الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: المسلمون في الاتحاد السوفيتي
الأرض الإسلامية -ميراث محمد عليه الصلاة والسلام أضعاف أرض روسيا، فأقاليم الإسلام في الاتحاد السوفيتي تشمل:
1-
الأورال.
2-
استرخان.
3-
سيبيريا.
4-
القرم "وهي أغنى المناطق بالحاصلات الزراعية".
5-
القوقاز "وهي أغنى المناطق بالبترول وبعض المعادن".
6-
التركستان بلاد ما وراء النهر "منها إماما السنة: البخاري ومسلم، والمفسران: الزمخشري والنسفي، وأئمة البلاغة وإعجاز القرآن: عبد القاهر الجرجاني، وسعد الدين التفتازاني، ويوسف السكاكي، ومنها الفارابي وابن سينا، ومن علماء الرياضة والفلك خالد والبلخي، ومن علماء الهندسة: بنو موسى. ومنها البيروني، والماتوريدي الخوارزمي، والسرخسي والجوهري، وغيرهم.
ومن الثروات المعدنية:
250 منجمًا للذهب، 16 للفضة، 46 الحديد، 32 للرصاص، 344 للبترول، 70 للفحم، 13 للكبريت، 63 للصوديوم، عدا الأورانيوم والفرام والزئبق والنحاس والقصدير والبلاتين.
وهذه الأقاليم تمثّل الشمال الشرقي من العالم الإسلامي.
وهي تمثّل من حيث المساحة تسعة أعشار مساحة الاتحاد السوفيتي "كانت 400 ألف كيلو متر، فصارت بعد ضم البلاد الإسلامية 14 مليون كيلو متر".
- بعد الثورة البلشفية أصدر مجلس قوميسيري الشعب البلشفي نداءً موجهًا إلى شعوب روسيا من المسلمين، كان من بين من وقعه لينين وستالين جاء فيه "مؤرخًا 7 ديسمبر 1917": إن إمبراطورية السلب والعنف الرأسمالية توشك أن تنهار، والأرض التي تستند عليها أقدام اللصوص الاستعماريين تشتعل نارًا..
وفي وجه هذه الأحداث الجسام نتجه بأنظارنا إليكم أنتم يا مسلمي روسيا والشرق، أنتم يا من تشقون وتكدحون، وعلى الرغم من ذلك تحرمون من كل حق أنتم له أهل..
أيها المسلمون في روسيا.. أيها التتر على شواطئ الفولجا وفي القرم.. أيها الكرغيز والسارتيون في سيبيريا والتركستان.
أيها التتر والأتراك في القوقاز.. أيها الجبليون في اتحاد القوقاز..
أنتم يا من انتهكت حرمات مساجدكم، وقبوركم، واعتدي على عقائدكم وعاداتكم، وداس القياصرة والطغاة الروس على مقدساتكم:
سنكون حرية عقائدكم وعاداتكم، وحرية نظمكم القومية، ومنظماتكم الثقافية مكفولة لكم منذ اليوم.. لا يطغى عليها ولا يعتدي عليها معتد..
هبوا إذن فابنوا حياتكم القومية كيف شئتم، فأنتم أحرار، لا يحول بينكم وبين ما تشتهون حائل.. إلى أن قال البيان:
أيها الرفاق.. أيها الإخوان..
لنتقدم سويًّا في عزم وصلابة نحو مسلم عادل ديمقراطي.
إن رايتنا تحمل معها الحرية للشعوب المظلومة في أرجاء العالم..
أيها المسلمون في روسيا..
أيها المسلمون في الشرق..
إننا ونحن نسير في الطريق الذي يؤدي بالعالم إلى بعث جديدٍ نتطلَّع إليكم؛ لنلتمس عندكم العطف والعون..
استجابت البلاد الإسلامية وأعلنت استقلالها "عن الحكم الروسي القديم".
