الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
فلسطين المسلمة:
ونحن نتعرّض لحاضر فلسطين باعتباره جزءًا من حاضر العالم الإسلامي يشكل قضية ومأساة، ولا نتعرض للماضي كتاريخ، وإنما نكتفي بوقائع سريعة في معرض بياننا كيف استُلِبَ الوطن الإسلامي في فلسطين، ثم نعرض لحاضر فلسطين من الناحيتين السياسية والاجتماعية، ثم نظرة إلى مستقبل فلسطين.
أولًا: كيف استُلِبَ الوطن الإسلامي في فلسطين؟
أ- تاريخ:
البعض يرجع ذلك تاريخيًّا إلى أوّل مؤتمر صهيوني انعقد في بال 1897 بزعامة تيودور هرتزل؛ حيث قرَّر اتخاذ فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، ووضع التخطيط اللازم للتنفيذ؛ فسار في خطَّين: خط دفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، وخط البحث عن الشرعية الدولية التي تساند هذا الاغتصاب أو تستره، وفي الوقت نفسه القوة الدولية التي تحمي هذا الاغتصاب بالقوة وبالشرعية معًا.1
وتأسَّس البنك الوطني اليهودي لهذا الغرض، وتأسَّست معه الجمعيات اليهودية العديدة التي تزكي في اليهود روح الصهيونية2، وكان ذلك تنفيذًا للخطِّ الأول، وبدأت الهجرة تسير في خطٍّ بيانيٍّ بدأ بعدة آلاف، وانتهى اليوم بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
وفي مدينة القدس الإسلامية -على سبيل المثال- كان عدد السكان اليهود
1 أوضح هرتزل الهدف من المؤتمر بقوله: "نحن هنا لكي نضع حجر الأساس للبيت الذي يؤوي الأمة اليهودية". وتبنَّى المؤتمر بيانًا أكَّد الغرض الصهيوني بقوله: "إن هدف الصهيونية هو خلق وطن في فلسطين للشعب اليهودي يضمنه القانون العام". وجرى تعيين أربع وسائل لهذا الغرض:
1-
تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
2-
تنظيم يهود العالم كافَّة، وربطهم سويًّا بواسطة الطرق الملائمة.
3-
تعزيز الشعور والوجدان القومي اليهودي وتنميتهما.
4-
اتخاذ الخطوات الكفيلة بنيل موافقة حكومية على أهداف الصهيونية.
"تصريح بلفور في نظر القانون الدولي -د. ت مالسون "جونيور" ص78 من كتاب تهويد فلسطين. المرجع السابق.
2 راجع مقال جون رودي حركات استلاب الأرض. تهويد فلسطين ص33-154.
فيها صفر% سنة 1170م، "القرن الثاني عشر" واحد يهودي، سنة 1750م "القرن السابع عشر" 150 يهوديًّا، سنة 1977م "القرن العشرون" 142000 مائة واثنين وأربعين ألف يهودي.
وبدأ انتزاع الأرض من أيدي أهلها بالإغراء بالمال رغبًا، ثم بالتخويف والبطش بعد ذلك رهبًا، وسار انتزاع الأرض يأخذ الخط البياني التالي:
في العشرينات: تراوحت ما بين 17.497 سنة 1923 إلى 176.124 دونمًا عام 1926.
في الثلاثينات: تراوحت ما بين 18.893 سنة 1932 إلى 36.991 دونمًا عام 1933، إلى 67.114 سنة 1935.
في الأربعينيات1: وفي نهاية سنة 1946 قدرت السلطات البريطانية ما يملكه اليهود بمساحة 1.624.000 دونمًا، ومع ذلك فلم تكن تمثل غير 7% من مساحة فلسطين.
وفي سنة 1967: ملكت إسرائيل كل أرض فلسطين وأضعافها، وتحقيقًا للخط الثاني كانت محاولة الشرعية الأولى مع دولة الخلافة،
1 راجع معركة الإسلام -أو وقائعنا في فلسطين بين الأمس واليوم، الأستاذ محمد محمود الصواف، ص64. وراجع كذلك العرب واليهود في الماضي والحاضر والمستقبل للمستشار محمد عبد الرحمن حسين، وفيه يشير إلى مقابلة هرتزل للسلطان ص91.
وكذلك Esco Foundalion Porestino، Porestinre: Astudy of Jewish Arab، snd british Poiuies، Zvols (New Havan 1947) I، 43.
وقد كتب هرتزل في مذكراته يقول: "وضُمِّنَ هذا النطاق جند العمليون والسياسيون التدخل الدبلوماسي المباشر لدى السلطان، بقصد الحصول على اتفاقٍ صريح يتسنَّى بموجبه قيام استعمار يهودي بفلسطين على نطاق واسع، ويتمتع باستقلال ذاتي" -يوميات هرتزل- نيويورك 1956، ص 105. ويذكر هرتزل نصّ رد السلطان العثماني عليه في مذكراته فيقول: انصحوا الدكتور هرتزل بألّا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع؛ لأنني لا أستطيع أن أتخلَّى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني، بل ملك شعبي، ولقد ناضل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه -وليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت إمبراطوريتي يومًا فإنهم يستطعيون عندئذ أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أمَّا وأنا حيٌّ فإنَّ عمل مشرط الجراح في بدني لأهون عليَّ من أن أرى فلسطين قد بترت من إمبراطوريتي، وهذا أمر لن يكون؛ لأني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة.
مع السلطان عبد الحميد رحمه الله. قيل: إن هرتزل قابل للسلطان عبد الحميد بنفسه".
وقيل: إنه أوفد إليه وفدًا من ثلاثة هم:
1-
مزراحي قرصو "زعيم اليهود في سلانيك".
2-
جاك.
3-
ليون "وهما كذلك من زعماء اليهود".
وعرضوا على السلطان عبد الحميد "في حضور تحسين باشا رئيس الوزراء":
أ- أن يقوم اليهود بوفاء الديون المستحقَّة على الدولة العثمانية "وقدرها 133 مليون ليرة إنجليزية ذهبية".
ب- بناء أسطول لحماية الإمبراطورية العثمانية "يتكلَّف 120 مليون فرنك فرنسي".
ج- تقديم قرض بدون فائدة "قدره 35 مليون ليرة ذهبية" لإنعاش مالية الدولة ومواردها، وذلك مقابل السماح لليهود بدخول فلسطين للزيارة في أيّ يوم من أيام السنة، والسماح ببناء مستعمرة لهم قرب القدس الشريف؛ وقد رفض الخليفة المفترى على تاريخه، وقيل: إنه بصق في وجه زعيمهم:
ب- أرض بلا شعب إلى شعب بلا أرض "إسرائيل زانغويل".
وكانت المحاولة الثانية في البحث عن الشرعية الدولية والحماية الاستعمارية عن طريق بريطانيا العظمى، واستطاع اليهود خلال الحرب العالمية الأولى والثانية أن ينجحوا في المشاركة في هذه الحرب، مما استمال بريطانيا العظمى إليهم، ثُمَّ كانت صلات هرتزل ووايزمان من بعد استثمارًا لهذه المشاركة، واستفادة منها
…
1.
