الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ
صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ: وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ وَلَوْ سَفَرًا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ لَا شَرْطًا فَتَصِحُّ مِنْ مُنْفَرِدٍ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ مَعَ عُذْرٍ وَتَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَلَوْ بِأُنْثَى أَوْ عَبْدٍ لَا بِصَبِيٍّ فِي فَرْضٍ وَتُسَنُّ بِمَسْجِدٍ ولِنِسَاءٍ مُنْفَرِدَاتٍ
قوله: (في غير جمعة وعيد) راجع لكل من قوله: (لا شرط) وقوله: (وتنعقد باثنين) وكذا قرره منصور البهوتي. وعبارة المصنف في الأول مشكلة؛ فإن الجمعة داخلة في الخمس المؤدَّاة على ما تقدم عنِ "المبدع" وقد جعل الجماعة للخمس واجبة لا شرطاً، فينبغي أن تحمل الخمس في كلامه على الظهر وما معها، أو يجعل الاستثناء راجعًا لقوله:(وتنعقد باثنين)، كما سلكه الشيخ منصور البهوتي في "شرحه". فتدبر. محمد الخلوتي. وبخطه على قوله:(وعيد) أي: فيما يسقط به فرض الكفاية. قوله: (لا بصبي) أي: مأمومٍ
وَيُكْرَهُ لِحَسْنَاءَ حُضُورُهَا مَعَ رِجَالٍ وَيُبَاحُ لِغَيْرِهَا وَيُسَنُّ لِأَهْلِ كُلِّ ثَغْرٍ اجْتِمَاعٌ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِمْ الْمَسْجِدُ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ إلَّا بِحُضُورِهِ فَالْأَقْدَمُ فَالْأَكْثَر جَمَاعَةٌ وَأَبْعَدُ أَوْلَى مِنْ أَقْرَبُ وَحُرِّمَ أَنْ يَؤُمَّ بِمَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَلَا تَصِحُّ إلَّا مَعَ إذْنِهِ أَوْ تَأَخُّرِهِ وَضِيقِ الْوَقْتِ وَيُرَاسَلُ أَنَّ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ مَعَ قُرْبِ وَعَدَمِ مَشَقَّةٍ وَإِنْ بَعُدَ أَوْ لَمْ يُظَنَّ حُضُورُهُ، أَوْ ظُنَّ وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ صَلُّوا
وحده والإمام بالغٌ.
قوله: (ويكره لحسناء) ولو عجوزًا. قوله: (لأهل ثغرٍ) ويحرك. كما في "القاموس". قوله: (فالأكثر جماعة) وقيل: بتقديمه على الأقدم، كما في مختصر "المقنع"، وعلى ما هنا مشى في "الإقناع". لكن هذا مع الاستواء في البعد والقرب، وإلا فالأبعد يلي الأقدم، فهو مقدم على كثرة الجمع. قوله: (وأبعد
…
إلخ) له مفهومان: أحدهما صحيح: وهو ما إذا استويا في كثرة الجمع أو اختلفا. والآخر غير مراد: وهو ما إذا اختلفا في القدم؛ فإن الأقدم أفضل ولو قريباً، خلافاً لما يوهمه عموم كلامه. محمد الخلوتي. فالأفضل الأقدم، ثم الأبعد، ثم الأكثر جماعة، كما يعلم من "شرحه".
وَمَنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيمَتْ سُنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ وَكَذَا وَإِنْ جَاءَ مَسْجِدًا غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ لِغَيْرِ قَصْدِهَا إلَّا الْمَغْرِبَ وَالْأُولَى فَرْضُهُ وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ غَيْرَ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَلَا فِيهِمَا لِعُذْرٍ وَكُرِهَ قَصْدُ مَسْجِدٍ لَهَا وَيُمْنَعُ شُرُوعٌ فِي إقَامَةِ
قوله: (ومن صلى) يعني: الفرض منفردًا، أو في جماعة. قوله:(سن أن يعيد) أي: سواء كان في وقت نهي أو لا، حيث كان الشروع في الإقامة وهو بالمسجد. وأما من دخل المسجد وقد أقيمت، فإن الإعادة تسنُّ له بشرطين: أن لا يكون وقت نهي، وأن لا يكون مجيئه لقصد الإعادة. فالأول شرط لصحة الإعادة وسنيتها، والثاني شرط لسنيتها فقط.
فعلى هذا من جاء لمسجد بعد الإقامة في غير وقتِ نهي، فإن كان بغير قصد الإعادة؛ سن أن يعيد، أو يقصدها كُرِه. وإن جاء بعد الإقامةِ وقت نهي؛ لم تجز الإعادة مطلقًا، أي: قصد الإعادة أو لا؛ بناءً على المذهب من عدم جواز ما له سبب من النفل في وقت النهي غير ما استثني، وهذا ليس منه، فهذه أربع صور فيمن دخل المسجد بعد الإقامةِ، وبقي صورة خامسةٌ، وهي ما إذا أقيمت، وهو بالمسجد، تُسنُّ فيها الإعادة مطلقًا. قوله:(في غير مسجدي مكة، والمدينة) أي: فقط.
قوله: (ويمنع الشُّروع في إقامةٍ) يعني: يُريد الصلاة مع إمامها.
انْعِقَادُ نَافِلَةٍ وَمَنْ فِيهَا وَلَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يُتِمُّ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ الْإِمَامِ الْأُولَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ دُونَ الطُّمَأْنِينَةِ مَعَهُ اطْمَأَنَّ ثُمَّ تَابَعَ وَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَأَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَسُنَّ دُخُولُهُ مَعَهُ كَيْفَ أَدْرَكَهُ
قوله: (انعقاد نافلة) أي: لمن لم يصل، ولو جهل الإقامة، كما لو جهل وقت النهي، فلا تنعقد حيث كان الإحرام بعدها، وإلا فالأصل الإباحة، فتنعقد. قوله: (يتم إن أمن
…
إلخ) يعني: يتم خفيفة. قوله: (فوت الجماعة) وإلا قطعها، قوله:(وأجزأته تكبيرة الإحرام) لعلَّ المراد بالإجزاء: أنه لا يطلب منه على سبيل الوجوب الإتيان بتكبيرة الركوع، بل تبقى في حقِّه سنة كما تقدم. ولا بد في ذلك من أن يخلص النية لتكبيرة الإحرام، فلو نوى بتكبيرة تكبيرة الإحرام، والركوع، أو نوى الركوع وحدَه؛ لم تنعقد صلاته. ولا بد أيضاً في أن يأتي بتكبيرة الإحرام قبل الخروج عن حد القيام، وإلا صارت نفلا، كما في "شرح الإقناع" وهو مشكل؛ لأنه إن قلنا: يتابع الإمام مع الحكم بنقليتها في حقه؛ فالنفل لا ينعقد ممن لم يصل بعد الإقامة، وإن قلنا: لا يتابع الإمام بل هو منفرد؛ فلا بد من القراءة. والأظهر: أنه إن فعل ذلك عمدًا؛ لم تنعقد فرضاً ولا نفلاً، وسهوا أو جهلا؛ صحت نفلاً، ولم يعتد ببقية الركعة، بل هو كالزيادة سهوًا، فيأتي بها منفردًا، ويسجدُ للسهو.
وَيَنْحَطُّ بِلَا تَكْبِيرٍ وَيَقُومُ مَسْبُوقٌ بِهِ وَإِنْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ الثَّانِيَة وَلَمْ يَرْجِعْ انْقَلَبَتْ نَفْلًا وَمَا أَدْرَكَ آخِرُهَا وَمَا يَقْضِي أَوَّلُهَا فَيَسْتَفْتِحُ لَهُ وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ سُورَةً لَكِنْ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ مَغْرِبٍ تَشَهَّدَ عَقِبَ أُخْرَى وَيَتَوَرَّكُ مَعَهُ وَيُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلِ حَتَّى يُسَلِّمَ وَيَتَحَمَّلُ عَنْ مَأْمُومٍ قِرَاءَةَ وَسُجُودَ سَهْوٍ
قوله: (بلا تكبير) ولو ساجدًا بأن أدركه في السجود. قوله: (ويقوم مسبوق به) كالقائم من التشهد الأول.
