المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ستر العورة - حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات - جـ ١

[ابن قائد]

الفصل: ‌باب ستر العورة

‌باب ستر العورة

وَهِيَ سَوْأَةُ الْإِنْسَانِ وَكُلُّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ حَتَّى فِي نَفْسِهِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيَجِبُ حَتَّى خَارِجَهَا، وَحَتَّى فِي خَلْوَةٍ، وَحَتَّى فِي ظُلْمَةٍ لَا مِنْ أَسْفَلَ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَلَوْ بنَبَاتٍ وَنَحْوِهِ ومُتَّصِلًا بِهِ كَيَدِهِ وَلِحْيَتِهِ لَا بَارِيَةٍ وحَصِيرٍ نَحْوِهِمَا مِمَّا يَضُرُّهُ ولَا بِحَفِيرَةٍ وَطِينٍ وَمَاءٍ كَدِرٍ لِعَدَمِ وَيُبَاحُ كَشْفُهَا لِتَدَاوٍ وَتَخَلٍّ وَنَحْوِهِمَا وَلِمُبَاحٍ وِمُبَاحَةٍ.

قوله: (وهي: سوأة الإنسان) قبله ودبره. قوله: (وكل ما يستحيى منه) أي: إذا نظر إليه. قوله: (بما لا يصف البشرة) أي: لونها من بياض وسواد، ولو وصف الحجم، فلا يكفي ما يصف البشرة عند وجود غيره، وإلا تعين. وبخطه على قوله: (يصف

إلخ) يقال: وصف الثوب الجسم، إذا أظهر حاله وبين هيئته، ومنه: وصفته من باب: وعد أي: أخبرت بما فيه من الأحوال والهيئات. ذكر معناه في "المصباح". قوله: (ونحوه) كورق وليف.

قوله: (لا بارية) بموحدة، وبعد الراء ياء مثناة، تحتية مشددة: حصير نسج من قصب مشفق. ابن نصر الله في حواشي "الكافي". قوله: (ونحوهما) كما يعمل من السعف.

ص: 162

وَعَوْرَةُ ذَكَرٍ وَخُنْثَى بَلَغَا عَشْرًا وَأَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُبَعَّضَةٍ وحُرَّةٍ مُمَيِّزَةٍ وحُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ وابْنِ سَبْعِ الْفَرْجَانِ وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ إلَّا وَجْهَهَا.

قوله: (وعورة ذكر وخنثى

إلخ) قال شيخنا الخلوتي - حفظه الله - اعلم: أن حاصل الأقسام أحد وتسعون؛ لأن الإنسان إما أن يكون ذكرا، أو خنثى، أو أنثى. وكل من الثلاثة إما أن يكون حرا أو رقيقا، أو مبعضا، أو مكاتبا، أو مدبرا، أو معلقا عتقه بصفة، فهذه ثمانية عشر. وكل واحد ممن ذكر في هذه الصور: إما أن يكون بالغا، أو مراهقا، أو بلغ تمام عشر، أو ما بين سبع وعشر، أو دون سبع، وهذه خمس صور، فإذا ضربتها في الثمانية عشر: حصل تسعون، فزد عليها احتمال كون الأنثى أم ولد: تبلغ أحدا وتسعين صورة، وبعضها يخالف بعضا في العورة. انتهى المراد منه بالمعنى.

وأقول: في ذلك نظر، وتحريره أن يقال: عورة الذكر والخنثى بأقسامهما الستة، أعني: كون كل واحد حرا، أو رقيقا، أو مبعضا، أو مكاتبا، أو مدبرا، أو معلقا عتقه بصفة، إن كانا بالغين، أو مراهقين، أو تم لهما عشر ما بين سرة وركبة، ومن سبع إلى عشر: الفرجان. وأما الأنثى: فإن كانت غير حرة، فإن تم لها عشر، أو كانت مراهقة بأقسامها الخمسة، أو بالغة بأقسامها الستة، بزيادة أم ولد؛ فكرجل؛ أي: ما بين سرة وركبة.

