الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: المطابقة
المطابقة -كغيرها من عناصر نظام الجملة- نوقشت متناثرة هنا وهناك في تراث العربية، باستثناء أبواب نحوية معينة ركز فيها "نوع تركيز" الكلام على أوجه المطابقة واحتمالاتها، كما يظهر ذلك مثلا في التوابع والعدد وأفعل التفضيل والإضافة. ومن الظريف حقا أن تكون معظم الأخطاء التي يقع فيها الطلاب في هذا المجال مما تنتمي أمثلته إلى هذه الأبواب.
والمطابقة في العربية تكون في:
1-
في الشخص "متكلم، مخاطب، غائب" وهو خاص بالضمائر.
2-
الإعراب.
3-
في التعريف والتنكير.
4-
في النوع "التذكير والتأنيث".
5-
في العدد "الإفراد والتثنية الجمع".
وهناك ضرب آخر من المطابقة تقتضيه طبيعة العربية وقواعدها كذلك، وهي ما يختص بالعاقل وغير العاقل. وهذا الضرب بالذات لم يحظ من علماء العربية إلا بلمحات سريعة لا تغني شيئا.
وأخطاء الطلاب في قواعد المطابقة تختلف من حال إلى حال من حيث الكثرة والقلة. وفيما يلي كشف بالمثال عن هذه الأخطاء. وإن في إيجاز موجز.
لم نلاحظ أخطاء في لغة هؤلاء الشباب في قواعد المطابقة في الشخص، وإن كنا لا نستبعد وجودها، ودليلنا على ذلك مستواهم الضعيف في قواعد العربية بوجه عام.
والخطأ في الإعراب من حيث قوانين المطابقة موجود بكثرة. وذلك أمر بديهي، فقد سبق أن قررنا شيوع الأخطاء في الإعراب بعامة، ومن ثم ينطبق ما ذكرناه هناك على حالتنا هذه، وإليك أمثلة قليلة من هذا النوع، وهو خطأ مؤسف حقا.
إن كفار قريش ومشركوها
…
فأتى بصيغة الرفع مع عطفها على منصوب هو اسم إن. ولا مجال للقول بأنها معطوفة على المحل. ومنه كذلك:
أتى بكلام دقيقا
اكتشف فنا جديد
المطابقة في التعريف والتنكير:
يظهر خطؤهم في ذلك في بابين اثنين بوجه خاص. الأول أفعل التفضيل. إنهم هنا يعرفونه بال حين يكون متلوا بمن، كما في قولهم:
والأحسن من هذا
…
نعم قد ورد مثله في الشعر في القديم، ولكن لم يؤخذ به، وعد مرفوضا من الجماعة.
الباب الثاني التركيب الإضافي، غير أن ذلك محصور في نمطين من التراكيب، هما:
1-
غير مضاف إليه
الغير مفهوم:
وصحته "غير المفهوم"، وذلك بسببين اثنين معا:"غير" متوغلة في الإبهام فلا تدخلها أداة التعريف في أي موقع وقعت فيه، وهي هنا في موقع المضاف. والمضاف في العربية لا تدخله أداة التعريف إلا إذا كان صفة مضافا إلى ما فيه "ال" و"كالجعد الشعر".
ووصل أل بذا المضاف مفتقر
…
إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر
2-
عدد + معدود
الخمسة كتب
وصحته "خمسة كتب" أو "الخمسة الكتب" على رأي الكوفيين، بتعريف الجزأين. وفي كل الحالات لا يعرف الجزء الأول لأنه مضاف. وحاول مجمع اللغة العربية بالقاهرة تصحيح هذا الاستعمال الشائع.
المطابقة في النوع:
يقع الخطأ في هذا الباب في نمطين معينين بوجه خاص، ولكن لا نعدم أمثلة متناثرة في أنماط أخرى، وهي قليلة لا تشكل ظاهرة.
النمط الأول: التركيب العددي من هذا البناء:
العدد من "1-10" + المعدود
ومثاله: ثلاث أبواب
ثلاثة صفحات
والحق أن الخطأ في هذه الحالة وأمثالها ليس مقصورا على الطلاب أو عامة المثقفين، بل قد يقع فيه أهل الاختصاص. وهم إن وقعوا تأولوا أو تمحلوا.
