الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: كيف دخل الإسلام عذراء ماليزيا
لم يغتصب الإسلام عذراء ماليزيا، إنما دخلها برضاها1، ذلك ما يعترف به المؤرخون حتى الأسبان منهم والهولنديون، لكنهم يختلفون فيما وراء ذلك حول العامل الأساسي لانتشار الإسلام؟
أ- فمن قائلٍ بالنظرية التجارية1 القائمة على أنَّ الإسلام حمله تجار المسلمين خلال القرن التاسع الميلادي أثناء تجارتهم مع هذه البلاد.
وإن انقسم أصحاب النظرية إلى فريقين: فريق يغلّب الدعوة على التجارة3، وفريق يغلّب التجارة على الدعوة4.
وأيًّا ما كان العنصر الغالب، فإن الجامع بينهما أن تجار المسلمين حملوا
1 يقول هو ركرد نجي: لقد دخل الإسلام أرض الشرق الأقصى عن طريق الإقناع ولم يدخل بحد السيف - مجلد2، ص278-279 Hungorge the Achirce. snouk. راجع كذلك vqn leun ص143.
وراجع كذلك ابن بطوطة أسفاره في آسيا وأفريقيا 1325-1354، ترجمها للإنجليزية هـ - أجيب.
2 من أقدم القائلين بها توسي بيرس toce pires بحث في الشرق، مجلد رقم1 ص174.
3 من هذا الرأي Nicolos Krom. راجع جاكوب كوينلس، فإن مور "التجارة والمجتمع في إندونيسيا من دراسات أسيا الاجتماعي والاقتصادي ص91، وكذلك هذا الرأي Hendrick kcrm مجلد 4، ص25، 26 باللغة الهولندية.
Tholnas. Arnold Gainza
4 من هذا الرأي The Actienses snour Hwsgsonriye مجلد 2 ص278.
معهم الإسلام خلال القرن التاسع إلى هذه البلاد، وفتحوا بحسن أخلاقهم وحسن معاملتهم قلوب أهلها للإسلام، ودعموا ذلك بالزواج من بنات هذه البلاد، وأعقب ذلك دخول حكام الولايات في هذا الإسلام الحنيف.
ب- ومن قائل بالنظرية التبشيرية:
بمعنى أن الدين حملوا الإسلام إلى هذه البلاد هم دعاة قَدِمُوا مع التجار أو قدموا بعد التجار، ويؤكد صحة هذا القول أنه مع سقوط الخلافة العباسية سنة 1258م هاجر كثير من العلماء، واتجه بعضهم إلى أرخبيل الشرق الأقصى؛ حيث كان قد سبقهم إليه إخوتهم التجار.1
جـ- ومن قائل بدور الحركة الصوفية:
إذ كان الدعاة الصهيونية دعاة متجولين قادمين من أنحاء العالم الإسلامي، ولم يكونوا -كما يشير المؤرخون- دعاة زهد، وإنما كانوا يتجاوبون مع روح العصر، ويمثلون الحضارة الإسلامية السائدة في ذلك الحين3.
د- ومن قائل بالنظرية السياسية:
بمعنى أن الدافع وراء انتشار الإسلام هو اعتناق الزعماء المحلين له، وأنَّ الدافع وراء اعتناق هؤلاء للإسلام دافع سياسي هو اتخاذ الإسلام سلاحًا في وجه الهندوكية التي كانوا يصارعونها4.
ويربطون ذلك بعامل اقتصادي هو ارتباط مصالح أولئك الحكام
1 يقول Vanleur: كان نشاط الدعاة الإسلاميين في شرق إندونسيا حوالي عام 1600م من أهم الأحداث في تلك المنطقة.
2 راجع A. H. Jones في الصوفية، باب: من أبواب الأدب والتاريخ في إندونيسيا، مجلد تاريخ جنوب شرق آسيا -مجلد رقم 2، سنة 1961، ص14.
3 المرجع السابق.
4 المرجع السابق.
4 صرح بذلك Van Leaur.
