المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني: أوطان تجاهد ‌ ‌أفغانستان المجاهدة … بسم الله الرحمن الرحيم 1- أفغانستان المجاهدة: موقع - حاضر العالم الإسلامي

[علي جريشة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب التمهيدي: وضع العالم الإسلامي وموقعه

- ‌العالم الإسلامي جغرافيًا

- ‌الموقع

- ‌ العالم الإسلامي فقهيًّا:

- ‌ العالم الإسلامي بين غيره من العوالم:

- ‌الباب الأول: واقع العالم الإسلامي

- ‌الفصل الأول: الواقع الفكري للعالم اللإسلامي

- ‌مدخل

- ‌الأفعى اليهودية تنفث سمومها:

- ‌ الفكر الغربي الصليبي في الشرق الإسلامي:

- ‌ الفكر الماركسي اليهودي في الشرق الإسلامي:

- ‌الفصل الثاني: الواقع السياسي للعالم الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ غيبة الخلافة الإسلامية:

- ‌ الاستعمار الجديد:

- ‌ البعد عن جوهر النظام الإسلامي السياسي:

- ‌الفصل الثالث: الواقع الاجتماعي للعالم الإسلامي:

- ‌الفصل الرابع: الواقع الاقتصادي للعالم الإسلامي

- ‌الباب الثاني: قضايا إسلامية معاصرة

- ‌الفصل الأول: أوطان سلبية

- ‌مدخل

- ‌ الأندلس:

- ‌ فلسطين المسلمة:

- ‌الأرض السليبة تحت النفوذ الشيوعي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: المسلمون في الاتحاد السوفيتي

- ‌ثانيًا: المسلمون في الصين

- ‌ثالثًا: المسلمون في بلاد شيوعية أخرى

- ‌الفصل الثاني: أوطان تجاهد

- ‌أفغانستان المجاهدة

- ‌ إرتريا:

- ‌عذراء ماليزيا

- ‌مدخل

- ‌أولًا: كيف دخل الإسلام عذراء ماليزيا

- ‌ثانيًا: حاضر عذراء ماليزيا

- ‌ثالثًا: مستقبل العذراء "ماليزيا

- ‌الفصل الثالث: أوطان يتهددها الخطر

- ‌مدخل

- ‌ إندونيسيا:

- ‌سوريا

- ‌مدخل

- ‌ البعث:

- ‌ النصيرية:

- ‌ مصر:

- ‌لبنان

- ‌مدخل

- ‌أطماع صليبية قديمة وحديثة في لبنان:

- ‌تصويب الخطأ:

- ‌الفهرست:

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني: أوطان تجاهد ‌ ‌أفغانستان المجاهدة … بسم الله الرحمن الرحيم 1- أفغانستان المجاهدة: موقع

‌الفصل الثاني: أوطان تجاهد

‌أفغانستان المجاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم

1-

أفغانستان المجاهدة:

موقع وخطورة:

تقع أفغانستان في شرق آسيا، ولها حدود مع إيران وباكستان، وأراضي المسلمين في الصين، وأراضي المسلمين في الاتحاد السوفيتي، في موقع جبلياستراتيجي، ومساحتها 650 ألف كيلو متر مربع، وحدودها مع الاتحاد السوفيتي بامتداد أكثر من ألف كيلو، وتعداد السكان يصل إلى حوالي ثمانية عشر مليون، ونسبة المسلمين منهم 99%.

وإذا كانت جريدة "إزفيسيتا" الروسية قد قالت سنة 1947 غداة إنشاء جمهورية باكستان الإسلامية "إن القضاء على هذه الدولة التي أنشئت على العقيدة الإسلامية واجب من واجبات الحزب الشيوعي الروسي؛ لأنها تشكِّل خطرًا على الجمهوريات الإسلامية بالاتحاد السوفيتي"، الأمر الذي نُفِّذَ بعد ذلك بالتعاون مع الهند لتقسيم باكستان إلى باكستان وبنجلاديش؛ لإضعاف هذه الدولة الإسلامية التي تشكِّل خطرًا على حدود روسيا.

- فإن وجود دولة أفغانستان كذلك على حدود روسيا، وبالمتاخمة لأقاليم المسلمين هناك، يشكل نفس الخطورة، وتتصوّر معه نفس التصرف لتحقيق نفس الغاية.. قد يختلف الأسلوب أو الوسيلة، ولكن تبقى الغاية.. دفع الخطر الإسلامي عن حدود روسيا في أقاليمها الإسلامية التي خضعت بالحديد والنار للحكم الشيوعي الكافر.

لمحة عن تاريخ قديم:

- كانت الديانة البوذية تسود أفغانستان قبل الإسلام، حتى إنهم نحتوا

ص: 147

تمثالًا لبوذا في جبلٍ بارتفاع خمسين مترًا، ولا يزال التمثال حتى الآن في مدينة بامبسان، وكانت اللغة السائدة هي اللغة السنسكريتية.

وكانت الديانة البوذية تقوم على "الكاوما"، أي: قانون الجزاء الذي يفترض الجزاء في الدنيا، وينكر الآخرة وجزاءها، كما تقوم على تناسخ الأرواح حتى يتحقَّق الجزاء في الدنيا بانتقال الروح الخبيثة إلى نفس شريرة، والعكس، كما تقوم كذلك على تحبيذ البطالة والكسل، وتفضيل مد اليد للتسول والاستجداء على كل سبيل آخر.

- وكان فتح فارس على عهد عمر بن الخطاب فتحًا مبينًا امتدَّ إلى أراضي أفغانستان، ووصل إلى كابل "العاصمة" على عهد عثمان رضي الله عنه، ثم حدثت ردة بعد ذلك، عاد بعدها الشعب الأفغاني إلى الإسلام في أواخر القرن الأول الهجري؛ ليبقي منذ ذلك اليوم على إسلامه مستمسكًا ومضحيًا..

ومن أفغانستان امتدَّ الفتح إلى الهند، كما امتدَّ إلى بخارى وما جاورها، إلى الصين حتى جدار الصين العظيم.

وانتشرت مع الفتح الإسلامي اللغة العربية، وفي أواخر الدولة الغزنوية عادت اللغة الفارسية إلى الانتشار "وهي تزيد على العربية أربعة حروف"، ثم انتشرت اللغة الأفغانية "وهي تزيد على الفارسية ستة حروف"، وكلتاهما يكتبان بحروف عربية.

- وظهر في أفغانستان علماء أجلاء في جميع المجالات..

فالأمام أبو حنيفة رضي الله عنه من كابل "العاصمة"، واٌلإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من مرو "شمال أفغانستان"، وكذلك الفخر الرازي، والبيروني، والفارابي، وابن سينا، والفردوسي مؤلف الشاهناما، وهي ملحمة تاريخية تحكي تاريخ فارس.. إلخ.

أفغانستان في التاريخ الحديث:

- عرف الشعب الأفغاني بشدة التمسك بدينه، كما عُرِفَ ببسالته في لجهاد، وبرفضه لكل أنواع الاستعمار والاحتلال.

ص: 148

وهو الذي ثار على ملكه وخلعه "هو أمان الله" حين حاول إدخال السفور إلى أفغانستان، بظهور زوجته سافرة خالعة عنها الزي الشرعي الإسلامي.

