الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما قصده عسكر مولانا السلطان خرج من حلب إلى حران في شعبان سنة تسع وخمسين، وبقيت في يده إلى أن كُسر على سنجار في رابع جمادى الآخرة سنة ستين وستمائة.
فعادت نواب التتر إلى حران، واستمرت نوابهم بها بعدُ على أسوأ حال من العرب الذين في طاعة مولانا السلطان بتلك البلاد، وانتقل أكثر من رعيتها إلى ماردين والموصل.
فلما كانت سنة سبعين، سير مولانا السلطان من حلب الأمير علاء الدين طيبرس، وجامعة من العرب مُقدَّمهم عيسى بن مُهنا إلى قاطع الفرات، وكان بحران جماعة من نواب التتر، فلما رأوا العسكر ألقوا سلاحهم، فقُبضوا عن آخرهم، وأسروا، وكانوا فوق الثمانين نفسا، وبعد القبض عليهم سأل من كان بحران طيبرس أن يُليِّ عليهم من قبله، فلم يُجبهم، وأخذ بعضهم وعاد.
ولما تحقق التتر عجزهم عن حفظها، وحفظ من فيها، نقلوا جميع من فيها إلى ماردين وغيرها، وأخربوا جامعها، وسدوا أبوابها، وتركوها خاوية على عروشها، فكأنها التي عناها الشاعر بقوله:
أَضْحَت خَلاءً، وأَضْحى أَهْلُها احْتَملوُا
…
أَخْنىً عَليْها الذّضيِ أخنى على لُبدِ
كان من الحمامات بها: 1 - حمّامُ بُلاط.
2 -
حمامُ الكنيسة.
3 -
حمامُ الشيخ.
4 -
حمامُ السّباعِ.
5 -
حمامُ عليِّ.
6 -
حمامُ الوليّات.
7 -
حمام الرئيس.
8 -
حمام باب فدان.
9 -
حمام الزَّكيِّ.
10 -
حمام الوليِّ.
" وفي الخارج " منها أربعة: 1 - حمامان على الباب الكبير.
2 -
وحمامان على باب يزيد، إنشاء الحاجب علي.
ارتفاعها لمّا ملكها السلطان الملك الناصر صلاح الدين
يوسف صاحب حلب في سنة ثمان وثلاثين وستمائة بعثني إليها في سنة أربعين لأكشفها، فكان ارتفاعها - أعني قصبتها في ذلك التاريخ - ألفي ألف درهم.
وبلغني أنه كان في زمن الملك الأشرف ثلاثة آلاف ألف درهم.
ولما قصدها التتر مرة بعد مرة تقهقر إلى ما يذكر مُفصلاً: - الإسقاء: مائة وسبعون ألف درهم.
- الضواحي: مائة وخمسون ألف درهم.
- الباب الكبير: مائة وثلاثون ألف درهم.
- دار الوكالة: مائة وخمسة وعشرون ألف درهم.
- الجهات المجموعة: مائة ألف درهم.
- الأقطان: ثلاثون ألف درهم.
- الصبغ: ثلاثون ألف درهم.
- العرصة: أربعون ألف درهم.
- الجوالي: خمسة عشر ألف درهم.
- فائض الأوقاف: مائة ألف درهم.
- العداد: خمسون ألف درهم.
- الحمامات: عشرة آلاف درهم.
- الأوثار: ثمانية آلاف درهم.
- السجون: خمسة آلاف درهم.
- الجنايات: أربعون ألف درهم.
- الخفارتين: مائة ألف وستون ألف درهم.
- المواريث: مائة وستون ألف درهم.
- المفادنة: مائة ألف درهم.
وكان في عملها من القرى ثمانمائة قرية، منها عامر خمسمائة قرية. يصرف من مغلها في ألف فارس، والباقي حملا لبيت المال.
