المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأخطاء "ومفردها "خطأ - دراسات في علم اللغة

[كمال بشر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المحتويات:

- ‌المبحث الأول: الألف والواو والياء "واى في اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌الألف

- ‌المرحلة الأولى

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌الواو والياء

- ‌المدلول الأول

- ‌المدلول الثاني:

- ‌الألف والواو والياء دراسة لغوية تحليلية على المستويات الصوتية والصرفية والنحوية

- ‌مدخل

- ‌الألف

- ‌أولا: الهمزة

- ‌ثانيا: ألف المد

- ‌الواو والياء:

- ‌المبحث الثاني: همزة الوصل

- ‌مدخل

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌المبحث الثالث: السكون في اللغة العربية

- ‌مدخل

- ‌المجموعة الأولى:

- ‌المجموعة الثانية:

- ‌المجموعة الثالثة:

- ‌المبحث الرابع: خواص صوتية تمتاز بها اللغة العربية

- ‌المبحث الخامس: نوعية اللغة التي يتعلمها التلاميذ في المرحلة الأولى ووسائل التقريب بينها وبين اللغة الفصيحة

- ‌المبحث السادس: الأخطاء الشائعة في نظام الجملة بين طلاب الجامعات

- ‌مدخل

- ‌الأخطاء "ومفردها "خطأ

- ‌الأخطاء الشائعة:

- ‌نظام الجملة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الإعراب

- ‌ثانيا: الاختيار

- ‌ثالثا: الموقعية

- ‌رابعا: المطابقة

- ‌المبحث السابع: التعريب بين التفكير والتعبير

- ‌مدخل

- ‌التعريب اللغوي: مؤيدوه ومعارضوه:

- ‌المؤيدون:

- ‌المعارضون:

- ‌الترجمة

- ‌مدخل

- ‌ التعبير

- ‌المراجع والمصادر:

الفصل: ‌الأخطاء "ومفردها "خطأ

‌الأخطاء "ومفردها "خطأ

":

إن تحديد مفهوم "الخطأ" في اللغة يقتضي منا أن نشير -في إيجاز موجز- إلى نقطتين لهما صلة وثيقة بالموضوع، إحداهما منهجية والأخرى تتعلق بطبيعة اللغة. أما فيما يتعلق بطبيعة اللغة فمن المقرر والثابت أن اللغة لا تبقى على حال واحدة، بل يصيبها دائما وأبدا شيء من "التطور" أو التغير أو التبديل في كل ظواهرها: صوتية أو صرفية أو نحوية أو أسلوبية. ذلك أن الحياة نفسها متغيرة متجددة، ومن ثم تستلزم أنماطا من الكلام جديدة تقابل حاجاتها التعبيرية وتفي بأغراضها ومقاصدها التي تختلف من طور إلى طور ومن بيئة إلى أخرى. وهكذا تخضع اللغة لما يخضع له جميع مظاهر السلوك الإنساني فتتحرك من موقعها، فتضيف جديدا أو تنقص قديما أو تجمع بينهما. وتختلف درجة هذا التحرك وعمقه باختلاف الظروف والملابسات التي تعيش فيها اللغة المعينة.

هذا "التحرك" اللغوي أو تلك الديناميكية اللغوية المقررة يختلف الدارسون في الحكم عليها، كما يختلفون في تعيين مواقع آثارها في النظام اللغوي المعين. فهناك رجال المنهج الوصفي الذين يأخذون هذا "التحرك" قضية مسلمة، ولا يعنيهم منه إلا ملاحظته وتسجيله بأسلوب موضوعي صرف، ولا يدخلون أنوفهم فيما يلاحظون بنظرة ذاتية تسمه بالصواب أو الخطأ أو الجودة وعدم الجودة. وتنحصر وظيفتهم في وصف ما يلاحظون وتسجيل قواعده المستخلصة من الأمثلة المتشابهة. فالجديد عندهم إن كان مطرا في سلوكه ومظاهره ينضم إلى قواعد اللغة ويصبح جزءا من نظامها وإن لم يكن مطردا فهو ابتكار فردي، ربما يأتي عليه اليوم الذي يرشحه للقبول العام.