- وقد حاول الإنجليز احتلال أفغانستان واستعمارها بعد استيلائهم على الهند، فكانت محاولاتهم:

في 1838-1848م، 1878-1881م، 1919-1921م.

وفي كل مرة كان يباد الجيش الإنجليزي بكامله، بعد أن يهب الشعب الأفغاني للقتال تحت راية الإسلام.

- كما حاولت أفغانستان أن تمد نفوذها الإسلامي في بلاد ما وراء النهر "بخارى وطشقند وسمرقند وتركستان وأزبكستان وأذربيجان"، لكن كان القضاء قد حم.. وفي عهد أمان الله ملك أفغانستان حاولت الشيوعية أن تتسلَّلَ إلى صفوف الشعب الأفغاني، بما حاول لينين أن يعقد من صداقة بينه وبين أمان الله، وتنبَّه الشعب الأفغاني، وكان هذا هو ميلاد الحركات الإسلامية التي تعاظم شأنها فيما بعد مع تعاظم الأحداث.

الشيوعية في أفغانستان:

- وفي عهد شاه محمود خان تولَّى رئاسة الوزراء داود خان سنة 1952، الذي وضع نواة الأحزاب الشيوعية في عهده، فظهر حزب "حلق" وحزب "برجم" الشيوعيان التابعان لموسكو.

وبدأ داود خان ينفِّذ المخطط الروسي في إبعاد الخطر الإسلامي عن حدود روسيا، بدأ به في داخل أفغانستان بتنشيط التيار الشيوعي، ثم بتمكين الاتحاد السوفيتي من السيطرة على التجارة الخارجية "65% من القروض تلقتها من الاتحاد السوفيتي"، ودخلوا قطاع التعليم والتربية والتخطيط وغير ذلك..

ثم راح ينفذ المخطط خارج أفغانستان في الدول الإسلامية المجاورة.

ص: 149

ونترك الحديث لأحد أعضاء المخابرات الروسية k. G. B. في كتابه "مذكرات نيوفسكي""ص 111، 117".

"اتصلت وعدد من العاملين بالجهاز "k. g. b." والجهاز الآخر "g. r. u" بداود خان عندما كان رئيسًا للوزراء، واتفقنا على طريقة بثَّ الفوضى في باكستان، وتسميم خزانات ومصب مياه الشرب فيها، وتفجير القنابل، وتدمير المنشأت وغيرها من الأعمال، وتَمَّت حينذاك الموافقة على تسليح الجيش الأفغاني، وتدريبه في الاتحاد السوفيتي استعدادًا للهجوم على باكستان

".

وقد بلغ الأمر حدَّ عقد معاهدة سرية مع الروس لإعطائهم قاعدة جوية بمنطقة شيندند التي تشرف على الحدود الإيرانية والباكستانية.

- وفي الوقت نفسه راح يهاجم الدين وعلماءه، ويفرض السفور، ويأمر بالاختلاط في الجامعة، وينشئ المدارس المختلطة بين الشباب من الجنسين.

ثم أُعْفِيَ من منصبه بعد أن افتضح أمره، وطفح كيله، ومع ذلك لم يستح أن يسيِّر المظاهرات من أنصاره تنادي بعودة "السفاح الخائن" إلى منصبه..!

الانقلاب الشيوعي الأول:

في 17 إبريل سنة 1973 انقضَّ الرجل الخسيس على ابن عمه فخلعه من الملك، وشاركه في الانقلاب الحزبان الشيوعيان برجم، وخلق، وساعدته القوى الأجنبية الشيوعية..

- وبدأ بمحاربة النشاط الإسلامي ومحاولة شله، فأوقف مركز البحوث الإسلامي بالجامعة، ومنع نشر المجلات والصحف الإسلامية مثل: مجلة شرعيات، وخفض عدد الحجاج من سبعة عشر ألف إلى أربعة آلاف، فلما تذمَّر الناس زادهم ألفًا، وأصدرت وزارة العدل عنده تعليمات تؤكّد أن الكشف عن مساوئ الشيوعية والمساس بزعمائها جريمة يعاقب عليها.

ص: 150

- وراح ينفِّذ أهداف روسيا التي كشف عنها الإسلاميون في أفغانستان وهي:

1-

القضاء على موجات الزحف الإسلامي بإشاعة الإلحاد وتطبيق العلمانية.

2-

الوصول إلى المياه الدافئة.

3-

سبق أمريكا في السطرة على قارة إفريقيا وأوربا.

4-

منع الصين من أن تصبح قوة كبرى.

5-

تطويق الجزيرة العربية من الشمال والجنوب للسيطرة على آبار النفط.

- ومن دراسة خُطَبِه، وبالأخص خطابه في عيد الثورة عام 1975، يبين أن ثورته مبنية على:

1-

القضاء على الرجعية "شعار يخفي القضاء على الإسلام".

2-

إحياء الحضارة القديمة "أي: الوثنية والمجوسية".

3-

الاهتمام بالفن وتنمية الفنون الشعبية "لإشاعة الإباحية".

4-

إنشاء مذهب جديد باسم الإيدلوجية القديمة "للقضاء على أيدلوجية الإسلام وعقيدته".

5-

تطبيق الاشتراكية "لاستبعاد تطبيق الإسلام".

- وفي سبيل تحقيق هذه الغايات ارتكب الانقلاب الشيوعي الأول:

أ- الإرهاب والبطش:

وما حدث لحبيب الرحمن مدرس بكلية الشريعة وأسرته، وعطا محمد الطالب بكلية العلوم وأسرته، والدكتور محمد عمر، وغلام محمد نيازي، وغيرهم من أبناء الجمعية الإسلامية، أو "جمعيات إسلامي أفغانستان"، وقد ترتَّب على ذلك هجرة حوالي مليونين من البلاد إلى الجبال أو الدول المجاورة، وقيل: إن عدد السجناء السياسيين بلغ ثلاثين ألفًا، كل ذلك دليل على ما اتَّسم به العهد من طغيان.

ب- استعان الثوريون بالفتيات والفتيان الفرنسيين للتبشير، ولنشر

ص: 151

الإباحية والفجور، وكان مما يقدم هؤلاء كهدايا شكل الصليب مصنوعًا من الذهب؛ ليعلقه الشاب في عنقه، أو يربطه على معصمه.

ج- الاستعانة بالخبراء الأجانب من الروس، حتى بلغ عددهم أربعة آلاف، وبعضهم أعضاء في الـKGB.

الانقلاب الشيوعي الثاني:

كان الفساد الذي دبَّ في الجهاز الإداري، والانهيار الذي أصاب الاقتصاد الأفغاني، والكبت السياسي الذي بلغ ذروته في ظل انقلاب محمد داود، وأخيرًا الخلاف الذي دبَّ بينه وبين الحزبين الشيوعيين الرئيسيين "خلق وبرجم"، كان كل ذلك دافعًا لتدبير الانقلاب الثاني؛ لتعلن الشيوعية عن وجهها الكالح مستغلة معاناة الجماهير.

وسبق ذلك اتحاد الحزبين الشيوعيين تحت زعامة نور محمد تراقي.