1 كان ثَمَّة تفكير آخر لبسط حمايتها ولاستمرار الشرعية عن طريقه، ففي أكتوبر سة 1898 كتب هرتزل في مذاكراته "يوميات هرتزل - ترجمة وتحرير مارتن لوفنثال نيويورك سنة 1956، ص252 كتب يقول: "إن العيش تحت حماية ألمانيا القوية والعظيمة، الأخلاقية والمحكومة بشكل رائع، ألمانيا في تنظيمها الشامل، سوف يكون من شأنه دون ريب إحداث تأثيرات بالغة الفائدة على الخلق القويم لليهود، وكذلك سوف يتاح لنا بضربة واحدة الحصول على وضع قانوني تام من الناحيتين الداخلية والخارجية
…
".
وفي الوقت الذي كانت بريطانيا "العظمى" قد أعطت العهد للشريف حسين بمنح الاستقلال للدول العربية، والسماح بقيام خلافة "عربية إسلامية" يقوم عليها أحد الأصلاء من مكة أو المدينة -في نفس الوقت كانت الاتصالات باليهود قائمة، وكان التعاطف معهم أشد، وتَمَّ عقد اتفاقيتين سريتين في مارس سنة 1916 بين روسيا وانجلترا وفرنسا، وفي مايو سنة 1916 بين الدولتين الإخيرتين "والتي عرفت بمعاهدة سايكس-بيكو"، وتقرَّر وضع أقليم فلسطين تحت حكم دولي يتمتَّع اليهود في ظله "بالمساواة السياسية والدينية والمدنية"1.
ولم يعرف الشريف حسين الذي وثق في شرف بريطانيا "العظمى" بأمر هذه الاتفاقات إلّا بعد ستة شهور، وبعد قيام الثورة البلشفية في روسيا؛ حيث أعلنت عن هذه الاتفاقيات2.
وفي 2 فبراير سنة 1917 أصدر اللورد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا "العظمى" للتصريح التالي3:
"إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي، وسنبذل جهدنا لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتَّع
1 George Lenezowski، ed، The Middle East in world Affairs P. 77-78.
2 انطونيوس -تغطية العرب ص208- مشار إليه في كتاب العرب واليهود للمستشار محمد عبد الرحمن حسين ص105، وانظر الخطابات المتبادلة بين الشريف حسين وبريطانيا، ص118 وما بعدها من كتاب فلسطين إليكم الحقيقة.
3 وذلك بعد تعديل اتفاقية سايكس بيكو بما يكفل حذف شرط تدويل فلسطين من الاتفاقية Elizabcth Monroc Britania in the middle East 1914 - 1914 -1956 P. 3 P.
بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وبهذا أعطي "من لا يملك" لمن لا يستحق أوَّل حماية يتمّ التصريح بها، وأوَّل خطوة على طريق الشرعية الزائفة، ومع ذلك اعتبرها الصهيونيون تصديقًا بريطانيًّا رسميًّا على إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وذلك عن طريق الهجرة الجماعية وابتياع الأراضي1، ووافقت على التصريح فرنسا وإيطاليا في فبراير سنة 1918، وأمريكا في أكتوبر سنة 1918 2.
وكانت تتمَّة المؤامرة البريطانية-الغربية، إعلان الانتداب على فلسطين بعد ضمِّها مع شرق الأردن والعراق إلى بريطانيا، واكتشف الشريف حسين ومن وراءه من العرب أنَّ فلسطين قد سُلِّمت لليهود، وأنَّ العرب جرى اقتسامهم بين الدول الحليفة3.
1 انظر Ziomismeand the World peace -1919-369.
2 وقد كشف الصهاينة عن شعورهم في مؤتمرهم المنعقد عام 1918 بمدينة بيتنسبورج "بعد إقناع الحكومات القوية لكلٍّ من بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا، وبعد الحصول على المصادقة من رئيس الولايات المتحدة، صرنا نشعر بأننا كسبنا قضيتنا أمام العالم، وأنه لا لزوم البتَّة لهدر طاقات ثمينة على محاولة إقناع معارضة تافهة الأهمية، إن الكومنولث اليهودي في فلسطين هو حقيقة قائمة، ونحن الآن نقوم بتعيين حدود الدولة".
Zinoisme the paces Conference، public، XX 11 (february J،1919) 11Z.
3 الصهيونية كمرحلة من مراحل الإمبريالية الغربية، ريتشارد ب. ستيفنز، ص71 من كتاب تهويد فلسطين لإبراهيم أبو لغد.
وقد جاء في ميثاق عصبة الأمم عن الأهداف الرئيسية لنظام الانتداب:
"إن المستعمرات والأقاليم التي كان من عواقب الحرب الأخيرة أنها لم تعد تحت سيادة الدول التي كانت تحكمها قبلًا، والتي تقطنها شعوب لم تقوَ على الوقوف على قدميها في الظروف الشديدة الوطأة للعالم الحديث، ينبغي أن يطبَّق عليها المبدأ القائل بأن صالح مثل هذه الشعوب وتطورها يمثلان وديعة مقدسة في ذمة المدنية (!!) .
وأن الضمانات الكفيلة بتحقيق هذه الوديعة يجب إدراجها في نص الميثاق". "الفقرة الأولى من المادة 22.
وفي الفقرة الثالثة من توطئة صك الانتداب:
"ولما كان ذلك اعترافًا "غير تصريح بلفور" بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، وبالبواعث الأساسية على إعادة تأسيس وطنهم القومي في تلك البلاد".
وكانت المحاولة الثالثة والأخيرة إعلان دولة إسرائيل في 15 مايو سنة 1948 في ظلّ حماية دولية إنجليزية أمريكية فرنسية روسية
…
وسبقتها خطوة خطيرة على طريق الشرعية الدولية، هو قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 قبل الإعلان بشهور ستة.
هذا ما يراه البعض.
ونحن معهم أنَّ هذا التسلسل كان السبيل لتنفيذ المخطَّط عمليًّا.
ج- تاريخ أقدم:
- لكننا مع البعض الآخر الذي يرجع الأمر إلى ما قبل هرتزل بقرنين أو يزيد، حين دعا الحاخام ليفا "1520-1609" من براغ- دعا إلى اتخاذ فلسطين وطنًا لليهود1.
وأعقبه مورس هس "1812-1875" الذي بدأ علمانيًّا، ثم صبأ إلى الماركسية مرتبطًا مع ماركس، لكنه أعرض عن الماركسية متجهًا إلى مثالية يهودية مغرقة في حب اليهود، وأصدر كتابه "روما والقدس" سنة 1862 بسط فيه أفكاره، وتحدَّث عن أن اليهود "مدعوون مصيريًّا لتحويل العالم".
وبدأت الصهيونية المنظَّمة، وظهرت حركة "أحباء صهيون" تحت زعامة ليوبنسكر "1821-1891" في مطلع الثمانينات.
وفي أواخر الثمانينات والتسعينات جرت صياغة عقيدة الصهيونية على يد مدارس متعددة2.
1 الرؤيا والقصد في الفكر الصهيوني، آلان ر. تايلور، المرجع السابق: تهويد فلسطين ص25.
2 المرجع السابق ص28، 29.
فالصهيونية العملية: ومن أشهر زعمائها دافيد غوردون "1856-1922"، وقد جدَّد حركة "أحباء صهيون" التي تقوم على العمل في أرض إسرائيل، وإنشاء المستوطنات والمستعمرات.
والصهيونية السياسية: ويقوم على زعمامتها ليوبنسكر في أوربا الشرقية، واليهودي الهنغاري تيودر هرتزل "1860-1904".