فهل تركها الحكم الذي يحمل الحرية للشعوب المظلومة في أرجاء العالم؟
في إبريل سنة 1917، أي: بعد أربعة شهور من البيان السابق، أصدر لينين أمرًا بالزحف على البلاد الإسلامية، وسارت الجيوش الروسية بالدبابات والطائرات والمدافع تدمر وتحصد ما في طريقها، وفي نهاية العام تَمَّ لها الاستيلاء على جمهورية "إيديل أورال"وشمال القوقاز، وحكومة خوقند، وتأخَّر استيلاؤها على شبه جزيرة القرم لعنف المقاومة فيها.
وفي سنة 919! تَمَّ الاستيلاء على جمهورية الأش ازود.
وفي إبريل سنة 1920 انتهت القرم، واستأنف الهجوم على جمهورية أذربيجان، واستطاعت إخضاعها.
وفي نهاية سنة 1920 استولت على جمهورية خيوة بعد أن ظلَّت تدافع دفاع المستميت.
وفي سنة 1921 استأنف الهجوم على جمهورية بخارى، ودار فيها قتال مرير، ودافع أحفاد الإمام البخاري رضي الله عنه عن ميراث محمد عليه الصلاة والسلام، لكنهم وحدهم لم يستطيعوا الوقوف في وجه الزحف الأحمر الثقيل، فهزمت جيوشهم المنظَّمة، لكنهم ظلوا يحاربون حرب عصابات مدة عشر سنوات دون أن يتلقوا أي معونة من العالم الإسلامي، ونشرت جريدة أزفسيتا في عددها الصادر 15 يولية سنة 1922 تقريرًا للرفيق كالينين عن مجاعة القرم "نتيجة نقل الروس ما في الجزيرة من قوات ليضطروهم للتسليم".
بلغ عدد الذين أصابتهم محنة الجوع في شهر يناير 302.000، مات منها 14.413، ارتفع عددهم في شهر مارس إلى 379.000، مات منهم 19.902، بلغ في إبريل 377.000، مات منهم 1.2754، وفي يونية 392.072، "ولم يذكر كم مات في هذا الشهر".
وقد كان سكان القرم في سنة 1917: 5 ملايين.
فأصبحوا في سنة 1940 400 ألف فقط، أقل من عُشْرِ السكان.
وكانت المساجد 1558 مسجدًا لم يبق منها إلّا العشرات.
لجأت الثورة الشيوعية بعد أن استتبَّ لها الأمر إلى نفي شعوبٍ بأكملها ليحلَّ محلها الروس، وفي بيان لوكيل الجامع الأزهر ورئيس جماعة الكفاح الإسلامي أُرْسِل إلى الأمم المتحدة، قدَّم بعض المهاجرين من الحكم البلشفي الغاشم بعض الحقائق نذكر منها:
أ- في التركستان وحدها قتل الشيوعيون سنة 1934 مائة ألف مسلم، ونفوا ثلاثمائة ألف مسلم، ومات ثلاثة ملايين جوعًا نتيجة استيلاء
الروس على محاصيلهم، وإعطائهم الصليبيين ليحلوا محلهم. وفيما بين سنة 1937-1939 ألقت القبض على 500 ألف مسلم، أعدمت منهم فريقًا ونفت الباقي.
وقتلوا من علماء الدين: الشيخ برهان البخاري قاضي القضاة، والشيخ خان مروان مفتي بخارى، والشيخ عبد المطلب داملا، والشيخ محسوم متولي، والشيخ عبد الأحد دار خان، والشيخ الحاج ملا يعقوب، والشيخ ملا عبد الكريم، ومولانا ثابت رئيس الوزراء، وشريف حاج قائد مقاطعة ألما أتا، وعطمان
أوراز قائد مقاطعة كاشغر، ويونس بك وزير الدولة، والحاج أبو محسن وزير التجارة، وطاهر بك رئيس مجلس النواب، وعبد الله داملا وزير الأشغال.
وفي سنة 1949 هرب 200 ألفًا شخص، منهم 1200 لقوا حتفهم في الطريق، وفي 1950 هرب 20000 مسلم، وقتلت روسيا منهم سبعة آلاف.
