الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا التعريف لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أحسن التعريفات وأوعاها.
ونستخلص من هذه الكلمات أن العبادة لا بد أن يجتمع فيها أمران (1):
أولهما: الطاعة والخضوع، وهذا يتحقق بالالتزام بما شرعه الله وأمر به.
والثاني: أن يصدر هذا الامتثال مع المحبة للمعبود جل شأنه.
قال ابن القيم: "العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع.
والعرب تقول: طريق مُعبَّد، أي مذلل، والتعبد: التذلل والخضوع؛ فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له لم تكن عابدًا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له حتى تكون محبًا خاضعًا" (2).
ثالثًا: أقسام العبادة:
تنقسم العبادة إلى قسمين (3):
القسم الأول: العبادات المحضة، وهي الطاعات من الواجبات والمندوبات، وهذا النوع من العبادات لا يمكن
(1) انظر: العبادات في الإسلام ص (32 - 34).
(2)
مدارج لسالكين (1/ 85).
(3)
انظر الفروق (1/ 269 - 270)، والموافقات (2/ 300) فما بعدها ص (396)، والاعتصام (2/ 73 - 98).
للعقول أن تهتدي إلى تفاصيلها، وإنما سبيل الوقوف عليها هو الشرع؛ كالصلاة والصيام، والحدود وأنصبة المواريث.
ثم إن العبادات المحضة منها ما يمكن للعقل إدراك علته، ومنها ما لا تدرك علته، وهو ما يسمى بالأمور التعبدية، "ومثالها: تحديد أعداد الركعات في الصلوات الخمس، وتحديد مقادير الأنصبة في الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقادير ما يجب فيها، ومقادير الحدود والكفارات، وفروض أصحاب الفروض في الإرث" (1).
القسم الثاني: العبادات غير المحضة: وضابطها: أنها فعل ذو وجهين؛ إذ يتصور فعلها دون قصد التعبد لله، بل على جهة الاعتياد ونحوه، كما يتصور فعلها على جهة التعبد، فهي إذن كل فعل يتقرب به إلى الله تعالى من غير الطاعات المأمور بها شرعًا.
وإنما يتصور ذلك شرعًا إذا اقترن مع الإتيان بهذه العادة نية صحيحة، أو كانت وسيلة إلى العمل الصالح وعونًا عليه.
مثال ذلك: ما ورد في قوله -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120].
(1) علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص (62).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فِيِّ امرأتك» (1).
فمن هذا الوجه دون غيره، يصح شرعًا التقرب إلى الله بفعل العادات.
ويجمع ذلك قاعدتان:
أولاهما: قاعدة: (الأمور بمقاصدها)(2).
وثانيهما: قاعدة: (للوسائل أحكام المقاصد)(3).
وبهذا النظر يسوغ التقرب إلى الله بجميع الأفعال والتروك.
فصارت الأقسام ثلاثة:
1 -
عبادات محضة، وهي معقولة المعنى.
2 -
عبادات محضة، وهي غير معقولة المعنى.
3 -
عبادات غير محضة.
تنبيهان مهمان:
التنبيه الأول: المراد بالعبادات في هذه القاعدة: التقرب إلى الله بفعل جميع العبادات، وذلك أن (ال) في لفظ
(1) أخرجه البخاري (8/ 109) برقم (4409).
(2)
انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص (8).
(3)
انظر: شرح تنقيح الفصول ص (449)، والفروق (2/ 451)، وإعلام الموقعين (3/ 135)، والقواعد والأصول الجامعة ص (13 - 19).
العبادات للجنس؛ فيكون اللفظ للاستغراق؛ فيشمل العبادات المشروعة وغير المشروعة؛ فما ثبت في الشرع كونه عبادة فهذا النوع مستثنى من حكم المنع، باق بعد الاستثناء؛ إذ هو مأذون فيه، كما دل على ذلك قولهم:"الأصل في العبادات البطلان إلا ما شرعه الله".
وأما ما لم يثبت في الشرع كونه عبادة فهذا النوع يمنع المكلف من فعله، بل هو باطل مردود؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (1).
وهذه القاعدة مع اختصارها وقلة ألفاظها دلت على النوعين معًا:
الأول: أن من تعبد الله بما شرعه -سبحانه- فعبادته مشروعة مأذون فيها.
والثاني: أن من تعبد الله بما لم يشرعه -سبحانه- فعبادته باطلة مردودة.
التنبيه الثاني: الفرق بين العبادة والطاعة (2): الطاعة هي الانقياد، وهي الموافقة للأمر، وهي أعم من العبادة؛ لأن العبادة غلب استعمالها في تعظيم الله غاية التعظيم، بخلاف الطاعة فإنها تستعمل لموافقة أمر الله وأمر غيره، وتجوز
(1) أخرجه البخاري (5/ 301) برقم (2697) ومسلم برقم (1718) واللفظ له.
(2)
انظر: الكليات ص (583).