ويقال: إن كليهما في البداية لم يكن مقتنعًا باتخاذ فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، وإن هرتزل كان في البداية يفضّل مواقع أخرى مثل: الأرجنتين وقبرص وشبه جزيرة سيناء، لكنه مع المؤتمرات الصهيونية التي انعقدت تغلَّب الاتجاه إلى فلسطين.
وقد يؤكّد القول بأن هرتزل في البداية لم يكن متجهًا إلى فلسطين محادثائه مع الزعماء الإنجليز التي تَمَّ بناءً عليها إيفاد بعثة إلى سيناء سنة 1906؛ لبحث مدى صلاحيتها على الطبيعة، لكنه من ناحية أخرى: فإن سيناء ملاصقة لفلسطين، وهي من ناحية التقديس عندهم لا تقل عن فلسطين، ففيها كلَّم الله نبيه موسى، وفيها كتبت الألواح، ونزلت الوصايا العشر، ثم هي امتداد طبيعي لدولة إسرائيل الموسَّعة، كما تكشَّفت أطماعهم عنها بعد ذلك "من الفرات إلى النيل، ملكك يا إسرائيل".
أما الصهيونية الثقافية: فقد تزعَّم جناحها أحدها عام "1856-1927"، وقد أعلن أن وجود الأمة اليهودية بخصائصها المتأصّلة هو ما يحقق الإنسان الأكثر كمالًا1.
ونحن نرى أن مراحل استلاب الوطن الإسلامي في فلسطين جرت على النحو التالي:
1-
قبل القرن السادس عشر الميلادي.
1 Easays Litcrs، Memoirs Trans. Leon Simon Opford East and West Lilrary 1940 P. 81.
كان الأمر مجرَّد أمل لم يصرح به.
2-
منذ القرن السادس عشر الميلادي:
كانت مرحلة التفكير والدعوة.
3-
منذ القرن التاسع عشر الميلادي:
كانت مرحلة التخطيط.
4-
في القرن العشرين: كانت مرحلة التنفيذ.
وغني عن الذكر أن لا حقَّ لليهود -تاريخيًّا- في أرض فلسطين، فإنها منذ السنة الخامسة عشرة الهجرية أرض إسلامية، وهي قبل هذا التاريخ أرض عربية، وطوال خمسة آلاف سنة، فإن عمر اليهود على هذه الأرض الطيبة لم يجاوز 140مائة وأربعين سنة على فترتين، الفترة الأولى: بين سنة 1000 قبل الميلاد حتى سنة 927 قبل الميلاد، والفترة الثانية: بين سنة 142 قبل الميلاد حتى سنة 75 قبل الميلاد كذلك.
د- أمَّا الأسباب التي أدَّت إلى نجاح اليهود في استلاب الوطن الإسلامي في فلسطين، فنحن نرجعها إلى الأسباب الآتية:
1-
تخطيط اليهود وصبرهم على إنجاحه.
وقد بدأ التخطيط تفكيرًا من مفكريهم كما أشرنا، ثم انتهى إلى إقرار خطة في مؤتمر بال 1897 ترمي إلى تنمية الهجرة وشراء الأرض من ناحية، والبحث عن الحماية الدولية من دولة عظمى تظلها الشرعية الدولية الزائفة من ناحية أخرى.
ويقال: إن البروتوكولات وضعت في المؤتمر الصهيوني الأول.
وكلتا الخطتين تدلان على معرفة بأغوار النفس الإنسانية، وإدراك بالجو الدولي الموجود، واستغلال لأحداثه.
وصبرهم على تنفيذ ذلك التخطيط رغم الأحداث الجسيمة التي واجهتهم من بعده، فالاضطهاد الذي حدث لهم في مشرق أوربا، ثم الاضطهاد الذي حدث لهم في ألمانيا على يدي هتلر، ثم العقبات التي قامت في طريق إقامتهم دولتهم من مقاومة الشعب الفلسطيني، وانضمام الشعوب العربية الإسلامية إلى هذه المقاومة، ومن قبلها رفض الخلافة العثمانية لوجودهم، وتآمرهم على هذه الخلافة بما صرَّح به هرتزل في مذكراته من أنَّ السلطان عبد الحميد رفض الملايين العديدة لقاء فلسطين، فقبل حزب الاتحاد والترقي مليونين لتنفيذ نفس الغرض1.
كل ذلك وغيره يكشف عن حسن تخطيط، وعن صبر في التنفيذ.
وفي مقابل ذلك -ونقررها بكل أسف: انتفى التخطيط لدى الأمَّة الإسلامية، أو بالأصح لدى اليقظى من الأمة الإسلامية، وتوافر عندهم إخلاص بغير تخطيط، شابه في كثير من الأحيان "قلة الصبر" على التنفيذ، واستجابة لغير المخلصين؛ لإنهاء أوضاع تقلق اليهود2.
2-
إبعاد الإسلام عن المعركة:
واضح أن الإسلام كان الخطر الأول في المعركة.
أولًا: بما يحمله لأبنائه من عقيدة تؤثر الموت في سبيل الله على الحياة
1 تروي وثائق الباب العالي في استانبول كيف أوعزت الحركة الصهيونية العالمية إلى جماعات منها بالتسلل إلى تركيا عن طريق طائفة يهود الدونما، التي تظاهر أفرادها بالإسلام، وحمل هؤلاء أسماء تركية حتى يتسنَّى لهم الانضمام إلى الحركات الوطنية. "راجع مجلة البلاغ الكويتية عدد 431 في 24 ذي الحجة 1397هـ 4 ديسمبر 1977".
2 على سبيل المثال عندما أندلعت الثورة في فلسطين تلقَّت اللجنة العربية العليا من الأمير عبد الله والملك غازي والملك ابن سعود النداء التالي: "إلى أبنائنا عرب فلسطين".
لقد تألَّمنَا كثيرًا للحالة السائدة في فلسطين، فنحن بالاتفاق مع إخواننا ملوك العرب والأمير عبد الله ندعوكم للإخلاد للسكينة حقنًا للدماء، معتمدين على حسن نوايا صيدقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم..
Palaatine and Tansiordon Loct 17، 1656 P. 5.
في ظلِّ عبودية تفرضها أذل أمة في الأرض، وبما يحمله كذلك دعوة إلى الجهاد، واعتباره فرض عين إذا غزيت ديار الإسلام. هذه العقيدة من غير سلاحٍ كفيلة -بإذن الله- بتحقيق النصر.
فإذا أضفنا إليها أمر الإسلام:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] .
لو أحسنا فهم الأمر الرباني لوجدنا أن الإسلام يأمر:
أ- بالتخطيط القوي؛ وهو ما يحمله لفظ الإعداد، وما يحمله لفظ القوة.
ب- بالإعداد المعنوي.
ج- بالإعداد العسكري؛ حشدًا، وتدريبًا، وتسليحًا.
د- الإكثار من السلاح الثقيل، وهو ما تعنيه "رباط الخيل" بعد "القوة"، فهو تخصيص للأهمية والخطر.
ثانيًا: ما يحمله دخول الإسلام المعركة من دخول ثقل بشري لا قِبَلَ لليهود به، ونعني به الأمة الإسلامة التي تناهز اليوم ألف مليون من البشر.
ثالثًا: ما يحمله دخول الإسلام من ثِقَلٍ سياسي واقتصادي لا قِبَلَ لليهود بمواجهته؛ فمصالح أصدقاء إسرائيل أكثرها في أمم الإسلام.
واحتياجات مناصري اليهود الاقتصادي أكثرها في قبضة المسلمين.