ب- في القرم قتلوا:
سنة 1921 مائة ألف مسلم جوعًا، سنة 1928 قتلوا ولي إبراهيم رئيس الجمهورية مع وزرائه. سنة 1930 قتلوا محمد قوباشي رئيس الجمهورية وجميع وزرائه. سنة 1937 قتلوا إلياس طرخان رئيس الجمهورية وجميع وزرائه بعد استدعائهم إلى موسكو أثناء محاكمة المارشال تحاتشنفسكي.
نصوص في دستور الاتحاد السوفيتي:
في دستور سنة 1918 نصَّ على أنَّ حرية الدعاية واللادينية مكفولة للجميع.
عدّل في سنة 1919 إلى حرية إقامة الشعائر الدينية وحرية الدعاية اللادينية مكفولتان لجميع المواطنين.
في دستور سنة 1936 "م. 124": لكي يستمع المواطنون بحرية الضمير تفصل الكنيسة في الاتحاد السوفيتي عن الدولة، والمدرسة عن الكنيسة، ويكفل لجميع المواطنين حرية الدعوة ضد الدين.
وفي المادة 122 من القانون الجنائي السوفيتي تحريم تلقين الأطفال الأحداث العقائد الدينية في مدارس الحكومة، أو المدارس الخاصة، أو المعاهد التعليمية المختلفة.
وواضح من هذه النصوص:
1-
التفرقة الظالمة بين حرية التدين وحرية الإلحاد؛ فالأولى قاصرة على مباشرة الشعائر الدينية "إن صدقوا فيها"، والثانية ممتدة إلى حرية الدعوة والدعاية ضد الدين.
2-
تنتهي حرية التديُّن إلى مجرد شعائر بغير مضمون، ولا تطبيق إذا وعينا النص الجنائي الذي يحرم تلقين الأطفال العقائد الدينية في مدارس الحكومة أو المدارس الخاصة أو المعاهد التعليمية المختلفة، فمن أين يأتي لهم التديُّن الذي يسمح الدستور "المحترم" بممارسة شعائره.
وعن كتاب صدر في موسكو سنة 1967، وأعيد طبعه عام 1974م.
انظر الملحق رقم "2" عن بعض وسائل نشر الإلحاد ومحاربة الدين في الاتحاد السوفيتي.
ملحق رقم "2":
عن وسائل نشر الإلحاد ومحاربة الدين:
عن معهد الإلحاد العلمي بأكاديمية العلوم الاجتماعية للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي1، يشير إلى بعض وسائل نشر الإلحاد ومحاربة الدين.
نقتطف منها جزءًا؛ لنرى أيّ حرب توجَّه ضد الدين، رغم الدعاية الكاذبة بتعايش الشيوعية مع الدين،
ولنرى أن وسائل الإلحاد هي وسائل للتبشير القديمة تعيد نفسها مرة أخرى، وإن حاولت أن تتجنَّب أخطاء التبشير، واقتربت من وسائل التغيير الاجتماعي، يقول كتاب نشر الإلحاد الصادر في روسيا:
والآن من ذا الذي يعتبر أهلًا للقيام بنشر الإلحاد بين معتنقي الإسلام؟
ذلكم سؤال هام وخطير.. إذا كان الداعية الملحد الذي سيحاور المسلم لا تربطه بالإسلام أي رابطة مشتركة من الناحية القومية، ففي إمكان المؤمن أن يفترض أنه إنما ينقد الإسلام خاصة ولا يتعرض لدينه هو بشيء، لذلك كان من السهل على الداعية الذي ينتهي والمؤمن إلى قومية واحدة أن يجري معه حوارًا، وخاصة إذا بدأ الحوار بينهما باللغة القومية المشتركة، وإن كان هذا لا يعني أن علاقة المسلم تنتهي إلى قومية أخرى قائمة بالضرورة على عدم الثقة..