المحلين مع التجار المسلمين، بل مشاركتهم في كثير من أنشطتهم التجارية.
ويؤكِّد على ذلك أن التجار المسلمين كانوا قادرين على إحياء أو خنق أي ميناء بحري1.
هـ- ومن قائل بالنظرية العقائدية:
ويشير أصحاب هذا الرأي إلى ما للإسلام من ذاتية داخلية، وما له من تأثير عقيدي في النفوس، وإلى أنه -وإن لم تطبق الشريعة الإسلامية في ماليزيا "وهي تشمل: جاوة، إندونيسيا، عذراء ماليزيا" تطبيقًا كاملًا شاملًا، إلّا أنها بقيت المثل الأعلى، وأن المذهب الشافعي الذي ساد هناك هو نسبيًّا أكثر صلابة في موقفه المعارض للعادات الجاهلية.
ويمكن أن نضيف إلى هذه النظرية نظرية أخرى سردت تحت اسم النظرية الصليبيبة؛ إذ يذهب أصحابها إلى أن انتشار الإسلام كان من رد فعل لمحاولة الصليبية السيطرة على تلك المنطقة، وأنه بذلك يُعَدُّ لونًا من استمرار الحروب الصليبية التي بدأت في المنطقة العربية، ثم انتقلت إلى الأندلس، ثم عرجت على جنوب شرق آسيا.
وإذ نجعل هذه النظرية العقائدية، فإنَّ ذلك بالنظر إلى رد الفعل العقائدي لدى المسلمين نتيجة الغزو الصليبي الآثم لبلاد المسلمين، بينما الذين يسمونها بالصليبية ينظرون إلى الفعل نفسه لا إلى رد الفعل، والنظر إلى رد الفعل أصوب؛ إذ هو السبب المباشر لانتشار الإسلام.
وبهذه النظريات يجري تصوير الطريق الذي دخل به الإسلام إلى هذا الجزء العزير من الوطن الإسلامي.
وأيًّا كان خلاف المؤرخين، فإنهم مجمعون -كما قدمنا- على أن
1 ص106 من كتاب الإسلام في الشرق الأقصى، الدكتور قيصر أديب، عميد الكلية الجامعية، وأستاذ الفسلفة في جامعة الفلبين، وهو دراسة مقدَّمة في المؤتمر الثاني للمؤرخين الآسيويين الذي انعقد في تايبس -اب، سنة 1962 Tome price مجلد2، ص239، 241.
الإسلام دخل إلى هذه الأرض الطيبة طوعًا واختيارًا، وما كان ثَمَّة إكراه لأحد على اعتناقه.
لكن يبقي بعد ذلك أن نقول: إن النظر إلى عامل واحد من هذه العوامل ظلمٌ للإسلام وظلم للتاريخ، فلا يستطيع دارس للإسلام فاقِهٌ له أن ينكر أثر العقيدة الإسلامية السهلة البسيطة في نفوس الناس، وما تحمله من توحيد يرقى بهم عن كل عبودية لبشر أو حجر، وما تفرضه من مساواة لا يتميز فيها الأبيض على الأسود، ولا الأحمر على الأصفر، ولا الشريف على الضعيف.
كذلك لا يستطيع مؤرِّخ أن يغفل دور التجار المسلمين، وقد كانت معاملاتهم وأخلاقهم خير سبيل للدعوة بين الناس، كما لا يستطيع مؤرِّخ منصف أن يسقط دور الدعاة المسلمين -ومن بينهم بعض الصوفيين الفاقهين- في نشر الإسلام، ولا يستطيع كذلك أن يسقط العوامل السياسية والاقتصادية التي ساعدت على نشر الإسلام.
فالعوامل السابقة مجتمعةً ساعدت على نشر الإسلام في هذا الجزء العزيز من وطن الإسلام، لكن يتقدمها في التاريخ وفي الأهمية دور التجار المسلمين، وهي إشارة هامة لرجال الدعوة الإسلامية المحدثين؛ ليجعلوا من أخلاقهم وسلوكهم ومعاملاتهم خير سبيل للدعوة بين الناس.