أما عن مظاهر إقصاء الإسلام عن المعركة وكيفيته:
فقد بَدَا بَدْأً بما رتَّبه اليهود داخل دولة الخلافة نفسها، وقام على تنفيذه يهود الدونمة، ومنهم ومعهم حزب الاتحاد والترقي، وحزب تركيا الفتاة،
وهو ما عناه الكاتب الروسي سرجس نيلوس من اقتحام الأفعى للآستانة في طريقها إلى فلسطين1.
ثم تأكَّد ذلك بإقصاء السلطان عبد الحميد الذي رفض عرض اليهود2، ثم بالقضاء على الخلافة نفسها التي ما كان يمكن أن تسلِّم بقيام وطن يهودي وسط وطنها.
واستمرَّت محاولات إقصاء الإسلام عن المعركة بتكوين الجامعة العربية "بدلًا من الجامعة الإسلامية" بفكر وزير الخارجية الإنجليزي، وقبل تمام الكارثة بثلاث سنوات، ويحمّل الجامعة العربية لواء الجهاد من أجل فلسطين، ثم تخدير بقية العالم عن النهوض للمعركة.
وزاد إقصاء الإسلام عن المعركة بدخول جيوش سبع دول عربية إلى المعركة، فما حاجة بقية المسلمين للجهاد وقد تولَّته جيوش سبعة فيها أبطال ومغاوير.
وحين دخل عنصر إسلامي شعبي إلى معركة فلسطين، وحين صرَّح إمامهم الشهيد بإعلان التعبئة الدينية للجهاد في فلسطين، وعزمه دخولها في عشرة آلاف مقاتل فدائي.
وحين ذاق اليهود بأس أولئك المسلمين بما شهدوا هم به، وبما شهد به قادة الجيش المصري أمام القضاء المصري.
1 ص216، 217 من ترجمة البروتوكولات لمحمد خليفة التونسي.
2 كتب ريتشارد غوتهايل "رئيس الفرع الأمريكي للمنظمة الصهيونية في ذلك الحين يقول: "بين اليهود ما من أحد يخفق قلبه فرحًا وابتهاجًا مثلما يخفق قلب الصهيونيين "على انقلاب تركيا الفتاة"، إن حجر الزاوية في السياسية التي اتبعها تيودور هرتزل خلال معاملاته المختلفة مع السلطان كانت الإقرار الصريح بالحقوق السيدة للباديشاه في الممتلكات الخاضعة لصولجانه، والرغبة في جعل تحقيق المثل الصهيونية مصدر كسب مادي، وتقدم فكري للإمبراطورية العثمانية، هذه هي الفكرة الأساسية في العروض المقدَّمة منه إلى السلطان، وفي الخطب التي ألقاها في المؤتمرات الصهيونية.
The new Tur. Key and zionosma (Oct، 1909 P. 894) .
حين كان ذلك تَمَّت طعنة الفدائيين المسلمين من الخلف على يد الحكومة الحاكمة في ذلك الحين، فأصدرت قرارًا بحلّ جماعتهم، وقرارًا باعتقالهم، وكانت تتمَّة الخيانة قتل إمامهم في ميدانٍ عام على يد بعض رجال الشرطة السريين1.
وفي كل مرة كان يتم لإسرائيل التوسّع في عامي 1956، 1967 كان يتم إدخال العنصر الإسلامي إلى السجون، ولا يمكن أن يكون هذا الأمر مع تكرره في أعوام 48، 54، 65 من قبيل المصادفات السعيدة.
وتكشف وثيقة تضمنها حكم قضائي صدر في مصر في 30/ 3/ 1975 عمَّا كانت تحمله السلطة الحاكمة وقت التوسُّع من أعداء للإسلام والمسلمين وتخطيط للقضاء عليهم1.
3-
إقصاء الشعب الفلسطيني عن المعركة:
منذ ذاق الإنجليز ومن بعدهم اليهود بسالة الشعب الفلسطيني وتضحيته وتصميمه على الدفاع عن وطنه، وإذ عرفوا أنه صاحب المصلحة الأول في الدفاع عن التراب الإسلامي في القدس وفلسطين، ومنذ ظهر منه أمثال الشهيد "عبد القادر الحسيني" قائد منطقة القدس، والشهيد "حسن سلامة" قائد المنطقة الوسطى،
1 راجع الإخوان المسملون في حرب فسلطين، للوزير الأردني كامل إسماعيل الشريف. وراجع كتاب "مذابح الإخوان في سجون ناصر" وقد أورد وثيقة بأرقامها تشير إلى اجتماع سفراء انجلترا وأمريكا وفرنسا في فايد في 10/ 11/ 48، وقرارهم اتخاذ الإجراءات اللازمة بواسطة السفارة البريطانية في القاهرة لحلّ جمعية الإخوان المسلمين"، مع تغطية هذا القرار بأنَّ سبب طلبه الانفجارات التي حدثت بالقاهرة، والتي نُسِبَت إلى أعضاء في جماعة الإخوان.
= والوثيقة الثانية تشير إلى استجابة السفارة لطلب القيادة العليا للقوات البريطانية في اتخاذ الخطوات الدبلوماسية لإتمام حل الجماعة في أسرع وقت ممكن.
ويشير الكتاب إلى أن إبلاغ رئيس الحكومة بهذا الطلب كان مشفوعًا بتبليغ شفوي بأنَّه في حالة عدم حل الإخوان، ستعود القوات البريطانية إلى احتلال القاهرة والإسكندرية.
"ص12-15 من الكتاب المذكور، تأليف الأستاذ جابر رزق، دار الاعتصام، الطبعة الأولى، 1397-1977".
2 الوثيقة نشرت في كتابي: في الزنزانة، عندما يحكم الطغاة، للدكتور على جريشة.
فقد قرروا إقصاءه عن المعركة.
وكانت قمَّة التخطيط والتنفيذ إدخال سبعة جيوش عربية إلى فلسطين؛ لتخوض المعركة مع اليهود "بالنيابة" عن الشعب الفلسطيني.
وسبقها وعاصرها حرمان الشعب الفلسطيني من التدريب ومن التسليح، وتشكيك الجيوش العربية في أمانة الشعب الفلسطيني، واتهامه بالعمل لحساب العدو اليهودي1.
وكنا نعجب كيف لجيش عربي يقوده إنجليزي صريح أن يخوض حربًا لصالح المسلمين، وضد اليهود الذين ضمن لهم الإنجليز بالوعد والتخطيط والتنفيذ قيام وطن لهم في فلسطين، وكنا نعجب لجيش، بل جيوش أخرى في بلاد يحتلها الإنجليز، كيف سمحوا لها بالمرور إلى فلسطين.
حتى أدركنا أن المطلوب هو إقصاء الشعب الفلسطيني عن المعركة، وفعلًا نجحت الخطة، وأقصي الشعب الفلسطيني عن المعركة، وسلمت أراضي فلسطين جزءًا جزءًا من الجيوش العربية الباسلة إلى إسرائيل المزعومة.
وبعد أن انتهت حرب فلسطين سنة 1948 كان الشعب الفلسطيني قد تَمَّ إقصاؤه حربيًّا من المعركة،
وتَمَّ بعد ذلك إقصاؤه سياسيًّا عنها، فتحوَّلت القضية أمام الأمم المتحدة إلى نزاع بين دول ذات سيادة عربية وإسرائيلية.2
1 راجع تفصيلات أليمة في كتاب كامل إسماعيل الشريف صفحة من التاريخ الإسلامي، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين.