قوله: (انقلبت نفلاً) لمفارقته الإمام بلا عذرٍ يبيح المفارقة قبل تمام الصلاة. ومنه يؤخذ أنه إذا انفرد مأموم في أثناء الصلاة بلا عذر؛ فإنها تنقلب نفلاً. ولعل محله في الثانية إذا لم يكن عالمًا عمدا، وأما الأولى، فقال منصور البهوتي: ظاهره لا فرق بين العمد والذكر، وضدهما، انتهى. ويمكن الفرق: بأن مفارقته قبل شروعه في الخروج من الصلاة أفحش. فتدبر.
وَتِلَاوَةٍ وَسُتْرَةَ وَدُعَاءَ قُنُوتٍ وَكَذَا تَشَهُّدٌ أَوَّلُ إذَا سَبَقَ بِرَكْعَةٍ وَسُنَّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ ويَتَعَوَّذَ فِي جَهْرِيَّةٍ وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً حَيْثُ شُرِعَتْ فِي سَكَتَاتِهِ وَهِيَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْدَهَا وَتُسَنُّ هُنَا بِقَدْرِهَا وبَعْدَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ وفِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ أَوْ لَا يَسْمَعُهُ لِبُعْدٍ أَوْ طَرَشٍ إنْ لَمْ يَشْغَلْ مَنْ بِجَنْبِهِ وَمَنْ رَكَعَ، أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا، حَرُمَ وَعَلَيْهِ وَعَلَى جَاهِلٍ وَنَاسٍ ذَكَرَ أَنْ يَرْجِعَ لِيَأْتِيَ بِهِ
قوله: (وتلاوة) يعني: من المأموم، أو من إمام في صلاة سر إذا سجد الإمام. قوله:(إذا سبق بركعة) وتسميع، قولو: ملء السماء
…
إلخ. فهي ثمانية أشياء، لكن محل ذلك حيث كانت صلاة الإمام صحيحة، بخلاف ما إذا نسي حدثه حتى انقضت على ما سيجيء، فإنه لا بد في صحة صلاة المأموم من قراءة الفاتحة. قوله:(وإن لم يشغل من بجنبه) يقال: شغله من باب: قطع، فهو شاغل، ولا تقل: أشغله؛ لأنها لغة رديئة. "مختار".
قوله: (ومن ركع أو سجد ونحوه قبل إمامه
…
إلخ) اعلم: أن المأموم تارة يسبق إمامه إلى الركن؛ بأن يشرع في فعله قبل شروع الإمام، كأن يركع
_________
قبل إمامه، أو يرفع من ركوع أو سجود قبله. وتارة يسبق إمامه بالركن؛ بأن يأتي به قبل إمامه، كأن يركع ويرفع قبل ركوع إمامه. وقد يسبقه بركنين فأكثر. وإذا سبقه بركنٍ؛ فتارة يكون ركوعًا، أو غيره. وإذا سبق بركنين؛ فتارة يكون أحدهما أيضا ركوعا، أو لا. إذا علمت ذلك؛ فحكم السبق إلى الركن أنه يحرم، ولا تبطل الصلاة به ولو عمدًا، لكن يجب عليه الرجوع؛ ليأتي بذلك مع الإمام، فإن لم يرجع حتى أدركه فيه الإمام عالما عمدًا؛ بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً، أو ناسيًا؛ لم تبطل صلاته، بل يعتد بذلك الركن الذي سبقه إليه.
وأما السبق بالركن، فإن كان ركوعاً؛ بطلت الصلاة، إن كان عالما عمدًا، وإن كان جاهلا أو ناسيا؛ بطلت تلك الركعة، إن لم يأت بذلك مع الإمام. وإن كان الركن الذي سبق به غير ركوع؛ لم تبطل الصلاة بنفس السبق به، كالسبق إليه ولو عمدًا، لكن عليه أن يرجع ليأتي به مع إمامه، فإن أبى عالما عمدا؛ بطلت صلاته، كما تقدم في السبق إلى الركن؛ لأن السبق بالركن يستلزم السبق إليه. وإن كان جاهلاً أوناسيًا؛ لم تبطل الصلاة. لكن ينبغي أن يعتد بما سبق به للعذر، كما في السبق إلى الركن.
وأما السبق بركنين، فإن كان عالما عمدا؛ بطلت الصلاة؛ أي: سواءٌ كان أحدهما ركوعا أو لا، وإن كان جاهلاً أو ناسيا؛ بطلت تلك الركعة إن لم يأت بما سبق به مع الإمام، وكذا أكثر من ركنين.
مَعَهُ فَإِنْ أَبَى عَالِمًا عَمْدًا حَتَّى أَدْرَكَهُ فِيهِ بَطَلَتْ لَا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا وَيَعْتَدُّ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي أَفْعَالِهَا بَعْدَهُ فَإِنْ وَافَقَهُ كُرِهَ وَإِنْ كَبَّرَ لِإِحْرَامٍ مَعَهُ أَوْ قَبْلَ إتْمَامِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَهُ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ
واعلم: أنه لا يعد سابقا بركن حتى يتخلص منه، فلا يعد سابقا بالركوع حتى يرفع، ولا بالرفع حتى يهوي إلى السجود. والتخلف عن الإمام بركن أو أكثر، كالسبق به على ما تقدم من التفصيل.
قوله: (معه) المعية مصروفة إلى المعهودة شرعاً، وهي: اجتماعه معه في الطمأنينة لا في ابتداء الفعل. فتدبر. وبخطه على قوله: (معه) أي: عقبه، إذ تكره موافقته؛ كما سيجيء. قوله:(بطلت) أي: صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمدًا. قوله: (بعده) أي: بعد شروع الإمام من غير تخلف، كما في " الإقناع".
قوله: (لم تنعقد) ولو سهوًا.
أَوْ سَهْوًا وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَهُ بَطَلَتْ ومَعَهُ يُكْرَهُ وَلَا يَضُرُّ سَبْقُ بِقَوْلِ غَيْرِهِمَا وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنِ بِأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ أَوْ بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَهَوَى إلَى السُّجُودِ قَبْلَ رَفْعِهِ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ وجَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَهُ لَا بِرُكْنٍ غَيْرِ رُكُوعٍ.
قوله: (ومعه يكره) والأولى أن يسلِّم بعد فراغه منهما. قوله: (لا بركنٍ غير ركوع) أي: لا تبطل الصلاة بسبق الإمام بركنٍ عمدًا غير ركوع؛ لأنه الذي يدرك به المأموم الركعة، وتفوت بفواته. قال في "شرح الإقناع": وظاهره: أن السبق بركنين يبطل الصلاة مع العمد مطلقا. انتهى.
_________
وقوله مطلقا: أي: سواء كان أحدهما ركوعاً أو لا. ومحل عدم البطلان إذا سبق بركن غير ركوع عمدًا: إن أتى بذلك الركن مع الإمام، وإلا فيصدق عليه أنه تخلف بركن أيضاً، وهو كالسَّبْقِ بهِ، فكأنه سبق بركنين، فتبطل صلاته. هذا ما ظهر، فليحرر. وقد يؤخذ ذلك من قوله قبل: (فإن أبى عالماً
…
إلخ).
وتلخيص القول في السبق: أنه إذا سبق إمامه إلى ركنٍ، ولم يرجع حتى أدركه فيه، أو بركوع، أو ركنين غيره عالماً عمدا فيهن؛ بطلت صلاته مطلقا في الأخيرتين؛ أي: سواء أتى به مع الإمام أو لا، وسهوا أو جهلا؛ بطلت الركعة في الأخيرتين فقط إن لم يأت بذلك معه. والله اعلم.
