الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
العالم الإسلامي بين غيره من العوالم:
عرفنا موقع العالم الإسلامي جغرافيًّا.
وعرفنا تقسيم العالم فقهيًّا.
والآن نبحث في تقسيم العالم سياسيًّا:
يتنازع السلطة السياسية على العالم معسكران:
"أ" المعسكر الرأسمالي:
ولئن كانت الرأسمالية مذهبًا اقتصاديًّا، فهو يجد الحماية السياسية؛ بحيث صار علمًا على معسكر بعينه، تسوده الرأسمالية مذهبًا اقتصاديًّا، وتسوده الديمقراطية من الناحية السياسية، وتسوده الوجودية ومذاهب التحرر من الناحية الاجتماعية.
وإلى منتصف هذا القرن -تقريبًا- كانت المملكة المتحدة تتربَّع على عرش الزعامة لهذا المعسكر، لكنها منذ ذلك الحين، وبناءً على رغبتها، طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية أن ترث نفوذها في الشرق الأدنى، ومن ثَمَّ قامت الولايات المتحدة بإرث ما سمحت به بريطانيا، وكذلك ما لم تسمح به، وورثت في النهاية زعامة هذا المعسكر.
وقد ناصرت الولايات المتحدة الأمريكية في الظاهر حركات التحرُّر، وأخفت بذلك تسللها إلى هذه المناطق، تفرض عليها الاستعمار الجديد الذي راحت تفرضه في مناطق كثيرة عن طريق "صناعة الزعماء"، وصناعة الانقلابات، وصناعة الشعارات.
وبذا امتد نفوذ C.I.A "المخابرات المركزية الأمريكية"، ومعها البنتاجون "مبنى وزارة الدفاع الأمريكية"، وأخيرًا البيت الأبيض الأمريكي. امتدَّ
إلى مساحات واسعة خارج ما يُسَمَّى بالمعسكر الرأسمالي، ومن التناقض "الظاهري" أنَّ بعض هذه المساحات ترفع شعار الاشتراكية، وأن تتبع سياسيًّا المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
ب- المعسكر الاشتراكي:
ونعني بذلك المعسكر الذي يتَّحذ الاشتراكية العلمية منهجًا اقتصايًّا، وقد صار هذا الشعار الاقتصادي رمزًا لهذا المعسكر مميزًا له عن المعسكر الأول.
وهو يتخذ دكتاتورية البروليتاريا "شعارًا سياسيًّا"، كما يتخذ التحلل الأخلاقي والأسري شعارًا اجتماعيًّا.
- وهو وإن بدا متناقضًا مع المعسكر الأول، إلّا أن الحقيقة غير ذلك.
فالمسيطرون على المعسكر الأول من اليهود، هم كذلك المسيطرون على الثاني -كما سنشير بإذن لله-
هذا من ناحية الحقيقة.
وحتى من ناحية الظاهر، فإن المعسكرين يقتريان؛ فالمعسكر الرأسمالي يطَعِّم رأسماليته الآن بشيء كبير من الاشتراكية، مثل تأميم الصناعات الكبيرة، وقوانين حماية العمال، وتحديد ساعات العمل.
والمعسكر الاشتراكي يطعّم اشتراكيته بشيء كبير من الرأسمالية مثل: إدخال نظام الحوافز، والسماح بالملكيات الصغيرة، والسماح بالنظام الأسري
…
إلخ.
هذا من الناحية الاقتصادية.
ومن ناحية السياسية الخارجية، فمنذ أزمة كوبا سنة 1962 بدأت سياسة
الوفاق، وهي شبيهة بما اتفقت عليه انجلترا وفرنسا سنة 1904 من اتفاق ودي، ونعتقد أنه وفقًا لسياسة الوفاق تَمَّ توزيع النفوذ بين القوتين العظميين.
كذلك تَمَّ التقارب بين الولايات المتحدة والمارد الشيوعي الجديد "الصين"، بقدر ما تَمَّ التباعد بين الأخيرة وبين الاتحاد السوفيتي.
ولا شكَّ أن الشيوعية تعيش هذه الأيام شبابها فلم يمض عليها غير خمسين عامًا، وهي مدة بسيطة في عمر الأمم، بينما تعيش الرأسمالية شيخوختها، وهو ما يمكن أن نستنتج منه أن الشيوعية هي الوريث الطبيعي للرأسمالية -ما لم ينهض أصحاب المعسكر الثالث- وهو ما بدا من اتساع رقعة الشيوعية يومًا بعد يوم، والتهامها لفيتنام ولاوس، وكمبوديا، واستمرارها في الالتهام.
ج- المعسكر الإسلامي:
ونحن نضعه معسكرًا ثالثًا إلى جوار المعسكر العظيميين.
باعتبار ما سيكون وهو قريب بإذن الله.
وباعتبار ما كان وهو قريب كذلك، لم يمض عليه إلّا قرابة نصف قرن.
لقد كان العالم الإسلامي يومًا هو المعسكر الوحيد الذي لا يناطحه معسكر آخر، ولسوف يكون كذلك بإذن الله.
وهو بمقتضى عدده، وموقعه، وطاقاته، وخبراته، يمكن، بل ينبغي أن يأخذ المقام الأول.
وما يعتريه اليوم من ضعف وتفكك هو وليد مؤامرات المعسكرين ومن وراءهما، وهو بحول الله تعالى وقوته، ثم يقظة أبنائه، ثم بمتضى سنن الله في كونه، سوف ينهض وسوف يعود.
وعلى أعداء الإسلام أن يختارو لأنفسهم ليوم قريب:
إما أن يكفوا عن حربنا في ديننا، وعن إخراجنا من ديارنا؛ ليكونوا
في مقام الأصدقاء، وإلا فليختاروا لأنفسهم موقع الأعداء، ويومئذ سوف ننفذ فيهم قول الله تعالى:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} .
ويشير البعض بعد ذلك إلى معسكر أو مجتمع وثني1.
لكننا لا نجد له وجودًا سياسيًّا، وما دام التقسيم أساسه سياسيًّا فلا ينبغي أن يكون المجتمع الوثني معسكرًا مستقلًّا، والله أعلم.
1 الأستاذ محي الدين القغماني في مذكرة "حاضر العالم الإسلامي" وضع تحته الديانات الهندوسية والبوذية والسيخ والكنفوشية والطوطمية.