ص: 163

وَسُنَّ صَلَاةُ رَجُلٍ فِي ثَوْبَيْنِ وَيَكْفِي سَتْرُ عَوْرَتِهِ فِي نَفْلٍ وَشُرِطَ فِي فَرْضٍ سَتْرُ جَمِيعِ أَحَدِ عَاتِقَيْهِ

وإن كانت غير الحرة مميزة بأقسامها الخمسة، وهي ماعدا أم الولد؛ أعني: كونها رقيقة، أو مبعضة، أو مدبرة، أو مكاتبة، أو معلقا عتقها بصفة؛ فكذكر؛ أي: عورتها الفرجان، كما يفهم من قولهم: حرة مميزة كرجل؛ فإن الأمة المميزة ليست كذلك، ومن دون سبع لا حكم لعورته في جميع الأقسام المتقدمة، فهذا حكم الأحد والتسعين صورة، فاحفظها؛ فإنها مهمة. وفي كلام شيخنا في حكم العورة نظر، يعلم بالوقوف عليه. وهذا ما أمكن تحريره، والله أعلم.

فائدة: فهم من قوله: (حرة مميزة): أن الأمة المميزة ليست كذلك، بل هي كالذكر. فتدبر.

قوله: (في ثوبين) ذكره بعضهم إجماعا مع ستر رأسه بعمامة وما في معناها. ولا يكره في ثوب واحد يستر ما يجب ستره. وقميص أولى من الرداء إن اقتصر على واحد. قوله: (وشرط في فرض

إلخ) ولو فرض كفاية، ولعل مثله النذر. قوله:(أحد عاتقيه) تثنية عاتق، وهو كما في "المصباح" ما بين المنكب والعنق، وهو موضع الرداء، يذكر ويؤنث، وجمعه عواتق. والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف.

ص: 164

_________

قوله: (بلباس) لا بنحو حصير، وحبل قدر على غيره.

قوله: (في درع) وهو: القميص. قوله: (وخمار) وهو: غطاء رأسها، وتديره تحت حلقها. قوله:(في نقاب) على وزن كتاب، وهو: ما وصل إلى محجر عينها. "مصباح". قوله: (وبرقع) وهو: ما تستر به المرأة وجهها.

قوله: (وإذا انكشف لا عمداً

إلخ) انكشاف العورة في الصلاة، فيه ثمان صور؛ لأن المنكشف إما أن يكون يسيرا؛ بأن لا يفحش عرفا في النظر، وإما أن يكون كثيراً، وعلى التقديرين: إما أن يطول الزمن، أو لا، وعلى التقادير الأربعة: إما أن يكون عمداً، أو لا. ففي العمد بصوره الأربع، تبطل الصلاة. وفي غيره، تبطل فيما إذا كثر المنكشف، وطال زمنه. وفي الثلاث الباقية لا تبطل، وهي ما إذا قل المنكشف، وطال الزمن أو قصر، أو كثر المنكشف وقصر الزمن، ولم يتعمد في الثلاث. والمصنف رحمه الله نص على صور عدم البطلان الثلاث؛ لأنها أخصر، وعلمت الخمس المبطلة بالمفهوم.

ص: 165

يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ عُرْفًا وَغَيْرِهِمَا الْفُحْشُ فِي كُلِّ عُضْوٍ بِحَسَبِهِ، فِي النَّظَرِ وَلَوْ طَوِيلًا أَوْ كَثِيرَةٍ فِي قَصِيرٍ لَمْ تَبْطُلْ وَمَنْ صَلَّى فِي غَصْبٍ وَلَوْ بَعْضُهُ ثَوْبًا أَوْ بُقْعَةٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ أَوْ غَالِبُهُ حَيْثُ حُرِّمَ أَوْ حَجَّ بِغَصْبٍ عَالِمًا ذَاكِرًا لَمْ يَصِحَّ،

قوله: (يسير) وهو ما (لا يفحش

إلخ). قوله: (أو كثير في قصير) حتى لو أطارت الريح سترته عن عورته كلها، فأعادها سريعاً بلا عمل كثير؛ لم تبطل. قوله:(ولو بعضه) المشاع أو المعين. قوله: (أو ذهب) الذهب له أسماء، جمعها الإمام ابن مالك رحمه الله في قوله:

