المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المبحث السابع: التعريب بين التفكير والتعبير ‌ ‌مدخل … المبحث السابع: التعريب بين التفكير - دراسات في علم اللغة

[كمال بشر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المحتويات:

- ‌المبحث الأول: الألف والواو والياء "واى في اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌الألف

- ‌المرحلة الأولى

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌الواو والياء

- ‌المدلول الأول

- ‌المدلول الثاني:

- ‌الألف والواو والياء دراسة لغوية تحليلية على المستويات الصوتية والصرفية والنحوية

- ‌مدخل

- ‌الألف

- ‌أولا: الهمزة

- ‌ثانيا: ألف المد

- ‌الواو والياء:

- ‌المبحث الثاني: همزة الوصل

- ‌مدخل

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌المبحث الثالث: السكون في اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌المجموعة الأولى:

- ‌المجموعة الثانية:

- ‌المجموعة الثالثة:

- ‌المبحث الرابع: خواص صوتية تمتاز بها اللغة العربية

- ‌المبحث الخامس: نوعية اللغة التي يتعلمها التلاميذ في المرحلة الأولى ووسائل التقريب بينها وبين اللغة الفصيحة

- ‌المبحث السادس: الأخطاء الشائعة في نظام الجملة بين طلاب الجامعات

- ‌مدخل

- ‌الأخطاء "ومفردها "خطأ

- ‌الأخطاء الشائعة:

- ‌نظام الجملة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الإعراب

- ‌ثانيا: الاختيار

- ‌ثالثا: الموقعية

- ‌رابعا: المطابقة

- ‌المبحث السابع: التعريب بين التفكير والتعبير

- ‌مدخل

- ‌التعريب اللغوي: مؤيدوه ومعارضوه:

- ‌المؤيدون:

- ‌المعارضون:

- ‌الترجمة

- ‌مدخل

- ‌ التعبير

- ‌المراجع والمصادر:

الفصل: ‌ ‌المبحث السابع: التعريب بين التفكير والتعبير ‌ ‌مدخل … المبحث السابع: التعريب بين التفكير

‌المبحث السابع: التعريب بين التفكير والتعبير

‌مدخل

المبحث السابع: التعريب بين التفكير والتعبير

ينطلق الحديث من وقت إلى آخر في عالمنا العربي مناديا بوجوب تعريب العلوم باعتماد اللغة العربية لغة التدريس والتأليف والبحث العلمي والتقنيات الحديثة في جامعاتنا ومعاهدنا. وهناك من الدارسين أهل الاختصاص من لم يعيروا هذا النداء أي اهتمام، بل ربما عارضه بعضهم وأطلقوا شعارات أخرى ترمي إلى إسكات هذا النداء والتشويش عليه حتى لا ينفذ إلى الآذان ويخرج إلى حيز التنفيذ عاجلا أو آجلا. ولا نعدم في الوقت نفسه أن نجد من يقف وسط المعركة حائرا، لا يدري إلى أي من القبيلين ينتسب، إما لجهله أعماق القضية، وإما عجزا عن تقديم يد العون لهؤلاء أو أولئك.

ونحن من جانبنا نؤيد "التعريب" من حيث المبدأ. والمبدأ أشبه شيء بالدستور يحتاج إلى تفسير وضبط لأبعاده وأهدافه، وتعرف مجالات تطبيقه، وبيئة هذا التطبيق وزمانه. وهذا يقتضي منا إلقاء الضوء على بعض الأفكار والجوانب المتعلقة بهذا المبدأ إيجابا وسلبا، والتي قد يغيب عن بعضهم من القبيلين كليهما إدراك حقيقة الأمر فيها وما يلفها من مشكلات وصعوبات.

وأول ذلك تحديد مفهوم "التعريب" في التوظيف العربي المعاصر، إذ إن المصطلحات هي مفاتيح العلوم، فينبغي أن تكون ذات قدرة وكفاية للكشف عن مغاليق ما نود الوصول إليه، ولا يكون ذلك -بطبيعة الحال- إلا بإخضاعها للنظر والتدقيق مبني ومعنى.

يوظف "التعريب" -مصطلحا- في الثقافة العربية المعاصرة في أربعة معان، مختلطة الحدود في أذهان الكثيرين منا في النظر والتطبيق على سواء.

ص: 309

المعنى الأول:

قد يطلق "التعريب" في ميادين الثقافة العامة ويقصد به إخضاع النصوص أو الأعمال الأجنبية -علمية أو أدبية أو فنية- لشيء من التصرف في مبناها ومعناها، وذلك بتطويعها لمقتضيات الظروف وأنماط التقاليد الاجتماعية والثقافة العربية، وجعلها ذات سمة عربية في الإطار العام.