ص: 254

وإذا كان لهم أن ينعتوا هذا الجديد بنعت ينبئ عن منهجهم وصفوه "بالتغير" الذي لا يزيد مفهومه عن وصف ما وقع في اللغة بالفعل، وقد يسمه بعض البالغين منهم "بالتطور" بمعنى الانتقال من طور إلى طور أحسن، على أساس أن هذا الجديد أو هذا "التغير" لم يأت عبثا أو حشوا أو إفسادا وإنما جاء لمقابلة حاجات الناس في المجتمع الذي لا يكف عن التغير في كل مظاهر السلوك فيه.

أما المعياريون فلهم موقف مخالف تجاه هذا الجديد أو هذا التغير الذي يصيب اللغة. هذا التغير، إن خرج عن قواعد اللغة المتفق عليها والخاضعة للضوابط المرسومة، عد خطأ صرفا أو نوعا من اللحن أو الانحراف في أقل تقدير. إن هؤلاء المعيارين يفرضون القواعد ويفرضون الالتزام بها، إذ اللغة عندهم "ما يجب أن يتكلمه الناس". إنهم ينهجون المنهج المعياري الذي يعني بوضع معايير ومقاييس لغوية معينة ينبغي اتباعها والأخذ بها دائما وأبدا: فما جاء على وفق هذه المعايير والمقاييس فهو صواب. وما جاء على خلاف ذلك فهو خطأ.

وهنا تقابل المعيارين مشكلة حقيقية كثيرا ما تثار في الأوساط اللغوي وتوجه إليهم. هذه المشكلة تتمثل في السؤال التالي:

ما الأساس الذي تنبني عليه القواعد أو المعايير التي يجب الالتزام بها في السلوك اللغوي؟ أو ما مصدر هذه القواعد والمعايير؟

يجيب المعياريون عن هذا السؤال بطريق تقليدي موروث غامض؟ خلاصته أن الأساس أو المصدر إنما هو اللغة الصحيحة السليمة أو النموذجية "أو الفصحى في العربية" التي تلقاها الناس جيلا بعد جيل والتي وضع قواعدها ورسم حدودها أهل الاختصاص من اللغويين، ولا يعنيهم بعد ذلك أن تكون هذه اللغة قديمة امتد بها العمر وتعرضت لشيء من التغير أو أن

ص: 255

قواعدها جاءت شاملة لكل أنماط التعبير وصوره. ومضمون هذا الكلام أن هؤلاء القوم ينكرون التطور ودوره في السلوك اللغوي، أو أنهم يعترفون بوقوعه ولكنه في نظرهم يقع في مجال الخطأ والصواب وربما يمثل هذا الاتجاه واحد من رجالات العربية المشتغلين بقضايا "الصواب والخطأ" في اللغة، حين يقول:"تجري العربية على قوانين ومقاييس يعد الانحراف عنها خطأ ولحنا فيها. وكذلك مفرداتها وصيغها ومعانيها يجب الاحتفاظ بما ورد فيها عن العرب. ولا ينبغي أن نتجاوزه إلا بالمجاز أو الاشتقاق في حدود ما رسم جهابذة اللغة"1.

أما موقفنا نحن إزاء هذه القضية في هذا البحث وما شاكله فيتلخص في خط تفكيري ذي مرحلتين منفصلتين. نقوم في الأولى بتسجيل الظاهرة وتحليلها بالصورة التي تبدو عليها، ثم نتبع ذلك في المرحلة الثانية بتقويم ما نلاحظه ونبدي رأينا فيه من حيث الصواب والخطأ وفقا لمبادئ محددة. ونحن في ذلك لا نخلط بين منهجين، وإنما نفيد منهما معا، وبخاصة في هذه الآونة بالذات التي تحتاج العربية فيها إلى إبداء الرأي وتقديم المشورة، دون الاكتفاء بمجرد التشخيص النظري البحث. على أنه من سوء التقدير ألا نستغل نتائج الدرس الواصف وألا نحاول تطبيقها والأخذ بها بحسب الظرف المعين، كما أنه من الخطأ أن نفرض معايير أو مقاييس لغوية غير مستندة إلى واقع لغوي حقيقي.

وفي رأينا أن الحكم على الظاهرة المعينة من حيث الصواب والخطأ ينبغي أن يبنى على الأسس الثلاثة الآتية:

1-

استشارة القواعد التقليدية المسجلة في كتب اللغة الموثوق بها.

1 الشيخ النجار: الأخطاء الشائعة جـ1 ص1.

ص: 256

2-

الائتناس بآراء أهل الاختصاص، ونعني بهم المشتغلين باللغة وشئونها بالحرفة والصنعة، من أمثال رجال المجامع اللغوية وأساتذة الجامعات المختصين.