نضر نضير نضار زبرج سيرا

ء زخرف عسجد عقيان

والتبر ما لم يذب وأشركوا ذهبا

مع فضة في نسيك هكذا العرب

قوله: (عالما ذاكراً) أي: الحكم والعين، فلو نسي أو جهل أنه محرم، أو كونه غصباً، أو حريراً مثلا؛ صحت، فراجع "الإقناع". انتهى. فقوله:(عالماً ذاكراً) حالان من فاعل (صلى) أو (حج)، وحذف نظيره من الآخر، وليس من التنازع في الحال؛ لأنه لا يجوز عربية على الأصح. شيخنا محمد الخلوتي.

والحاصل: أن كل ثوب يحرم لبسه -ولو خيلاء أو تصاوير، أو غيرها- لا تصح الصلاة فيه حيث كان عالماً ذاكراً، وإلا صحت؛ لأنه غير آثم.

ومن صلى على أرض غيره، أو مصلاه بلا غصب، ولا ضرر؛ جاز.

فائدة: قال في "الإقناع": ولو تقوى على أداء عبادة بأكل محرم؛

ص: 166

وَإِنْ غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ فَكَغَصْبهِ لَا إنْ مَنَعَهُ غَيْرَهُ.

صحت. قال في "شرحه": لأن النهي لا يعود إلى العبادة، ولا إلى شروطها، فهو إلى خارج عنها، وذلك لا يقتضي فسادها. لكن لو حج بغصب عالماً ذاكراً؛ لم يصح حجه على المذهب. انتهى. وكأنه يشير إلى أن كلام "الإقناع" ليس على إطلاقه، بل يستثنى من العبادات الحج، فإذا استعان عليه بأكل محرم؛ لم يصح حجه. كما قال في "المنتهى":(أو حج بغصب عالماً ذاكراً) وفيه نظر؛ فإن الاستعانة بأكل الحرام على الصلاة أو الحج عائداً فيهما إلى خارج، فإذا صحت الصلاة مع كونها آكد من الحج؛ فلأن يصح الحج أولى. فالأظهر: بقاء كلام "الإقناع" على عمومه، وحمل كلام "المنتهى" على ما إذا طاف طواف الفرض في سترة مغصوبة، أو وقف، أو سعى على دابة مغصوبة، فإن ذلك لا يصح، كالصلاة، أما الأكل؛ فهو خارج فيهما. فتدبر.

قوله: (فكغصب) أي: في كونه لا تصح صلاته فيه. أما الغير؛ فصلاته صحيحة. قال في "الرعاية": ومن غصب مسجداً، وغير هيئته؛ فهو كغصب مكان غيره في صلاته فيه. انتهى. قال في "حاشية الإقناع": وعلم منه: أن صلاة غيره صحيحة؛ لأنه ليس بغاصب له. ومنه يؤخذ صحة الصلاة بمساجد

ص: 167

وَلَا يُبْطِلُهَا لُبْسُ عِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا وَنَحْوِهِمَا وَتَصِحُّ مِمَّنْ حُبِسَ بِغَصْبٍ وَكَذَا بِنَجِسَةٍ وَيُومِئُ بِرَطْبَةٍ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا مَعَ غَصْبٍ وفِي حَرِيرٍ لِعَدَمِ وَلَا إعَادَةَ وفِي نَجِسٍ لِعَدَمِ وَيُعِيدُ وَلَا يَصِحُّ نَفْلُ آبِقٍ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ أَوْ مَا يَسْتُرُ الْفَرْجَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا سَتَرَهُ،

حريم النهر؛ إذ المصلي فيها غير غاصب للبقعة؛ إذ له الصلاة فيها لو لم تبن، كما كان له أن يصلي في المسجد قبل أن يغير، والله أعلم. انتهى.

محمد الخلوتي.