النمط الثاني: يظهر في هذا الشكل:
مفرد مضاف + جمع تكسير "مضاف إليه ومفرده مذكر".
إحدى المعاهد
إحدى أركان التشبيه
وهذا خطأ يمكن تفسيره "لا تسويغه". وهم المتكلمون فظنوا أن المضاف هنا يؤنثه لأنه مرتبط بجمع تكسير، وجمع التكسير يعامل معاملة المؤنث في بعض مواقعه، فتقول: جاء الرجال أو جاءت الرجال.
ومنه كذلك نحو:
أصبح علما ذات قواعد
وقليلا ما نقابل بأمثلة أخرى من الخطأ في هذه الباب، مثل:
كانت هذه الخطوة ذو حدين.
والواجب أن يقول: "ذات" بصيغة المؤنث. وفي المثال خطأ آخر، كما ترى، وهو الخطأ في الإعراب.
وقد نجد نحو:
أدت تنوع الأدوات إلى غموض القصيدة.
بتأنيث الفعل مع الفاعل المذكر، ولعل الذي أوقعهم في الخطأ هو إضافة الفاعل إلى جمع مؤنث، فالتبس الأمر على المنشئ.
وهناك كثرة كاثرة من الأمثلة يذكر فيها الفعل مع إسناده إلى فاعل مؤنث تأنيثا مجازيا، مثل:
شاع هذه الظاهر.
ولكن مثل هذا التركيب جائز في العربية، على ما قرروا.
الخطأ في العدد:
قليلا ما يقع الطلاب في الخطأ في هذا الوجه من المطابقة. ومع ذلك قابلتنا أمثلة تشير إلى خطأ واضح في هذا المجال. وأكثره في الأشكال النحوية المنتظمة لمثنى وجمع، حيث يخلط الطلاب بينهما في المطابقة، كما في قولهم:
هذان الكتابان هم. "المبتدأ مثنى والخبر جمع".
وقد يقع العكس:
وهم مبحثان. "ضمير الجمع مبتدأ والخبر مثنى".
ومن المخالفة في المطابقة -على رأي- إسناد الفعل إلى الضمير مع ذكر الفاعل الظاهر:
ذهبوا البلاغيون.
وهو جائز على أنه لغة، قيل هي لغة "يتعاقبون فيكم ملائكة" ومنه في القرآن {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . وتأولت الجماعة هذه الأمثلة ونحوها، على ما هو معروف.
بقي أن نشير إشارة خاطفة إلى معاملة الطلاب للأجناس "العاقلة وغير العاقلة". المشهور -وأظنه القاعدة العامة- أن الضمير "هم" بصيغة الجمع يشار به عادة إلى العقلاء، وربما جاء على خلاف ذلك قليلا، كما في قول واحد منهم:
دواوينه الخمسة هم.
وربما استعملوا اسم الموصول "ما" متعلقا بالعاقل:
وراموا مما حاولوا اكتشاف لغة جديدة.
ومنه في القرآن الكريم: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 وربما تأولوه.
وبعد:
فهذه إشارات خاطفة إلى أنماط الخطأ التي يقع فيها الطلاب في نظام الجملة العربية، وقد رأينا -فيما رأينا- أخطاء صارخة، لا ينبغي أن تمر دون تفكير وبحث ومحاولة الوصول إلى علاج. ولست أظن أن هذا الخطأ "وغيره" مقصور على طلاب وطن عربي دون الآخر، فالكل في الهم سواء.
وهنا نتساءل:
1-
ماذا ينبغي أن تكون عليه العربية.
2-
أنريد أشكالا أو مستويات منها؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما هي؟
1 سورة النساء آية 23.
3-
أنريد عربية عامة صحيحة تربط حاضرنا بماضينا وتحتفظ بأصول العربية الفصحى؟
4-
كيف، وما وسائل ذلك؟
5-
ما أسباب ما تعانيه العربية اليوم؟ وما وسائل العلاج؟
ومهما تكن الأسباب أو تعددت، فمن أهمها جهل العرب بلغتهم، بل بثقافتهم وحضارتهم وموقعهم في العالم.
وأملنا أن نصل إلى إجابات صريحة واضحة في هذا الأمر كله، ذلك الأمر الذي أضحى غير مقبول من الوجهات القومية والثقافية بل الاجتماعية والاقتصادية كذلك
…
والله الموفق.