تنبيه: قضية كلام المصنف هنا كـ"الإقناع": أن الرفع والاعتدال ركن واحد. وهو مخالف لما ذكره المصنف في الأركان.
وهما تابعان في ذلك لـ"الإنصاف"، فإنه قال ما نصه: فوائد: الأولى مثال ما إذا سبقه بركن واحد، أن يركع ويرفع قبل ركوع إمامه. ومثال سبقه بركنين: أن يركع ويرفع قبل ركوعه، ثم يسجد قبل رفعه، كما قاله المصنف يعني: الموفق فيهما. انتهى.
وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ فَكَسَبْقٍ ولِعُذْرٍ إنْ فَعَلَهُ وَلَحِقَهُ وَإِلَّا لَغَتْ الرَّكْعَةُ وبِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ ولِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا تَرَكَهُ مَعَ أَمْنِ فَوْتِ الْآتِيَةِ وَإِلَّا لَغَتْ الرَّكْعَةُ والَّتِي تَلِيهَا عَوَضُهَا وَإِنْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ وَتَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ تُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ وَإِنْ ظَنَّ تَحْرِيمَ مُتَابَعَتِهِ فَسَجَدَ جَهْلًا اُعْتُدَّ بِهِ
قوله: (ولعذر) كنومٍ وغفلةٍ وعجلةِ إمام. قوله: (ولحقه) ويجب ذلك، صحت. قوله:(مع أمن فوتِ الآتية) بطلت صلاته "شرح". فهو من حذف الجواب للعلم به.
فلَوْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وبَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ تَبِعَهُ وَقَضَى وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ تَابَعَ وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ وَسُنَّ لِإِمَامٍ التَّخْفِيفُ مَعَ الْإِتْمَامِ تَمْنَعُ مَأْمُومًا فِعْلَ مَا يُسَنُّ مَا لَمْ يُؤْثِرْ مَأْمُومٌ التَّطْوِيلَ وتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَنْ الثَّانِيَةِ إلَّا فِي صَلَاةِ خَوْفٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ أَوْ بِيَسِيرٍ كَب سَبِّحْ
قوله: (وقضى) كمسبوق؛ أي: فيقضي بعد سلام إمامه ما فاته كمسبوق. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رجلٍ نعس خلف الإمام حتى صلى ركعتين. قال منصور البهوتي قلت: والمقضي هنا ليس أول صلاته دائما، بل حكمه حكم مافاته من صلاته معه. انتهى.
وقد يقال: بل هو كالمسبوق في قضاء كلٍّ منهما ما فاته على صفته. قوله: (ما لم يؤثر) أي: يختر. قوله: (مأموم) أي: كلهم. قوله: (وتطويل قراءة الأولى) يعني: لإمام وغيره. "شرح". قوله: (في الوجه الثاني) أي: بأن كان العدو بغير جهة القبلة، وقسم المأمومين طائفتين.
وَالْغَاشِيَةِ وَانْتِظَارُ دَاخِلٍ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى مَأْمُومٍ وَمَنْ اسْتَأْذَنَتْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ مَنْعُهَا وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا مَنْعُ مُوَلِّيَتِهِ إنْ خَشِيَ فِتْنَةً، أَوْ ضَرَرًا ومِنْ الِانْفِرَادِ
فصل
الْجِنُّ مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ يَدْخُلُ كَافِرُهُمْ النَّارَ وَمُؤْمِنُهُمْ الْجَنَّةَ وَهُمْ فِيهَا كَغَيْرِهِمْ عَلَى قَدْرِ ثَوَابِهِمْ وَتَنْعَقِدُ ِهِمْ الْجَمَاعَةُ وَلَيْسَ مِنْهُمْ رَسُولٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إنَّ مَا بِيَدِهِمْ مِلْكُهُمْ مَعَ إسْلَامِهِمْ وَكَافِرُهُمْ كَالْحَرْبِيِّ
قوله: (ومن الانفراد) أي: عنه.
قوله: (وتنعقد بهم الجماعة) لا الجمعة. عبارة "مغني ذوي الأفهام": وتصح صلاة صلاة جني خلف إنسي لا عسكه. والملائكة لا يكلفون بما يكلف به الإنس، فلا تصح من آدمي خلف ملك غير مأمور به زمن النبوة. انتهى. قوله:(كالحربي) أي: فيباح قتله؛ لأنه لم تعقد له ذمة. قاله ابن عبدالهادي.
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ظُلْمُ الْآدَمِيِّينَ وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَبَوْلُهُمْ وَقَيْؤُهُمْ طَاهِرَانِ.
قوله: (ويحرم عليهم ظلم الآدميين) ويحرم زني بجني، ولواط، ولا يجب لهم قصاص، ولا يجوز تزويجهم. ويجب عليهم القصاص فيما أفسدوه من نفس أو طرف، ولا يجوز تسليطهم على إنسي في نفسٍ ولا مال، ويضمن من فعل ذلك، ويجوز ردُّهم عن إنسي بكل ممكن لمن قدر، ولا يجوز دفع زكاة إليهم، وتجوز معاملتهم، ويجوز استئجارهم على فعل شيء يجوز فعله، ولا تقبل شهادتهم على إنسي، وتقبل على بعضهم، وشهادة إنسي عليهم. ويجوز الحكم بينهم وبين إنسي. «مغني ذوي الأفهام» ملخصاً. قوله:(وبولهم) أي: وكذا غائطهم. وإنما اقتصر على المذكورين؛ لأنهما المنصوص عليهما في الحديث. قال الفارضي الحنبلي في «حاشية البخاري» : ومن جعل بول الشيطان في الأذن حقيقة استدل به على طهارة بول الجن وغائطهم، وهو مذهب أحمد؛ لأنه لم يؤمر بغسل الأذن. انتهى.
فصل
الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً الْفَقِيهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ ثُمَّ الْأَكْثَرُ قُرْآنًا الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَكْثَرُ قُرْآنًا الْفَقِيهُ ثُمَّ قَارِئٌ أَفْقَهُ ثُمَّ قَارِئٌ فَقِيهٌ ثُمَّ قَارِئٌ عَالَمٌ فِقْهَ صَلَاتِهِ مِنْ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا ثُمَّ قَارِئٌ لَا يَعْلَمُهُ ثُمَّ أَفْقَهُ وَأَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ ثُمَّ أَسَنُّ ثُمَّ أَشْرَفُ وَهُوَ الْقُرَشِيُّ فَتُقَدَّمُ بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ قُرَيْشٍ. ثُمَّ الْأَقْدَمُ .....
وبخطه على قوله: (وبولهم) وكذا غائطهم. فارضي.
قوله: (ثم الأجود قراءةً الفقيه) بقي أن يقول: ثم الجيد قراءة الأفقه، ثم الجيد قراءة الفقيه. قوله:(ثم الأقرأ) يعني: جودة وإن لم يكن فقيهًا، حيث عرف فقه صلاتِه. قوله:(ثم الأكثر قرآناً الفقيه) كان الأولى: ثم الكثير قرآناً الأفقه، ثمَّ الكثير قرآنا الفقيه.
قوله: (ثم أفقه وأعلم
…
إلخ) أي: غير قاريء، فيكون مقدمًا على أمي مثله لا يعلم. قوله:(بأحكام الصلاة) ولو أميَّاً. قوله: (ثم قريش) أي: باقي قريش. وبه سقط اعتراض الحجاوي على المنقح.