وقد يقتضي ذلك شيئا من التغيير في الجزئيات وبعض التفاصيل بذكر أفكار أو أمثلة أو نماذج عربية في صلب النص أو العمل المنقول.

ومعنى هذا أن النقل -في حالة النصوص المكتوبة- يأخذ طريقين متصلين غير منفصلين: أحدهما ترجمة الفكرة العامة أو العناصر الرئيسية للموضوع، وثانيهما حشو النص المنقول بأفكار جزئية عربية، أو التحرير والتعديل في بعض نقاطه أو حذف شيء أو أشياء منه، حتى يأخذ الطابع العربي بصورة من الصور. وكثيرا ما يحدث هذا الضرب من "التعريب" في المسرحيات والأفلام ونحوها وبعض الأعمال العلمية، وقد يسمى بالاقتباس أحيانا، أي: اقتباس الفكر الرئيسة وصوغها في بناء عربي.

المعنى الثاني:

وهو شديد الصلة بالأول، حيث يطلق "التعريب" ويراد به الترجمة، وهذا المفهوم يأخذ به بعض الناس -مثقفين وغير مثقفين- بطريق التجوز أو عن سوء فهم أو جهل بالمعاني الدقيقة للمصطلحات. وهذا المسلك -في رأينا- تعزوه الدقة أو -في الأصح- هو ضرب من الخطأ المحض.

إن الترجمة تعني نقل معاني الكلمات أو العبارات والنصوص الأجنبية والتعبير عنها بكلمات وعبارات مقابلة لها في اللغة المنقول إليها، سواء أكانت هذه اللغة المنقول إليها عربية أم غير عربية، في حين أن "التعريب"

ص: 310

في أدق معانيه محصور في النقل إلى العربية، "والعربية وحدها". وقد يكون النقل في مجال الألفاظ ذاتها، وهو الأشيع والأكثر استعمالا لمصطلح "التعريب""انظر المعنى الثالث" أو بتطويع النصوص على الوجه الذي بينا في المعنى الأول. وقد يراد بالتعريب اعتماد اللغة العربية لغة العلم والفن بدلا من اللغات الأجنبية "انظر المعنى الرابع".

المعنى الثالث:

وهو الأشهر في الاستعمال والأكثر استقرارا واتباعا في مجال العلم، وبخاصة في المصطلحات ونحوها. والمقصود به هنا نقل اللفظة الأجنبية بحالها إلى اللغة العربية، مع نوع من التعديل أو التغيير في صورتها بالقدر الذي يتمشى مع القواعد الصوتية والصرفية في اللغة العربية، وفقا للخطوط العريضة لضوابط هذين الجانبين في لغتنا. فالتعريب هنا إذن محصور مفهومه في مجال الألفاظ ونحوها من حيث المبنى والشكل.

والتعريب بهذا المعنى الثالث "أي تطويع الألفاظ الأجنبية بردها إلى الصور العربية صوتيا وصرفيا" هو ما يشيع العمل به في نقل العلوم والفنون الحديثة، غير أن استخدامه في هذا النقل له حدود وضوابط من حيث الكيف والكم. لقد سجل الأقدمون بعض القواعد العامة التي ينبغي اتباعها عند تعريب المصطلحات، فاشترطوا شروطا صوتية وأخرى صرفية للألفاظ المنقولة، حتى تأخذ السمة العربية التي تؤهلها للانتظام في الثروة اللفظية العربية، وحتى يسهل عليها التأقلم وتصبح "عربية" بالاستعمال الخاص والعام معا. وهذه الشروط كلها أو بعضها ما زال بعض الباحثين يتمسكون بها حتى وقتنا هذا. بقصد إلى إزاحة الغربة عن هذه الألفاظ ومنحها أردية مألوفة مأنوسة.

والحق أن اشتراط حدود معينة للصور النطقية والصرفية للمصطلحات المنقولة بالتعريب ينبغي ألا يؤخذ على إطلاقه. وإنما يعالج الأمر بحسب

ص: 311

الظروف والحالات التي تواجهنا، شريطة أن يكون صوغها على وفق المألوف لألسنة العرب وآذانهم قدر المستطاع.

