الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: الإعراب
وإنما كان البدء به لكثرة وقوع الخطأ فيه، وتعدد أنواعه ومناحيه، حتى ليظن الدارس أن هؤلاء الطلاب غير عارفين بقواعده الأساسية، أو متجاهلون لها، أو غير مبالين بما يفعلون. وهذا السلوك المعيب واضح في كلامهم المكتوب والمنطوق، وإن كان في هذا الأخير أكثر وقوعا وشيوعا. وهم في ذلك لا يختلفون كثيرا عن أضرابهم من المثقفين وأشباههم. ودليل ذلك ما نلحظه من أخطاء صارخة في الإعراب، في وسائل الإعلام المنطوقة والمكتوبة، وفي بعض الأعمال الجادة كالمجلات الثقافية والعلمية والكتب الرسمية وغير الرسمية، بل إننا نلحظه في بعض الكتب الجامعية، وربما وقع فيه أساتذة اللغة العربية ومدرسوها وهم في حلقة الدرس النحوي نفسه.
وكان البدء بالإعراب كذلك لنؤكد ما ألمحنا إليه سابقا من أن الإعراب عنصر من عناصر نظام الجملة في العربية، وليس شيئا منعزلا عن هذا النظام، كما يتوهم كثير منهم بالقول أو بالفعل، مثلا في طرائقهم ومناهجهم في تقديم مادة النحو وتعليمه. إن الإعراب دليل الموقعية، أو قل: إنه من أهم دلائل التعليق، أي: ربط الكلم بعضه ببعض على طريقة مخصوصة، فهو يشير إلى وظيفة الصيغة ومدى ارتباطها بما يسبقها أو يلحقها، مهما يكن موقعها من الجملة. والعربية بهذه الخاصة -خاصة الإعراب- تمتاز من غيرها من اللغات، إذ هي تتصف بالمرونة في قواعد ترتيب الكلام ونظمه في الجملة من حيث التقديم والتأخير. ويكفي للتدليل على ذلك أن نشير مثلا إلى حال المفعول به. فهو سبق الفعل جوازا ووجوبا ويتوسط بين الفعل والعامل جوازا ووجوبا ويتأخر عن العامل جوازا ووجوبا كذلك، وهو في كل الحالات محدد الوظيفة معروف. بفضل وسائل التعليق أو الربط، ومن أهمها الإعراب الخاص به وهو النصب. تأمل معي الأمثلة الثلاثة الآتية وهي جميعا من باب واحد تقريبا، من حيث مكونات البناء الأساسية:
1-
فعل + مفعول به "متصل بضمير الفاعل" + الفاعل، مثل:
خاف رَبَّه عمرُ
2-
فعل + مفعول به + فاعل "متصل بضمير المفعول"، مثل:
"وإذ" ابتلى إبراهيمَ ربُّه
3-
فعل + فاعل "متصل بضمير المفعول" + مفعول به، مثل:
زان نورُه الشجرَ
ففي المثالين الأول والثاني تقدم المفعول على فاعله، وهو في الأول كثير شائع، ولكن هذا التقدم واجب في الثاني "بحسب رأيهم" لاتصال الفاعل "المتأخر" بضمير المفعول. وفي كلتا الحالتين كان الإعراب دليلا من أدلة الوظيفة للصيغة الواقعة مفعولا، أو هو مانع للبس، كما يقولون. أما المثال الثالث "وهو شاذ في رأيهم" فقد جاء بناؤه مضطربا بسبب اتصال الفاعل المتقدم بضمير المفعول المتأخر، ومع ذلك صح الكلام "نوع صحة، لوقوعه في استعمالهم" وأمن اللبس بوجود الإعراب بوصفه دليلا من أدلة التعليق، بالإضافة إلى عنصر "الاختيار" المتمثل في كلمتي "زان + نور".
وقد أشار ابن مالك إلى الحالتين الأولى والثالثة بقوله:
وشاع نحو خاف ربه عمر
…
وشذ نحو زان نوره الشجر
وسكت عن الصورة الثانية، لأنها مفهومة بداهة، إذ شذوذ الثالثة هذه يعني ضمنا وجوب عكسها وهي هذه الصورة.