هِجْرَةً بِنَفْسِهِ وَسَبْقٌ بِإِسْلَامٍ كَهِجْرَةٍ ثُمَّ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ ثُمَّ يُقْرَعُ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ عَبْدًا أَحَقُّ إلَّا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ فِيهِمَا وَسَيِّدِهِ ببَيْتِهِ
قوله: (وسبق بإسلام
…
إلخ) إذا اجتمع اثنان أحدُهما أقدم هجرة من الآخر، والثاني أسبق إسلاماً من الآخر، من المقدم منهما بالإمامةِ؟ والذي يؤخذ من كلامه في «الشرح الكبير»: أن المقدَّم في الهجرة أولى بالإمامة، سواء سبق بالإسلام، أو تأخَّر، أو ساوى غيره فيه. وعبارته: ومعنى (الأقدم هجرة): أن يهاجر إلينا اثنان من دار الحرب مسلمَين، فأسبقهما هجرة إلينا أولى. ثم قال: فإن لم يكن ذلك وكانا من أولاد المهاجرين، فإن السابق هجرة مقدم ولده، وكذلك إن لم يكن هجرة، بل كانا كافرين من أهل الذمة فأسلما، فإنه يقدم أقدمهما إسلامًا؛ لأنه أسبق إلى الطاعة. وكذلك جاء في حديث أبي مسعود في روايةٍ لأحمد ومسلم:«فأقدمهما سلما» يعني: إسلامًا، انتهى. محمد الخلوتي.
قوله: (وصاحب البيتِ) أي: الصَّالح للإمامةِ. قوله: (ثمَّ الأتقى والأورع)
وَحُرٌّ أَوْلَى مِنْ عَبْدٍ وَمُبَعَّضٍ
هما سيَّان على ظاهرِ كلامه، والورع كما قال القشيري في «رسالته»: اجتناب الشبهات. زاد القاضي عياض في «المشارق» : خوفاً من الله تعالى. قال ابن القيم: الفرق بين الزهد والورع؛ أن الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يخشى ضرره في الآخرة.
وبخطه أيضًا على قوله: (ثم الأتقى والأورع) قال بعضهم: التقوى ترك ما لا بأس به خوفا من الوقوع فيما به بأس، وهذا أعلى مراتبها على ما في «تفسير القاضي البيضاوي". وأدناها: توقي الشرك. وأوسطها: اتباع الأوامر واجتناب النواهي. وعلى هذا فليست مساوية للورع بسائر مراتبها، كما أنها ليست مساوية للزهد بسائر المراتب. شيخنا محمد الخلوتي. قوله:(ومبعض) وهذا المبعض أولى من المكاتب لتلبسه بالحرية بالفعل، بخلاف
وَهُوَ أَوْلَى مِنْ عَبْدٍ وَحَاضِرٌ وَبَصِيرٌ وَحَضَرِيٌّ وَمُتَوَضِّئٍ وَمُعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ وَتُكْرَه إمَامَةُ غَيْرِ الْأَوْلَى بِلَا إذْنِهِ غَيْرَ إمَامِ مَسْجِدٍ وَصَاحِبِ بَيْتٍ فَتَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ تَعَذُّرًا خَلْفَ غَيْرِهِ وَإِنْ خَافَ إنْ أَذًى، صَلَّى خَلْفَهُ وَأَعَادَ فَإِنْ وَافَقَهُ فِي الْأَفْعَالِ مُنْفَرِدٌ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ خَلْفَهُ بِإِمَامٍ لَمْ يُعِدْ
المكاتب، فإنه وإن فيه السبب، لكن لسنا على يقين من حصول عتقه بالفعل؛ لاحتمال تعجيزه، ومثله في ذلك المدبر، والمعلق عتقه بصفة قبل وجودها.
قوله: (وهو) أي: المبعض، وكذا المكاتب.
قوله: (ولا تصح إمامة فاسق
…
إلخ) أي: فلا تصح صلاة المأموم.
قوله: (وإن خاف أذى) أي: إن لم يصل خلف فاسق. قوله: (بإمام) يعني: في غير جمعة فيهما.
وَتَصِحُّ خَلْفَ أَعْمَى أَصَمَّ وَأَقَلْفَ وَأَقْطَعَ يَدَيْنِ، أَوْ رِجْلَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ أَنْفٍ وَكَثِيرِ لَحْنٍ لَمْ يُحِلْ الْمَعْنَى وَالْفَأْفَاءِ الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ، والتَّمْتَامِ وَمَنْ لَا يَفْصَحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ أَوْ يُصْرَعُ، مَعَ الْكَرَاهَةِ لَا خَلْفَ أَخْرَسَ وَكَافِرٍ وَإِنْ قَالَ مَجْهُولٌ هُوَ كَافِرٌ وَإِنَّمَا صَلَّى اسْتِهْزَاءً أَعَادَ مَأْمُومٌ وَإِنْ عُلِمَ لَهُ حَالَانِ أَوْ إفَاقَةٌ وَجُنُونٌ وَأَمَّ فِيهِمَا وَلَمْ يَدْرِ فِي أَيِّهِمَا ائْتَمَّ فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَهَا إسْلَامَهُ أَوْ إفَاقَتَهُ، وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ، أَوْ جُنُونِهِ لَمْ يُعِدْ.
قوله: (أو رجلين) يعني: إذا أمكنه القيام؛ بأن يتخذ له رجلين من خشب وإلا فبمثله. قوله: (والفأفاء) الفأفاة كدحرجة، بهمزتين: التردد في الفاء، كذا في "المصباح"، والله أعلم.
قوله: (مجهول) يعني: دينَهُ. قوله: (وإن أمَّ فيهما) أي: في المسألتين قوله: (في أيهما) أي: الحالين.
وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ مُسْتَمِرٌّ أَوْ عَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ، أَوْ قُعُودٍ وَنَحْوِهِ أَوْ شَرْطٍ إلَّا بِمِثْلِهِ وَكَذَا عَنْ قِيَامٍ إلَّا الرَّاتِبَ بِمَسْجِدٍ الْمَرْجُوِّ زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَيَجْلِسُونَ خَلْفَهُ وَتَصِحُّ قِيَامًا وَإِنْ اعْتَلَّ فِي أَثْنَائِهَا فَجَلَسَ أَتَمُّوا قِيَامًا وَإِنْ تَرَكَ إمَامٌ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ بِلَا تَأْوِيلٍ، أَوْ تَقْلِيدٍ أَوْ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ عَالِمًا أَعَادَا وعِنْدَ مَأْمُومٍ وَحْدَهُ لَمْ يُعِيدَا
قوله: (ونحوه) كاعتدالٍ. قوله: (وكذا عن قيام) فصله ليفصل فيه. قوله: (ويجلسون خلفه) يعني: ندباً. قوله: (وإن ترك إمام ركناً أو شرطاً) أي: من شروط الصلاة بعد أن يكون مستجمعاً لشروط الإمامة، بدليل أن العاجز عن الركوع مثلا لا تصح إمامته إلا بمثله، فلا تصح خلف فاسق ولو شافعيا إلا بالتقليد. وبخطه على قوله:(ركنا) كالطمأنينة. قوله: (أو شرطاً) كستر أحد العاتقين في الفرض.
قوله: (بلا تأويل) أي: اجتهادٍ. قوله: (أو تقليد) أي: لمجتهدٍ. قوله: (عالما) المفهوم هنا فيه تفصيل، وهو أنه إن كان المتروك طهارة؛ فصلاة المأموم الغير العالم بذلك صحيحة، وإن كان غيرها؛ فغير صحيحة. ومثل الركن والشرط في الإعادة، الواجب إذا تركه عمداً. وأما إذا ترك ركناً سهواً، وأمكن تدراكه، فعلى ما تقدم. وبخطه على قوله:(عالماً) أي: أنه ركن أو شرط. قوله: (أو عند مأموم وحده لم يعيدا) أي: ما لم يعتقد مأموم
_________
الإجماع على المتروك، كما بين ذلك بقوله:(وإن اعتقده .. إلخ) وإذا ترك المصاف للمأموم ركناً أو شرطاً عند صاحبه فقط، فهل نحكم بفذية من يعتقد ذلك ركناً أو شرطاً، مع كون التارك لا يعتقده أم لا؟ الظاهر من كلامهم: الثاني؛ وذلك لصحة إمامة هذا التارك في هذا الحال، وبخطه على قوله:(وعند مأموم وحده لم يعيدا) هل يقال: مثله لو ترك أحد مأمومين وقفا صفا ركنا، أو شرطا عند صاحبه فقط أي: فالمصافة صحيحة، ولا إعادة؟ الظاهر: نعم؛ كما يدل عليه تعليلهم صحة صلاة من لم يقف معه إلا محدث أو نجس، لا يعلم واحد منهما ذلك، حيث قالوا: لأنه لو كان إماما له، إذن لم يعد، فأولى إذا كان مصافاً. فيفهم من هذا: أن المصافة لا تزيد على الإقامة، بل قد صرحوا: بأنه يغتفر في المصافة، ما لا يغتفر في الإمامة؛ فجوزوا مصافة الأمي، والأخرس، والعاجز عن ركن، أو شرط، وناقص الطهارة؛ أي: العاجز عن إكمالها، والفاسق ونحو ذلك. قالوا: لأنه لا يشترط للمصافة صحة الإمامة، فهذا تصريح بأن الإمامة يحتاط لها أكثر من المصافة. والله أعلم.
