال رحمه الله بعد ذكر فضائح القبورية وشركياتهم، وأن القبورية قد صنعوا ما صنع اليهود والنصارى والمشركون من عبادة القبور وأهلها، مبينًا أن القبورية قد عمت البلاد * وطمت العباد * إلا من عصمه

ص: 469

رب العباد *:

(وقد عم هذا البلاء جميع بلاد المسلمين إلا ما ندر وقل، ولا ينجح الإنكار على ذلك شيئًا، بل ربما أوقعوا المنكر في مهاوي الهلكة، وبدعوه وضللوه) .

55 -

وقال رحمه الله بعد ذكر فضائح القبورية مبينًا كثرة القبورية العراقية، وأنهم على طريقة إخوانهم من المشركين الأولين، بل أشنع شركًا منهم:

(ومن ذهب إلى مشاهد أهل البيت وغيرهم من الأولياء في بغداد في مواسم الزيارات - تحقق ما ذكرناه، واستقل بالنظر إلى فعل هؤلاء ما كان يفعله المشركون عند آلهتهم، كاللات والعزى) .

56 -

وقد ذكر رحمه الله تعالى حديث:

«لتتبعن سنن من كان قبلكم» .... .

ثم قال:

(فلا بد أن يكون الذين يحذون حذوهم - هم من بدل وغير وابتدع وحرف وحاكى الذاهبين الأولين في أفعالهم وأعمالهم.

من بناء المشاهد والمساجد على قبور صالحيهم، وندائهم في

ص: 470

المهمات والملمات، وغير ذلك مما كان يفعله اليهود والنصارى والمشركون

) .

إلى آخر كلامهم الطيب المكذب للقبور القاطع لدابرهم القامع لدينهم والقاطع لشبهاتهم.

57 -

وله رحمه الله كلام مهم في شرح الحديث المذكور وتحقيق عميق لإثبات أن دولة القبورية قد عادت فشب على الشرك الصغير وشاب عليه الكبير واتبعوا سنن اليهود والنصارى والمشركين، إلى آخر كلام يقطع دابر القبوريين.

58 -

ولقد ذكر رحمه الله أن الجماهير من الناس ابتلوا بالشرك الأكبر من عبادة القبور وأهلها أنواعًا من العبادة.

ثم ذكر عجائب من كفريات القبورية وشركياتهم، وهي أمثلة تدل على أن من أهل اليمن والمغرب والعراق ومصر وغيرها قبورية وثنية.

59 -

وله رحمه الله كلام آخر مهم جدا يحقق أن غالب الناس شرق الأرض وغربها قبورية تصديقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» .

فأصبح الدين منهم في أنين * والإسلام في بلاء مبين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

60 -

وله رحمه الله كلام في غاية الأهمية في تحقيق أن القبورية

ص: 471

على عين ما كان عليه المشركون السابقون: من قولهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.

ولقد تألم الشيخ مسعود الندوي (1373هـ) : جدا مشتكيًا إلى الله تعالى فساد عقائد المسلم في العالم الإسلامي كله.

مبينًا: أن أكثر المسلمين في العالم قد عبدوا القبور بأنواع من العبادات بل قد عبدوا الأشجار والغارات، وقد ارتكبوا أنواعًا من الإشراك بالله تعالى.

حتى تمكنت العقائد الوثنية في قلوبهم، ووقعوا في سفاهات ليسخر منهم بسببها الكفار المستشرقون إلى آخر ما ذكره من الوثنيات القبوريات.

61 -

وقال العلامة الخجندي رحمه الله (1379هـ)

بعد أن حقق أن الاستغاثة بالأموات * عند الكربات وإلمام الملمات * من أعظم العبادات * وأكبر الشركيات * مبينًا أن أكثر أهل بلاد

ص: 472

ما وراء النهر والبلاد التركية وبخارى والبلاد الهندية والبلاد الأفريقية - قبورية:

(فعلى كل طالب للحق بمطالعة تلك الكتب (كتب شيخ الإسلام وكتبه هو) ، ولا يكن كأكثر البخاريين والهنديين والأتراك والأفريقيين، عبادًا لأهل القبور والأرواح.

فإنهم بهذا الاعتقاد مشركون، ولا ينفعهم عند الله دعوى الإسلام، أو المجاورة في الحرمين، إلا إذا تابوا وأصلحوا وبينوا....) .

62 -

ولقد ذكر رحمه الله عدة أسباب لعودة الوثنية الأولى وانتشار القبورية في العالم.