وفي ليلة الانقلاب اتصل بعض ضباطهم بمحمد داود، وأخبروه يقيام مظاهرة في الغد، واستاذنوه لخروج بعض الدبابات لحماية القصر فأذن.

واتجهت الدبابات إلى القصر لتجعل فواهاتها موجهة للخارج، حتى إذا جاء الموعد المحدد "الثانية عشرة وأربع دقائق" تحوَّلت المدافع تجاه القصر لتدكَّ بنيانه على رءوس من فيه، وليشهد يوم 27 إبريل 1978 نجيعًا من الدماء ضجَّت له أرض أفغانستان..

فقد روي أنَّ من قُتِلَ من الرجال والنساء والولدان بلغ ثمانين ألفًا في مقدمتهم الكثير من المجاهدين، والعلماء، وأعضاء الجماعات الإسلامية المجاهدة منذ عهد محمد داود.

الانقلاب الشيوعي الثالث:

كان ذلك في 16 سبتمبر 1979، حين أطاح رئيس الوزراء حفيظ الله أمين برئيس الدولة "محمد نور تراقي" وحاول أن يخطب ودَّ المجاهدين ليوقفوا القتال، لكن المجاهدين استمروا في جهادهم، وقائد هذا الانقلاب درس

ص: 152

في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل منها على الليسانس "عام 1957"، الدكتواره "1962" ، وتزعم منظَّمة يسارية للطلبة الأفغان في أمريكا، وشارك بعد ذلك في تأسيس حزب خلق الماركسي، الذي كان يتزعمه محمد نور تراقي.

الانقلاب الشيوعي الرابع:

وفي يوم 27 ديسمبر 1979، وبعد أقلّ من ثلاثة شهور ونصف وقع الانقلاب الشيوعي الرابع، وبدعم عسكري سافر من الاتحاد السوفيتي، أكَّدته بعد أيام أنباء صرَّحت بها المصادر الرسمية في الولايات المتحدة، ولم تكذّبها مصارد الاتحاد السوفيتي، هذه الأنباء تفيد نصب جسر جوي بين الاتحاد السوفيتي وكابول عاصمة أفغانستان، وتَمَّ نقل جنود ومعدات سوفيتية عبر أكثر من مائة وخمسين طلعة جوية لطائرات الأنتينوف الضخمة، وتكامل للاتحاد السوفيتي من الجنود والضباط والخبراء قرابة عشرة آلاف، وتحت درع المدافع الكافرة تَمَّ إقصاء حفيظ الله أمين؛ ليحلَّ محله أحد عملاء روسيا، وزعيم حزب "برجم الشيوعي"، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الثورة في انقلاب محمد نور تراقي.

وكان المذكور "بايراك كارمل" قد أقصي وعُيِّنَ سفيرا في تشيكوسلوفاكيا يوليو عام 1978، عقب الخلاف الذي دبَّ بين الحزبين الشيوعيين "خلق وبرجم"، والذي أدَّى إلى انفصام التحالف غير المقدَّس عام 1977، بعد أن كان قد تَمَّ عام 1965 اتحاد الحزبين، وتسمَّيَا باسم حزب الشعب الديمقراطي، وعزل بايراك بعد ثلاثة شهور تقريبًا، ولكنه ظل مختفيًا في أوربا الشرقية حتى استقدمه الروس ليتزعَّم الانقلاب الأخير، وكان نفي بايراك كارمل بتأثير من حفيظ الله أمين إبَّان حكم تراقي، وما إن تَمَّ انقلاب كارمل تحت حراب السوفييت، حتى عقدت لحفيظ الله أمين محاكمة قضت بإعدامه، ونفِّذَ فيه حكم الإعدام في اليوم التالي ليوم الانقلاب، وتزايدت محاكمة قوات روسيا حتى جاوزت مائة ألف جندي توزَّعوا على أرض أفغانستان في المناطق التي كانت تحتلُّها جنود الجيش الأفغاني الرسمي.

ص: 153

وأعلن المجاهدون استمرارهم في جهاد الكفر الحاكم في كابول، مدعمًا من الكفر الحاكم في موسكو.

ماذا تعني هذه الانقلابات:

1-

تعني أولًا: اهتزاز قاعدة الحكم الشيوعي في كابول؛ إذ لو لم تكن كذلك لما لجأ الاتحاد السوفيتي إلى تغيير محمد نور تراقي عام 79، ثم إلى تغيير حفيظ الله أمين في نفس العام، ولكن بعد ثلاثة أشهر.

ولو لم تكن قاعدة الحكم مهزوزةً لما لجأ الاتحاد السوفيتي إلى المغامرة الثالثة في تاريخه الحديث "بعد مغامرة بولندا عام 1956، وتشيكوسلوفاكيا عام 1968"، بنقل جنوده خارج أراضيه للدفاع عن نظام شيوعي.

2-

تعني: أن الاتحاد السوفيتي قد استيأس من إمكان قيام حكم شيوعي وطني مثل الكثير من البلاد الشيوعية، وذلك راجع بلا شكٍّ إلى صلابة العقيدة الإسلامية، وإلى تصميم الشعب الأفغاني المسلم على الجهاد..

3-

تعني: إمكان التغيير القريب لنفس القيادة الجديدة إذا لم يتحقَّق لها النجاح السريع الذي يصبو إليه الاتحاد السوفيتي.

الشعب المسلم يجاهد الشيوعية الفاجرة:

- ولم بجد الشعب المسلم منطقًا مع الشيوعية غير حمل السلاح، وما تفهم الشيوعية منطقًا دون ذلك، واعتصم الشعب المسلم بالجبال "حوالي100 ألف مجاهد حتى الآن" تقوده قيادات إسلامية مختلفة؛ لسحق الغزاة الشيوعيين، ويحلو للنظام الحاكم أن يطلق على المجاهدين اسم "الإخوان المسلمين" 1 إشارة إلى ارتباطهم بمجاهدي مصر المعروفين في المنهج والغاية، وإثارةً للتافهين من الحكام ضد هذه الجماعة في بلادهم..

1 أول ما أطلق اسم "الإخوان المسلمون" عام 1910 على أتباع الحركة الوهَّابية في الجزيرة العربية؛ حيث يقول باول شمتز في كتابه "الإسلام قوة الغد العالمية": كان عام 1910 بدء مرحلة فكرية جديدة في تاريخ الوهَّابية، بدأ فيها انتشار المذهب بطريقة شاملة، ففي هذه السنة أسَّس ابن سعود حركة الإخوان التي حاول بها أن يدفع من طريقه القبائل العربية التي وقفت تزاحمه، وتعترض بناء دولة كبرى مركزية، فأحيت هذه الحركة شعور الانتماء الديني. "ص130" والحركات التي تلتها في العالم الإسلامي امتداد لها.

ص: 154

ويحمل المجاهدون الراية في أمانة وصبر وثبات، ويتقدَّم خيرة الشباب فداءً للإسلام، فداءً لتراب الإسلام أن تدسنه أقدام الكفرة الشيوعيين، فداءً لأعراض الطاهيرات المسلمات، وفداءً لدين الأمَّة وقيمها ومثلها.