وبخطه أيضاً على قوله: (لم يعيدا) الأولى لم يعد؛ لأن الخلاف إنما هو في المأموم لا الإمام، إلا أن يقال: إنه أدرج الإمام، لئلا يتوهم بطلان صلاته، بارتباطها بمن لا تصح به. محمد الخلوتي.
وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مَأْمُومٌ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَعَادَ وَتَصِحُّ خَلْفَ مَنْ خَالَفَ فِي فَرْعٍ لَمْ يَفْسُقْ بِهِ وَلَا إنْكَارَ فِي َسَائِلِ الِاجْتِهَادِ.
قوله: (وإن اعتقده
…
إلخ) هذا تقييد لما قبله، كأنه قال: لم يعيدا؛ أي الإمام والمأموم. أما الإمام؛ فمطلقاً وأما المأموم؛ فبشرط أن لا يعتقد الإجماع على المتروك، وإلا أعاد؛ لاعتقاده بطلان صلاة إمامه على مذهب الإمام والمأموم. وبخطه على قوله:(وإن اعتقده) أي: المتروك.
قوله: (وتصح خلف من خالف في فرع لم يفسق به) علم منه: أنه لو فسق به؛ لم تصح خلفه، مع كونه مخالفاً. ومنه يعلم: أنه لا عبرة بعقيدة الإمام في شروط الإمامة؛ فلا بد من استجماع الإمام لشروط الإمامة، ثم بعد ذلك إذا ترك ركناً، أو شرطاً من شروط الصلاة عند المأموم وحده؛ لم يضر. وقد قال صاحب "المنتهى" في "شرحه": عند قوله: (وإن ترك إمام ركناً أو شرطاً) ما نصه: من شروط الصلاة
…
انتهى. ومنه يعلم أيضاً: ما ذكرناه من أن شروط الإمامة لا بد من كمالها في الإمام. وإذا صلى شافعي مثلاً قبل الإمام الراتب؛ فالظاهر: أنه لا يجوز للحنبلي الاقتداء به؛ لأن ذلك من شروط الإمامة، لا من شروط الصلاة، كمت تقدم في الفاسق، خلافاً لما ذكره منصور البهوتي. فلا بد في إمامة الفاسق ونحوه من تقليد المأموم الحنبلي لمن يرى جواز ذلك. والله أعلم.
وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِرِجَالٍ أَوْ لِخَنَاثَى إلَّا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، إنْ كَانَا قَارِئَيْنِ وَالرِّجَالُ أُمِّيُّونَ فِي تَرَاوِيحَ فَقَطْ وَيَقِفَانِ خَلْفَهُمْ وَلَا مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي الْفَرْضِ وَتَصِحُّ فِي نَفْلٍ وفِي فَرْضِ بِمِثْلِهِ وَلَا إمَامَةُ مُحْدِثٍ وَلَا نَجِسٍ بِعِلْمِ ذَلِكَ وَإِنْ جَهِلَ مَعَ مَأْمُومٍ حَتَّى انْقَضَتْ
وبخطه على قوله: (وتصح خلف من خالف في فرع) أي: لا في أصل كمعتزلة، أو فرع فسق به؛ بأن اعتقد تحريمه.
قوله: (ولا تصح إمامة امرأة
…
إلخ) اعلم: أن الإمام، إما أن يكون رجلاً أو امرأة، أو خنثى، والمأموم كذلك، وثلاثة بتسع صورٍ، تصح الإمامة في خمس منها، وهي: الرجل برجل، أو امرأة، أو خنثى، وإمامة خنثى بامرأة، وإمامة امرأة بامرأة، ولا تصح في أربع، وهي إمامة المرأة برجل، أو خنثى، وإمامة الخنثى برجلٍ، أو خنثى، فتدبر.
قوله: (ويعلم ذلك) وظاهره: ولو نسي بعد علمه. قوله: (فإن جهل مع مأموم
…
إلخ) أي: جهل مع المأمومين كلهم حدث الإمام أو نجسه، حتى قضوا الصلاة؛ صحت صلاة مأموم وحده؛ أي: دون الإمام. ولا فرق بين
صَحَّتْ لِمَأْمُومٍ وَحْدَهُ إلَّا إنْ كَانُوا بِجُمُعَةٍ وَهُمْ بِإِمَامٍ أَوْ بِمَأْمُومٍ كَذَلِكَ أَرْبَعُونَ فَيُعِيدُ الْكُلُّ وَلَا أُمِّيٍّ وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا مَا لَا يُدْغَمُ أَوْ يُبَدِّلُ حَرْفًا إلَّا ضَادَ الْمَغْضُوبِ، والضَّالِّينَ بِظَاءٍ أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى، عَجْزًا عَنْ إصْلَاحِهِ إلَّا بِمِثْلِهِ
الحدث الأكبر والأصغر، ولا بين نجاسة الثوب، والبدن، والبقعة. وعلم منه: أنه إن علم الإمام، أو بعض المأموين قبل الصلاة أو فيها؛ أعاد الكل. قال: منصور البهوتي: وظاهره ولو نسي بعد علمه به.
قوله: (صحت لمأموم وحده) إن كان قرأ الفاتحة؛ لأنه إنما يتحملها عنه مع صحة إمامته، كما صرح به ابن قندس في "حواشي الفروع". قوله:(أو يدغم فيها) وهو: الأرت بالمثناة. قوله: (أو يبدل حرفاً) وهو: الألثغ. قوله: (إلا ضاد المغضوب
…
إلخ) محصل هذا الكلام: أن الأمي لا تصح إمامته إلا بمثله حيث كان ذلك عجزاً، إلا من يبدل الضاد في الموضعين بظاءٍ عجزاً، فغنها تصح إمامته، ولو بغير مثله، خلافاً "للمغني" وابن نصر الله، سواء
فَإِنْ تَعَمَّدَ أَوْ قَدَرَ عَلَى إصْلَاحِهِ أَوْ زَادَ عَلَى فَرْضِ الْقِرَاءَةِ عَاجِزٌ عَنْ إصْلَاحِهِ عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ أَحَالَهُ فِيمَا زَادَ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا، أَوْ لِآفَةٍ صَحَّتْ وَمِنْ الْمُحِيلِ فَتْحُ هَمْزَةِ اهْدِنَا وَكُرِهَ أَنْ يَؤُمَّ أَجْنَبِيَّةً فَأَكْثَرَ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُهُ بِحَقٍّ وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ زِنًا وَلَقِيطٍ وَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ، وَخَصِيِّ، وَجُنْدِيٍّ وَأَعْرَابِيٍّ إذَا سَلِمَ دِينُهُمْ وَصَلُحُوا لَهَا
عرف الفرق أم لا، كما يفهم من "حاشية المنتهى". وفي كلامه في "شرح الإقناع" نظر، والله أعلم.
قوله: (أو قوماً
…
إلخ) أي: يكره أن يؤم قوماً
…
إلخ وعلم منه: أنه لا يكره الائتمام به، وصرح به في "الإقناع": قال: لأن الكراهة في حقه.
قوله: (أكثرهم) فإن كرهه بعضهم؛ لم يكره. والأولى أن لا يؤمهم. "إقناع".