قوله: (ممن حبس

إلخ) ومثله خائف من خروجه الضرر. قوله: (وكذا بنجسة) يعني: بلا إعادة. قوله: (وفي حرير لعدم) ولو عارية. قوله: (ولا إعادة) والفرق: أن الغصب لم تعهد أباحته، بخلاف الحرير؛ فإنه أبيح للمرأة والعذر. محمد الخلوتي. قوله:(وفي نجس) أي: متنجس، فلو كان نجس العين، كجلد ميتة؛ صلى عرياناً بلا إعادة. نقله في "المبدع".

قوله: (ولا يصح نفل آبق) أي: لا يصح نفل صلاة آبق، ومثله أجير خاص في غير الرواتب.

ص: 168

وَالدُّبُرُ أَوْلَى إلَّا إذَا كَفَتْ مَنْكِبَهُ وَعَجُزَهُ فَقَطْ فَيَسْتُرُهُمَا وَيُصَلِّي

قوله: (إلا إذا كفت منكبه

إلخ) بأن كانت إذا تركها على كتفيه وسدلها من ورائه؛ تستر عجره. وبخطه أيضاً على قوله: (إلا إذا كفت

إلخ) الظاهر: انه مستثنى من قوله: (أو الفرجين) باعتبار عموم الأحوال، وكأنه قال: ومن لم يجد إلا ما يستر الفرجين؛ سترهما في كل حال، إلا إذا كفت منكبه

إلخ. وبخطه أيضاً على قوله: (إلا إذا كفت منكبه

إلخ) اعلم: أن واجد السترة الناقصة تارة يجد ما يستر عورته فقط، أو منكبه فقط، بمعنى: أنه لا يمكنه إلا أحد الأمرين المذكورين، ولا يمكنه أن يستر بما وجده عجزه ومنكبه معاً، ففي هذه الصورة يتعين ستر عورته، ويصلي قائماً وجوباً، ويترك ستر منكبه. وتارة يجد ما يستر عورته فقط، أو منكبه وعجزه فقط، بمعنى: أنه يمكنه أحد الأمرين، فيلزمه الثاني؛ أعني: ستر منكبه وعجزه، ويصلي جالساً استحباباً.

وأما إذا لم يجد إلا ما يستر العورة لا غير، أو لم يجد إلا ما يستر الفرجين أو أحدهما لا غير؛ فعلى ما قدر عليه في هذه الصور الثلاث. والدبر أولى في الأخيرة منها. وهذه الصور كلها تؤخذ من كلام المصنف رحمه الله تعالى؛ وبيان ذلك: أن قوله: (ومن لم يجد ما يستر عورته) يشمل ثلاث صور؛ لأن المعنى: أنه لا يستر ما وجده مع العورة غيرها، سواء كان ساتر العورة يستر المنكب وحده لو ترك العورة، وهي الصورة الأولى في كلامنا، أو كان ساتر العورة يستر منكبه وعجزه لو اقتصر عليهما، وهي

ص: 169

جَالِسًا وَيَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ سُتْرَةٍ بِثَمَنِ مِثْلِهَا فَإِنْ زَادَ فَكَمَاءِ وُضُوءٍ قَبُولُهَا عَارِيَّةً لَا هِبَةً فَإِنْ عَدِمَ صَلَّى جَالِسًا نَدْبًا، يُومِئ وَلَا يَتَرَبَّعُ بَلْ يَنْضَمُّ وَإِنْ وَجَدَهَا مُصَلٍّ قَرِيبَةً عُرْفًا سَتَرَ وَبَنَى وَإِلَّا ابْتَدَأَ وَكَذَا مَنْ عَتَقَتْ وَاحْتَاجَتْ إلَيْهَا وَيُصَلِّي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً وَإِمَامُهُمْ وَسَطًا وُجُوبًا فِيهِمَا كُلُّ نَوْعٍ جَانِبًا فَإِنْ شَقَّ صَلَّى الْفَاضِلُ وَاسْتَدْبَرَ مَفْضُولٌ ثُمَّ عَكَسَ وَمَنْ أَعَارَهُ سُتْرَتَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ تَصِحَّ وَتُسَنُّ إذَا صَلَّى،

الصورة الثانية، أو لا يمكنه العدول بذلك الساتر عن العورة، وهي الصورة الثالثة. فذكر المصنف أنه يستر عورته في الأولى والثالثة بقوله:(ستره)، وأنه يلزمه العدول إلى ستر المنكب والعجز في الثانية بقوله:(إلا إذا كفت ، .. إلخ). وأما الصورتان الرابعة والخامسة فظاهرتان. والله أعلم.