وأيًّا كانت قومية الدعاية فلا بُدَّ له من معرفةٍ جيدة بالدين والعادات والتقاليد التي يتمسَّك بها المؤمن، فخلال العمل بين المسلمين تعد مراعاة
* قام بالترجمة من الروسية الدكتور سعد مصلوح، مدرس عام اللغة الروسية بجامعة القاهرة، ونشرت بمجلة الدعوة السعودية في عددها الصادر في 12 ربيع الثاني 1296، 12 إبريل 76م، بعض أجزاء اقتطعنا منها الجزء المشار إليه.
1 في كتاب: نحن والشيوعية في الأونة الحاضرة، للدكتور سعدون حجاوي، دار الطليعة للطباعة والنشر، ملحق عن موقف الحزب الشيوعي العراقي -كنموذج- من قضية فلسطين ص58.
السن والجنس عند المؤمنين على جانب كبير من الأهمية، ومن ثَمَّ كان الحديث إلى كبار السن أيسر بالنسبة لداعية متقدِّم في السن، والغالبية العظمى من المسلمات يرفضن الحوار مع الأجنبي، أمَّا مع المرأة التي تقوم بالدعاية فإنهن أفضل سلوكًا إلى حد كبير.
أضف إلى ذلك أن نموذج المرأة النشيطة يؤثر تأثيرًا قويًّاعلى كثير من النساء، فالمؤمنات يتجهن إلى محاكاة الصديقة الأكثر ثقافة، أو ذات الشخصية الأكثر استقلالًا.
ويعين الداعية إلى الإلحاد في عمله الرأي العام الإلحادي الذي هو مدعو لِأَنْ يقوم بتشكيله، ومن المعروف على سبيل المثال أن كبار السن يكتسبون نفوذًا غير عادي بين المسلمين، وهذه الخاصية يستغلها كذلك الداعية حين يلجأ إلى مساعدة الشيوعيين المتقدمين في السن، والذين يكونون موضع الإجلال في المنطقة؛ إذ يصغى الناس في العادة إلى كلماتهم باهتمام خاص، وباستعداد لتنفيذ أي رجاء يصدر منهم. وتمارس لجان الكبار التي تؤسس في مناطق السكنى والمؤسسات تأثيرًا قوميًّا في تكوين رأي عام إلحادي.
ففي كولخوز "مير" في منطقة إشخاباد "عشق آباد" امتنع والد طالبة بالصف العاشر اسمها جولينا عطاييف عن إرسالها إلى المدرسة، وحاول إرغامها على الزواج، وتكلم أعضاء لجنة الكبار عن الكوخوز مع والدي الفتاة أكثر من مرة، وتوصلوا إلى إعادة الطالبة إلى المدرسة. وفي كولخوز "كيناس" يقوم أعضاء لجنة الكبار بعمل كبير؛ إذ يزورون البيوت التي يقيم فيها المؤمنون، وقد توصل هؤلاء الأعضاء الذين اضطلعوا بمسئولية دفن الموتى إلى أن جعلوا تأثير الشيوخ الرسميين وغير الرسميين يتضاءل في هذه العلمية إلى حدٍّ كبير، وفي نشر الإلحاد بين المسلمين في دار الإلحاد العلمي بموسكو، يعمل الشيوعيون المتقدمون في السن مثل م. ش. شاجي أحمدوف وس. خ اسماعيلوف وج. م. اختيافوف، وكثير غيرهم، وهم يزورون مساكن المؤمنين ويحادثونهم ويسدون إليهم النصيحة.
ويساعد الدعاة مساعدة كبيرة في صراعهم ضد التأثير الديني ارتداد
إنسان ذي شهرة في قضايا الدين يصلح مثالًا بالنسبة لبعض المؤمنين. وقد حقق الملحد قادر برزنيسوف من كولوخو زكيسيل بولدوزاخ. جمهورية تركمانيا نجاحًا كبيرًا في نشاطه الإلحادي عندما دعا جماعة من أكثر المؤمنين تعصبًا ثم ارتدوا عن الدين ليخطبوا أمام غيرهم من المؤمنين، وصار الذين ارتدوا عن الإسلام في هذا الكولوخو عونًا للداعية يمارسون نشر الإلحاد بين أفراد المؤمنين.