أما من حيث الكم والأقدار المنقولة من الألفاظ بالتعريب فهناك آراء: هناك من لا يجيز التعريب ألبتة، لأن فيه -على ما يرى أصحاب هذا الرأي -إفساد للعربية وتشويها لمادتها. وعندهم أن الترجمة هي السبيل الأوفق والأولى بالاتباع في هذه السبيل. وهناك في الجانب الآخر من يرى فتح باب التعريب على إطلاقه، دون شرط أو قيد، على أساس أن المصطلح المعرب أقرب في الدلالة على المفهوم المقصود وأكثر وفاء بأغراض التعبير من الترجمة. أما المنصفون من الدارسين والباحثين فلا يرون بأسا من التعريب، وبخاصة في المراحل الأولى من نقل العلوم والفنون الأجنبية، ولكن بأقدار مناسبة، وحيث تكون الحاجة ملحة إلى هذا النهج. وهم في ذلك يستدلون بما جرى في القديم، حيث أقدم علماؤنا على تعريب أعداد كبيرة من المصطلحات ذات الأهمية الخاصة، على ما هو معروف ومشهور.

ونحن من جانبنا نأخذ بهذا الرأي، ولكن بشروطنا الخاصة التي تتمثل في وجوب وضع التعريب تاليا للترجمة في المحاولة والاجتهاد، وفي وضع نوع من الضوابط التي تحكم هذا النقل بالتعريب.

المعنى الرابع:

يشيع بين أهل الاختصاص من الدارسين العرب في السنوات الأخيرة توظيف مصطلح "التعريب" في مفهوم خاص، وإن كان هذا المفهوم ما يزال غائما في أذهان الكثيرين منهم. وأحسب أن أوضح تحديد له وأدق تفسير لمعناه في سياق المعارك الدائرة حوله الآن، هو ما قدمه لنا الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة رئيس مجمع اللغة العربية الأردني في بحث له اشترك به في فعاليات المؤتمر الثامن والخمسين لمجمع اللغة العربية بالقاهرة 1992م.

ص: 312

ومعلوم أن هذا المؤتمر قد عقد ورتبت كل أعماله وبحوثه لمناقشة قضية التعريب بهذا المفهوم الخاص "من جميع زواياه وجوانبه" الذي حدده الدكتور خليفة بقوله: "فالتعريب في هذا المصطلح الذي يكون محور مؤتمر مجمعنا لهذا العام، يعني بالتحديد تحويل الجامعات والكليات الجامعية والمعاهد العليا التي تضم مئات الأقسام العلمية، من التدريس باللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية وغيرهما إلى التدريس باللغة العربية، واعتماد اللغة العربية لغة التدريس الجامعي والبحث العلمي والتقنيات الحديثة".

هذا هو "التعريب" ذو المفهوم الخاص الذي نظن أو يفترض أن المناقشات الجارية في الساحة العربية منذ فترة قصيرة تدور حوله تأييدا أو معارضة، وعلى الرغم من وضوح هذا المفهوم للتعريب والأخذ به عند جملة من الباحثين العارفين، فالملاحظ أن هذا المفهوم قد اقتصر على التعريب اللغوي، أي: اعتماد العربية لغة العلم تدريسا وبحثا وتأليفا بدلا من اللغات الأجنبية وهذا التفسير للتعريب تفسير جائز ومقبول بوجه من الوجوه، ولكنه لا ينفذ إلى جوهر الموضوع ولا يصل بنا إلى أعماق القضية الأساسية، قضية "التبعية" العلمية للآخرين، والسير من خلفهم والتلقي عنهم دون مشاركة فاعلة.

التعريب عندنا يعني تعريب الفكر واللغة معا، إذ الاقتصار على التعريب اللغوي علاج قاصر إذا لم يعتمد على تفكير عربي، لأن التوظيف اللغوي المحض غير الصادر عن فكر عربي قد يكون بالترجمة أو بنقل أفكار الآخرين والاقتباس منها وصوغ ذلك كله باللغة العربية. ومردود ذلك أننا نظل تابعين فكريا وإن بدا أننا مستقلون لغويا. والتبعية الفكرية هي الداء الحقيقي الذي يفرز أدواء أخرى تنخر في عظام الجسم العربي. وعلى رأسها داء التعريب اللغوي الذي توجهت إليه أنظار الدارسين، وجعلوه محور مناقشاتهم ومعاركهم، غافلين عن مصدره الذي يتولد عنه ويمده بعناصر وجوده، وهو التعريب الفكري.