63 -

كما ذكر عدة قبور في العالم شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا جعلت أوثانًا تعبد من دون الله، فانتشر الشرك والقبورية بأوسع ما يكون في العباد والبلاد، من بخارى، وسمرقند، وتركستان، وخجند، وكاشغر، وكربلاء، ودمشق، والقاهرة، وطنطا، وقونية، وغيرها.

64 -

وقال رحمه الله بعد ذكر مفاسد اتخاذ القبور مساجد في كلام قيم متين رصين، مبينًا كثرة القبورية في جميع العالم:

(وكم نشأ عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام.

ص: 473

منها: اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظموها، فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر فجعلوها مقصدًا يطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب....، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا، وهكذا في جميع أنحاء العالم الإسلامي عمومًا، وفي المدينة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالجملة: أنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون

) إلى آخر كلامه القيم.

65 -

وقال رحمه الله:

(والعبد الضعيف في زياراتي الأربع للمدينة الطيبة قد أمعنت النظر فشاهدت في المسجد النبوي وعند قبره الشريف ما يضاد الإيمان ويهدم الإسلام، ويبطل العبادات:

من الشركيات والوثنيات * الصادرة من الغلو وتراكم الجهالات *) .

66 -

وقال رحمه الله مشتكيًا إلى الله تعالى مبينًا أن غالب أهل بلاد بخارى، وأفغانستان، والهند، وأجمير، وبغداد، ومصر، والشام، وغيرها، قبورية يرتكبون الشرك الأكبر بالله تعالى:

(قلت: في هذه الآثار والأحاديث عبرة لمن اعتبر: أن تعظيم القبور وأصحابها، والعكوف عليها والتوجه إليها، والاستمداد منها - هو أصل الشرك.

فما يفعله الجهلة، بل من هو في زي الصالحين ولباس أهل العلم:

ص: 474

من العكوف على القبور والتوجه إليها والنذر لها والاستمداد منها، كغالب أهل بخارى، وأفغانستان، والهند،

، وأجمير، وبغداد، ومصر، ودمشق، وغيرها - فمصيبة عظيمة وبلاء جسيم موجبة لمقت الله وغضبه) .

67 -

وقد تألم رحمه الله جدا مشتكيًا إلى الله تعالى لأجل أن جمهرة الناس في البلاد الروسية، وما وراء النهر، وبخارى، والتركستان، وأفغانستان، والصين، وعامة بلاد الهند قبورية يحجون إلى قبور المشائخ ويطوفون لها، وينذرون لهم النذور ويعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيب، وأنهم يتعرفون في الكون وأنهم حراس البلاد، إلى غير ذلك من الوثنيات والكفريات والشركيات.

68 -

وقد ذكر رحمه الله مبينًا كثرة القبورية في بلاد ما وراء النهر، والروسية وتركستان وبخارى، والبلاد الروسية -:

أن سبب غلبة البلاء الأحمر السوفييت على هذه البلاد إنما هو الشرك وعبادة القبور، ثم حذر رحمه الله أهل الهند بقوله:

يا أهل الهند! إني أخاف أن ينزل الطوفان الأحمر (السوفييت) عليكم وعلى بلادكم بسبب عبادة القبور وأهلها، فعليكم أن تستيقظوا من رقدتكم وتنتبهوا من غفلتكم وتوبوا إلى ربكم.

70 -

وقال ابن آصف الفنجفيري (1407هـ) الملقب عند الحنفية

ص: 475

بشيخ القرآن مبينًا أن القبورية قد عمت البلاد والعباد إلا من رحمه ربك:

(وقلما تجد بلدة إلا ولها آلهة تعبد وتستغاث بهم ويعتقدون أهلها فيهم أنهم يتصرفون فيها، جعلوهم للنصر، والرزق، والأولاد، ودفع الضر، وينذرون لهم.

وقد امتلأت بلاد الأفاغنة (أفغانستان وما والاها) منها، حتى جعلوا الأعباد، والعروس على قبورهم في كل سنة وكل شهر وخميس وأحد، وغير ذلك من الأيام.

فلذا قال الإمام ولي الله الدهلوي:

وما من بلدة إلا ولها آلهة تعبد.

ص: 476

فلذا ابتلوا بأنواع من الشرك، ولا سيما بالشرك الفعلي، ذكره في كتابه البدور البازغة 169) .

