الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: ألف المد
ألف المد هو المسمى الثاني للمصطلح العام "ألف"، وهذه التسمية هي المشهورة في الدرس الصوتي التقليدي عند العرب. وقد ينعت أحيانا بألف المد واللين، أو بالألف اللينة، في مقابل الألف "اليابسة" التي يعنون بها الهمزة. وليس من النادر أن يطلقوا عليه "حرف علة"، غير أن هذا النظر الأخير إنما يغلب تطبيقه في ميدان الصرف.
أما في العرف الصوتي الحديث فألف المد تسمى الحركة، ونعني بها الفتحة الطويلة، التي تصور في الكتابة الصوتية Phonetic transcription تصويرا عاما هكذا:"a" أو "aa"، على أساس أن تكرار الرمز يعني طول الحركة، كما في نحو قال: qaal بالفتحة الطويلة "= ألف المد" في مقابل نحو كتب: kataba بالفتحة القصيرة.
ومن الطبيعي أن يعتمد تحديد هذه الحركة الطويلة على تحديد الحركة القصيرة المعروفة بالفتحة في التراث العربي التي وضعوا لها اسم التقليدي المعروف "َ" للدلالة عليها. وسبب هذا الاعتماد هو اتفاق الحركتين في كل الخواص النطقية، فيما عدا خاصة الكمية quantity أو الفترة الزمنية duration التي يستغرقها نطق كل منها، والتي تستتبع -بالضرورة- اختلافا من نوع ما في درجة انفتاح الشفاه.
والفتحة -كما هو معروف- هي إحدى الحركات الثلاث الرئيسية في اللغة العربية، وهي تكمل مع أختيها -الكسرة الضمة- نظام الحركات في
هذه اللغة 1The vowel system of Arabic. ولهذه الفتحة -كما لغيرها من الحركات- خواص صوتية معينة، يمكن تحديدها وتعرفها بأكثر من طريق علمي على المستوى الصوتي.
1-
يمكن تحديد الفتحة -كما يمكن تحديد غيرها من الأصوات- على أساس خواصها النطقية، وما يرتبط بذلك من آثار سمعية تصل إلى أذن السامع عن طريق الذبذبات المنتشرة في الهواء نتيجة لحركات أعضاء النطق أو بعبارة أخرى، نستطيع أن نصف الفتحة "وغيرها" بالإشارة إلى ميكانيكية النطق، وما تنتظمه هذه العملية من أوضاع أعضاء النطق وحركاتها المختلفة، وما ينتج عن ذلك من ذبذبات وموجات صوتية ملائمة لهذه الأوضاع والحركات، وتصل إلى أذن السامع، وتؤثر فيه تأثيرا معينا.
وهذه النظرة -كما ترى- تتضمن ثلاثة جوانب متصلة غير منفصلة:
- الأول: جانب نطقي articulatory.
- الثاني: طبيعي أو مادي physical أو acoustic كما يشار إليه أحيانا.
- الثالث: فهو سمعي audible.
وسوف نعتمد في دراستنا هنا على الجانب الأول؛ لأنه أوضحها وأهمها، مشيرين إلى الجانب الثالث كذلك، إذ لا نملك إهمال الآثار السمعية التي تصل إلى أسماعنا. أما الجانب الثاني فهو جانب دقيق بطبيعته، ويحتاج إلى تحليل صوتي معملي لا تحتمله البحوث الصوتية الدقيقة المتخصصة.
1 لسنا هنا في مجال دراسة الحركات العربية بالتفصيل، ومن ثم ليس من شأننا أن نشير إلى أي نوع من تلك الحركات الأخرى الإضافية التي قد تنسب إلى العربية أحيانا كالإمالة بأنواعها، أو تلك الحركات التي قد تكون خاصة بلهجة "قديمة" دون أخرى.
وهذا النظرة بجوانبها الثلاثة تدخل في نطاق علم الأصوات phonetics "أو الفوناتيك"، بوصفه المنهج الذي يركز جهوده على الناحية المادية للأصوات، أي على أساس أنها أحداث منطوقة بالفعل speech-events في الموقف المعين.