ولسوف يلاحظ القارئ أن معظم الأمثلة تشير إلى الخطأ في الإعراب بالحروف، وذلك لسبب بسيط، وهو أن المادة أو جلها مستقاة من اللغة المكتوبة، وهذه الحروف موجودة في صلب الكلمات، ومن ثم يسهل التقاط الأخطاء وتعرفها والخطأ في الإعراب بالحركات القصيرة موجود كذلك ويكثر وقوعه، ولكنه لا يدرك في الكلام المكتوب إلا في حالات نادرة، كما في نصب غير الممنوع من الصرف، حيث تصحب الفتحة ألف في آخر الكلمة، كما في رأيت رجلا. وكذلك الحال في جزم المضارع الأجوف الصحيح الآخر، في مثل: لم يكون، لم يبيع، لم ينام. فثبوت حرف العلة "أو عدم تقصير الحركة الطويلة الممثلة في الواو والياء والألف" يدل على خطأ في الإعراب، حتى على فرض تسكين آخر الفعل لأن تسكين الجزم في هذه الحالة يصحبه وجوبا تقصير هذه الحركات الطوال، وفقا لنظام التركيب المقطعي في العربية الفصحى.
والخطأ في الإعراب لا يعني الخطأ في علامته وحدها، وإنما يعني بالإضافة إلى ذلك الجهل بالحالة الإعرابية "الرفع والنصب والجر والجزم" أي: الجهل بالموقعية وعدم إدراك وظيفة الصيغة المعنية في التركيب، فلا يدرى أهي فاعل أم مفعول، أهي اسم "إن" أم خبرها إلخ، ومن ثم تأتي العلامة غير مناسبة للموقعية الصحيحة. وأغلب الظن أن معظم حالات الخطأ الإعرابية إنما ترجع إلى هذا الاحتمال الثاني "وهو الجهل بالمواقعية والوظيفة"، غير أن دليلنا في الكشف عن الخطأ في هذا الوجه "وغيره" يتمثل في العلامة الإعرابية، ونعني بها العلامة الإعرابية الظاهرة بالذات، بدليل عدم تعُّرف على الخطأ في هذا الباب في حالة البناء أو الإعراب التقديري.
ولما كانت العلامات الإعرابية هي دليلنا الواضح في تعرف الأخطاء هنا فقد جاءت أمثلتنا مصنفة -في مجموعها- على هذا الأساس، وإن كان الخطأ في كثير من الحالات يتمثل في الجهل بالموقعية "أو الوظيفة" وبعلامة الإعراب كذلك. ففي قولهم مثلا:
وضع أرسطو كتابان في النقد:
تشير النظرة العاجلة إلى أن الطالب استعمل "الألف" بدلا من الياء في إعراب هذا المثنى، ولكن ليس من البعيد -بل هو المحتمل الراجح- أن الطالب لم يدرك موقعية المثنى أو وظيفته في هذا التركيب، فاختار هذه العلامة.
ولقد أثبتت الدراسة أن هناك اتجاهات معينة في الخطأ في الإعراب "بوجوهه المختلفة على نحو ما بينا" في لغة الطلاب "مكتوبة ومنطوقة" يكثر اتباعها ويغلب أن تكون مطردة في الاستعمال على نحو واضح ملموس تظهر هذه الاتجاهات في إعراب أجناس نحوية متعددة، من أهمها ما يلي:
1-
يقع الخطأ كثيرا في إعراب اسم "إن" وأخواتها إذا كان خبرها شبه جملة متقدما على الاسم "كما في نحو: إن ثمة رأي آخر حيث جاء الاسم مرفوعا، إما جهلا بالموقعية وما يناسبها من علامات إعرابية أو جهلا بالقيمة النحوية لشبه الجملة ثمة" التي لا يمكن أن تكون هنا إلا خبرا، ووقع متقدما. ولا يقتصر هذا السلوك على هذا المثال ونحوه مما تستخدم فيه "ثمة" وأخواتها" ثم وهنا وهناك إلخ "وهي أشباه جمل تخفى قيمها على كثير من المثقفين"، بل يحدث الشيء نفسه مع أشباه الجمل العادية، مثل:
إن في كلامك خلط كبير
وكذلك يقع الخطأ بكثرة في إعراب اسم كان وأخواتها إذا كان خبرها من النمطين السابقين، وجاء متقدما على الاسم، حيث ينصب هذا الاسم:
وكان هناك رأيا آخر
كان في الدرس نقاطا غير مفهومة
وليس هذا فقط، فقد يلفق الطالب، في هذه الأنماط ونحوها بين الخطأ والصواب في المثال الواحد، كأن يقول:
وكانت خلفهم نارا مشتعلة وحائط قصير
حيث جاء اسم "كان" منصوبا، ولكن ما عطف عليه وقع مرفوعا، وهو دليل الخلط وعدم الإدراك لوظائف الكلم في التركيب.
