المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب مسح الخفين - حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات - جـ ١

[ابن قائد]

الفصل: ‌باب مسح الخفين

‌باب مسح الخفين

مسح الخفين وما في معناهما رُخْصَةٌ الْعَزِيمَةُ وَأَفْضَلُ مِنْ غُسْلٍ وَيَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يُسَنُّ أَنْ يَلْبَسَ لِيَمْسَحَ وَكُرِهَ لُبْسٌ مَعَ مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ وَيَصِحُّ عَلَى خُفٍّ وَجُرْمُوقٍ خُفٌّ قَصِيرٌ وَجَوْرَبٍ صَفِيقِ وَالْجَوْرَبُ حَتَّى لِزَمِنٍ وَبِرِجْلٍ قُطِعَتْ أُخْرَاهَا مِنْ فَوْقِ فَرْضِ لَالِمُحْرِمٍ لَبِسَهُمَا لِحَاجَةٍ وَعَلَى عِمَامَةٍ وَجَبَائِرَ وَخُمُرِ نِسَاءٍ مُدَارَةً تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ لَا قَلَانِسَ وَلَفَائِفَ إلَى حَلِّ جَبِيرَةٍ وَلَا يَمْسَحُ فِي الْكُبْرَى غَيْرَهَا

باب مسح الخفين

أعقبه للوضوء؛ لأنه بدل عن غسل أو مسح ما تحته فيه.

قوله: (ولا يمسح في الكبرى غيرها) أي الجبيرة. فائدة: وجدت بخط الشيخ الفاضل الشيخ ياسين المقدسي الحنبلي ما مثاله مع تغير في

ص: 57

_________

السؤال لا يخل؛ قال: سئل شيخنا وسيدنا الشيخ منصور البهوتي عن سؤال صورته: ما قولكم - رضي الله عنكم ونفع بعلومكم المسلمين - في رجل بإحدى رجليه جبيرة موضوعة على حدث، وبرجله الأخرى جبيرة موضوعة على طهر، ولم تأخذ من الصحيح شيئا، وهو لابس للخف، ما الجواب في المسح عليهما؟ فأجاب رضي الله عنه بما نصه:

الحمد لله: أما الجبيرة التي وضعها على طهارة كاملة بالماء؛ فله المسح عليها إلى حلها، أو برء ما تحتها والحال هذه، وأما التي وضعها على غير طهارة؛ فيلزمه نزعها، فإن خاف ضررا؛ تيمم بدل غسل ما تحتها، مراعيا شرائط التيمم وفرائضه، ولا إعادة عليه، وليس له المسح على الخف؛ لأن شرطه اللبس على طهارة كاملة بالماء، وأحكامه تغاير أحكام الجبيرة، فلا يبنى عليها، بل لو لبس خفا على خف بشرطه، بعد أن مسح على الأول، لم يمسح على الثاني، والله سبحانه أعلم. كتبه منصور البهوتي الحنبلي عفي عنه. قال الشيخ ياسين: ونقلته من خط مولانا المشار إليه، أدام الله نفعه. انتهى.

أقول: قول الشيخ منصور البهوتي رحمه الله في هذا الجواب: وليس له المسح على الخف

إلخ فيه نظر: فإن المراد بكمال الطهارة: تمامها؛ احترازا عن نحو ما لو غسل رجله اليمنى، ثم أدخلها الخف، ثم غسل رجله اليسرى، وأدخلها الخف، فقد حصل لبس اليمنى قبل كمال الطهارة.

ص: 58

_________

واحترزوا بالماء -في قولهم: بشرط كمال طهارة بماء- عن طهارة التيمم، كما لو كان عادما للماء، فتيمم ولبس خفا؛ فإنه لا يجوز المسح عليه إذن. أما لو تطهر بماء وتيمم لجرح في هذه الطهارة، أو مسح فيها على حائل؛ لم يمنع من لبس الخف في هذه الطهارة، ولهذا قال في "المنتهى" وغيره:(ولو مسح فيها على حائل، أو تيمم لجرح) أي: فيجوز لبس الخف في هذه الطهارة.