3-

اطراد الاستعمال اللغوي في البيئة اللغوية المعينة مع عدم ورود ما يمنعه أو لا يجيزه من القواعد والضوابط المقبولة في إطار الأساسين الأولين.

ولسوف نأخذ هنا بهذه الأسس الثلاثة مجتمعة. أما الأخذ بالأساس الأول فواضح، ذلك أن اللغة العربية اليوم "أو "فصحى العصر" كما يقولون" في صورتها المكتوبة مازالت محتفظة بجملة الخواص المميزة للغة العربية في عصورها الأولى، ومازالت قواعدها الأساسية تسير في الإطار العام الذي رسمته القوانين والضوابط المسجلة في كتب اللغة "الرسمية" والتي اتفق على قبولها معيارا للصواب والخطأ. ومن ثم كان من المنطق والضروري كذلك أن نعود إلى هذه الضوابط لتقويم ما يواجهنا من مشكلات في عربية اليوم.

غير أنه ثبت بالتجربة والخبرة الطويلة أن هذه الضوابط والقواعد نفسها كثيرا ما تقف حائلا أمام إصدار حكم صريح في هذه القضية أو تلك، وأحيانا تقود إلى البلبلة والاضطراب في التقويم، وذلك للأسباب التالية:

1-

تعدد الأوجه أو الأحكام بالنسبة للظاهرة الواحدة، وبخاصة في مجال الإعراب. وليس بخافٍ علينا ما سجله علماء العربية من أحكام فيما يختص مثلا بإعراب الأسماء الخمسة والمثنى وجمع المذكر السالم وكل ما سجلوه أو حكموا به وارد عن العرب أو هكذا قالوا.

2-

المبالغة في التأويل والتقدير والتفسير في التحليل الإعرابي، حتى إن المثل الواحد قد يعد صوابا في نظر بعضهم وخطأ صرفا في نظر الآخرين.

ص: 257

من ذلك مثلا ما نعلم وقرره الجمهور من أن كسر اللام بالجر من "رسوله" في قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} خطأ صراح. بل لقد روي أن هذه القراءة كانت من أسباب قدوم أبي الأسود على وضع النحو، على حين أن بعضا من الدارسين جوز هذا الكسر على أساس أن الواو هنا للقسم لا للعطف. ومن المعلوم لنا أن بعض أمثلة هذا التأويل أو التقدير مبنية على أسس غير مسموعة من العربي صاحب اللغة ومصدرها الحقيقي، وإنما جرى تحليلها على أسس ذهنية افتراضية أو وفقا لوجهات نظر خاصة يتعسفها الدارسون القدامى أحيانا. ومن حسن حظهم أن خاصة المرونة التي تتسم بها قواعد العربية تغريهم بهذا السلوك من وقت إلى آخر، ولا يعنيهم بعد ذلك إن تغيرت المعاني أو اضطربت بمثل هذا المنهج.

3-

يتبع هذين السببين سبب ثالث يتمثل في تعدد درجات الصحة وإمكانية القبول للأحكام والضوابط التي رسموها، فهناك الصحيح باتفاق والمختلف في صحته، وهناك الضعيف والشاذ. وهناك ما يجوز في الشعر ولا يجوز في النثر. وهذا أمر -كما هو واضح- يضع الدارس أحيانا في حيرة بالغة، إذ قد يصعب عليه الاختيار أو التفضيل بين وجه وآخر أو درجة وأخرى من درجات الصحة أو القبول في كل حال ومثال. بل ربما دفعه ذلك إلى تجويز كل ما يقابله من مادة. على أساس أنه لا يعدم أن يجد لها أو لأمثلتها وجها أو تفسيرا أو تخريجا يستند إليه في الحكم، بل ربما تستقر في ذهنه المقولة المشهورة الصادقة غير الصادقة" "لا يخطئ نحوي قط".

4-

باستثناء الإعراب، لم يهتم علماء العربية الاهتمام الكافي بالنسبة للجوانب الأخرى للنظم أو نظام الجملة، حتى إن الإنسان ليحار أحيانا في الحكم بالصواب أو الخطأ على هذا المثال أو ذاك من حيث جوانب الاختيار

ص: 258

والموقعية والمطابقة، لا ننكر بحال أن هذه الجوانب قد عولجت بصورة ما في كتب النحو والبلاغة، ولكن ذلك جاء بطريقة ينقصها الاستقصاء والتصنيف واستخلاص القواعد العامة لكل باب وتجميعها في إطار علمي ذي حدود مرسومة. والحق أن جل ما جاء من ذلك من كتب التراث إنما كان لخدمة الإعراب أو بدافع منه.