ومن المؤسف أن نقابل أحيانا في كتابات طلاب الفرق الأولى "حديثي العهد بالجامعة" أمثلة يقع فيها الخطأ في أسماء إن وكان وأخبارهم بوجه عام:
إن الباحثون كانوا يريدون
إن المرأة إنسانا مستقلا
كان المسلمين متأثرين برأي غيرهم
الحرية عمل وليست كلام
ولا نعدم أن نجد في كلام هؤلاء وأمثالهم أخطاء في إعراب المبتدأ والخبر:
الشاهدان موجودين
بل هناك حدودا
2-
إعراب الأسماء الخمسة1 يغلب عليه أن يكون بالواو في كل الحالات الإعرابية، فقد جاء بهما في حالتي النصب والجر، كما في قولهم مثلا:
كانت سلاحا ذو حدين
خالف البلاغيون أبو عبيدة
وفي كتاب الجاحظ وكتاب أبو عبيدة
ويبدو على كل حال أن الخطأ في هذا الباب "وغيره" لا يرجع إلى سوء التقدير في اختيار العلامة المناسبة بقدر ما يرجع إلى الجهل بمواقع الكلم ووظائفه، بدليل قولهم مثلا:
توفي أبي الفرج
واستخدم أبي عبيدة عدة مصطلحات
حيث أعرب بالياء وهما في موقع الرفع. ومن الطريف أن الطلاب لم يستعملوا الإعراب بالألف في هذه الأسماء إلا في موضعها الصحيحة، وهي
1 القول بأنها خمسة "أو ستة" في لغة الطلاب فيه تجوز إذ المستعمل في لغتهم هو: أب وأخ، وكذلك "ذو" أحيانا. أما "حم" فنادرا ما تستعمل وتلزم الألف غالبا تأثرا بالعامية. ولم نلاحظ استعمالهم للاسمين "فو، هن" إلا مرددين لهما في نصوص مكتوبة من صنع غيرهم.
مواضع النصب، على حين أن الإعراب بالألف في جميع الحالات لغة مروية عن العرب في الأسماء الثلاثة: أب، أخ، حم، على ما هو معروف.
3-
الاتجاه الغالب في إعراب المثنى أن يكون بالألف وفي جمع المذكر السالم أن يكون بالواو1 في جميع الحالات. فمن أمثلة الأول في حالتي النصب والجر.
وضع أرسطو كتابان في النقد
لو نظرنا إلى البيتان
…
ومن أمثلة الثاني في هاتين الحالتين:
أن الباحثون كانوا يريدون
…
بالنسبة لمؤرخو البلاغة
…
وخيال هؤلاء الناس المارون
…
ولكنا نعود فنقول: يبدو أن الطلاب في الحقيقة غير مدركين إدراكا صحيحا لوظائف الصيغ وقيمتها في التركيب، ومن ثم يظهر خلطهم في اختيار علامات الإعراب. ويؤكد هذا الظن ما يقابلنا من أمثلة غير قليلة تنحو منحى آخر في الإعراب، فيأتي المثنى بالياء في حالة الرفع، وكذلك جمع المذكر السالم. فمن الأول قولهم:
1 لفت نظرنا استعمال الطلاب للألف في المثنى في معظم الحالات وهي لغة مروية، واستعمالهم للواو في جمع المذكر وهذا لم يرد عنهم. هذا يثير تساؤلين خطرا لنا من زمن.
أولهما: استعمال الألف أكثر من استعمال الياء "في الفصيحة المعاصرة" يؤكد ظننا أن الأعراب بالياء في المثنى غريب، ولعله خطوة ناتجة عن تطور نطقي للألف.