وقد صرح في "الإنصاف" بما إذا مسح في طهارته على حائل فقال: ولو لبس خفا أو عمامة على طهارة مسح فيها على جبيرة؛ جاز المسح عليه على الصحيح من المذهب مطلقا، جزم به في المغني، و "الشرح"، وابن عبيدان، و"الحاويين"، و"الرعاية الصغرى" وصححه في "الرعاية

ص: 59

وهو عليها عزيمة، فيجوز بسفر المعصية، وغَيْرُهَا مِنْ حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِمُقِيمٍ وَعَاصٍ بِسَفَرٍ وَثَلَاثَةَ بِلَيَالِيِهِنَّ لِمَنْ بِسَفَرِ قَصْرٍ لَمْ يَعْصِ بِهِ أَوْ سَافَرَ بَعْدَ حَدَثٍ قَبْلَ مسح.

الكبرى" وقدمه في "الفروع" وابن تميم، وقال ابن حامد: إن كانت الجبيرة في رجله وقد مسح عليها، ثم لبس الخف، لم يمسح عليه، انتهى.

فعلمت منن قوله: مطلقا أنه لا فرق على الصحيح بين أن تكون الجبيرة التي مسح عليها في رجله أو لا، خلافا لابن حامد، وخذا الذي ذكره في "الإنصاف" أن الصحيح: هو مقتضى إطلاق "المنتهى" و "الإقناع" في قولهما: ولو مسح فيها على حائل، فإن الحائل شامل للجبيرة وغيرها، سواء كانت الجبيرة في رجله أو لا، خلافا لما ذكره منصور البهوتي، فتدبر، والله أعلم.

ص: 60

وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ مَسْحِ مُقِيمٍ ثُمَّ سَافَرَ أَوْ شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ وَمَنْ شَكَّ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَمْسَحْ فَإِنْ مَسَحَ فَبَانَ بَقَاؤُهَا صَحَّ بِشَرْطٍ تَقَدُّمُ كَمَالِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ وَلَوْ مَسَحَ فِيهَا عَلَى حَائِلٍ أَوْ تَيَمَّمَ الْجُرْحِ أَوْ كَانَ حَدَثُهُ دَائِمًا.

قوله: (أو أقل من مسح مقيم) يعني: إذا مسح ولو إحدى رجليه، وهو مقيم، ثم سافر؛ لم يزد على مسح مقيم، ويتصور أن يصلي المقيم بالمسح سبع صلوات، كأن يؤخر الظهر للعصر بعذر يبيح الجمع، ثم يصلي العصر من الغد قبل فراغها. ويتصور أن يصلي المسافر بمسحه سبع عشرة صلاة.

قوله: (ولو مسح فيها على حائل) أي: كجبيرة ولو في رجله، فيمسح عليها بشرطه، ويلبس عليها الخف على الصحيح، خلافا لابن حامد، كما يعلم من الإنصاف. قوله:(أو تيمم لجرح) عمومه كغيره، أنه لا فرق بين أن يكون التيمم لجرح في الرجل أو غيرها. ومن هنا يعلم: أن ما أفتى به منصور البهوتي في المسألة بحثا إنما يأتي على قوله ابن حامد، وهو خلاف الصحيح، فتنبه له.

ص: 61

وَيَكْفِي مَنْ خَافَ نَزْعِ جَبِيرَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا طَهَارَةٌ تَيَمَّمَ فَلَوْ عَمَّتْ مَحَلَّهُ مَسَحَهَا بِالْمَاءِ وَسَتْرُ مَحَلِّ فَرْضٍ وَلَوْ بِمُخْرَقٍ أَوْ مُفْتَقٍ وَيَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ أَوْ كَانَ يَبْدُو بَعْضُهُ لَوْلَا شَدُّهُ أَوْ شَرْجُهُ كَالزُّرْبُولِ وَثُبُوتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَعْلَيْنِ إلَى خَلْعِهِمَا وَإمْكَانِ مَشْيٍ عُرْفًا بِمَمْسُوحٍ وَإبَاحَتِهِ مُطْلَقًا وَطَهَارَةِ عَيْنِهِ وَلَوْ فِي ضَرُورَةٍ وَتَيَمَّمَ مَعَهَا لِمَسْتُورٍ،

قوله: (ويتيمم معها لمستور) بخف أو عمامة أو غيرهما، ولا يمسح على النجس، وفي "الإقناع": ويحرم الجبر بجبيرة نجسة كجلد الميتة، والخرقة النجسة، وبمغصوب، والمسح على ذلك باطل، وكذا الصلاة فيه، كالخف النجس، وكذا الحرير لرجل، انتهى.