ويكسب العاملون في ميدان الطب نفوذًا كبيرًا بين المسلمين، وفي نقط العلاج الطبي يستقبل الأطباء مرضاهم للعلاج الصحي والاجتماعي، وهكذا يقدِّم الأطباء المساعدة الطبية، ثم يدور الحديث حول موضوعات العلوم الطبيعية، وقد حققت نقط العلاج الطبي هذه فوائد جمة لقضية تربية السكان تربية إلحادية في مدن أوزبكستان وقراها. ولذا، فإن الطبيب ومساعده من أجود المرشَّحين لممارسة الإلحاد بين أفراد المسلمين.
ويختص المعلمون في المدارس بدور كبير في الدعاية إلى الإلحاد، فالبداية الأولى للتعرّف إلى الطفل تجعل في إمكان المعلم تحديد التأثير الديني للعائلة.
ومهمته الأولى حينئذ هي إقناع الآباء بالامتناع عن تربية الأولاد تربية دينية، ويمكنه في الوقت نفسه أن يؤثر تأثيرًا إلحاديًّا كبيرًا على الآباء أنفسهم بإقامة اتصال مباشر بينه وبين أسرة التلميذ.
كثير من المعلمين لا يقصرون دورهم على تنشئة تلاميذهم؛ بحيث يشبّون غير متدينين، بل إنهم يربون فيهم رسوخ العقيدة في الإلحاد، والقدرة على مساعدة المؤمنين على التحرر من أغلال الدين. وقد نشرت صحيفة الكوسمولي الأوزبكستاني واقعة طريفة عن رجل عميق الإيمان، اسمه غلام أكا، أحْضرَ إلى طشقند ماءً مقدَّسًا من بخارى، وكم حاول أقاربه أن يقنعوه بأن هذا الماء لا يحوي أي شيء مقدَّس، فلم يقتنع العجوز، غير أنَّ ابنته كانت تلميذة في الصف العاشر وضعت نقطة من الماء المقدَّس تحت الميكروسكوب، ودعت أباها أن يحدق النظر، فقال الرجل في دهشة: ما هذه الديدان؟ إن نقطة الماء أكبر بمئات المرات، يا إلهي، لم أكن أتصور على الإطلاق أن في الماء
المقدس يمكن أن يوجد مثل هذا العدد من الميكروبات، إنها معدية.. ميكروبات، ألقي هذا الماء يا ابنتي على الأرض في الحال.. هذه تجربة بسيطة قامت بها تلميذة أدَّت النتيجة المرجوَّة، ولم تفلح في تحقيقها محاولات الإقناع والشروح المسهبة.
وتؤدي اللجان النسائية دورًا كبيرًا في ممارسة نشر الإلحاد بين الأفراد من النساء المؤمنات، وقد أثّرت تأثيرًا طيبًا في كثير من مناطق سمرقند، حين نظمت اللجان النسائية في نهار رمضان حفلات الشاي للنساء الصائمات في الشقق والنوادي، ولم يكن المؤمنات يرفضن الإفطار في مثل هذه الأحوال، وبذلك كن يخطون الخطوة الأولى في سبيل الانعتاق من الدين.
ومن الأمور التي لها أهمية في نشر الإلحاد بين النساء، تكوين رأي عام ضد الحجاب، وضد تزويج صغار السن من البنات، وضد المعاملة المهينة للمرأة، ففي كولخوزالاتو في جمهورية كيرغيزيا يتحدث الملحدون إلى الرجال أمام الزوار الأخرين قبل بداية أي اجتماع أو عرض سينمائي، يقولون لهم على سبيل المثال: ياحسن قل للناس: لماذا أتيت إلى الحفل بدون زوجتك، وأنت يا موزا أيضًا بيِّن للناس لم فعلت ذلك؟ وهنا كان بعض الرجال يصمتون، ولكن كثيرًا منهم كانوا يخرجون ثم يعودون ومعهم زوجاتهم، وهكذا استطاع الملحدون أن يجعلوا كل الرجال يحضرون إلى أماكن الاجتماعات العامَّة ومعهم زوجاتهم.