70 -

ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي مبينًا حالة جمهرة المسلمين في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) رحمه الله:

كانت العقائد الشركية قد نالت رواجًا بين عامة المسلمين بسبب اختلاطهم مع أصناف من المشركين ونفوذ الدولة الفاطمية الباطنية الإسماعيلية وانتشار الصوفية.

فكانوا يحملون من العقائد الشركية في الأولياء والصالحين والمشايخ - ما كان يعتقده اليهود والنصارى والمشركون:

من الطواف حول القبور والاستغاثة بأصحابها، والحج إليها، وبناء المساجد الفخمة عليها وعقد المهرجانات عليها عاما مقامًا، والنذور إلى القبور، وقد عمت وطمت هذه العقائد إلى أن جعلوا الميت كالإله، والشيخ الحي كالنبي، وكانوا قد عزلوا الله تعالى عن أن يتخذوه إلهًا، وعزلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون رسولًا، وارتكبوا ما كان محض دين المشركين والنصارى، وقد وصلوا في عبادة القبور والسجود إليها ودعاء أصحابها وجعل القبور قبلة وكعبة -

ص: 477

إلى حد كان هؤلاء القبوريون المشركون بالقبور - يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع والدعاء وحضور القلب ما لا يجده أحدهم في مساجد الله.

إلى أن كان الفسقة الفجرة أصحاب الكبائر من هؤلاء القبورية لا يتحاشون الكبائر.

ولكن إذا رأوا الميت أو الهلال فوق رأس قبة القبر المعبود خشوا من فعل الفواحش، فيخشون المدفون تحت الهلال ولا يخشون خالق الأكوان، وكانوا يحلفون بالله بالكذب ولا يحلفون بالميت كذبًا، فكانوا في الشرك كما كان قوم إبراهيم حيث قال لهم:{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} [الأنعام: 81] .

وكان بعضهم يفضل شيخه على الأنبياء والمرسلين ويعتقد فيه الإلهية كالنصارى إلى غير ذلك في الكفريات والشركيات التي تدل على أن القبورية الوثنية قد عمت العباد وطمت البلاد إلا من شاء الله تعالى.

71 -

ولقد ذكر الشيخ محمد يوسف الهندي تاريخ الوثنية القديمة وعقائد المشركين الأولين، ثم ذكر أن الشرك قد عم وطم بعبادة القبور وأهلها في هذه الأمة إلا من رحمه الله، وذكر أنواعًا من الإشراك الأكبر المخرج عن الملة - التي يرتكبها القبورية.

بحيث عادت الجاهلية الأولى والوثنية الخرقاء إلى أن حصل الأمر

ص: 478

بهم أنهم صاروا أشد شركًا من المشركين السابقين؛ لأن السابقين كانوا لا يدعون الإله عند الكربات، وأما هؤلاء القبورية فيدعون غير الله عند الكربات فهم أضل من الكفار السابقين.

وقال: (وإذا عرفت هذا فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر

) .

72 -

(وهذا ملأ البر والبحر وشاع وذاع.

حتى أن كثيرًا ممن يفعله يقوم الليل ويصوم النهار..) .

73 -

ولقد اعترف الشيخ أحمد بن محمد الصديق الغماري أحد مشاهير القبورية بوجود الشرك الأكبر والكفر الصراح في القبورية مبينًا حالة القبورية المغربية، فقال:

(إن كثيرًا من العوام بالمغرب ينطقون بما هو كفر في حق الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) ، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له، ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى.

وإن عندنا بالمغرب من يقول في ابن مشيش (662هـ) : أنه الذي

ص: 479

خلق الابن والدنيا.

ومنهم من قال - والمطر نازل بشدة -: يا مولانا عبد السلام! الطف بعبادك. فهذا كفر) .

قلت: الحمد لله، وله المنة على إتمام الحجة وإيضاح المحجة، فقد اعترف هذا الغماري أحد أئمة هؤلاء القبورية، بأن الشرك الصراح والكفر البواح قد وجدا في القبورية إلى حد جعلوا ابن مشيش ربًّا وخالقًا.

وبعد هذا أقول:

هذه كانت عدة نصوص لعلماء الحنفية وفي آخرها خاتم من شهادة ذلكم الغماري القبوري في وجود الشرك الأكبر في القبورية حتى في توحيد الربوبية فضلًا عن توحيد الألوهية.

وهي تكذب دعوى القبورية في إنكار وجود الشرك وتعمهم وتعلق شبهاتهم.

والآن ننتقل إلى مقارنة علماء الحنفية للقبورية بالوثنية الأولى وبالله التوفيق وبيده أزمة التحقيق.

****

ص: 480