2-
يمكن تحديد الحركة "كما يمكن تحديد غيرها" بالنظر إلى وظيفتها في التركيب الصوتي، أي: بالنظر إلى قيمتها ومعانيها الصوتية في الموقع المعين. ويتم ذلك عادة بطريق التقابل أو التبادل commumitation بين الصوت المعين وغيره من الأصوات في سياقات متشابهة أو متماثلة comparable، كمقابلة الفتحة مثلا في نحو: جَلسة "بفتح الجيم، اسم مرة" وبالكسرة في نحو: جِلسة "بكسر الجيم، اسم هيئة".
وهذا الجانب جانب وظيفي functional، يعني بالأصوات من حيث وظائفها في تركيب اللغة، لا بالأصوات من ناحيتها المادية النطقية الخالصة. فهو إذ ينظر إلى الفتحة مثلا إنما ينظر إليها بوصفها وحدة unit أو عنصرا term في نظام system صوتي معين، لا بوصفها حدثا صوتيا منطوقا.
فوظيفة هذا الجانب إذن التجريد abstraction وتنظيم المادة وتقعيدها، لا البحث في الأمثلة الجزئية الواقعة أو حصرها ودرسها بهذا الوصف. وهو إن عرض لهذه الجزئيات إنما يعرض لها بغرض التجريد والوصول منها إلى قواعد كلية. وربما يتضح الفرق بين هذا الجانب الوظيفي والجانب السابق بالمثال الآتي:
الفتحة من وجهة النظر الوظيفية وحدة صوتية تكون جزءا من نظام الحركات في اللغة العربية، وهي بهذا المعنى ليست كسرة أو ضمة. ولكنها من حيث النطق وآثاره السمعية، "وهو ما يهتم به الجانب الأول" قد تكون ذات صور نطقية متعددة، وذات آثار سمعية مختلفة، بحسب الموقع الصوتي الذي
تقع فيه. فهناك مثلا: الفتحة المفخمة، والفتحة المرققة، وتلك التي قد تدعى بين بين، وهناك كذلك مثلا الفتحة القصيرة، والفتحة الطويلة
…
إلخ.
هذه النظرة الثانية للأصوات دراسة وظيفية، وإطارها العام هو علم وظائف الأصوات أو الفونولوجيا phonology.
ونحن في تعريفنا للفتحة سوف نأخذ في الحسبان الجانب النطقي وما يتعلق به أولا، ثم نخلص من ذلك إلى النظرة الوظيفية التي تنتهي بنا إلى تحديد الفتحة بوصفها وحدة صوتية أو جزءا من نظام الحركات في العربية. وإنما كان ذلك النهج منا لأن جانب الفونولوجيا -على الرغم من اختصاصه بمرحلة التجريد والتقعيد- لا يمكن فصله فصلا تاما عن الفوناتيك؛ فكلاهما مرتبط بالآخر ومعتمد عليه.
الفتحة بوصفها حركة ينطبق عليها "من وجهة النظر الفوناتيكية" التعريف العام للحركات، ذلك التعريف الذي ينتظم خاصتين أساسيتين هما:
حرية مرور الهواء خلال الحلق والفم، وذبذبة الأوتار الصوتية حال النطق بها. أو بعبارة أخرى -كما يقول علماء الأصوات- الحركة صوت يحدث أثناء النطق به أن يمر الهواء حرا طليقا من خلال الحلق والفم، دون أن يقف في طريقه عائق أو حائل، ودون أن يضيق مجرى الهواء ضيقا من شأنه أن يحدث احتكاكا مسموعا، ودون أن ينحرف عن وسط الفم إلى الجانبين أو أحدهما وهي في العادة صوت مجهور1.
1 انظر: دانيال جونز: An Outline of English Phonetics، p. 23 وروبنس:"علم اللغة العام: عرض تمهيدي" ص94، وبلوك وتريجر:"موجز التحليل اللغوي" ص18، 25 ومن رأى جونز أن الحركات دائما مجهورة في الكلام العادي، ولكن ينعدم هذا الجهر في الوشوشة Whispered Speech. أما الباحثون الآخرون فيرون أن جهر الحركات هو القاعدة العامة، ولكن هناك لغات معينة بها حركات مهموسة في الكلام العادي. أما "هيفنر" في كتابه General Phonetics فيرى أن الحركات قد تكون مجهورة أو غير مجهورة ومن هذه الحالة الأخيرة الحركات في الوشوشة وقد تسمى حينئذ "مهموسة" انظر المرجع السابق ص85-86.