وَلَا أَنْ يَأْتَمَّ مُتَوَضِّئٌ بِمُتَيَمِّمٍ وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مُؤَدِّي صَلَاةٍ بِقَاضِيهَا وعَكْسُهُ وقَاضِيهَا مَنْ يُؤَمُّ بِقَاضِيهَا مِنْ آخَرَ لَا بِمُصَلٍّ غَيْرَهَا وَلَا مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ إلَّا إذَا صَلَّى بِهِمْ فِي خَوْفٍ صَلَاتَيْنِ وَيَصِحُّ عَكْسُهَا.
قوله: (ولا أن يأتم متوضيء
…
إلخ) المعلوم مما تقدم صحة إمامة المتيمم بالمتوضيء؛ حيث جعل المتوضيء أولى منه، وبين هنا أن الصحة مع عدم الكراهة. لكن فيه تأمل.
وجه التأمل أنه تقدم: تكره إمامة غير الأولى بلا إذنه، وقد يقال: إن ما تقدم في كراهة الإمامة، وما هنا في عدم كراهة الائتمام، فلم يتوارد على محل واحد. قوله:(لا بمصل غيرها) أي: إلا ظهراً خلف جمعة إذا أدركه مسبوق بعد الثانية وقبل السلام. من خط تاج الدين البهوتي. قوله: (ولا مفترض بمتنفل). غير عيد خلف شافعي يرى سنيتها فيما يظهر. قاله في "الحاشية". بقي إذا صلى الشافعي الظهر مثلا إماماً بعد فعله لها، فهل لحنبلي أن يصلي خلفه؟ الظاهر: لا. قوله: (إلا إذا صلى بهم في خوف
…
إلخ) وهو الوجه الرابع.
فصل
السُّنَّةُ وُقُوفُ إمَامِ جَمَاعَةٍ مُتَقَدِّمًا إلَّا الْعُرَاةِ فوَسَطًا وُجُوبًا وامْرَأَةً أَمَّتْ نِسَاءً، فَوَسَطًا نَدْبًا وَإِنْ تَقَدَّمَهُ مَأْمُومٌ، وَلَوْ بِإِحْرَامٍ لَمْ تَصِحَّ لَهُ
قوله: (السنة وقوف إمام جماعة) يوهم أن غير التقدم خلاف السنة فقط، مع أنه صادق بأمرين: وهو التساوي والتأخر. فأما التساوي، فسيأتي أنه واجب في بعض الصور. وأما التأخر، فهو مبطل إلا فيما هو مستثنى. فالاعتماد في المفهوم على التفصيل الآتي. قوله:(متقدماً) حال. والقاعدة: أنه إذا كان في الجملة قيد، فهو مصب الحكم. فالمحكوم عليه حينئذ بأنه سنة كون الإمام متقدماً، لا وقوفه متقدماً؛ إذ الوقوف نفسه الذي هو القيام ركن في الفرض كما سبق. محمد الخلوتي.
قوله: (وإن تقدمه مأموم ولو بإحرام؛ لم تصح له) أي: للمأموم الذي تقدم على إمامه؛ أي: لم تصح صلاته. ثم إن كان متقدماً على الإمام حال الإحرام؛ لم تنعقد صلاته، وإن تقدم بعد إحرامه؛ بطلت صلاته بتقدمه. وأما صلاة الإمام ففيها تفصيل، فلذلك سكت عنه، واقتصر على عدم صحة صلاة المأموم؛ لأن بطلانها لا تفصيل فيه. فأما الإمام فلا يخلو: إما أن يكون معه غير المأموم المتقدم كما لو كان عن يمين الإمام واحد فأكثر، أو كان خلفه اثنان فأكثر، فصلاة الإمام مع من لم يتقدم عليه صحيحة. وإمام أن لا يكون معه غير المتقدم؛
غَيْرُ قَارِئَةٍ أَمَّتْ رِجَالًا أَوْ خَنَاثَى أُمِّيِّينَ فِي تَرَاوِيحَ
ففي ذلك ثلاث صور:
أحداها: أن يكون المتقدم لم تنعقد صلاته، لكونه أحرم متقدماً. ففي هذه الصورة تبطل صلاة الإمام، كما تقرر فيمن أحرم ظاناً حضور مأموم، ولم يحضر.
الثانية: أن يكون المتقدم كان أحرم عن يمين الإمام ثم تقدم. ففي هذه لا تبطل صلاة الإمام، كما تقرر أيضاً في قولهم: لا إن دخل ثم انصرف.
الثالثة: أن يكون المتقدم كان أحرم خلفه أو عن يساره، ثم تقدم.
فالظاهر: عدم صحة صلاة الإمام أيضاً؛ لأن هذا المتقدم لم يحرم في موقف يصح اقتداؤه بالإمام فيه، فكأنه لم يدخل معه، كما يقتضيه كلام "الإقناع" وغيره، خلافاً لما فهمه منصور البهوتي. ولهذا ذكر في "الإقناع": لو أم أمي قارئا وأمياً وقفاً خلفه، أو القاريء عن يمينه والأمي عن يساره، لم تصح صلاتهم. انتهى. وأما قولهم: ومن صلى يسار إمام مع خلو يمينه، أو وقف فذا خلفه، أو خلف الصف، وصلى ركعة لم تصح، فلا يدل على صحة صلاة الإمام مطلقاً، ويكون هذا داخلاً في قولهم: لا إن دخل ثم انصرف، بل إنما يدل على بطلان صلاة المأموم جزماً. وأما صلاة الإمام ففيها التفصيل السابق. فتأمل هذا المحل، فإنه مهم، والله أعلم.
وَفِيمَا إذَا تَقَابَلَا، أَوْ تَدَابَرَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ لَا إنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ وَفِيمَا إذَا اسْتَدَارَ الصَّفُّ حَوْلَهَا وَالْإِمَامُ عَنْهَا أَبْعَدُ مِمَّنْ هُوَ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ وَفِي شِدَّةِ خَوْفٍ إنْ أَمْكَنَتْ مُتَابَعَةُ وَالِاعْتِبَارُ بِمُؤَخَّرِ قَدَمٍ وَإِنْ وَقَفَ جَمَاعَةٌ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ بِجَانِبِهِ صَحَّ وَيَقِفُ وَاحِدٌ، رَجُلٌ، أَوْ خُنْثَى عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يَصِحُّ خَلْفَهُ وَلَا مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ عَنْ يَسَارِهِ وَإِنْ وَقَفَ يَسَارَهُ أَحْرَمَ، أَوْ أَدَارَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَا خَلْفَهُ
قوله: (وفيما إذا تقابلا) ولو خارج الكعبة. قوله: (في غير جهته) هو مراد "الإقناع" من قوله: في الجهة المقابلة له، وليس غرضه بالجهة المقابلة ما كان بإزائه فقط؛ لأن هذا لم يقل به أحد من الأصحاب، بل المراد بالمقابلة: الجهات الثلاث الباقية؛ لأن القصد إنما هو الاحتراز عما إذا كان جهتهما واحدة، والإمام أبعد عن القبلة؛ فإن المأموم يصير في حكم المتقدم على الإمام. محمد الخلوتي.
قوله: (ويقف واحد
…
إلخ) مفهوم قوله: (واحد) أن أكثر منه تصح عن يساره مع خلو يمينه كخلفه. والمذهب البطلان. تاج الدين البهوتي. قوله: (فوقفا خلفه) يعني: أصابا السنة.