2 مقدمة كتاب تهويد فلسطين للدكتور إبراهيم أبو لغد، مترجم عن الإنجليزية، منظمة التحرير الفلسطيني، مركز الأبحاث ص13، 14.
وحين بدت بادرة ظهور العنصر الفلسطيني سنة 1967، تَمَّ حشد القادرين منهم فيما سُمِّيَ بجيوش التحرير الفلسطيني؛ ليتمَّ التهامهم في أول ضربة لليهود في يونية سنة 1967، وقامت جيوش أخرى بالواجب في القضاء على العنصر الفلسطيني الثائر.
بعضها في مذبحة "أيلول الأسود" التي قُتِلَ فيها اثنان وعشرون ألفًا على يد جيش عربي، والبعض الآخر في مذابح تل الزعتر وما قبلها وما بعدها، وتدخَّل جيش عربي ليتمَّ النصر ويتوجَّه ويحميه1.
1 لا تزال عمليات الإبادة للعناصر النظيفة تتمّ عن طريق اغتيال بعض القيادات الفلسطينية بأيد فلسطينية عميلة، كما تتمّ عن طريق الإبادة المادية والمعنوية داخل السجون، ويقدَّر عدد المسجونين في سجون إسرائيل -حسب تصريح حاييم حيفي مدير السجون- بـ5852، لكنهم في الواقع يبلغون ضعف هذا العدد أو يزيد، ويتعرض المسجونون لمعاملة قاسية في سجون إسرائيل، وعلى لسان السجين "عمر عبد المنعم" أشار إلى بعض وسائل التعذيب، ومن بينها تكسير الأصابع وخلع الكتفين، وحز الرقبة بالسلاسل الحديدية وتهشيم الوجه
…
إلخ.
وفي الوقت الذي سمع العالم عن كبوتشي لم يسمع عن الشيخ محمد أبو طير الذي اعتقل معه.
ثانيًا: الحاضر الأليم في فسلطين
من الناحية السياسية:
أ- الدولة شعب وإقليم وسيادة:
والشعب الفلسطيني اليوم موزَّع بين الأقطار، ممزَّق بين المنظمات والأحزاب، مما سنزيده تفصيلًا عند الكلام عن الناحية الاجتماعية إن شاء الله.
وإقليم فلسطين اليوم غير موجود على الخريطة السياسية، موجود بدلًا منه دولة إسرائيل، وهي لم تكتف بأراضي فلسطين، بل ابتلعت في توسيع سنة 1976 الجولان من سوريا، والضفة الغربية من الأردن، وشبه جزيرة سيناء من مصر، والأراضي التي ابتلعتها في التوسّع الأخير أضعاف ما امتلكت من قبل بغير حق.
ولا سيادة لشعب فلسطين على أرض فلسطين، بل ولا سيادة له في مكان آخر، والمنظمة التي نشأت في أواخر الستينات نشأت إلى جوارها تيارات أخرى، بل مزَّقها من الداخل تيارات مختلفة، وأشارت أصابع الاتِّهَام إليها في مذبحة أيلول وما لحقها من مذابح. إنها مهدت، وأحيانًا شاركت.
وهي على أي حال قد احتوتها التيارات التي احتوت كثير من الأنظمة ومن المنظمات في المنطقة، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
ب- الشرعية للغصب الإسرائيلي تتمّ باعتراف أصحاب الحق نفسه:
حرصت إسرائيل منذ قيامها بل ومن قبل قيامها أن تستر غصبها بشرعية رفضها أصحاب الحق يوم أن قالوا: "إنَّ من لا يملك أعطى من لا يستحق".
لكنها -بكل أسف- اليوم في دور اعتراف أصحاب الحق نفسه.
ومتى تَمَّ ذلك فقد انتفى عن إسرائيل كل ما قيل من اغتصاب وسلب لأرض الإسلام، ومن هنا كانت الخطورة.
وقد سبق هذه الخطوة تمهيد على النحو التالي:
1-
تمهيد إعلامي: بأنَّ إسرائيل أمر واقع، وأن لا قِبَلَ للعرب بدفعها عن فسلطين.
2-
تمهيد حربي: بإحراز بطولة -ولو جزئية- في جانب العرب، ليبدو قبول "السلام" من موقع القوة، فلا يرفضه الشعب العربي باعتباره استسلامًا.
3-
تمهيد اقتصادي: بإحداث خنق اقتصادي للشعب العربي في المنطقة، خصوصًا الجزء منه الذي يصدر للمعركة، حتى يلوّح "السلام" إنقاذًا للشعب مما يعانيه.
4-
تمهيد سياسي: وذلك بإحاطة إسرائيل بأنظمة تعمل لحساب الصهيونية -عن قصد أو غير قصد- بتحطيم معنويات الشعوب، وتحطيم قيمهم وأخلاقهم، والتمهيد إعلاميًّا للاعتراف بالغصب، بل وللتعاون مع للغاصب، وحسبنا أن نعرف أن نظامًا ما استطاع يهودي أن يتسلَّل إليه وتسمَّى بغير اسمه، وصار يعدل في الوزارة ويبدل، وقد عرضت عليه هو الوزارة فأبى بنصيحة من كبراته في إسرائيل؛ لأن مكانه أقوى من وزير.
وفي نظام آخر وصل عملاء الصهيونية وأعضاء الماسونية إلى حد تسيير دفة الحكم والجلوس على رأسه، وكان من وزرائهم اليهودي، أو مَنْ هو متزوّج بيهودية، ولا شَكَّ أن ذلك كله لم يحدث إلّا بعد أن قامت دولة إسرائيل، وارتؤي أنَّ الأنظمة الرجعية صارت عاجزة عن تحقيق الهدف، بل هي
حجر عثرة في سبيل تحقيق الهدف، ومن ثَمَّ عرفت المنطقة "مودة" الانقلابات العسكرية1.
ج- المستقبل السياسي لإسرائيل:
المغفَّلون أو الغافلون يعتقدون أن إسرائيل بعد الاعتراف بها والصلح معها، سوف تقنع بما هي عليه،
وتاريخ الصهيونية وطبيعتها وأهدافها وكتبها، كل ذلك يأبى عليها ذلك.
وحسبهم أن يقرأوا التلمود، وأن يقرأوا البروتوكولات، بل أن ينظروا إلى ما كتب في الكنيست نفسه، فلم يعد الأمر عندهم حياء.
وبِلُغَةِ أصحاب الحقّ تحدَّث رئيس إسرائيل في يوم أليم2 على أنهم أصحاب حق يستردون أرض الأجداد، وكأنَّ الذين عاشوا عليها أربعة عشر قرنًا ليسوا أصحاب حقٍّ عاشوا تحت راية الإسلام، وكأنهم قبل الإسلام حين عاشوا قرونًا عديدة ليسوا أصحاب حقوق، وتحدث رئيس إسرائيل عن العبقرية اليهودية وعمَّا يمكن أن تفعله في المنطقة.
ولئن كان حديثه عن الناحية الاقتصادية، فإننا نقدم عليها الناحية السياسية، فنقول: إنه إن ظل الوضع المفتوح فبوسع العبقرية اليهودية أن تفعل ما تشاء في المنطقة، ولها أن تحرك الدُّمَى بما ترى، ولها أن تغير
1 راجع ما كتبناه في أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي.
وراجع كذلك ما كتبه المؤرخ الصهيوني "إيرل برغو" في كتابه العهد والسيف. عند ذلك شعرت إسرائيل أن القوى التي تغذي شعور العداء ضدها في العالم العربي هي العناصر الرجعية: رجال الإقطاع، السياسيون القدامى، المشايخ، جميع العناصر التي تخسر كثيرًا إذا سادت في المنطقة اشتراكية إسرائيل النموذجية.