أما تحديدها بوصفها فتحة فيعتمد على عاملين مهمين، هما وضع اللسان في الفم، والشكل الذي تتخذه الشفاه عند النطق.
أما بالنسبة للحالة الأولى فاللسان مع الفتحة العربية يكاد يكون مستويا flat في قاع الفم مع ارتفاع خفيف في وسطه، وربما ينحو هذا الارتفاع نحو الخلف قليلا. فالفتحة بهذا الاعتبار حركة متسعة أو منفتحة Open. وتدل هذه التسمية على الاتساع النسبي الواقع بين اللسان في وضعه المذكور وبين سقف الحنك الأعلى.
والملاحظ أن الشفاه حال النطق بالفتحة تكون في وضع محايد neutral أي: غير مضمومة not rounded، وغير منفرجة not spread. "ضم الشفاه يكون مع الضمة، وانفراجها مع الكسرة"، أو بعبارة أخرى تكون الشفاه معها مفتوحة، ومن هنا كانت تسميتها "بالفتحة"1.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الوصف إنما ينطبق على الفتحة بوصفها نمطا أو جنسا a type or a class of sounds ينضم تحته عدد من الفتحات التي قد يأخذ اللسان معها أوضاعا مختلفة من حيث درجة ارتفاعه وانخفاضه، ومن حيث جزؤه المرتفع أو المنخفض: أهو الجزء الأمامي أم الخلفي.
وهذ الوصف ذاته -وإن كان مبنيا على أساس النطق "أو النظرة الفوناتيكية"- يقرب أن يكون وظيفيا أو فنولوجيا لاهتمامه بالأنماط لا بالجزئيات والأمثلة النطقية المختلفة Variants.
ومهما يكن الأمر، فالفتحة بصورها النطقية المتعددة ليست إلا وحدة صوتية واحدة من الناحية الفنولوجية الوظيفية. ذلك لأن هذه الصور ليست إلا صورا سياقية نتجت عن اختلاف المواقع الصوتية في التركيب، وليست تنفرد
1 من هذا يظهر أن هذه التسمية تسمية علمية بارعة، وقد توصل إليها أبو الأسود الدؤلي منذ مئات السنين، كما تبدو من تلك القصة المشهورة المروية عنه في هذا المجال.
كل صورة منها بقيمة لغوية تختلف عن قيمة الأخريات. إنها جميعا من هذه الناحية الأخيرة -ناحية الوظيفة والقيمة اللغوية- تمثل كلا أو نوعا من الحركات هو ما اتفق على تسميته بالفتحة.
والفتحة بهذا المعنى الوظيفي ليس لها من مدلول أكثر من كونها ليست كسرة أو ضمة، وهي تتبادل السياقات الصوتية معهما. نقول مثلا:
جَلسة "بفتح الجيم" × جِلسة "بكسر الجيم"
وبَرد "بفتح الباء" × بُرد "بضم الباء = ثياب"
فنلاحظ وقوع الفتحة موقع الكسرة والضمة وتبادلها للمواقع معهما وقد أدى هذا الوقوع وهذا التبادل إلى اختلاف المعنى في الحالتين، كما هو واضح من الأمثلة. وهذا يعني أن الفتحة هنا ذات وظيفة لغوية، إذ استطاعت أن تفرق بين المعاني في الكلمات المتشابهة في كل مكوناتها الصوتية، باستثناء نفسها. وهذه الوظيفة هي وظيفة الفتحة بهذا الوصف، أي: بقطع النظر عن صورها وأمثلتها الجزئية المتعددة من فتحة مفخمة، ومرققة، وبين بين
…
إلخ.
والأوصاف السابقة بجانبيها الفوناتيكي والفونولوجي أو النطقي والوظيفي تنطبق في عمومها على الفتحة الطويلة "= ألف المد"؛ إذ هي مثل الفتحة القصيرة في كل ما ذكرنا باستثناء خاصتين فرعيتين.
أولاهما: تظهر في فرق الكمية؛ حيث يستغرق نطق الفتحة الطويلة زمنا أطول نسبيا من نطق القصيرة. وتصحب هذه الخاصة ظاهرة نطقية أخرى، هي أن حياد الشفتين "المعهود في نطق الفتحة القصيرة" يميل إلى اتخاذ وضع مختلف إلى حد ما، يظهر هذا الوضع في ازدياد درجة الاتساع بينهما، بسبب خاصة الطول في الفتحة الطويلة دون القصيرة.