والظاهر: أنه إذا خاف ضررا من نزعه؛ تيمم وصلى، لم يمسح، ولا إعادة إلا في صورة النجس. وفي "الإقناع" أيضا: ولو مسح على خف طاهر العين، لكن بباطنه أو قدمه نجاسة لا تمكن إزالتها إلا بنزعه؛ جاز المسح عليه، ويستبيح بذلك مس المصحف، والصلاة إذا لم يجد ما يزيل النجاسة، وغير ذلك، انتهى.

ص: 62

وَيُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ وَأَنْ لَا يَصِفَ الْبَشَرَةَ لِصَفَائِهِ أَوْ خِفَّتِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاسِعًا يُرَى مِنْهُ بَعْضُ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَإِنْ لَبِسَ عَلَيْهِ آخَرَ، لَا بَعْدَ حَدَثٍ وَلَوْ مَعَ خَرْقِ أَحَدِهِمَا صَحَّ الْمَسْحُ وَإِنْ نَزَعَ الْمَمْسُوحَ لَزِمَ نَزْعُ مَا تَحْتَهُ

وهذا ظاهر في نجاسة برجله ليس لها جرم، وعدم ما يزيلها به، وتيمم عنها فتصح الصلاة. أما لو كانت في الخف وعدم ما يزيلها به، ولم يتضرر بخلعه فالظاهر؛ عدم صحة الصلاة إذن مع النجاسة، فلو تضرر بنزعه مع كونه مسح على الطاهر منه، فيمكن أن تلحق النجاسة بنجاسة على بدنه؛ فيصح التيمم عنها ولا إعادة؛ فليحرر.

قوله: (ويعيد ما صلى به) لأنه حالم للنجاسة. قوله: (وإن لبس عليه آخر

إلخ) دخل في هذه العبارة أربع صور؛ لأنه إما أن يكونا صحيحين، أو مخرقين، أو الأعلى صحيحا والأسفل مخرقا، أو عكسه.

ففي الأولى: يصح على أيهما شاء. وفي الثانية: لا يصح على شيء منعما، ولو سترا. وفي الثالثة: يصح على الأعلى فقط. وفي الرابعة: على أيهما شاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وبخطه أيضا على قوله: (وإن لبس عليه آخر) ولو في إحدى رجليه. وقوله (صح المسح) يعني: على الفوقاني وعلى التحتاني؛ بأن يدخل يده من تحت الفوقاني.

ص: 63

وَشَرَطَ فِي عِمَامَةٍ كَوْنُهَا مُحَنَّكَةً أَوْذَاتَ ذُؤَابَةٍ وَعَلَى ذَكَرٍ وَسَتْرُ غَيْرَ مَا الْعَادَةُ كَشْفُهُ وَلَا يَجِبُ مَسْحُهُ مَعَهَا وَيَجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِهَا وجَمِيع جَبِيرَةٍ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ فَلَوْ تَعَدَّى شَدُّهَا مَحَلَّ الْحَاجَةِ نَزَعَهَا فَإِنْ خَافَ تَيَمَّمَ لِزَائِدٍ وَدَوَاءٍ وَلَوْ قَارًّا فِي شِقٍّ وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ. كَجَبِيرَةٍ وَأَكْثَرِ أَعْلَى خُفٍّ وَنَحْوَهُ وَسُنَّ بِأَصَابِعِ يَدِهِ مِنْ أَصَابِعِهِ إلَى سَاقِهِ

قوله: (أو ذات ذؤابة) وهي طرق العمامة المرخي.

قوله: (أكثر أعلى خف) ولا يسن استيعابه. قوله: (ونحوه) كجرموق.