وكان ابن جوريون شديد الإيمان بالقضاء على هؤلاء جميعًا حين طلب في الكنيست قبل ثورة الضباط الأحرار أن تتحلى بالصبر؛ لأن السلام لن يكتب لإسرائيل ما دام العالم العربي في قبضة الرجعيين، وأن الخطوة التي يجب أن تسبق الصلح مع إسرائيل هي إقامة ديمقراطية شعبية في البلدان العربية، لهذا كانت حاجة إسرائيل لثورة الضباط الأحرار أشد من حاجة المصريين
2 هو يوم وقفة عرفات 1397.
الدمى إن ضاقت بها الشعوب، أو أحاطتها الشكوك، ولها أن تمضي في التوسُّع بعد ذلك غير عابثة بالضمانات، فما ضمانات اليوم بأعظم ولا أبقى من وعود الأمس وقرارته.
كل ذلك لأنَّ إسرائيل أسقطت من حساباتها حاليًا الإسلام وأهله، بعد ما نزل على رءوسهم من ضربات تدوّخ وتكسر وتقتل.
لكن عقيدتنا في الله لم تتزعزع، وإيماننا بانتصار الإسلام لم يهن ولن يهون {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} .
ثانيًا: من الناحية الاجتماعية:
أ- شعب تمزَّق:
مزَّقته الخلافات قديمًا وحديثًا1.
ومزَّقه التشريد وحياة الخيام.
ومزَّقة الجوع والعري والمرض.
ب- شعب تحلَّل:
تحلَّل فكريًّا بعد ما مزَّقته تيارات عديدة: علمانية، شيوعية، وجودية، يهودية2، وتحلَّل خلقيًّا بعد ما مزَّقه التشريد والحاجة، وسرى فيه الانحلال3، وتحلَّل أسريًّا بعدما تمزقت الأسرة الواحدة بين بلاد
1 يقول الدكتور إبراهيم أبو لغد: "فالانشقاقات الداخلية في الحركة الوطنية الفلسطينية وهي التي ظهرت بوضوح خلال الثلاثينات
…
" ص224 المرجع السابق، وتضيف أنه كذلك حديثًا بين المنظمات بتياراتها المختلفة، أو داخل المنظمة الواحدة.
2 حرص اليهود على هذا التحلُّل الفكري في أي اتجاه إلّا اتجاه الإسلام، ومن ثَمَّ فإنك تجد في فلسطين المحتلة:
أ- التبشير يعمل لصالح النصرانية والصليبية، ويجد كل تشجيع، وله هناك مراكز مثل المستشفى المعمداني، وكثير من الكنائس، وهو إذ يعجز عن نقل المسلمين إلى النصرانية، فإنه يكتفي بإبعادهم عن الإسلام.
ب- الشيوعية -وهي نشطة جدًّا في فلسطين المحتلة، وهناك حزب شيوعي عربي يسند عمله مع حزب "راكاح" الإسرائيلي الشيوعي، وإن لم يكن ذلك معلنًا أو ظاهرًا، ومن أهم مراكز الدعوة إلى الشيوعية:
جامعة ببر زيت في قضاء رام الله.
وجامعة بيت لحم الذي يوجد فيها إلى جوار النشاط الشيوعي النشاط التبشيري، ولهم الصحف التالية:
1-
الاتحاد.
2-
الفجر.
3-
الشعب.
3 يساعد على الانحلال في شعب فلسطين طبقًا للتخطيط اليهودي:
أ- حياة اللاجئين في المخيمات.
وأقطار، ولم يعد فيها من ينصت إلّا لنداء البطن وما حوى. كل ذلك إلّا من رحم ربي.
ج- شعب يهودي:
"إنَّ أمام العرب في إسرائيل ثلاث خيارات:
أ- اعتناق الدين اليهودي.
ب- الطرد خارج البلاد.
ج- الإبادة التامَّة. "ابن جوريون"
"سنصل إلى وقت تعرف فيه كيف نمنع من لا يضع القلنسوة اليهودية فوق رأسه أن يعيش بيننا""جولدا مائير".
"إن فرعون أخطأ ولم يصب الغرض؛ حيث سلك ببني إسرائيل الإرهاب والتنكيل فانتصروا عليه، وسجَّل التاريخ عليه لعنات ما اقترفه، ولكنه لو أنشأ مدارس وجامعات يغيِّر فيها أفكارهم، ويقتلهم قتلًا معنويًّا، ويجعلهم ينحرفون عن هدفهم الأصلي، فيعيشون عالة على غيرهم بلا هدف يتفانون في تحصيله، لو فعل ذلك لأراح، ولسجَّل التاريخ مفخرة خدمة العلم بدلًا من لعنات البطش والإرهاب، "الفيلسوف الهندي أكبر إله آبادي".
= ب- الاختلاط في المدارس والجامعات.
ج- الاختلاظ في المصانع وجرِّ الفتاة العربية العمل في المصانع تحت ضغط الحاجة المادية.
د- مناظر الفتنة التي تتعمَّدها اليهوديات من ملابس كاشفة حتى داخل حرم المسجد الأقصى.
هـ- ممارسة الدعارة، وتخصيص بعض الفنادق لها، وممارستها في بعض الحدائق العامَّة الكثيفة.
ز- وسائل الإعلام المختلفة وما تدعو إليه، وهو ما يعترفون به في مخططاتهم المعروفة.
ولتحقيق هذه الغاية تمضي برامج الإعلام، ومناهج التعليم لتحقيق هذه الغاية1.
ولتحقيق هذه الغاية تمضي السياسة الاقتصادية نحو تنمية الحاجة لدى العرب القاطنين القانطين داخل إسرائيل.
ولهذه الغاية تمضي سياسة "التهجير" و"الاستيطان" ونزع ملكية العرب المقيمين في فلسطين2.
1 سيطرت إسرائيل على كافة المدارس العربية، وقامت بتغيير المناهج بما يكفل قطع صلة العرب عن ماضيهم، وأدخلت اللغة العبرية بالمدارس، ودرِّس التاريخ اليهودي والحضارة اليهودية، وعدلت سائر المناهج بما يخدم غرض التهويد. راجع:
التحدي الصهيوني - في مناهج التعليم العربي في إسرائيل، ماجد عرسان الكيلاني - الطبعة الأولى 1392-1972م، وجامعة بيرزيت في قضاء رام الله تكاد تكون شيوعية صرفة، وبجامعة بيت لحم كذلك.
وهم يستعدون لإقامة جامعة "يهودية" -وذلك مع النشاط التبشيري في الجامعات وخارجها.
2 في سبيل ذلك، وإلى جوار ما قامت به من قبل، قامت من سنة 1970 بهدم بيوت كثيرة حول المسجد الأقصى، وصادرت أراضي القرى المحيطة بالقدس، وبين سنتي 72، 1975 صادرت مساحات واسعة من قرى أبو ديسن، بكاريا، عرب النعامدة، العبيدية، العنبرية، نحاتا، وأنشأت 12 حيًّا سكنيًّا يهوديًّا، ومنطقتين صناعيتين، ووحدة طلابية، ووحدة عسكرية. كما أقامت 84 مستوطنة، منها 36 بالضفة الغربية، ولا تزال ماضية في طريقها.