ثانيهما: يشير منطق العربية إلى احتمال إعراب جمع المذكر بالواو في جميع الحالات. وإن لم يرد به نص. أليس منه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} بالواو في موقع النصب؟ وهذا التساؤل الثاني ينصرف إلى احتمال الإعراب في الأسماء الخمسة بالواو.
الفلسفة والفن متحدين من حيث العلاقة ومختلفين من حيث الموضوع ومن الثاني: لم يفعل كما فعل سابقيه.
4-
إعراب الأفعال الخمسة في لغة الطلاب مضطرب أشد اضطراب وهذا الاضطراب ليس سببه الخلط بين الصحة والخطأ في إعرابها من مثال إلى آخر، وإنما سببه الخلط في صور الخطأ. تأمل الأمثلة الآتية وهي نماذج مما يقعون فيه أحيانا:
قام النقاد يدافعون عن حرية الشعر
بذل الشعراء جهدهم في أن يأتون بلغة جديدة
لم يعنون بإطلاق أسماء على هذه الفنون
في المثال الأول حذفوا النون من الفعل في موقع الرفع على حين ثبتت هذه النون في حالتي النصب والجزم. وهذ يعني الاضطراب المؤكد في إدراكهم لحالات إعراب المضارع وعلامات هذا الإعراب في هذا الجنس من الكلم.
ومهما يكن من أمر فهذه الأخطاء ليست شائعة في لغة الطلاب شيوع غيرها، ولكنها تمثل ظاهرة خطيرة قد تخطى بالانتشار والانتقال من وسط مثقف إلى آخر، وقد لاحظنا مثلها أو نحوها بالفعل في بعض الصحف اليومية، وبخاصة ثبوت النون في حالتي النصب والجزم.
5-
الفعل المضارع المعتل الآخر المجزوم يكاد يسلك مسلكا خاطئا موحدا في الإعراب في لغة هؤلاء الشباب. ذلك المسلك يتمثل في عدم حذف حرف العلة "أو تفسير الحركة، كما يقول بعضهم" ويستوي في ذلك أن يكون هذا الحرف ألفا أو واوا أو ياء، وهذه أمثلته:
هذا الرأي لم يلقى نجاحا
لم يدعو العقاد إلى ترك التشبيه
لم يكتفي قدامة بهذا التعريف
وهذا الخطأ في المكتوب واضح لا محل للشك في وقوعه، ولو كان في المنطوق ربما فات علينا أو على بعضنا.
ويلحق بهذا الباب -في رأينا- خطأ نلحظه في جزم المضارع الصحيح الآخر الأجوف، إذ ترد أمثلته أحيانا على النحو:
لم يكون، لم يبيع، لم ينال
إن جزم الأمثلة بالسكون يقتضي حتما حذف حرف العلة "أو تقصير الحركة"، بسبب صوتي صرفي يتعلق بطبيعة التركيب المقطعي في عربيتنا الفصحى.
تمثل النماذج السابقة كلها أهم أنواع الخطأ في الإعراب وأكثره وقوعا بين طلاب الجامعات، كما تشير معظم الأمثلة السابقة إلى الخطأ في الإعراب بالحروف. وهناك أيضا أجناس نحوية أخرى يقع فيها الخطأ بصورة فردية لن تأخذ طابع الشيوع بعد. وكذلك تدل التجربة على وقوع الطلاب كثيرا في أخطاء إعرابية أخرى، ولكنا لا ندركها ونتعرف عليها بصورة مؤكدة إلا في الكلام المنطوق، لأن الإعراب فيها بالحركات دون الحروف. يظهر لنا ذلك واضحا في أثناء اللقاءات العلمية المباشرة والاختبارات الشفوية، حيث تشيع الأخطاء في أبواب نحوية معينة من أهمها ما يلي:
1-
الاسم المنقوص في حالة النصب.
2-
الفعل المضارع المعتل الآخر بالواو والياء في حالة النصب. ففي هاتين الحالتين لا تظهر الفتحة، ويكاد يكون هذا السلوك مطردًا في نطق الطلاب.
3-
يعامل الممنوع من الصرف بوجه عام معاملة المصروف من حيث ظهور التنوين والجر بالكسرة، وما جاء على صيغة منتهى الجموع.