وربّما كان عميق الإيمان من المسلمين أكثر عزوفًا عن حضور الأمسيات والمحاضرات والمحادثات الإلحادية من أتباع أيّ نظام ديني آخر، ذلك أن القرآن يستنكر تناول الدين بالنقد. لذلك كانت المناقشات المضادة للدين، والكلمات العامَّة عنه لا تجدي نفعًا، ذلك أنَّ أي طعن على الإسلام يعتبر إهانة صارخة لإنسان رضع من لبن أمه التصورات الدينية التي يشاركه إياها آبائه وأجداده..
وفي مثل هذه الأحوال نجد مثل هذا الإنسان إمَّا أن ينغلق على نفسه، وإما أن يعبئ كل إرادته وعقله من أجل المقاومة، ولكنه لن يميل إلى قبول حديث عن الإلحاد، فليس سهلًا على الإنسان عن العقيدة التي نشأ عليها..
لهذا كله لا يمس الدعاية المجريون الدين مسًّا مباشرًا في محادثاتهم أثناء ممارستهم نشر الإلحاد بين أفراد المؤمنين، ولكنهم بعد أن يمهدوا بإثارة فضول المؤمن يتحوَّلون إلى نقد الدين. وها هو ذا مثال نسوقه للمعلمة ب. وليفا، من كولخوز "أكتوبر" في ضواحي سمرقند.. ففي المنزل عندما تجري هذه المعلمة محادثات مع المتدينات حين يفدن عليها كل مساء لشرب الشاي والاسترواح، وذلك دون أن يشعر أيًّا من المشتركات في الحديث أنها دعوة لكي تنبذ دينها، ويدور الحوار في يسر وبلا تكلف عن أحداث العالم وأنباء الكولخوز، لكن ربة المنزل هي التي تحدد لون الحديث، ثم توجه الكلام تدريجيًّا ودون أن تلحظ الأخريات إلى الموضوع المقصود، فتطرح الأسئلة ثم تتولى هي بنفسها الإجابة، وحينما يستولي موضوع الحديث على ألباب المؤمنات؛ حينئذ فقط تبدأ في الكلام بحرارة وإقناعٍ عن ضرر الرواسب الدينية.
وهذه قصة يرويها ملحد من موسكو يسمَّى ل. ح. جوميروف، تمكَّن من إخراج العاملة رحيمة بارنجلوفا من دينها، يقول الملحد: "أخذت بصفتي ملحدًا أزور شقة العاملة المتدينة رحيمة، وكنت أحادثها طويلًا وأقرأ الكتب جهرًا.. وكانت رحيمة تصمت في أكثر الحالات، ولكنها كانت تصغي إلي باهتمام، وكان واضحًا أن هذه القصص تجذب اهتمامها.. من العسير أن تتصور الأمر، لقد سمعت مني لأول مرة عن الأبطال من النساء السوفيت، وعرفت لأول مرة أسماء المشتغلات بالعلم من السوفيت.. وتكلمنا معها عن غزو السوفيت للفضاء.
وقد أزعجها كثيرًا هذا الموضوع وأذهلها على وجه الخصوص أنَّ رجال الفضاء لم يخافوا الله، بل ربما خافهم الله ما دام لم يحل بينهم وبين أن يصعدوا إلى مثل هذا الارتفاع.. وكان على ل. ح جوميروف أن يحادثها طويلًا إلى أن خلعت رحيمة ربقة الدين من عنقها نهائيًّا.