ص: 313

لا ننكر أن بعض الباحثين قد أشاروا إلى قضية تعريب الفكر هذه، ولكنها جاءت إشارات خاطفة وردت هنا وهناك في سياق الحديث عن التعريب اللغوي الذي رأوه السبيل الوحيد المفضي إلى تعريب الفكر. يقول الدكتور خليفة في بحثه المشار إليه سابقا:"هذا المدلول الحديث "مشيرا إلى تحديده السابق للتعريب".. يعني التحول من استعمال لغة أجنبية فرضت على المؤسسات العامة والخاصة إلى استعمال اللغة العربية وتأصيلها لغة الفكر والتفكير".

صحيح أن تعريب اللغة له دور لا ينكر في تعريب الفكر، إذ بين الجانبين ارتباط وثيق، ولكن هناك عوامل وعناصر أخرى كثيرة ذات فعالية غير منكورة في تنمية الفكر وتعميقه وتنوع أبعاده وجوانبه، كالخبرة والثقافة العامة وسعة الاطلاع على مصادر المعرفة العامة والخاصة، سواء أكانت هذه المعارف عربية أم أجنبية. هذه العوامل مجتمعة "وغيرها كثير" هي الأدوات الفاعلة في تحريك الفكر وتنشيطه ودفعه إلى الخلق والابتكار، بحيث يصبح قادرا على التفاعل والتعامل مع ما يجري في الحياة، والتصرف فيما يقابله أو يواجهه من مشكلات، ومن ضمنها التعريب اللغوي نفسه.

وتعريب الفكر عندنا يعني بالضرورة أن يكون للعرب دور إيجابي فاعل ذو خصوصية مميزة، لها نوع من الكيان المؤثر في السوق العلمية والفنية وجميع مجالات الحياة الإنسانية. ويتم ذلك في مجال العلوم بالمشاركة والمساهمة في النشاط العلمي بمجالاته المختلفة، كأن يكون لنا نصيب في الابتداع والابتكار أو الإضافة والتجديد أو التعديل والتطوير، أو حتى التفسير والتطويع للتطبيق السليم الراشد.

وهذه المشاركة الفاعلة وتلك المساهمة الإيجابية لا تأتي من فراغ، وإنما أساسها العمل الدائب في الاطلاع والتحصيل والاستيعاب والهضم لأعمال

ص: 314

الآخرين، بالإضافة إلى محصول الدارس نفسه ومخزون معارفه وثقافته. ثم يقلب هذا الدارس كل ذلك في فكره العربي في إطار شخصيته وموقعه، حتى تستقر لديه حصيلة معرفية أصيلة يستطيع -إن شاء- أن يعبر عنها باللغة العربية في سهولة ويسر، شريطة أن يكون مسيطرا على أدوات التعبير بها.

ومعنى هذا أن التعبير اللغوي العربي يولده التفكير العربي، فإن الإنسان يعبر باللغة التي يفكر بها. إنك إن أعملت فكرك باللغة العربية كتبت بها واستطعت أن توظفها إذا شئت، وأنى شئت. والذين يوظفون اللغات الأجنبية أو يفضلون توظيفها في أعمالهم العلمية هم واحد من اثنين، إما أنهم يفكرون بهذه اللغات، وإما أنهم يختارون الطريق السهل، وهو مجرد نقل مادة جاهزة باللغات الأجنبية، وتكون المسألة حينئذ أشبه باستيراد "فيلم" صنع في بلد ما وعرض على "شاشاتنا"، بصورته ومضمونه أو بمبناه ومعناه، دون أن يكون لنا دور في هذا العرض سوى التسلية وتزجية الفراغ، وربما ضياع الوقت أيضا.

ومعلوم بالضرورة، أن التفكير العربي المولد للتعبير بالعربية يحتاج إلى مخزون عقلي من هذه اللغة وحصيلة من نظمها وأساليبها مناسبة للتخصص أو العلم المعين. فإذا كان هذا التخصص أو ذاك العلم جديدا بالنسبة للدارس أو غير مستقر الأصول عنده، فلا مناص له من العود إلى لغة الأصل والتفكير بها، حتى يستوعب ويهضم، ثم يخرج -بعد- ما يستوعب ويهضم في عبارات عربية.

ومهما يكن الأمر، فالتعريب لغويا فقط أو لغويا وفكريا، له أنصار ومعارضون، ولكل فريق حججه ومسوغات اتجاهه. ونحن كما ألمحنا سابقا من أنصار "التعريب" شريطة أن يكون التعريب تعريبا فكريا ولغويا معا. أما حججنا لوجوب تعريب الفكر فواضحة لا تحتاج إلى دليل. ويكفي أن نقرر أن تعريب الفكر فيه تخليصنا من التبعية العلمية، ومنحنا فرصة التفاعل

ص: 315