والحق أن باب الممنوع من الصرف في عمومه يوقع الطلاب، العارفين منهم وغير العارفين- في خلط كبير. فبينما يخطئ كثير منهم في هذا الباب، ويعاملونه معاملة المصروف، نجد بعضا غير قليل يقع في الوهم أحيانا فيمنعون من الصرف ما حقه الصرف. يظهر ذلك على الأخص فيما كان جمع تكسير على وزن "أفعال" منتهيا بهمزة قبلها ألف ممدودة. كما في مثل: أنباء، أبهاء، أصداء.
يظن الطلاب خطأ أن هذه الجموع ونحوها تنتهي بألف التأنيث الممدودة مثل علماء، وشرفاء، لأنها تشبهها في انتهائها بهمزة قبلها ألف ممدودة، ولم يدركوا الفرق الكبير بين الحالتين في التركيب العميق للصيغ، الهمزة في أوزان الألف التأنيث الممدودة همزة زائدة بحسب القاعدة العامة، أما في أمثلتنا هذه فهي أصلية أو منقلبة عن ياء أو واو كما جاءت هذه الأمثلة على وزن أفعال، جمعا وما كانت همزته كذلك من هذا الوزن لا يمنع من الصرف بحال1.
هذا العرض السريع للأخطاء في الإعراب يشير إلى نتيجتين مهمتين.
أولاهما: أن الخطأ في الإعراب أصبح يشكل ظاهرة منذرة بالخطر في لغة الطلاب، الأمر الذي يستدعي وقفة متأنية ومواجهة حاسمة. وأسباب هذا الخطأ كثيرة متداخلة معقدة، أهمها:
1-
فقدان الأسلوب الصحيح في الممارسة اللغوية، وهو الكلام المنطوق
1 أشياء تصرف على الرأي القائل بأنها على وزن أفعال "والهمزة فيها أصلية"، ولكنها تمنع من الصرف على افتراض أنها على وزن "لفعاء" بعد القلب المكاني.
الفعلي واستخدامه في شتى مجالات الحياة، إذ هو القادر على تكوين الأنماط النحوية السليمة واستقرارها.
2-
طريقة التعليم، تلك الطريقة التي تجمد نفسها بالتركيز على البحث في أواخر الكلم، وتلقين الطلاب علامات الإعراب دون ربط مناسب بين الإعراب "بهذا المعنى" وعناصر التأليف الأخرى للكلام.
ثانيهما: تتمثل في أن معظم الخطأ في الإعراب بالعلامات النائبة، وهذا يقتضي منا نظرا وتأملا كبيرين، وهذا لا يكون علاجه في رأينا إلا بالنظر في إطار تخطيط جديد لدراسة النحو وتعليمه. ونأمل أن تكون لنا عودة إلى هذه النقطة بالذات في فرصة أخرى.
واتضح لنا من المناقشة السابقة كذلك أن عددا غير قليل من الأمثلة التي حكمنا عليها بالخطأ جاءت على وفاق رأي أو لهجة من اللهجات في القديم. تبين لنا ذلك مثلا في:
1-
أمثلة المثنى حيث جاء بعضها بالألف في حالتي النصب والجر.
2-
أمثلة جمع المذكر السالم، وفيها ما لزم الياء "والإعراب على النون".
3-
ثبوت النون في الأفعال الخمسة مع "أن" الناصبة، وقد يأتي مثله مع "لم" الجازمة".
ففي القديم يروى أنه جاءت أمثلة من هذا القبيل:
"إن أباها وأبا أباها"
قد بلغا في المجد غايتاها
بالألف في حالة النصب.
ولا يزالون ضاربين القباب
"بجر القباب وثبوت ياء الجمع ونونه".
أن تقرءان على أسماء ويحكما..
"بثبوت النون مع "أن"".
ونحو: "لم يوفون بثبوت النون مع "لم"".
ومع ذلك مازلنا نحكم على أمثلة الطلاب من هذا القبيل بأنها خطأ. وهذا الحكم يتمشى مع معاييرنا التي اخترناها للحكم في هذه القضية. ومن هذه المعايير العودة إلى القواعد النحوية، المشهورة والمتفق عليها بين الجماعة.