ويسقط الشهيد تلو الشهيد، وأنغام الدم تثير الدماء في العروق، ويُقْدِمُ الشعب المسلم على التضحية بكل ما يملك، حتى ليبلغنا أن المجاهدين باعوا أثاث بيوتهم ليشتروا السلاح، ولم يجدوا في الجبال قوت يومهم فحاربوا وهم جياع، وبطون البعض من المسلمين ترهقها التخمة، ومرضها كثرة الطعام، وقمامات المترفين من المسلمين تكفي المجاهدين، وتكفي معهم شعوبًا يجري تنصيرها؛ لأنها لا تجد حفنات من الأرز تقتات بها، وإنا لله وإن إليه راجعون.

- وبرغم العون الضخم الذي كانت تقدمه الشيوعية الدولية للحكم الفاشي في كابول، فإن المجاهدين -برغم قلة عدهم وعدتهم- قد انتزعوا الأرض الإسلامية الحبيبة من تحت أقدام الشيوعيين، وبرغم الدعاية الضخمة التي يبذلها الإعلام الفاجر ضد المجاهدين، من أنهم متعاونون مع الإنجليز والأمريكان، فإن كثيرًا من ضباط الجيش الأفغاني تنضم إلى المجاهدين، وزادت نسبة الانضمام بعد الغزو الروسي الفاجر.

وحتى دخول القوات الروسية تَمَّ للمجاهدين -بفضل الله ورحمته- تحرير حوالي ثلثي أفغانستان، وسقط في أيديهم بعض المدن الهامة، منها: ثالث مدن أفغانستان، واستسلم للمجاهدين أعداد ضخمة غير التي أعلنت انضمامها قبل الاستسلام.

طوائف المجاهدين:

قد يبدوا للسياسي "العادي" أو المحترف أنها طوائف مختلفة بينها تنافر وتناقض، ومن ثَمَّ يغريه ذلك بالصيد في الماء العكر، لكن الأمر غير ذلك، كما سنشير بعد قليل.

وأثقل هذه الطوائف في ميدان الجهاد الحزب الإسلامي الذي يتأمَّر عليه الشاب المسلم "كولبدين حكمتيار"، ومعنى الإسم الأول في لغتهم: زهر الدين.

ويتميز أمير الحزب بصلابته وذكائه، ويشارك في الميدان بنفسه، ويأتي بعد الحزب الإسلامي "جماعة إسلامي أفغانستان"، ويترأَّسها الأستاذ

ص: 155

برهن الدين رباني، ويتميز برجاحة عقله، وسعة صدره، وحلمه وذكائه، وجماعته لها شعبية كبيرة.

ويأتي بعد ذلك "حزب الانقلاب الإسلامي"، وهو تحت قيادة عالم جليل "محمد نبي"، وقد شارك ويشارك في عمليات جهادية واسعة.

ويأتي بعد ذلك جماعة أخرى تحت نفس اسم "الحزب الإسلامي" ويترأسها عالم جليل يسمَّى محمد نبي خالص، شارك بنفسه في الجهاد، رغم أنه يربو على الستين، ويبدي عزوفًا عن التنازع حول الإمارة والرياسة.

وتأتي بعد ذلك جماعات وأحزاب أخرى أقل أهمية مثل جماعة "الأفندي" الصوفية.

"وهناك طائفة لها ثقل كبير في الميدان، وإن لم تكن منظمة، وهي القبايل، وهي تُكِنُّ للعلماء استجابة سريعة وقوية، وتبدي استبسالًا وتضحية في ميدان الجهاد، وفي النهاية تأتي بعض الشخصيات المعروفة مثل "صبغة الله المجددي"، أحمد سيرت، وآخرون يتناثرون بين قارات أوربا وأمريكا، وآسيا.

2-

ترابط المجاهدين:

عندما ينظر المسلم إلى خريطة المجاهدين قد يأخذه الإشفاق على حركة الجهاد الإسلامي إن لم يجاوزه إلى التشاؤم في مستقبل الجهاد، وفي مستقبل أفغانستان، ومن ناحية أخرى فقد يغري ذلك القوى المعنية بشئون أفغانستان بسهولة إجهاض أو إحباط، أو على الأقل تحويل مجراه عن هدفه في إقامة "حكم إسلامي" كما سوف نشير بإذن الله.

لكن النظرة الإسلامية المتعمَّقة تتنفس التفاؤل وتحسه إذا اعتبرت ما يلي:

1-

إن الاختلاف القائم على السطح وليس في الأعماق، وهو في القمَّة ولا يصل إلى القاعدة.

ص: 156

بل إنَّ هذه القاعدة تترابط -بفضل الله وحمده- ترابطًا قويًّا، وتتعاون تعاونًا جليًّا، وتصلي عدو الله وعدوها نارًا حامية، تسحقه بإذن الله وتمحقه، وعندما يلتقي المجاهدون من كافَّة الطوائف يختارون من بينهم أصلحهم للقيادة؛ ليمضوا في جهادهم، يبيعون أموالهم في سبيل الله.

بل إنَّ القاعدة جاوزت ذلك إلى الضغط على القيادة لتتحد في مواجهة العدو الواحد الكافر.

2-

وإن قادة هذه الطوائف -جلهم إن لم يكن كلهم- يتحلَّون بخلق إسلامي رفيع، ويتنافسون في الجهاد، ويتسابقون في الخيرات، ويختلفون في الاجتهادات والأساليب، لكنهم يتَّفقون في الغاية، ويلتقون على نفس الراية، ومن ثَمَّ فهم أقرب إلى الائتلاف منهم إلى الاختلاف.

ويوم يحسّون باستفادة العدو من اختلافهم -فلسوف- بإذن الله تجدهم على قلب رجل واحد.

3-

وإن ألوانًا من الائتلاف والاتحاد تَمَّت وتتمّ، وهي وإن تبدَّل بعضها، لكن وقوعها ينبئ عن إمكان الوقوع وليس استحالته.

4-

وإنه لا قدَّر الله إذا ركب الشيطان رءوس بعض القيادات للانحراف عن خط الجهاد، أو لجعل اليأس بين المجاهدين بدلًا من أن يكون مع الكافرين الظالمين، فإنَّ القاعدة القوية الفاهمة الواعية سوف تلفظ هذه القيادات، ويومئذ لن يكون رد الفعل رحيمًا، بل سوف يكون أليمًا شديدًا؛ ليكونوا عبرة لكل قيادة تتسلَّق على جماجم الشهداء، وتخون أمانة ربها وأمانة شعبها.

الخونة الحاكمون:

أما الخونة الحاكمون ابتداءً من داود، ومرورًا بتراقي وحفيظ الله أمين، وانتهاءً بكارمل، فقد انتهوا -بحمد الله- حقيقةً لا حكمًا.

انتهوا سياسيًّا:

بانفضاض الناس عنهم، وبانحيازهم للجانب الآخر انحيازًا بلغ

ص: 157

أوج القوة في المعارضة، وليس بعد دوي القنابل ما هو أقوى في التعبير!

وانتهى الحزب الحاكم "الشيوعي" سياسيًّا بعد أن تعرَّى إسلاميًّا، وتعرًّى شعبيًّا، وانتهى معه كذلك الحزب الشيوعي الآخر، الذي وإن لم يكن مشاركًا في الحكم، ففشل رفيقه حكم عليه كذلك بالفشل المؤبَّد!