قوله: (جالساً) يعني: ندباً. قوله: (بثمن) يعني: أو أجرة. قوله: (فكماء وضوء) فيلزم بزيادة يسيرة فاضلة عن حاجته. قوله: (لا هبةً) يعني: ولا استعارتها. قوله: (وكذا من عتقت فيها) ولو جهلت العتق، أو القدرة على السترة؛ أعادت.

قوله: (ومن أعار سترته، وصلى عرياناً؛ لم تصح) لعله ما لم يعجز عن

ص: 170

وَيُصَلِّي بِهَا وَاحِدٌ فَآخَرُ وَيُقَدَّمُ إمَامٌ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى

فصل

كُرِهَ فِي صَلَاةٍ سَدْلٌ وَهُوَ طَرْحُ ثَوْبٍ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَا يَرُدُّ طَرَفَهُ عَلَى الْأُخْرَى واشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وتَغْطِيَةُ وَجْهٍ، وَتَلَثُّمٌ عَلَى فَمٍ وَأَنْفٍ ولَفُّ كُمٍّ بِلَا سَبَبٍ وَمُطْلَقًا تَشَبُّهٌ بِكُفَّارٍ وَصَلِيبٍ فِي ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ وَشَدُّ وَسَطٍ بمشبه شد زُنَّارٍ وَأُنْثَى مُطْلَقًا

استردادها.

قوله: (ويصلي بها) أي: العراة المبذولة لهم مع سعة الوقت، وقدم ذلك على الجماعة؛ لأن السترة شرط، وهو مقدم على الواجب، فلا تدفع إذن لمن يصلي بهم؛ لأن كل واحد متمكن من السترة في الحالة المذكورة.

قوله: (كره في صلاة سدل) سواء كان تحت ثوب، أو لا. قوله:(على الأخرى) أي: الكتف الأخرى. قوله: (وهو أن يضطبع

إلخ) بأن يجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على الأيسر.

قوله: (ومطلقا) أي: في صلاة وغيرها. قوله: (بمشبه شد زنار) الزنار، كتفاح: خيط غليظ تشده النصارى على أوساطهم. وبخطه أيضاً على قوله: (بمشبه شد زنار) أي: بأن يرخى طرفي ما يشد به وسطه تزيناً.

ص: 171

وَمَشْيٌ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ ولُبْسُهُ مُعَصْفَرًا فِي غَيْرِ إحْرَامٍ ومُزَعْفَرًا وأَحْمَرَ مُصْمَتًا وطَيْلَسَانًا، وَهُوَ الْمُقَوَّرُ

قوله: (ومشي بنعل واحدة) أي: بلا حاجة ولو يسيراً، أو لإصلاح الأخرى. وكره مشي في نعلين مختلفين كأحمر وأصفر بلا حاجة. ويستحب كون النعل أصفر، والخف أحمر، أو أسود. وكره لبس إزار، وخف، وسراويل قائماً، لا انتعال. وكره نظر ملابس حرير، وآنية ذهب وفضة إن رغبه فيها.

قوله: (في غير إحرام) وفيه لا يكره. قوله: (وطيلساناً) لأنه من شعار اليهود. قوله: (وهو المقور) أي: الذي يلبس على شكل الطرحة، يرسل من

ص: 172

وَجِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ وَافْتِرَاشُهُ لَا إلْبَاسُهُ دَابَّتَهُ وكَوْنُ ثِيَابِهِ فَوْقَ نِصْفِ سَاقِهِ أَوْ تَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ ولِلْمَرْأَةِ زِيَادَةُ إلَى ذِرَاعٍ.