ونعني بالخاصة الثانية التي تنفرد بها الطويلة دون القصيرة أن الفتحة الطويلة إنما تقارن وظائفها اللغوية في التركيب بوظائف الكسرة والضمة الطويلتين -لا القصيرتين- أي: واو المد ويائه، كما ترى في نحو:
قاما "للمثنى" × قومي "أمر المخاطبة"
وقاما "للمثنى" × قوموا "أمر جماعة الذكور"
حيث وقع التبادل هنا بين الحركات الطويلة في سياقات صوتية متماثلة، وحيث أدى هذا التبادل إلى التفريق بين المعاني.
نخلص من كل ما تقدم إلى أن ما يسمى "ألف المد" في التراث التقليدي ليس إلا
حركة، هي الفتحة الطويلة.
أما كونها حركة فلاتصافها بخواص الحركات بعامة. وتتلخص تلك الخواص في صفة "الجهر" الذي ينشأ عن ذبذبة الأوتار الصوتية حال النطق، وفي أن هواءها عند النطق يخرج في الحلق والفم حرا طليقا دون أن يعوقه عائق أو مانع ودون أن ينحرف إلى أحد الجانبين أو كليهما. أما كونها فتحة فلانطباق الخواص النطقية للفتحة عليها، باستثناء خاصتي الطول وإمكانية التبادل في المواقع الصوتية مع الواو والياء، لا مع الكسرة والضمة القصيرتين، كما سبق أن ذكرنا.
فالفتحة في العربية إذن وحدة واحدة، ولكنها قد تكون قصيرة وعلامتها الكتابية " َ" أو طويلة وعلامتها "ا" وهي ما تسمى ألف المد.
وتتفق هاتان الصورتان للفتحة في ظاهرة صوتية أخرى مهمة، تلك هي ظاهرة التفخيم والترقيق وما بينهما.
فالفتحة بذاتها لا تتصف بتفخيم أو ترقيق، وإنما تعتريها هذه الظاهرة
في السياق أي بسبب تأثرها بما يجاورها من الأصوات، فهي إذن ظاهرة سياقية contextual كما يظهر في نحو:
- صَبْرٌ
- قَبْرٌ
- سَبْرٌ
حيث فخمت الفتحة في المثال الأول، ورققت في الثالث ولكنها بين الحالتين في المثال الثاني. وهذا الاختلاف في الدرجة يرجع إلى الأصوات السابقة عليها في هذه الكلمات. فهي في الكلمة الأولى مسبوقة بصوت مفخم هو الصاد. وفي الثالثة بالسين وهو صوت مرقق. أما في المثال الثاني فهي واقعة بعد القاف1 وهو صوت بين بين أي بين التفخيم والترقيق.
وكذلك الحال في الفتحة الطويلة "= ألف المد"؛ حيث لا تتصف بذاتها بهذه الظاهرة بدرجاتها المختلفة. قارن:
- صاد
- قاد
-ساد
حيث كانت "الألف""= الفتحة الطويلة" مفخمة في الكلمة الأولى ومرققة في الثالثة، ولكنها بين الدرجتين في المثال الثاني. وسبب هذا الاختلاف إنما هو السياق نفسه.
ومن الجدير بالذكر أن عالما عربيا قد لحظ هذه الحقيقة، وهي أن ما تخضع له الألف "= الفتحة الطويلة" من تفخيم "أو ترقيق بطبيعة الحال" إنما
1 عبارة "بعد" لا تشير إلى: أنها واقعة على الباء ولكنها تشير إلى أنها واقعة على الصاد، أو السين. إملائيا، ولكنها وفقا لطبيعة النطق. تنطق بعد النطق بالصامت.
سببه السياق، أما هي ذاتها فلا توصف بتفخيم أو ترقيق. يقول ابن الجوزي: ومن الحروف "الحروف المستقلة وضدها المستعلية. والاستعلاء من صفات القوة. وهي سبعة يجمعها قولك: "قظ خص ضغط"، وهي حروف التفخيم على الصواب. وأعلاها "الطاء"، كما أن أسفل المستفلة "الياء". وقيل: حروف التفخيم هي حروف الإطباق1، ولا شك أنها أقواها تفخيما، وزاد مكي عليها الألف. وهو وَهْمٌ، فإن الألف تتبع ما قبلها فلا توصف بترقيق أو تفخيم"2.