وَإِلَّا أَدَارَهُمَا خَلْفَهُ فَإِنْ شَقَّ تَقَدَّمَ عَنْهُمَا وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ أَحَدِ اثْنَيْنِ صَفًّا تَقَدَّمَ الْآخَرُ إلَى يَمِينِهِ أَوْصَفٍّ أَوْ جَاء آخَرُ وَإِلَّا نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَإِنْ وَقَفَ الْخَنَاثَى صَفًّا. لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ أَوْ خُنْثَى امْرَأَةً فَخَلْفَهُ وَإِنْ وَقَفَتْ بِجَانِبِهِ فَكَرَجُلٍ وبِصَفِّ رِجَالٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وخَلْفَهَا وَصَفٌّ تَامٌّ مِنْ نِسَاءٍ لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ خَلْفَهُنَّ مِنْ رِجَالٍ
قوله: (أو جاء آخر) ليس في العبارة ما يحسن عطفه عليه، ففي التركيب من التهافة ما لا يخفى، وقد أبعد في توجيهه في "الشرح" حيث قال: فإن أمكنه التقدم فتقدم، أو جاء آخر فوقف معه قبل أن يتقدم؛ استغنى به عن التقدم. انتهى. فجعله عطفاً على محذوف مفرع على شرط محذوف مع جوابه، وفيه من البعد وكثرة الحذف ما لا يخفى. والأقرب أن المحذوف أداة الشرط وجوابه، والأصل: فإن تقدم الآخر إلى يمينه أو صف. قوله: (أو جاء آخر) عطف على فعل الشرط وهو: تقدم، وجواب الشرط محذوف تقديره، صحت صلاته.
وقوله: (وإلا) أي: لم يقع شيء من ذلك
…
إلخ. محمد الخلوتي.
قوله: (فخلفه) مقتضى قولهم: حكم الخنثى الاحتياط: أن لا تقف المرأة خلفه، بل بجنبه عن يمينه؛ لجواز أن يكون امرأة، لكن القاعدة أغلبية. قوله:(وإن وقفت بجانبه) أي: الإمام.
وَسُنَّ أَنْ يُقَدَّمَ مِنْ أَنْوَاعِ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ فَعَبِيدٌ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ فَصِبْيَانٌ فَنِسَاءٌ كَذَلِكَ وجَنَائِزَ إلَيْهِ وَإِلَى قِبْلَةٍ فِي قَبْرٍ، حَيْثُ جَازَ حُرٌّ بَالِغٌ، فَعَبْدٌ فَصَبِيٌّ فَخُنْثَى فَامْرَأَةٌ كَذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا كَافِرٌ وامْرَأَةٌ، أَوْ خُنْثَى أَوْ مَنْ يَعْلَمُ حَدَثَهُ، أَوْ نَجَاسَتَهُ، أَوْ مَجْنُونٌ
قوله: (فامرأة كذلك) راجع لقوله: (فصبي) وما بعده. قوله: (إلا كافر أو امرأة أو خنثى) أي: وإن لم يعلم ذلك على ما يقتضيه إطلاقه. قوله: (أو من يعلم حدثه
…
إلخ) يعني: إذا لم يقف مع المأموم إلا شخص يعلم ذلك المأموم حدث هذا الشخص أو نجاسته، فقد قال في "شرح الإقناع": وكذا لو علم المصاف حدث أو نجس نفسه. قال في "الشرح": وكذا إذا وقف معه سائر من لا تصح صلاته فدل أن من صحت صلاته؛ صحت مصافته. قاله في "شرح الإقناع". وبخطه على قوله: (أو من يعلم حدثه) لم يبرز الضمير مع جريان الوصف على غير من هو له؛ لأن العامل فعل، ومعه لا يجب الإبراز باتفاق البصريين والكوفيين بخلاف الوصف، كما في الرضي
أَوْ في فرض صَبِيٌّ ففذ وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَوْ الصَّفَّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ وَقَفَ فِيهِ وَإِلَّا فَعَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ بِنَحْنَحَةٍ، أَوْ كَلَامٍ أَوْ إشَارَةِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ وَيَتْبَعُهُ وَكُرِهَ بجَذْبِهِ
وابن الناظم.
قوله: (أو في فرض) أي: فرض عين أو كفاية. فيشمل صلاة الجنازة. وقد صرح الشيخ منصور البهوتي في الحاشية في الجنائز؛ بأنه لا يصح فيها صلاة الفذ، خلافاً لابن عقيل، والقاضي في "التعليق"، فتقييد المصنف بطلان صلاة الفذ بما إذا صلى ركعة بالنظر لأكثر أفراد الصلاة وأغلبها. محمد الخلوتي. وبخطه على قوله:(أو في فرض) قدمه؛ لئلا يوهم عوده للكل.
قوله: (وقف) أي: فيما ذكر، أو من الحذف من الأول لقرينة.
قوله: (ويتبعه) يعني: وجوباً.
وَمَنْ صَلَّى يَسَارَ إمَامٍ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ أَوْ فَذًّا وَلَوْ امْرَأَةً خَلْفَ امْرَأَةٍ رَكْعَةً لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا لِعُذْرٍ ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ صَحَّتْ
قوله: (ومن صلى يسار إمام) يعني: ولو جاهلاً. قوله: (مع خلو يمينه) أي: فهو فذ حكماً. قوله: (أو فذا) أي: حقيقة.
فائدة: لو زحم في الجمعة، فأخرج عن الصف بعد الركعة الأولى؛ نوى المفارقة، وصحت جمعته، فإن لم ينو المفارقة، بل تابع الإمام ظاناً الجواز؛ فقال بعضهم: بالصحة. قوله: (لم تصح) يعني: للفذ ومن في حكمه.
قوله: (وإن ركع فذاً لعذر) أي: بأن خاف فوت الركعة، وذلك كما إذا دخل والإمام راكع، ولم يمكنه الدخول في الصف، ولا الوقوف عن يمين الإمام، فكبر دون الصف فذاً طمعاً في إدراك الركعة، ثم دخل الصف، أو وقف معه آخر ولو بعد رفعه قبل سجود الإمام؛ صحت صلاته. فلو
فصل
يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُمْكِنُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ إذَا رَأَى الْإِمَامَ، أَوْ رَأَى مَنْ وَرَاءَهُ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا، أَوْ مَنْ شُبَّاكٍ أَوْ كَانَا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ إذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ
ركع لغير عذر؛ بأن لا يخاف فوت الركعة، فإن دخل الصف، أو وقف معه آخر قبل رفعه وقبل سجود الإمام؛ صحت، وإلا فلا.
قوله: (يصح اقتداؤ
…
إلخ) حاصله: أن المقتدي إما أن يكون مع الإمام في المسجد، وإما أن يكون المأموم وحده خارجه. ففي الأولى: يكفي لصحة الاقتداء أحد أمرين: الرؤية، أو سماع التكبير. وفي الثانية: لا بد من الرؤية.
قوله: (إذا رأى الإمام) أي: بالفعل، خلافاً لمنصور البهوتي. وبخطه على قوله:(إذا رأى الإمام أو من وراءه) قال منصور البهوتي: الظاهر أن المراد: إمكان الرؤية لولا المانع إن كان، فلو كان بالمأموم عمى، أو كان في
لَا إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجَهُ
ظلمة وكان بحيث يرى لولا ذلك؛ صح اقتداؤه حيث أمكنته المتابعة، ولو بسماع التكبير.
قوله: (لا إن كان المأموم وحده خارجه) هذا راجع لقوله: (ولو لم يكن بالمسجد
…
إلخ) الشامل لما إذا كان الإمام وبعض المأمومين بالمسجد، وبعضهم خارجه، ولما إذا كان الإمام وحده في المسجد، والمأمومون كلهم خارج المسجد. والصورة الأولى هي المرادة بالصحة فيما تقدم؛ ولهذا نص على عدم الصحة في الثانية. فقوله: (لا إن كان
…
إلخ) فهو كالاستثناء من عموم ما تقدم.
والحاصل: أن الإمام إن كان بمسجد، فإما أن يكون معه جميع المأمومين، أو بعضهم، أو لا يكون معه في المسجد أحد منهم، بل يكونون كلهم خارجه. وعلى هذين التقديرين الأخيرين، فإما أن يكون الخارج عن مسجد الإمام في مسجد أو لا. فهذه خمس صور، الإمام فيها كلها في مسجد، وإن كان الإمام في غير مسجد: ففي ذلك صورتان؛ لأن الإمام إما أن يكون بمسجد أو لا، سبع صور في اقتداء المأموم بالإمام.
