الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - أثر الخلاف وثمرته
انبني على هذه المسألة ثلاث قواعد:
القاعدة الأولى: محل القياس في الأحكام الشرعية؛ حيث يسوغ إجراء القياس في الأحكام المعللة على وجه الخصوص دون الأحكام التعبدية، وهذا أمر واضح.
وأما ما كان من الأحكام مترددًا بين كونه تعبديًا أو معللا فهذا محل نظر وهو يفتقر إلى اجتهاد وترجيح.
قال الطوفي: "الأحكام إما غير معلل كالتعبدات، أو معلل كالحجر على الصبي لضعف عقله حفظًا لماله، أو ما يتردد في كونه معللاً أو لا، كقولنا: استعمال التراب في غسل ولوغ الكلب هل هو تعبد أم معلل؟
وخرج على ذلك الخلاف في قيام الأشنان والصابون الغسلة الثامنة مقامه:
إن قلنا: هو تعبد، لم يقم غيره مقامه، وإن قلنا: معلل بإعانة الماء على إزالة أثر الولوغ؛ قام ذلك مقامه لوجود معنى الإزالة.
وكذلك إن قلنا: هو تعبد؛ كفى بالتراب مُسمَّاه، وإن لم
يعم أجزاء محل الولوغ، وإن قلنا: هو معلل؛ اشترط تعميمه به؛ عملا بمقتضى التعليل.
وكذلك غسل اليد عند الوضوء، وعند القيام من النوم إن قيل: هو عبادة، وجبت له النية، وإن قيل: نظافة لم يجب، ونظائر هذا كثير.
وبالجملة لا نقيس إلا حيث فهمنا المعنى ووجدت شروط القياس: فأما كون هذه المسألة الخاصة معللة أو غير معللة؛ فتلك مسألة أخرى خارجة عما نحن فيه يثبت فيها من الحكم بالتعبد أو التعلل ما قام عليه الدليل (1).
القاعدة الثانية: أن الأصل في العبادات المنع والحظر، وذلك بناء على أن الأحكام الشرعية في باب العبادات مبناها على التعبد والوقوف على ما حدَّه الشارع.
القاعدة الثالثة: أن الأصل في العادات الحل والإباحة وهذا مبني على أن الأصل في الأحكام الشرعية في باب العادات التعليل والالتفات إلى المعاني.
وقد أشار الشاطبي إلى ابتناء هاتين القاعدتين على هذين الأصلين؛ حيث قرر أن الأصل في العبادات التعبد وفي العادات التعليل ثم قال: "وإذا ثبت هذا فمسلك النفي متمكن في العبادات ومسلك التوقف متمكن في العادات"(2).
(1) شرح مختصر الروضة (3/ 275).
(2)
الموافقات (2/ 396).