ومن الأيسر على الداعية إلى الإلحاد أن يحقِّق النجاح عندما يكون الرأي العام بين المجموع مكيفًا على نحوٍ لا يفخر فيه الناس بتعليق آيات القرآن في منازلهم، بل يكون مدعاة للخجل أن يعلقوا الآيات، أو أن يقسموا المنزل
نصفين: نصف للرجال ونصف للنساء، أو أن يرفضوا الغذاء في نهار رمضان، أو أن يقوموا بختان أولادهم.. إلخ.
والملحد نفسه يشكل الرأي العام إلى حد كبير، يقص علينا أ، ب. أفكسينتوف، وهو أحد الملحدين في شمال القوقاز، أن "عليمه جاجير زونفا شيزوخوفا" وهي من المشاركات في النشاط الاجتماعي كانت أول من امتنع عن إقامة المراسم الدينية في زواج ابنتها، وقد وجدت لها في الحال أتباعًا، ويدلنا هذا على أن تلك المراسم قد فات أوانها منذ زمن بعيد، وما أسرع ما انتشرت الأنباء في المنطقة عن زيجات جديدة تتمّ بمشاركة الأوساط الاجتماعية وبدون مراسم دينية، وهكذا انتهت مثل هذه الزيجات الدينية في أركينخالكي وغيرها من المناطق.
ولا بُدَّ في العمل على نشر الإلحاد بين المؤمنين المسلمين من أن يستغلّ في براعة اللهفة إلى المعرفة، ذلك أن الإسلام إذ يقوم على أساس القرآن، إنما يضيق اهتمامات معتنقيه ويحددها لكي يثبت الجهل، ولا بُدَّ أن نضع الإسلام من ناحية، والعلم والحضارة من ناحية أخرى؛ كطرفي نقيض؛ إذ أن العلم والحضارة وحدهما هما الكفيلان بحقٍّ بتلبية رغبات السوفيت في المعرفة.
وليس في قبيل المصادفة تلك النتائج الإيجابية التي حققتها أحاديث الملحد قادر بير تييسوف، وهو من كولخوز كيزيل يولدوز في جمهورية تركمانيا مع المتدينين. لقد استطاع أن يستخدم إنجازات العلم في تفنيد التصورات الدينية. أمَّا الملحد "رحمن خوجا ميرديف" وهو مدير الكولخوز، واسمه رسول جمعاييف يقول في حوار معه: "لا قدر الله علينا بنزول البرد، وهكذا تبين مدير المدرسة أنَّ المتحدث إليه رجل مؤمن. إدراك هذا ولكنه لم يعر الأمر اهتمامًا وأجرى الحديث معه لا عن الله، بل عن ظواهر الطبيعة وعن ماهية المطر والبرد، وكان يتكلم بطريقة مشوقة جذبت انتباه عامل المزرعة، فأخذ هذا يرجو أن يزوره ضيفًا، وشرع الملحد يزور عائلة جمعاييف، وكان يبرهن للعائلة باستعمال أمثلة من الحياة بسيطة سهلة الفهم
على عدم وجود قوة ما فوق الطبيعة تمنح الإنسان خيرات الحياة، وأن الإنسان نفسه هو خالق سعادته، وهكذا قطع "رسول" علائقه بالدين، وقد أجرى ب. خوجا ميرديف أحاديث مع أحد المشايخ واسمه "تور"، كانا يتقابلان عشرات المرات، وفي هذه اللقاءات كان يحدثه عن سفن الفضاء، كما كان يحدثه عن المجتمع الشيوعي، ثم إن الملحد أطلعه على الجوهر الطبقي للإسلام، وفي مصلحة من كانت عقيدة القضاء والقدر.. وهنا أعلن الشيخ "تور" في اجتماع عام لعمَّال الكولخوز أنه لا يريد بعد الآن أن يعيش هذه الحياة الطفيلية، وأنه بالرغم من كبر سنِّه يود أن يعمل في الكولخوز.
وهكذا تعمل الماركسية ضد الدين في روسيا وفي خارج روسيا، وإن زعمت غير ذلك.