وملخص الحكم فيها: أنه حيث كان الإمام بمسجد صح اقتداء من معه بذلك المسجد حيث أمكن برؤية للإمام، أو لمن وراءه، أو بسماع التكبير.
وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ أَوْ طَرِيقٌ وَلَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ، حَيْثُ صَحَّتْ فِيهِ أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ شِدَّةِ خَوْفٍ بِسَفِينَةٍ وَإِمَامُهُ فِي أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ وَكُرِهَ عُلُوُّ إمَامٍ عَنْ مَأْمُومٍ مَا لَمْ يَكُنْ كَدَرَجَةِ مِنْبَرٍ وَتَصِحُّ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا وَهُوَ ذِرَاعٌ فَأَكْثَرُ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَأْمُومٍ وَلَا بِقَطْعِ الصَّفِّ إلَّا عَنْ يَسَارِهِ إذَا بَعُدَ بِقَدْرِ مَقَامِ ثَلَاثَةِ
وما سوى هذه الصورة لا بد من رؤية الإمام أو من وراءه. وبخطه على قوله: (لا إن كان المأموم وحده
…
إلخ) أي: فلا يكفي سماع التكبير.
قوله: (حيث صحت فيه) كجمعة، وعيد، وجنازة. قوله:(وإمامه في أخرى) يعني: غير مقرونة بها. قوله: (وكره علو إمام عن مأموم) فإن كان مع الإمام أحد مساو له أو أعلى منه؛ زالت الكراهة. صرح بالصورتين في "المغنى". ابن نصر الله على الزركشي -رحمه الله تعالى-. قوله: (ولا بقطع الصف
…
إلخ) وكذا بعد الصف منه نصاً؛ لا بأس به. وقربه منه أفضل. وكذا توسط الإمام للصف. قاله في "الإقناع". قوله: (إلا عن يساره) اعلم أن وقوف المأموم مع الإمام على ثلاثة أحوال: تارة يكون خلفه، وتارة يكون يمينه، وتارة يكون يساره. ولا يكون قدامه على الصحيح إلا إذا
وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ إنْ مَنَعَ ذَلِكَ مُشَاهَدَتَهُ وتَطَوُّعُهُ بَعْدَ مَكْتُوبَةٍ مَوْضِعُهَا ومُكْثُهُ كَثِيرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَيْسَ ثَمَّ نِسَاءٌ ووُقُوفُ مَأْمُومِينَ بَيْنَ سَوَارٍ تَقْطَعُ الصُّفُوفَ عُرْفًا بِلَا حَاجَةٍ فِي الْكُلِّ وَيَنْحَرِفُ إمَامٌ إلَى مَأْمُومٍ جِهَةَ قَصْدِهِ وَإِلَّا فعَنْ يَمِينِهِ وَاِتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ مُبَاحٌ وَحَرُمَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ، يُرَادُ بِهِ الضَّرَرُ لِمَسْجِدٍ بِقُرْبِهِ، فَيُهْدَمُ وَكُرِهَ حُضُورُ مَسْجِدٍ، وجَمَاعَةٍ لِآكِلِ بَصَلٍ، ، أَوْ فُجْلٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ
تقابلا داخل الكعبة، وإذا علمت ذلك؛ فانقطاع الصف بوقوع فرجة فيه: تارة يكون بقدر مقام ثلاثة رجال فأكثر، وتاؤة يكون أقل. والمنقطع: تارة يكون واحداً، وتارة يكون متعدداً. فهذه اثنتا عشرة صورة، عشر منها صحيحة، واثنتان تبطل فيهما صلاة المنقطع، وهما: ما إذا كان القطع في صف وقف بجنب الإمام عن يساره، وكانت الفرجة بقدر مقام ثلاثة فأكثر، فإنها تبطل صلاة المنقطع واحداً أو أكثر. وقد أشار المصنف إلى الصور كلها منطوقاً ومفهوماً.
قوله: (فيهدم) يعني: وجوباً. قوله: (وكره حضور مسجد
…
إلخ) أي: ولو لم يكن به أحد.
فصل
يعذر بترك جمعة وجماعة مريض وخَائِفٌ حُدُوثَ مَرَضٍ لَيْسَا بِالْمَسْجِدِ وَتَلْزَمُ الْجُمُعَةُ مَنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا رَاكِبًا، أَوْ مَحْمُولًا وَتَبَرَّعَ أَحَدٌ بِهِ أَوْ بِقَوْدِ أَعْمَى ومَنْ يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَلَهُ الشِّبَعُ أَوْ لَهُ ضَائِعٌ يَرْجُوهُ أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ أَوْ فَوَاتَهُ أَوْ ضَرَرًا فِيهِ أَوْ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا أَوْ مَالٍ اُسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِهِ، وَلَوْ نِظَارَةُ بُسْتَانٍ، أَوْ قَرِيبِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ كَانَ يَتَوَلَّى تَمْرِيضَهُمَا، وَلَيْسَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرِ لِصٍّ، أَوْ سُلْطَانٍ
قوله: (وتلزم الجمعة
…
إلخ) هذا كالتقييد لما تقدم من قوله: (يعذر
…
إلخ) وحاصله: أن المريض، والخائف حدوث مرض يعذر في ترك الجماعة، ولو أمكنه إتيانها راكباً أو محمولاً بلا ضرر، وفي ترك الجمعة إن لم يمكنه ذلك. قوله:(أو تبرع أحد به) أي: بالركوب والحمل. والجملة عطف على محذوف علم من المقام، تقديره: قدر عليه أو تبرع
…
إلخ.
قوله: (أو بحضرة طعام
…
إلخ) ليس الحضور قيداً، بل حيث كان تائقاً. قوله: (أو موت قريبه
…
إلخ) بالنصب عطفاً على: (ضياع) على حذف مضاف، والمعنى: أو يخاف حصول موت قريبه أو رفيقه في غيبته. قوله: (أو تمريضهما) بالنصب
أَوْ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ أَوْ فَوْتَ رُفْقَةٍ بِسَفَرٍ مُبَاحٍ أَنْشَأَهُ، أَوْ اسْتَدَامَهُ أَوْ غَلَبَهُ نُعَاسٌ يَخَافُ بِهِ فَوْتَهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ مَعَ إمَامٍ أَوْ أَذًى بِمَطَرٍ وَوَحَلٍ وَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ وَرِيحٍ بَارِدَةٍ بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَوْ بِتَطْوِيلِ إمَامٍ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَوَدٌ يَرْجُو الْعَفْوَ عَنْهُ لَا مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ أَوْ بِطَرِيقِهِ أَوْ بِالْمَسْجِدِ مُنْكَرٌ، كَدُعَاةِ الْبُغَاةِ وَيُنْكِرُهُ بِحَسَبِهِ
أيضاً على تقدير عامل مناسب، نحو: يتولى تمريضهما، أو على تضمين الأول، أعني:(يخاف) العامل في: (ضياع ماله) معنى يصلح للكل، نحو: يراعي، فكأنه قال: أو يراعي ضياع ماله، أو موت قريبه أو رفيقه، أو تمريضها على حد:
علفتها تبناً وماء بارداً
ويحتمل كونهما مجرورين، أعني:(موت)، (وتمريض) لكن بتكلف. قوله:(ووحل) الوحل ويحرك: الطين الرقيق. "قاموس". وفي "شرحه": إن التسكين لغة رديئة. قوله: (باردة) يعني: لو لم تكن شديدة، كما في "الإقناع". قوله:(أو عليه قود) يعني: في نفس أو طرف
قوله: (لا من عليه حد) أي: لله تعالى؛ لأنه لا يرجو العفو عنه، بخلاف حد القذف، فإنه مثل القود. كما في "الإقناع"، خلافاً للمصنف في "شرحه". وبخطه على قوله:(لا من عليه حد) ولو رجا العفو عنه.