الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثالثة
الأصل في العبادات المطلقة: التوسعة
(1)
إذا وردت العبادة في نص الشارع مطلقة عامة، فالمتعين على المكلف الإتيان بها على وجه التوسعة؛ بحيث لا يتقيد الإتيان بهذه العبادة بزمان معين أو مكان معين أو حال معينة، أو مقدار معين.
ذلك أن القاعدة الكلية في الإتيان بالعبادات الشرعية -مطلقة كانت أو مقيدة- اتباع أمر الشارع في إطلاقه وتقييده.
والشارع الحكيم متى أطلق الأمر بعبادة من العبادات فينبغي أن يفهم من هذا الإطلاق: التوسعة.
ومقتضى التوسعة: أن للمكلف أن يأتي بها في أي وقت وفي أي مكان وبأي مقدار، دون تقييدها بوقت معين أو مكان معين أو مقدار معين؛ لأن هذا التقييد فيه مخالفة واضحة لمعنى التوسعة المستفاد من أمر الشارع المطلق.
ومن الأمثلة على العبادات المطلقة الموسعة:
(1) انظر: الاعتصام (1/ 301، 308)، والقواعد والأصول الجامعة ص (30).
ذكر الله -سبحانه- من التكبير والتحميد والتسبيح والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن الكريم.
مجالس العلم.
صيام النافلة.
صلاة التطوع وقيام الليل.
وللشارع الحكيم مقاصد جليلة في شرعه للعبادات المطلقة الموسعة، فمن ذلك:
1 -
الرفق بالمكلف والتوسعة عليه، ورفع الحرج والمشقة عنه، وتسهيل الامتثال عليه.
2 -
تحبيب الطاعة إلى المكلف كيما يحصل الإقبال عليها والأنس بها، والمداومة عليها.
3 -
الإتيان بالعبادة على أحسن الصور والهيئات؛ بحيث تقع كاملة راسخة.
4 -
إظهار جانب التعبد والتوقيف في الممايزة بين العبادة المطلقة والمقيدة.
ومن هنا فإن المتعين على المكلف عند إتيانه بالعبادة المطلقة الموسعة أن يلحظ معنى التوسعة الذي قصد الشارع إلى تحقيقه في هذا النوع من العبادات؛ حيث إن تقييد العبادة المطلقة الموسعة -دون مسوغ شرعي- يفضي إلى مفاسد شرعية.
وذلك أن من التزم صيام أول يوم من السنة الهجرية مثلا فقد ألزم نفسه ما لا يلزمها، وألحق بنفسه العنت والمشقة وضاهى حكم الشريعة؛ حيث اعتقد أفضلية هذا الزمان واختصاص الصيام فيه بمزيد من الأجر، وهو اعتقاد مخالف للشرع، وربما ترتب على هذا الالتزام تضييع ما هو آكد شرعًا أو التقصير فيه.
إضافة إلى ما في هذا الالتزام من مخالفة السنة التركية وعمل السلف الصالح؛ حيث لم يُنقل تخصيص هذا اليوم المعين بالصيام عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ولا عن أحد من السلف الصالح، مع وجود المقتضي وانتفاء المانع.
كما أن هذا الالتزام قد يكون ذريعة إلى التزام نوع آخر من العبادات في أزمنة أخرى، من غير استناد إلى نص شرعي؛ فينفتح بذلك باب الإحداث في الدين.
ثم إن هذا الالتزام قد يفضي بالمكلف إلى الدخول تحت باب الغلو المنهي عنه شرعًا.
لأجل هذه المفاسد ولغيرها كان هذا الالتزام في هذه الصورة داخلاً تحت معنى الابتداع (1).
(1) انظر: الاعتصام (1/ 301، 308).