وانتهوا حربيًّا:

فبرغم الحقن الدائم من الاتحاد السوفيتي الرابض على ألف ميل من الحدود، والمشارك بآلاف الخبراء والمستشارين، والأسلحة المتطورة التي لم تستعمل بعد في أي ميدان حرب، فنزيف الحكومة الشديد في ميدان القتال لم يعد يفلح معه الحقن، بل لا يفلح معه نقل الدم كذلك، إن كان لدى الشيوعية دم تستطيع أن تنقله، ويوم تحاول ذلك فلسوف تجد الدم الإسلامي أقوى وأوفى -بإذن الله!

ويكفي أن يعرف الناس أنه برغم كل ما قدَّمنا ذكره، فالمجاهدون قد سحبوا من تحت أقدام الشيوعية الكافرة الغاصبة ثلثي أرض أفغانستان، ولم يبق إلّا الثلث، وذلك في عام أو حول عام.

ويكفي أن يعرف الناس أن المجاهدين يحيطون بكابول، يطرقون أبوبها، بل يقتحمون أسوارها.

وإن الحاكمين بأمر روسيا قد رحَّلوا عائلاتهم إلى الدولة الأم في موسكو، بعد أن أحسّوا قرب نهايتهم، ورحَّلَ قبلهم المستشارون والخبراء الروس عائلاتهم استعدادًا، بل عودة إن شاء الله.

وانتهوا شعبيًّا:

فلم يعد الشعب الأفغاني الأصيل الذي قدَّم آلاف الشهداء في معركة الشرف والحرية والإسلام، لم يعد هذا الشعب يقبل أن تحكمه الشيوعية، أو أن يوجد بين صفوفه شيوعي، ويوم يتم التمكين الكامل فلسوف تجد الشيوعية في أفغانستان تصفيةً لها لم تحدث في أي مكان أو زمان آخر، ويظهر من الآن في السياسة التي تجمَّع عليها كل الطوائف المحاربة، وهو أنَّ

ص: 158

الأسير إن كان روسيًّا أو شيوعيًّا فلا شيء له إلّا القتل، أمَّا إن كان غير ذلك فإطلاق سراحه.

إن الشعب الأفغاني الذي قتل منه الانقلاب الشيوعي العسكري في إبريل 1978 ثمانين ألف مسلم، والذي يفقد أعزَّ أبنائه برصاص المجرمين، وداخل السجون والمعتقلات، لا يمكن أن تنسيه آلامه آلامَ إخوانه في بخارى وسمرقند والقوقاز، الذين استأصل منهم حكام روسيا عشرين مليونًا على الأقل في أعوام الثورة الشيوعية الأولى.

القوى الكبرى مقتنعة بنهاية كارمل:

والقوى الكبرى جميعًا، فيما نعلم ونؤكّد مقتنعة بنهاية كارمل؛ لكنها مترددة خوفًا من البديل، أو بحثًا عن البديل!

والبديل في نظرها لا يمكن أن يكون إسلاميًّا، أو على الأقل إسلاميًّا شكلًا وموضوعًا، إنما يمكن أن تقبل بالبديل الشكلي إذا وجدته، وأحسَّت بإمكان بقائه، أو على الأقل صموده.

وقد تكون البدائل كذلك موجودة، لكنها تتردد؛ لأنها تعترف أنها ستكون مبتوتة عن القاعدة القوية الواعية، إنها مع ذلك لن تستمتع طويلًا بكراسي الحكم، بل إنها متأكدة أنها يوم تجلس على كراسي الحكم فإنها تكون قد حفرت بظلفها قبرها، ولم يبق إلّا أن يهال عليها التراب.

أفغانستان قضية من:

قد يقال: إنها قضية الشعب الأفغاني.

قد يقال: إن أمرها يهمّ جيرانها المسلمين بباكستان وإيران.

قد يقال: إن أمرها يهم دول الخليج باعتبار قربها.

قد يقال: إن أمرها يهم أمريكا باعتبار غزو روسيا تحديًّا لها.

قد يقال: إن أمرها يهمّ الأمم المتحدة باعتبارها الغزو انتهاكًا لميثاقها.

ص: 159

1-

قضية الشعب الأفغاني:

لا شكَّ أن الفرض الأول صحيح، ولكن ليس من وجهة نظر الوطنية أو الإقليمية أو العصبية، وإنما باعتبار العدوان الآثم واقعًا على أرض شعب أفغانستان المسلم، فهو الصف الأوَّل للجهاد، وهو الطليعة المكلَّفة بصد هذا العدوان.

ولم يقصِّر شعب أفغانستان.

لقد قدَّم من الضحايا 300 ألف مجاهد قتلوا.

- وقدّم معهم 80 ألف مسلم قتلوا في أول انقلاب شيوعي صريح على يد نور ترافي.

- وقدَّم معهم 17 ألف مسلم مجاهد كانوا أسرى في أيدي الشيوعيين، وقتلهم حفيظ الله أمين داخل السجون، بعد أن كلفوا بحفر قبورهم داخل السجون بأيديهم.

- وقدَّم معهم 100 ألف مسلم قتلوا في الغزو الأخير جهادًا ضد جنود السوفيت الكافرين.

- وقدَّم بعد ذلك كله ربع مليون لاجئ من النساء والأطفال والشيوخ لا يجدون المأوى ولا يجدون الطعام، وماذا يراد من الشعب الأفغاني البطل أكثر من ذلك أو أبعد من ذلك.

2-

قضية باكستان وإيران:

قضية أفغانستان هي قضية باكستان وإيران كذلك.

أولًا: من وجهة النظر الإسلامية:

فالمسلمون كالجسد الواحد إذا أصيب عضو تداعى له سائر الجسد، وأفغانستان عضو عزيز، وأقرب الجسد الإسلامي إليه باكستان وإيران.

وإذا كان الجهاد فرض عين إذا غُزِيَت أرض المسلمين، فهو بالنسبة لمن كان أقرب أكثر فرضية وأشد وجوبًا.

ص: 160

ومن ثَمَّ فالجهاد من إيران وباكستان فرض حتم وواجب، وتخليها عنه هو تخلٍّ عن فرضية إسلامية سوف يسألان عنها أمام الله، ثم أمام الأمة الإسلامية.

ثانيًا: من وجهة النظر الاستراتيجية

فباكستان وإيران تأتيان في الدرجة الثانية بعد أفغانستان في أطماع الاتحاد السوفيتي:

فقد بدأ الاتحاد السوفيتي بهذا الغزو مرحلة جديدة تنكَّر فيها لدعايته وادِّعائه طوال ثلاثين عامًا مضت أنه محبٌّ للسلام، وناصر لحركات التحرّر، ومعادٍ للإمبريالية والاستعمار.

نعم بدأ الاتحاد السوفيتي مرحلة جديدة يسفر فيها عن وجهه الاستعماري الكالح، ويظهر فيه نواياه العدوانية ضد بلاد الإسلام التي كان يضمرها ويخفيها طوال الفترة السابقة.

أعاد للأذهان ما فعله من قبل بإخوتنا في الجمهوريات الإسلامية داخل الاتحاد السوفيتي، والتي تمثّل 9/ 10 مساحة ما فعله من قتل وتشريد وتجويع، حتى هبط تعداد المسلمين إلى النصف، وهم يتزايدون في كل مكان.