فابن الجزري هنا ينفي كون الألف مفخمة أو مرققة بذاتها، وهذا قول سليم ولا شك، غير أنه قصر خضوع الألف لهذه الظاهرة على الحالات التي تكون فيها تالية للأصوات التي تؤثر فيها. وكان الأوفق به أن يعمم الأمر فيرجعها إلى الموقع أو السياق بعامة، لندخل الحالات الأخرى التي يحدث لها التأثر بالأصوات التالية لها أيضا، كما يظهر مثلا في نحو:
فاض، باض
حيث تأثرت الألف بتفخيم الأصوات التالية لها "لا السابقة عليها"، وكان مقتضى كلامه أن تكون مرققة في مثل هذه الحالات لسبقها بأصوات مرققة.
"وأما ابن جني فلم يذهب هذا المذهب الدقيق على ما يبدو. إنه لم يربط تفخيم الألف "أو ترقيقه" بالسياق أو الموقع، وإنما يفهم من كلامه أن الألف قد تفخم "أو ترقق" بذاتها، أي بقطع النظر عما يسبقها أو يلحقها من الأصوات. يقول:
"وأما ألف التفخيم فهي التي تجدها بين الألف والواو، نحو قولهم:
1 حروف الإطباق أربعة هي: الصاد والضاد والطاء والظاء.
2 النشر في القراءات العشر لابن الجزري جـ1 ص202-203.
سُلام عليك، وقُام زيد، وعلى هذا كتبوا: الصلوة، والزكوة، والحيوة، بالواو، لأن الألف مالت نحو الواو".
فابن جني ههنا يشعرنا بأن التفخيم من صفات الألف ذاتها، كما يشعرنا بأن هناك أكثر من صورة لنطقها بقطع النظر عن سياقها الصوتي.
والظاهر على كل حال أن هذا العالم كان يتكلم عن الألف في لهجة معينة أو مستوى لغوي معين، بدليل أنه عد هذا النطق داخلا في إطار ما سماه الأصوات أو الحروف المستحسنة1. ومعناه أن تفخيم الألف جائز وإن لم يكن هو الأصل فيها. وفي ظننا أن هذا النطق اللهجي -غير المرتبط بالموقع والسياق- متأثر بنطق أجنبي عن العربية في مستواها الفصيح، وبدليل أمثلته الأخرى في بقية النص، وهي "الصلوة والزكوة" إلخ، وهي كلمات سوريانية الأصل على ما نعلم.
ويجب أن نعرف على كل حال أن التفخيم في الألف "والحركات العربية كلها" ليس ظاهرة "فونيمية" phonemic، أي: ليس ظاهرة من شأنها التفريق بين المعاني في الكلمات المتماثلة في تركيبها الصوتي، فيما عدا هذه الظاهرة نفسها. وإنما التفخيم هنا ظاهرة تطريزية prosodic، هي خاصة السياق كله وناتجة عنه. فالتفخيم هنا يختلف عن التفخيم في الطاء من نحو: طاب؛ إذ هذا الأخير تفخيم "فونيمي"؛ إذ كان وجوده مفرقا ومميزا للمعاني، كما يظهر من مقارنة:"طاب" بـ"تاب".
ففي "طاب" تفخيم واضح في الحدث اللغوي كله، ولكنه تفخيم ذو معنى لغوي في الطاء "إذ هو يميزها من التاء" وتفخيم سياقي تطريزي في الألف "والباء كذلك"، سببه وجود هذه الطاء.
1 سر صناعة الإعراب لابن جني جـ1 ص51 و56.
هذا القول الموجز الذي سقناه فيما يتعلق بألف المد وخواصها من وجهة النظر الحديثة من شأنه أن يقود إلى عقد مقارنة بين هذه النظرة وما رآه علماء العربية في الموضوع نفسه. ولكننا رأينا أن نرجئ الكلام على هذه المقارنة لنعود إليه في دراسة خاصة تضم الواو والياء كذلك، لأن هؤلاء العلماء قد تناولوا هذه "الحروف" الثلاثة معا، وأتوا فيها بأحكام تنسحب عليها جميعا بصفة عامة.