وفي 20/ 9/ 1975 نشرت صحيفة دافار "صرَّح مسئول إسرائيلي كبير أنَّ خارطة القدس الموسَّعة التي تمت الموافقة عليها مؤخَّرًا بالكنيسيت، والتي رسمت بإيعاز من رئيس الحكومة، قد شملت الضواحي التالية: حيّ الخان الأحمر 70.000 دونم شرقًا، وقرية بيت آيل، يعني: بيتين شمال مدينة أسبيرة شمالًا، ومدينة الخليل، أو كريات أربع جنوبًا، "والأخيرة أنشئت سنة 1968وسكانها من اليهود المتدينين"، والطرون بيت شمش غربًا.
- ونشرت جريدة دافار "في 14/ 4/ 75/ اتسمت سنة 1974 بارتفاع وتعزيز الإسكان اليهودي بالقدس في الأحياء الجديدة التي شرع في إقامتها، وأقيمت كحزام من حول المدينة.
وبهذا يكون عدد اليهود الذين سكنوا القدس خلال السنوات العشر الأخيرة 142 ألف شخص.
- وتقدَّر المناطق التي تخطط إسرائيل لاحتوائها بحوالي 30% من مساحة الضفة الغربية، وفيها 25 ألف مواطن.
ثالثًا: مستقبل فلسطين
الحديث عن المستقبل حديث شائك؛ إذ لا يعلم الغيب إلّا الله، لكن الله سبحانه أجاز لنا "الإعداد"، وذلك قوله:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ، والإعداد يقتضي "التوقع" بالنسبة للسمتقبل، والعمل على أساسٍ من ذلك التوقع.
والله سبحانه وتعالى جعل لنا كذلك "سننًا كونية" تعيننا على ذلك التوقع، منها ما يؤخذ من قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] ومن قوله: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] ومن قوله: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] .
فمن خلال هذا وذاك نستطيع بعون الله -دون رجمٍ بالغيب- أن نرسم صورة المستقبل من خلال الأحداث، ثم نحاول رسمها من خلال الإيمان.
2-
المستقبل من خلال الأحداث:
من خلال الأحداث يستطيع المجتهد أن يستنبط ما يلي:
أ- لا مستقبل لفلسطين:
ذاك منطق الأحداث وتوقعاتها، إن الصهيونية وضعت أقدامها، وأنَّى لها أن تتزحزح، وإنها في كل جولة تكسب الجديد، فتنقلب مطالبة العرب بالجديد، وتنسي القديم وهو ما نراه، من مطالبة بالجلاء عن الأراضي التي احتلت سنة 1967؛ وكأن الاحتلال الذي تَمَّ قبل سنة 1967 قد صار أمرًا شرعيًّا وحقًّا مقررًا لليهود.
وفي الجولة القادمة -إن بقيت الأوضاع على ما هي عليه- تكون
أراضي 1976 أمرًا شرعيًّا وحقًّا مقررًا لليهود، وتكون المطالبة بالأراضي التي احتلت بعد ذلك.
والمجتمع الدولي -بتأثير الصهيونية والصليبية العالمية- يضفي الشرعية ويحرسها في كل توسّع صهيوني.
فالمجتمع الدولي -بالتأثير السابق- هو الذي قسَّم أرض فلسطين 1947 بين اليهود والعرب، وكانت من قبل خالصة للعرب وحدهم، ولم يكن لليهود فيها أدنى نصيب، والمجتمع الدولي هو الذي عاد بعد ذلك يصدر القرار 242، والقرار المعدَّل له؛ ليعترف بفلسطين كلها لليهود، وليطالبهم فقط بالجلاء عن الأراضي العربية الأخرى التي احتلتها إسرائيل، علاوة على فلسطين 1967.
وغدًا تحتل إسرائيل أراضي أخرى، فيكون قرار المجتمع الدولي الاعتراف بالأراضي القديمة، والمطالبة بالجلاء عن الجديد.
ومَثَلٌ أخير: إن القدس المسلمة قبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين فيها. إن إسرائيل تعلن أنها عاصمتها، وأنها لا تتنازل عنها، وتعلن أمريكا تأييدها لها في ذلك.
وهكذا.
ب- المستقبل للصهيونية:
المستقبل للصهيونية إن بقيت الأوضاع على ما هي عليه، فالسنن الكونية تعمل في جانب من يعمل، ولا تعمل في جانب من يتقاعد أو يتكاسل أو يتجابن.
وواضح أن الصهيونية تعمل مخططة، ثم منفذة، وإنَّ العرب والمسلمين يتصايحون ويكتفون بالصياح، ويتسابون
فيما بينهم، ويتقاتلون كذلك فيما بينهم أشداء على المؤمنين رحماء باليهود، أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين.
والصهيونية كما يبين من مخطَّطاتها لا تكتفي بفلسطين..
أنها تحلم بالدولة الكبرى من الفرات إلى النيل..
وتحلم من بعدها بسيادة العالم كله..
وخطواتها التنفيذية تؤكّد أنها تنفِّذ ما تحلم به وما تخطط له..
ونجاحها فيما مضى قد يكون دليلًا على نجاحها فيما بقي..
ويظهر التخطيط والتنفيذ الصهيوني الخبيث فيما كتبه مناحم بيحن في كتابه "التمرُّد" حيث يقول: إذا أنت أخضعت رجلًا للدرجة الأولى من المعاناة، فإنه يظل يكافح لكي يعود إلى نقطة البداية، ولكنك إذا دفعته إلى أسفل السلَّّم، فسوف لا يفكر في العودة إلى حالة اللامعاناة، بل سوف يحلم فقط بالرجوع إلى المرحلة السابقة مباشرة، ولعله يكون قد نسي ما يجري وراء هذه المرحلة الأخيرة من مراحل المعاناة1" وهذا هو التخطيط الذي تقوم به إسرائيل مع العرب أجمعين، وهو أن تدفعهم إلى الهاوية حتى لا يفكروا إلا في المرحلة التي قبلها مباشرة.
وإذن فأرض الكنانة في مصر مهددة..
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مهدد كذلك..
هذا كله بشرطين:
أن تبقى أوضاعنا على ما هي عليه.
أن تبقى السنن الكونية تحدث تأثيرها.
لكن حتى يكون تقويمنا صحيحًا لا بُدَّ من النظرة الأخرى.
فلها نعيش..
1 التمرُّد لبيجين ص187، ترجمة اللواء الركن حسن البدري. طبع الهيئة المصرية للكتاب، ط1978.
2-
المستقبل من خلال الإيمان:
النظرة الإيمانية تختلف كثيرًا عن النظرة من خلال الأحداث وحدها، وهي في اختلافها تقوم على أسس مغايرة:
1-
إن الله سبحانه خالق السنن الكونية قادر على أن يعطِّلها أو يغيرها، فمن السنن الكونية أن النار تحرق، لكن إرادة الله حين شاءت جعلت النار بردًا وسلامًا على إبراهيم..
ومن السنن الكونية أن الماء يغرق، لكن إرادة الله حين شاءت فرقت البحر فرقين، {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] .
2-
إنه إلى جوار السنة الكونية في أنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإن مفهوم المخالفة أنهم إن غيَّروا ما بأنفسهم غيَّر الله ما بهم، مؤكدًا قوله تعالى:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .
ومن هنا المنطلق، ومن هنا يبدأ العلاج إن كنا نريد عودة فلسطين.