والاتحاد السوفيتي في هذه المرحلة لن يكتفي بغزو أفغانستان لأنَّه يريد تحقيق أهداف ثلاثة:

الهدف الأول:

القضاء على الثورة الإسلامية في أفغانستان حتى لا تمتدّ إلى الجمهوريات الإسلامية في أرضه.

ص: 161

الهدف الثاني:

الوصول إلى المياه الدافئة؛ لأنه إذا ابتلع أفغانستان فلن يبقى بينه وبين المياه الدافئة في الخيلج العربي غير مائتي كيلو متر، يمكن أن يقطعها في ساعتين أو ثلاث ساعات بلوغًا إلى المياه الدافئة، وهذه موجودة في أرض باكستان.

الهدف الثالث:

الوصول إلى منابع البترول إمَّا في المنطقة العربية أو في إيران؛ فإيران هي الدولة الثانية من ناحية تصدير البترول، والمنطقة العربية هي المنطقة الأولى، وفيها ثلث مخزون البترول، ومن ثَمَّ فقد يتَّجه إلى إحداهما أو إلى كليهما؛ لأن بتروله سوف يجف عام 1985م.

وإذا كان الاتحاد السوفيتي طامعًا في باكستان وإيران، فسوف يوجّه لهما بالتأكيد الضربة الثانية، أو بالتعبير الدارج: سوف يتعشَّى بهما بعد أن يتغذى بأفغانستان، فهل ينتظران في مكانهما حتى يحضر لأكلهما؟

إن الرجال يفضلون الموت في معركة عقيدة وشرف عن الموت على فراشهم، فلا نامت أعين الجبناء.

وعلى ذلك فالاستراتيجية الصحيحة للدفاع توجب مبادرة الدولتين الإسلاميتين إلى إخوانهم في أفغانستان، بل إلى خوض الحرب الحقيقية معهم قبل أن ينتهي الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، ثم يتوجه لهما الواحدة تلو الأخرى، وفي القديم قالوا: أكلنا يوم أُكِلَ الثور الأبيض، وبهذه المناسبة فلنا عتاب مرير على كلٍّ من الدولتين.

فإيران: التي أرسلت متطوعين إلى لبنان، لم ترسل حتى الآن شيئًا إلى جارتها الملاصقة لها أفغانستان، وأظنَّ أن إسلام أفغانستان أقوى من إسلام لبنان، أوبعبارة أدق: إن المسلمين في أفغانستان أكثرية كبيرة عنهم في لبنان.

ص: 162

وإيران كذلك التي احتلت السفارة الأمريكية وجعلتها معركة وقضية، أَبَتْ أن يحتلَّ أحد السفارة السوفيتية أو الأفغانية، بل أطلق الحرس الثوري على من احتلوا الرصاص.

كنا ننتظر من إيران الكثير

ولا نزال..

وباكستان:

التي أعلنت الحكم الإسلامي فيها، تعرف بالتاكيد أن الجهاد فرض عين لإنقاذ أفغانستان، وتعرف بالتأكيد حق الجوار الإسلامي، وحق الأخوة الإسلامية.

لكنَّها تتنكَّر لذلك كله -حتى الآن- وتكتفي بموقفين سلبيين:

- موقف الاستنكار الكلامي، ثم موقف إيواء اللاجئين.

ونحن ننتظر منها وفيها شعب مسلم قوي وجيش إسلامي قوي كذلك، ننتظر منها الكثير وقوفًا إلى جانب إخوتها في أفغانستان.

3-

قضية الخليج:

البعض يرى أن الخليج بخير

لاعتبارين:

أولهما: أنه لا يزال هناك فاصل بين الخليج وبين الخطر الشيوعي هو باكستان وإيران.

ثانيهما: أنَّ المصالح الغربية في الخليج كثيرة ومؤكدة، ومن ثَمَّ لن يسكت الغرب على أي عدوان على الخليج.

ونحن نخالف هؤلاء المتعقلين، ونرى أن الخطر على الخليج وارد بل داهم.

وسندنا في ذلك أن ما دام الحصول على النفط أحد أغراض الاتحاد السوفيتي، وما دام من المؤكد أن الاتحاد السوفيتي سوف يلتهم إحدى الدولتين الإسلاميتين بعد أفغانستان وباكستان أو إيران، فإنه إذا التهم

ص: 163

باكستان، يكون قد وصل إلى الخليج العربي أولًا، ويكون بحاجة إلى البترول ثانيًا، ويكون الخليج كله مرمى المدفع السوفيتي ثالثًا.

أمَّا إذا التهم إيران فقد يُقَالُ: إن عندها بترول، وسوف يكفي الاتحاد السوفيتي وكل طامع عنده نهم أشبه بنهم جنَّهم حين يُقَالُ لها:{هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد} وما الذي يحول دون الاتحاد السوفيتي إذا وصل إلى مياه الخليج ألَّا يأخذ الخليج أو بعض الخليج، وفيه الذهب الأسود الذي يطمع فيه على ما يزيد عن حاجته من البترول، ويتولَّى هو التصدير إلى الدول الغربية، ويستفيد هو من المكسب العائد. قد يُقَالُ: إنه يخاف الصدام العسكري مع الولايات المتحدة، لكن ما نراه هو أنَّ الولايات المتحدة من بعد درس فيتنام تؤثِر عدم المخاطرة بقوتاتها خارج حدودها، كما أنها تكتفي إزاء عدوان الاتحاد السوفيتي بالاستنكار وبوسائل الرَّدْع غير الحربية، والاتحاد السوفيتي لا يهمه ذلك كله، ويستمر في وضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام الأمر الواقع.

وهذا ما حدث من قبل في:

أنجولا، اليمن الجنوبية، أثيوبيا، ويحدث الآن في أفغانستان.

ويممن أن يحدث غدًا في إيران وباكستان، وفي الخليج

وعلى ذلك، فالخطر وارد بل داهم.

وواجب الاستراتيجية الصحيحة للدفاع يقتضينا المسارعة إلى نجدة إخواننا في أفغانستان قبل أن يصل الخطر إلينا قريبًا في دول الخليج.

وقد قلت في الكويت وفي دولة الإمارات العربية: أنفقوا من أموالكم قبل أن تنتزع أموالكم. أنفقوا من أرواحكم قبل أن تنتزع أرواحكم.

أشعلو جزءًا من البترول حرقًا للشيوعية والاتحاد السوفيتي، قبل أن يحضروا إليكم فيشعلوه حرقًا لكم ولحرماتكم ولأعراضكم ولأرواحكم.

ص: 164

ليس أمامنا اليوم خيار:

إن الزحف التتري الأحمر بدأ ولن يتوقف، إلّا أن نستيقظ ونحاول نحن إيقافه بجهادنا بأموالنا وأنفسنا في سبيل الله، وما تركت أمة الجهاد إلّا ذُلَّت، هذا بالنسبة للخليج.

4-

قضية الأمة الإسلامية:

ونخرج من هذا بغير عناء أنَّ القضية بالدرجة الأولى قضية الأمة الإسلامية. أفغانستان فيها خط أول، وباكستان وإيران خط ثان، والخليج خط ثالث.