قوله: (وسن بأصابع يده) يعني: أن صفة المسح المسنو: أن يضع يديه مفرجتي الأصابع على أطراف أصابع رجليه، ثم يمرهما على مشطي قدميه إلى ساقيه. قاله ابن عقيل وغيره، وجزم به في "الإقناع". قوله:(من أصابعه إلى ساقه) فيجزيء إن أمر يدع، وإلا فلا.

ص: 64

وَلَا يُجْزِي أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ وَلَا يُسَنُّ وَحُكْمُهُ بِإِصْبَعٍ أَوْ حَائِلٍ غَسْلِهِ: حُكْمُ رَأْسٍ وَكُرِهَ غَسْلُ وَتَكْرَارُ مَسْحِ وَمَتَى ظَهَرَ بَعْضُ رَأْسٍ، وَفَحُشَ أَوْبَعْضُ قَدَمٍ إلَى سَاقٍ خُفٍّ أَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ الْعِمَامَةِ أَوْ انْقَطَعَ دَمُ مُسْتَحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّة وَلَوْ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ واسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ وَزَوَالُ جَبِيرَةٍ كخُفٍّ.

فائدة: نظم المحب بن نصر الله رحمه الله الفروق الثمانية التي بين الجبيرة والخف، فقال:

عزيمة ضرورة لم يشترط

ستر محل الفرض فيها بل فقط

ستر الذي يحتاج ثم يمسح

جميعها مع خروق توضح

بغير توقيت وفي الطهرين

والطهر قبلها على قولين

قال: وأخصر من ذلك:

عزيمة ضرورة لم يشمل

والخرق والتوقيت فيها أهمل

وكلها امسح في الطهارتين

وقبلها الطهر على قولين

قوله: (وزوال جبيرة كخف) أي: فيستأنف الطهارة الصغرى، أما الكبرى؛ فيكفي غسل ما تحت الجبيرة عن إعادة الغسل. قال في "شرحه" وغيره: لعدم اعتبار الموالاة فيها انتهى.

ص: 65

_________

قال الشيخ منصور: وهذا واضح إذا قلنا: بأن الاستئناف في الطهارة الصغرى مبني على اعتبار الموالاة. والصحيح الذي عليه المحققون: أنه مبني على رفع المسح الحدث، وكون الحدث لا يتبعض، وهذا لا فرق فيه بين الطهارتين. انتهى بمعناه.

أقول: يمكن أن يجاب: بأن التبعيض في الطهارة الصغرى بنزع نحو الخف لما كان يؤدي في بعض الصور إلى فوات الموالاة؛ منع المحققون من التبعيض مطلقا، فأبطلوا الطهارة الصغرى بنزع نحو الخف، سواء فاتت الموالاة أو لم تفت، وحاصله: أن من الأصحاب من اعتبر فوات الموالاة بالفعل، فبنى الأمر على ذلك. ومنهم من اعتبر ما يمكن معه فوات الموالاة -وهو التبعض- فمنعه رأسا، سواء فاتت معه الموالاة بالفعل أو لم تفت، وإلى هذا ذهب المحققون، وهو أقرب إلى الاحتياط، فظهر من هذا: أن القائل بعدم التبعض ناظر إلى الموالاة، وأنها هي الحاملة له على ذلك، وهو إنما يتأتى في الطهارة الصغرى دون الكبرى، فلا يتأتى ذلك فيها عند الجميع، فلهذا اكتفي فيها بغسل ما تحت الجبيرة فقط. ولا بعد في ذلك؛ بدليل أنه لو اغتسل في جميع بدنه إلا موضع الجبيرة فلم يغسله ولم يمسحه، فإنه إذا نزعه أو كان لا جبيرة عليه؛ لم يلزمه سوى غسل ذلك المتروك، ففي صورة ما إذا مسحه أولى؛ لأن المسح لم يرد اإلا تخفيفا، فما ذكره صاحب "المنتهى"

ص: 66

_________

وغيره ليس مبنيا على ضعيف، هذا ما ظهر لي، والله أعلم.

وبخطه على قوله: (وزوال جبيرة كخف) فيستأنف الطهارة، قال في "شرحه" تبعا لغيره: إلا أنها إذا مسحت في الطهارة الكبرى وزالت، أجزأ غسل ما تحتها؛ لعدم وجوب الموالاة في الطهارة الكبرى.

ص: 67