ونضع بعون الله الشروط:
أ- لا بُدَّ من التغيير من القمة إلى القاعدة، من الرأس إلى القدم. لا بُدَّ من تغير كلي لما بأنفسنا، حتى يغير الله ما بنا.
ب- لا بُدَّ أن يكون التغيير على أساس الإسلام؛ لأن التغيير من غير إسلام لا يكون معه نصر الله، ولا يكون هو التغيير الذي عناه الله.
وقد رأينا أنهم حين أرادوا سلب فلسطين أبعدوا الإسلام عن المعركة، وتمثَّل ذلك في إنشاء الجامعة العربية "بديلًا وامتصاصًا للجامعة الإسلامية" قبل إعلان دولة اليهود بثلاث سنين.
ثم تمثَّل في دخول الجامعة العربية وجيوشها؛ لتكون حائلًا دون تحرُّك جيوش إسلامية أخرى، ففيها الغناء والكفاءة.
ثم تمثَّل في التآمر على العناصر الإسلامية التي بدأت خوض المعركة؛ للحيلولة دون نزولها بثقلها إلى المعركة.
وقبل ذلك كله تآمرهم على دولة الخلافة الإسلامية تنفيذًا لما قالوه في أنَّ الأفعى اليهودية لا بُدَّ أن تمر بالآستانة في طريقها إلى إسرائيل.
وعلى ذلك، فإذا كانت فلسطين قد استُلِبَت لمَّا أُبْعِد الإسلام عن المعركة، فإنها لن تعود إلّا إذا عاد الإسلام إلى المعركة.
والإسلام فوق ما قدمنا يقدم:
ثقلًا عقيديًّا يغيِّر الكيفية التي تدار بها المعركة وبغير نتجيتها..
ثقلًا بشريًّا، ولهذا أثره في استراتيجية الحروب..
ثقلًا سياسيًّا بوقوف الدول الإسلامية كلها -بدلًا من الدول العربية المحدودة- خلف المعركة..
ثقلًا اقتصاديًّا بوقوف موارد الدول الإسلامية -وهي اليوم أغنى دول العالم- خلف المعركة..
ومن قبل ذلك، ومن بعد ذلك، ما أشرنا إليه من نصر الله الذي لا يتنزَّل إلّا على نوعية معينة
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 125-126] .
ملحق "1":
نموذج من محاولات التهويد من خلال برامج التعليم 1:
"الجامعة العبرية في أورشليم"
رمزي: قل لي من فضلك، أين مكتب التسجيل للجامعة؟
مائير: اس - اس "يهمس" تفضل معي.
أرجو المعذرة لأني طلبت منك السكوت قبل لحظة، فقد كنَّا في غرفة الدرس، وهناك ممنوع التكلُّم، وعلى كل حال فأهلًا وسهلًا بك.. اسمي مائير.
رمزي: تشرفنا.. واسمي رمزي.
مائير: تشرفنا.
رمزي: قل لي يا أخ مائير، أنت طالب قديم هنا في الجامعة؟
مائير: طالب بالسنة الثالثة.. واعتقد أنك أنت طالب جديد.
أليس كذلك؟
رمزي: الحقيقة.. جئت الآن للتسجيل.
مائير: وماذا تريد أن تدرس؟
رمزي: التاريخ واللغة العبرية.
مائير: إذن، فإنك تريد أن تكون معلمًا ثانويًّا.
رمزي: هكذا بالضبط.. فأنا أحب مهنة التدريس.
مائير: تفضل.. سأدلك على مكتب التسجيل.
رمزي: ما هذا؟ كل هؤلاء ينتظرون بالدور؟
مائير: نعم. فاليوم كما تعلم هو بداية فترة التسجيل، وطلاب كثيرون
1 مقتطف من كتاب مدنيات إسرائيل، تأليف: سلمان فلاح، نقلًا عن كتاب التحدي الصهيوني في مناهج التعليم العربي في إسرائيل.
من شتى أنحاء البلاد يأتون للتسجيلو ولا تنس يا رمزي أنك تريد التسجيل في كلية الآداب، وهذا الكلية هي أكبر الكليات.
رمزي: لماذا؟ هل السبب هو وجود مواضيع أكثر من باقي الكليات؟
مائير: نعم.. هذا هو السبب.. ما رأيك يا رمزي في أن تتفضل معي لنشرب القهوة هنا في الطابق الأسفل.. أليس ذلك بأفضل من أن نقف ساعة هنا.. اطلب من الطالبة التي تقف أمامك أن تحفظ لك دورك.
رمزي: أنا.. وماذا أقول لها؟
مائير: قل لها أنك ستعود بعد عشر دقائق.
رمزي: هل تسمحي لي من فضلك؟
راحيل: نعم.. أيمكنني أن أؤدي لك شيئًا؟
رمزي: وددت أن أرجوك أن تحفظي لي الدور وراءك.. سأعود بعد عشر دقائق.
راحيل: بكل سرور.. عد متى شئت.
رمزي: قل لي يا مائير.. من أين حضرتك؟
مائير: من تل أبيب.
"ويجلس الطالبان الخياليان لشرب القهوة على حساب مائير اليهودي، ويدور بينهما حديث يقطر ذوقًا ومعرفة من مائير، وجهلًا من رمزي، إلى أن يقول الأول".
مائير: نعم.. وكلية الأداب ليست أكبر هذه الكليات فحسب، بل هي أقدمها، وتعمل في نطاق هذه الكليات عدة معاهد، وأهم هذه المعاهد: معهد العلوم اليهودية.. يمكنك أن تدرس أي موضوع يتعلق بالعلوم اليهودية مثل: اللغة العبرية، أو الأدب العبري، أو علوم التوراة، أو علوم التلمود، أي: الشرع اليهودي، أو تاريخ الشعب الإسرائيلي، أو اليهودي في العصر الحديث، وغيرها من المواضيع.
رمزي: إذن أنا سأكون طالبًا في هذا المعهد، فاللغة العبرية تابعة له.
"ويطول الحديث ويعرِّف خلاله مائير اليهودي رمزي العربي على أقسام الجامعة ودراستها، إلى أن يقول رمزي".
رمزي: الحقيقة يا أخ مائير إنها كانت مناسبة سعيدة للقائك والتعرف عليك.. أظن أن الوقت قد جاء، فلنعد إلى الدور.
أعتقد أن هذا مكاني.. شكرًا يا....
راحيل: راحيل اسمي.
مائير: إلى اللقاء يا رمزي، وآمل أن أراك غدًا.. وعلى كل حال فتفضَّل إلى غرفتي، فأنا في منازل الطلاب.
رمزي: شكرًا.. شكرًا جزيلًا، سآتي إن شاء الله.
أرى أننا سنبقى بالدور هنا نصف ساعة على الأقل.
راحيل: لقد تعبت قدماي، فأنا واقفة هنا منذ أكثر من ساعة.
رمزي: إذا أردت الاستراحة فأذهبي واجلسي هناك على الكرسي.
"ثم ينتقل الحديث بين راحيل "الفتاة اليهودية ورمزي" يقول في نهايته:
رمزي: شكرًا يا راحيل على المعلومات القيمة التي استقيتها منك.
راحيل: لا شكر على واجب.
رمزي: إلى اللقاء في الدرس.
راحيل: إلى اللقاء.
رمزي: "يلتفت إلى زميل عربي" الحقيقة يا محمد أني أشعر بالارتياح، وأني جدّ معجب بالجو هنا في الجامعة.. فتصور أنى في اليوم الأول هنا اكتسبت صديقين مائير وراحيل، ومنهما استفدت الكثير.