والأمة الإسلامية ينبغي أن تكون مع هذه الخطوط الثلاثة في كلِّ تحرُّكاتها وزحفها إمدادًا بالسلاح وإمدادًا بالرجال وإمدادًا بالمال.

القضية اليوم: أن توجد الأمة الإسلامية أو لا توجد.

ذلك أن الاستعمار الروسي الشرس لم يترك وطنًا احتلَّه من قبل كما فعل الاستعمار الغربي، وهو لا يكتفي بمصِّ دماء أهل البلد اقتصاديًّا، ولا بالسيطرة عليهم عسكريًّا وسياسيًّا، إنه لا يعرف غير الإبادة والاستيعاب.. يبيد البلد، يبيد دينه وعقديته وأهله، ولا يسمح بخلاص وطن من هذا الاستعمار البغيض، وأسألوا بولندا.. ماذا فعلوا فيها عام 1956 حين تململت تريد الخلاص.

واسألوا تشيكوسلوفاكيا.. ماذ فعلوا عام 1968 حين تملمت كذلك تريد الخلاص.

وأسألوا من قبلها جمهوريات المسلمين داخل الاتحاد السوفيتي، وهي تمثل تسعة أعشار الاتحاد السوفيتي، هل رجع منها شيء إلى المسلمين بعد نصف قرن من احتلال الروس لها؟

إن الاستعمار الروسي هو أقسى أنواع الاستعمار الاستيطاني وأشدها، أنه شبيه بالاستعمار اليهودي وربما أشدّ منه.

ص: 165

فلتستيقظ الأمة الإسلامية، وليمت منها ربعها أو ثلثها في معركة شرف، بدلًا من أن تموت جميعًا على الفراش، فلا نامت أعين الجبناء.

أخيرًا هل هي قضية الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة؟

أمَّا الولايات المتحدة: فإن القضية -بكل تأكيد- تهمها.

لكننا لا نستطيع أن نتخلَّى عن الواجب ونقول: إن المعركة معركة الولايات المتحدة، إن المعركة معركتنا بالدرجة الأولى، ولا ينبغي أن نطلب من الولايات المتحدة أن تحارب معركتنا، لكننا نطلب منها إيجابيةً أكثر في مواجهة الغزو السوفيتي، وفي مجال الردع لا يكفي -لردع عدو غبي شرس كالاتحاد السوفيتي- بعض الإجراءات الثقافية والاقتصادية، أو حتَّى قطع العلاقات الدبلوماسية.

صحيح أن ذلك يؤثر، لكنه ليس التأثير الذي يوقف عدوًّا انطلق إلى هدف يريد أن يحققه على النحو الذي أشرنا.

ومن ثَمَّ فنحن ننتظر من الولايات المتحدة أن تتخذ إجراءات أشد قسوة، وإن كنَّا لا ننتظر منها أن تحارب معركتنا.

أما الأمم المتحدة: فحسبنا منها الشجب والاستنكار؛ لأنها لا تملك أكثر من ذلك، ولا تستطيع أكثر من ذلك.

وأخيرًا: بالنسبة للاتحاد السوفيتي:

مرَّت علاقات الاتحاد السوفيتي بالبلاد الإسلامية، سواء منها ما تحتله روسيا داخل أراضيها أو خارجها، مرت بمراحل عدة:

- فالمرحلة الأولى: عقب انتصار الثورة الشيوعية المشئومة عام 1917، كانت مرحلة "سحق" للبلاد الإسلامية المحيطة بروسيا، مارست فيها أقسى أنواع الاستعمار وأخسَّها، فقتلت من المسلمين الملايين سحقًا بالسلاح أو حصارًا وتجويعًا، وعلَّقت العلماء والرؤساء على أعواد المشانق ليكونوا عبرة لغيرهم، وتسامع الناس في العشرينات والثلاثينات بالغزو الفاجر لبلاد الإسلام في

ص: 166

تركستان ووإزبكستان وبشكريا وأذربيجان وكازاخستان، وقاوم المسلمون العُزَّل في مواجهة الزحف المدعَّم بأثقل السلاح، ودافع أحفاد البخاري ومسلم عن ميراث -محمد عليه الصلاة والسلام، واستمرَّ جهاد بعض المناطق عشر سنوات بغير انقطاع، والشيوعية المستعمرة الزاحفة لا تمل ولا تتراجع ولا تستحي، وأصوات المسلمين يسمع صداها داخل الستار الحديدي، ولا تجاوزه أنينًا وصراخًا وحشرجةً، والذين استطاعوا الفرار من الجحيم الروسي يحكون عن إجرام الروس وبشاعتهم وخِسَّتهم ما هو أقرب إلى الخيال أو أغرب من الخيال.

وبرغم المقاومة العنيفة التي دامت سنوات، فلقد استطاع الروس بكل وسائل الاستعمار التقليدي، وبما هو أشد منها قسوة وضراوة، أن يضمَّ إلى أراضيه تسعة أمثالها من أراضي المسلمين.

أما المرحلة الثانية:

فقد جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، حين حاول الاستعمار الشيوعي أن يبثَّ الشيوعية كفكرة داخل العالم الإسلامي، فغطَّى على جرائمه السابقة ليتحدث عن جرائم الاستعمار الغربي، وليدغدغ عواطف أبناء العالم الإسلامي التوَّاقين إلى التحرُّر من احتلال بريطانيا وفرنسا وهولندا.

ضرب على هذا الوتر ليمنِّي الكثير من المستضعفين أنه الأمل للتحرر، وأن مبادئه هي النقمة على الإمبريالية والاستعمار. كل ذلك إلى جوار ما حمله من خداع المحرومين والمسحوقين اجتماعيًّا أنَّ الشيوعية أمل الإنقاذ من الفقر والبؤس والجوع، ورفع الصيحة الكاذبة إلى صاليك العالم:

يا صعاليك العالم اتحدوا، فأمامكم عالم تغنمونه، وليس في أيديكم ما تفقدونه سوى الأغلال، واستجاب لصعاليك روسيا كثير من الصعاليك.

بضعهم عمالة وخيانة لدينهم ووطنهم، والبعض الأخر انخداعًا بما رفع الاتحاد السوفيتي من شعارات العدالة الاجتماعية، والتحرُّر من الإمبريالية والاستعمار.

ص: 167

- ووجد الاتحاد السوفيتي في هذه المرحلة أنَّ العقيدة الإسلامية "تقف حجر عثرة في طريق انتشار المبادئ الشيوعية، ومن ثَمَّ أعلن "تكتيكًا جديدًا"، هو معايشة المبادئ الإسلامية، بل والظهور بالشعائر الإسلامية خداعًا لجماهير المسلمين، فحرَّض كوادر الشيوعية وزعماءها على الظهور بمظهرٍ إسلامي بين المساجد يصلون، وعلى الأرض الطاهر يحجون أو يعتمرون، وهم يحملون في حناياهم الدمار لأمَّتهم ودينهم.

ونجح التكتيك الجديد في خداع واجتذاب البسطاء، وقالوا: لا بأس أن نتَّخذ الإسلام عقيدة، والشيوعية مذهبًا، حتى إنَّ أحدهم كتب إلى أحد زعماء الشيوعية يقول:"إلى الرجل الذي استطاع في وقت واحد أن يجمع بين الشيوعية والإسلام".