وراء الظهر والجانبين، من غير إدارة الحنك، ولا إلقاء طرفيه على الكتفين، وأما المدور الذي يدار تحت الحنك ويغطي الرأس وأكثر الوجه، فيجعل طرفيه على الكتفين؛ فهذا لا خلاف في أنه سنة. كذا حققه الجلال السيوطي. وذلك مثل الكبود الذي يخرق في وسطه ما يخرج منه الرأس.

وبخطه على قوله: (وهو المقور) هو شيء يقور من أحد طرفين ما يخرج الرأس منه، ويرخى الباقي خلفه، وفوق منكبيه. فتأمل.

قوله: (وجلداً مختلفاً في نجاسته

إلخ) الجلد المختلف في نجاسته على قسمين: أحدهما: جلود السباع والطير التي هي أكبر من الهر خلقة، فهذا القسم إن قلنا بطهارته؛ كره لبسه وافتراشه دون غيرهما من أنواع الانتفاع، وإن قلنا بنجاسته -وهو المذهب- حرم الانتفاع به مطلقاً.

الثاني: جلد الميتة الطاهرة في الحياة، فهذا إن قلنا بطهارته بعد الدبغ؛ فحكمه كالقسم الأول المحكوم بطهارته، وإن قلنا بنجاسته -وهو المذهب- جاز الانتفاع به في اليابسات فقط، وكره لبسه وافتراشه أيضاً.

فيتلخص: أن الجلد المختلف في نجاسته يكره لبسه وافتراشه على القول بطهارته، وكذا جلد الميتة بشرطه، والله أعلم.

قوله: (لا إلباسه) أي: الجلد المذكور.

ص: 173

وَحَرُمَ أَنْ يُسْبِلَهَا بِلَا حَاجَةٍ خُيَلَاءَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ وحَتَّى عَلَى أُنْثَى لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ وَتَعْلِيقُهُ، وَسَتْرُ جُدُرٍ بِهِ، وَتَصْوِيرُهُ لَا افْتِرَاشُهُ وَجَعْلُهُ مِخَدًّا وعَلَى غَيْرِ أُنْثَى حَتَّى كَافِرٍ لُبْسُ مَا كُلُّهُ وَمَا غَالِبُهُ ظُهُورًا حَرِيرٌ، وَلَوْ بِطَانَةً وافْتِرَاشُهُ لَا تَحْتَ صَفِيقٍ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ واسْتِنَادٌ إلَيْهِ، وَتَعْلِيقُهُ وكِتَابَةُ مَهْرٍ فِيهِ وسَتْرُ جُدُرٍ بِهِ غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ ومَنْسُوجٌ وَمُمَوَّهٌ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ لَا مُسْتَحِيلٌ لَوْنُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ وحَرِيرٌ سَاوَى مَا نُسِجَ مَعَهُ ظُهُورًا وخَزٌّ وَهُوَ مَا سُدِيَ بِإِبْرَيْسَمٍ وَأُلْحِمَ بِصُوفٍ، أَوْ وَبَرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ خَالِصٌ لِمَرَضٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ لِحَرْبٍ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ وَلَا الْكَلُّ لِحَاجَةٍ.

قوله: (أن يسبلها) أي: أن يرخي الرجل ثيابه، ويجرها، قميصاً كان، أو إزاراً، أو سراويل، أو عمامة في الصلاة وغيرها. قوله:(لا تحت صفيق) ويكره، كما يأتي. قوله:(وكتابة مهر فيه) أي: يحرم. وقيل: يكره.

قوله: (غير الكعبة) أي: فيجوز سترها بحرير اتفاقا. قوله: (لا مستحيل لونه) أي: متغير. قوله: (وخر

إلخ) هو بالرفع؛ لأنه من جملة المعطوفات على فاعل (حرم) بـ (لا)؛ أي: ولا يحرم خز

إلخ.