5-

قواعد العربية وضوابطها -شأنها في ذلك شأن قواعد أية لغة- تتصف بالعموم لا بالشمول، أي: أنها لا تنسحب بالضرورة على كل مثال أو مقول أيام التقعيد وقبله. وأغلب الظن أنه كانت هناك أمثلة أو أنماط من التراكيب أو صور من الكلام لم تؤخذ في الحسبان عند التقعيد لسبب أو لآخر، على الرغم من أهليتها للنظر والدرس بوصفها كلاما عربيا ذا خواص مقبولة في بيئته، وذلك -في رأينا- أساس من أسس ترشيح هذا الكلام للأخذ به أو تقعيده. ودليل وجود مثل هذا الكلام المهمل تقعيده تلك الإشارات السريعة التي تقابلنا من وقت إلى آخر في كتب اللغة، منبئة عن وجه أو قاعدة جريئة في لهجة من اللهجات أو ضرب من أساليب الكلام.

إذا قبل هذا الظن -وهو جدير بالقبول- جاز لنا أن نقول لعل أمثلة من الجديد في عربية اليوم تنزع إلى ذاك القديم الذي لم تسجل قواعده أو سجلت وخفيت علينا أو على بعض منا.

كل هذه الأسباب التي تقف أمام الأخذ بالقواعد المسجلة جملة وتفصيلا، بكل ما تنتظمه من اضطراب وما تتسم به من تعدد في الآراء والتوجيهات والافتراضات تحتاج منا إلى النظر الدقيق في اختيار الأحكام وتطبيقها عند البحث في قضية الصواب والخطأ. ومنهجنا هنا هو الأخذ بما صح عند الجمهور وكان مبنيا على أساس واقعي خاليا من التأويل والافتراض أو التعسف في

ص: 259

التقدير. ولا ضير من الأخذ بالقليل أو الشاذ "بمعنى المخالف للقاعدة العامة" في غير قواعد الإعراب ما لم يخرج بالعربية من خواصها الأساسية فيؤدي إلى فساد المعنى أو اضطرابه. والأخذ بهذا القليل أو الشاذ مطلب محمود في هذا الأوان حيث تكثر مشكلات العربية وتصرخ في وجوهنا فلا نجد لها حلا إلا الرفض المطلق أو القبول المطلق، وكلا الأمرين لا يفيدنا في شيء.

وربما كان من الأوفق في هذه المرحلة أن نسترشد بأساس ثان من أسس التقويم عند الأخذ بالمنهج المعياري، فنعاود المختصين من اللغويين ونراجعهم من وقت إلى آخر. ونشير أن الرأي من هؤلاء المختصين مسلك مقبول بل ضروري في نظرنا، حيث إن في هذا النهج نوعا من "توحيد مصدر الفتوى" فيما جد في لغتنا، فلا تترك الأمور فوضى يتقاذفها أنصاف المثقفين وأشباههم فيفتوا بما يعلمون وما لا يعلمون. هذا بالإضافة إلى ما لهؤلاء المختصين من خبرة ودراسة في التفسير والتوجيه والإرشاد إلى ما يخفى على كثير من العاملين في الحقل اللغوي.

والملاحظ على كل حال أن بعضا من أهل الاختصاص يترددون في الحكم على الظواهر اللغوية الجديدة، ولا يستطيعون حل بعض المشكلات التي يستفتون فيها، إما تمسكا بظاهر القديم أو عجزًا عن الفتوى أو رفضا لهذا الجديد برمته.

وهم في هذا الموقف الأخير "وهو الرفض المطلق لكل جديد" يتنكرون لأهم وظائفهم كما يتنكرون لحقيقة ثابتة مستقرة، هي تغير اللغة من حال إلى آخر، شئنا أو لم نشأ. وهذا التغير يحتاج منا إلى نظرة ودراسة، ولا يجدي رفضه بحال من الأحوال. لهذا كان الأساس الثالث المشار إليه سابقا جديرا بالنظر والأخذ في الحسبان في قضيتنا هذه.

إن اطراد استعمال الظاهرة اللغوية في بيئة معينة يرشحها للقبول ويؤهلها لأن تصبح جزءا أو مثلا من أمثلة النظام اللغوي في هذه البيئة، ذلك

ص: 260