- ومارس الاتحاد السوفيتي في نفس الوقت اللعبة التِي مارستها بنجاح الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الخمسينات "لعبة الانقلابات العسكرية"، بلوغًا إلى التغيير من القمة بدلًا من انتظار التغيير من القاعدة، فلذلك أيسر وأقل تكلفة، ثم هو يوقِّر جيوش الاحتلال وأمواله، وردود فعله الدينية والوطنية والعصبية.

وتسامع الناس أن الشيوعية التي تتحدث عن الثورة الشعبية "أو ثورة البروليتاريا" قبلت بثورة العساكر؛ ليتغير النظام بأقل ضحايا إلى نظام شيوعي يسير في فللك روسيا ويحقق لها الأهداف المنشودة.

ورضي العساكر المتقلِّبون أن يكونوا -كأخوة لهم سبقوا- خدَّامًا للاستعمار الجديد، خوَّانًا لدينهم وأوطانهم، بل رضوا أن يكونوا أحذية تلبسها القوة الكبرى وتغيرها إذا "بليت"، أو حتى إذا لم تبلى وأرتأى اللابسون التغيير.

ولم تعتبر الأحذية الجديدة بمصير الأحذية القديمة، ما دامت تنال شرف أن تلبسها الأقدام "العظيمة"، وما دامت تنال شيئًا من عرض الحياة الدنيا منصبًا أو مالًا أو جاهًا.

ص: 168

ولقيت الأحذية الجديدة مصير الأحذية القديمة، فما بكت عليهم السماء والأرض، بل ما بكاهم يوم سقوطهم أحد.

وانتهت هذه المرحلة بمظاهرها المخلفة بالتخطيط الجديد للمرحلة الثالثة.

المرحلة الثالثة: رجعية الاستعمار الروسي

بدأت هذه المرحلة في ملامحها كمؤشرات بغزو بولندا عام 1956، ثم بغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968، لكن الاتحاد السوفيتي كان يجد المبرر والدفاع. إن هذه دول شيوعية، وإن ما يحدث فيه ردة عن النظام الشيوعي، وإنها تريد أن تحقق الأمن باعتبارها الدولة الأم، ثم هي لا تعدم بعد ذلك اتفاقات،

لكن المرحلة اتضحت بعد الغزو الأخير لأفغانستان في ظلِّ تمثيلية مضحكة؛ إذ تدَّعي أنَّ حكومة البلاد طلبت العون، فاستجابت روسيا وفاءً لمعاهدة الصداقة والتعاون المعقودة بين البلدين؟

وتساءل الناس:

من الذي طلب العون؟ الرئيس الذي أُعْدِمَ بعد العون، أم الرئيس الذي لم يكن موجودًا وقت تدفق العون؟

ويظن الاتحاد السوفيتي أنه كسب أو يكسب بهذا التدخل، فهو يستطيع في ظنه أن يكبت المقاومة التي عجز عنها عملاؤه "محمد داود، محمد نور تراقي، حفيظ الله أمين".

وهو في ظنه سوف يمنع إمكان انتقال العدوى إلى مسلمي الاتحاد السوفيتي فيما لو قُدِّر للمجاهدين الانتصار.

وهو في ظنه قد يجاوز أرض أفغانستان إلى أرض باكستان ليكون له منفذ

ص: 169

على المياه الدافئة، ثم ليطلَّ من قريب على آبار النفط في الخليج، وفيها ثلثا احتياطيّ العالم في وقت قاربت آبار نفطة على النفاذ.

ثم هو يحدِّث نفسه بقبلة المسلمين الحبيبة، كما يحدِّث اليهود أنفسهم من قبل بقبلة المسلمين الأولى.

كل هذه آمال وأطماع قد يضعها الاتحاد السوفيتي في كفَّة المكاسب، ولكن ليضع أمامها في كفة الخسائر:

1-

إنه نسف بالغزو -نهائيًّا- كل رصيد شعبي كان له في المنطقة الإسلامية.

2-

إنه بالغزو صار حجر عثرة أمام انتشار مبادئه سلميًّا وسط الشعوب.

3-

إنه بالغزو عجَّل بكشف أطماعه، ومن ثَمَّ حذر القواعد والقمم على السواء من أهدافه الخبيثة.

4-

إنه بالغزو أثار المقاومة بكل صفوفها وسط صفوف المسلمين.

للدين. للعرض. للوطن

ولئن لم تتبلور بعد، فإننا نحسها جمرًا تحت الرماد، عمَّا قريب -بإذن الله- يصير نارًا تحرق، ونورًا يضيء.

5-

إن كثيرًا من المكاسب المظنونة أوهام، فلا المقاومة سوف تُكْبَت، بل بإذن الله سوف تزيد، ولا العدوى إلى مسلمي الاتحاد السوفيتي سوف تتوقَّف، بل إنَّ غزو إخوانهم قد يوقظهم وقد يحركهم، بعدما يرون بأعينهم ما يحدث لإخوانهم بغير حقٍّ إلّا أن يقولوا ربنا الله.

أمَّا ما بعد ذلك فأوهام عملت لها القيصرية من قبل الشيوعية على مدى أربعة قرون، ولم تبلغ شيئًا منها، وسوف يكون مصير الشيوعية بإذن الله أن تدفن على أيدي المسلمين قبل أن تقترب من قبلتهم الحبيبة في بيت الله الحرام.

ص: 170

ماذا تعني الهزيمة؟ وماذا يعني النصر؟

وانتكاس الجهاد في أفغانستان لن يكون إلّا أن تسقط الراية الإسلامية، أو أن يدبَّ الخلاف في صفوف المجاهدين، كما هي محاولات الاستعمار في كل مكان، ومع كل ثورة يقوم بها أبناء بلد يحاولون تحريره من أيدي المستعمرين.

وانتكاس الجهاد -لا قدَّر الله- في أفغانستان يعني: استيلاء الشيوعية على هذا البلد المسلم الذي تأبَّى على كل غزو أجنبي، وقاتله وانتصر عليه، والذي عاش قرونًا يُضْرَبُ به المثل في استمساكه بالإسلام رجالًا ونساءً، والذي عزل ملكه لما حاول أن يغزو السفور بلده، فأخرج أمرأته سافرة.

وهو يعني بعد ذلك: امتداد السرطان الشيوعي إلى البلاد الإسلامية المجاورة: باكستان، إيران، ثم الجزيرة العربية.

وهو يعني: تهديد الحرمين الشريفين بخطرٍ من الصعب أن يزول أو يزال إن تحقق!

وانتصار الجهاد في أفغانستان يعني أولًا: تحريرها من الغزو الشيوعي الفاجر وخلوصها للإسلام، وهي إن أخصلت وتعاونت مع الحركة الإسلامية المنتصرة في باكستان وإيران، فإن تحرير أقاليم الإسلام في روسيا، وإغاثة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فيها، يكون أمرًا وشيك الوقوع، محقق الوقوع إن شاء الله، ولهذا اليوم نعدُّ كل ما نملك لترتفع راية الإسلام مرة أخرى على أرض الإمام البخاري والإمام مسلم؛ لتهدأ العظام الطاهرة، ولتهدأ الأرواح العزيزة الغالية {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم 4، 5] .

ص: 171