ص: 174

وَحَرُمَ تَشَبُّهُ رَجُلٍ بِأُنْثَى وَعَكْسِهِ فِي لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ وَإلْبَاسُ صَبِيٍّ مَا حَرُمَ عَلَى رَجُلٍ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِيهِ وَيُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ كَيْسُ مُصْحَفٍ وَأَزْرَارٌ وَخِيَاطَةٌ بِهِ وَحَشْوُ

واعلم: أن الخز عكس الملحم معنى وحكماً، أما الأول: فلأن الملحم ما سدي بغير الحرير، وألحم به، كما ذكره في "شرح الإقناع". والخز عكسه، كما ذكره المصنف. وأما الثاني؛ أعني: الحكم، فقال في "الاختيارات": المنصوص عن أحمد وقدماء الأصحاب إباحة الخز دون الملحم.

قوله: (في لباس وغيره) ككلام ومشي. قوله: (وإلباس صبي) أي: وحرم إلباس صبي

إلخ، هذا صريح في بطلان صلاة الصبي في الثوب الحرير ونحوه، مع أنه لا عمد له، بل عمده خطأ، كما في الحج وغيره، وقد تقدم أن المكلف إذا صلى في ثوب محرم جاهلا أو ناسياً؛ فإن صلاته صحيحة، فينبغي هنا كذلك بجامع عدم الإثم، والجواب: بالفرق بين الحالين؛ وهو أن فعل المكلف في الحالة المذكورة غير مؤاخذ به أحد، فلذلك اغتفر صحة الصلاة، بخلاف مسألة الصبي، فإن الفعل الواقع فيها معصية مؤاخذ بها، وإن تعلقت بغير المصلي، فكأنه لشؤم أثر المعصية حكم ببطلان الصلاة، هذا ما ظهر. فليحرر.

ص: 175

جِبَابٍ وَفُرُشٍ وعَلَمُ ثَوْبٍ وَهُوَ طِرَازُهُ لَبِنَةُ جَيْبٍ، وَهُوَ الزِّيقُ وَالْجَيْبُ مَا يُفْتَحُ عَلَى نَحْرٍ أَوْ طَوْقٍ

قوله: (وعلم ثوب) قال أبو بكر في "التنبيه": ولو بيسير ذهب. قال: منصور البهوتي: وعلى قياسه الشاش المقصب. وبخطه على قوله: (وعلم ثوب) أي: كالحاشية التي تنسج من حرير في طرف الثوب، بشرط أن لا تزيد على أربع أصابع، كما ذكره المصنف. قال في "الإقناع" ما معناه: لو كان في ثياب قدر يعفى عنه من الحرير، وإذا ضم بعضه إلى بعض كان كثيراً؛ فلا بأس. انتهى. أي فلو كان في ثوب؛ حرم ذلك، ومن هنا يعلم أن قولهم: إذا تساوى الحرير وما معه ظهوراً؛ أبيح بقيد: بما إذا لم يجتمع من الحرير في موضع واحد فوق أربع أصابع لم يفصل بينها بغير الحرير، فإن ذلك لا يجوز، وهذا ظاهر؛ لأن قدر خمس أصابع فأكثر لو انفرد كعلم الثوب؛ لم يجز، فأولى إذا ضم إليه غيره في بقية الثوب. فتنبه لذلك، فإنه مهم قد يخفى، والله الموفق.

قوله: (وهو الزيق) أي: المحيط بالعنق. قوله: (أو طوق) هو بالرفع عطفاً على (ما) وأشار المصنف بذلك إلى أن الجيب بعضهم يفسره بما انفتح على النحر، كما عليه صاحب "المصباح"، وبعضهم يفسره بالطوق

ص: 176

وَرِقَاعٌ وَسِجْفُ فِرَاءٍ لَا فَوْقَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ.

الذي يخرج منه الرأس، كما في "القاموس" وعبارته: وجيب القميص ونحوه -بالفتح- طوقه. انتهى.

قوله: (ورقاع) أي: لا فوق أربع أصابع. قوله: (فراء) الفراء: جمع فرو، كسهام جمع سهم. قوله: (لا فوق أربع

إلخ) يعني: أن ما ذكر من العلم، والرقاع، والسجف، ولبنة الجيب، إنما يباح إذا كان أربع أصابع معتدلة مضمونة فما دون، لا إن كان أكثر منها.

ص: 177