جملين والموزر
قلعتان لهما عملان متسعان بين بلاد ديار مضر وبلاد ديار بكر، على يوم من حران. مازالتا في أيدي من تملك ديار مضر إلى أن استولى عليهما الفرنج عند ملكهم للرها وبقيتا في أيديهم إلى أن فتحهما الأرتقية أصحاب ديار بكر.
وبقيتا في أيديهم إلى أن أخذ عماد الدين زنكي بن آق سنقر منهم المورز في سنة خمسة وثلاثين، وحملين في سنة ثمان وثلاثين. ثم استرجعوهما بعد موته، وصارتا في أيديهم إلى أن أخيهما الملك الأشرف وانضافتا إلى حران. وصار حكمهما في الأخذ والترك لهما حكم حران إلى أن استولت عليهما التتر فيما استولوا عليه من البلاد، ثم نزلوا عنهما لصاحب ماردين وهما في يده إلى عصرنا الذي وضعنا فيه هذا الكتاب.
ذكر الرقة
عن هشام ابن الكلبي قال: إنما سميت الرقة لأنها على شاطئ الفرات. وكل أرض تكون على الشط ملساء مستوية فهي رقة.
وقال صاحب كتاب نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق: الرقة مدينة على شرقي الفرات، ويقال لها: الرقة البيضاء استولى عليها الخراب.
وقال ابن حوقل في كتاب المسالك والممالك: الرقة والرافقة مدينتان كالمتلاصقتين وكل واحدة منهما بائنة عن الأخرى بأذرع كثيرة. وفي كل واحدة منها مسجد جامع. وهما على شرقي الفرات من الشام وكان لهما عمارة وأعمال، وأشجار ومياه، ورساتيق وكور، فقل حظهما لما ملك بنو حمدان.
فقلت: والرقة مدينة قديمة، والرافقة مدينة محدثة بناها المنصور في سنة خمس وخمسين ومائة، على يد ولده المهدي على هيئة الطيلسان.
وقرأت في تاريخ الطبري: " وفي سنة أربع وخمسين ومائة سار المنصور إلى الشام فنزل الرقة فاستحسن مكانها، فأمر ببناء مدينة في بقعتها، فمنعه أهل الرقة فهم بمحاربتهم ثم كف.
ولما عاد من الشام سنة ثمانين خرج الرشيد من بغداد وسار إلى الرقة فاتخذها موطنا، وبنى سورها، واسمه مكتوب على باب السبال من الجانب الشرقي، مثاله:" امر بعمارته أمير المؤمنين هارون الرشيد - أطال الله بقاءه - بتولي الفضل ابن الربيع - مولاه - ".
طالعها القوس والمشتري.
طولها ثلاث وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة. وعرضها ست وثلاثون درجة، وثمان دقائق.
بها مدرستان: 1 - شافعية.
2 -
وحنفية.
وبيمارستان.
وخانقاه من بناء نور الدين.
وبنى بها عماد الدين الأصفهاني، وزير قطب الدين صاحب الموصل خانقاه.
ولما ملكها الملك الأشرف غرس بها بساتين كثيرة وجلب إليها الغروس من كل بلد، حتى النخل والموز، وبنى بها الجواسق والحمامات.
وبها من المزارات مشهد علي بن أبي طالب عليه السلام.
وبها مشهد الجنائز.
وبها قبر يحيى بن عبد الله بن الحسن " بن الحسن " بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
وبها جماعة ممن قتل بصفين، من أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام معروفة قبورهم.
ولم تزل الرقة في يد من يتولى الجزيرة منذ فتحت إلى أن صارت ديار مضر في " يد " سيف الدولة فطلب منه أخوه الرقة ناصر الدولة، أبو محمد، الحسن بن أبي الهيجاء، عبد الله بن حمدان فأعطاه إياها. وبقيت في يده إلى أن أقطعها ولده حمدان مع الرحبة.
ولم تزل في يده إلى سنة ثمان وخمسين.
فوقع بينه وبين أخيه أبي تغلب، فنزل عليه في الرقة وحاصره، وضيق عليه إلى أن صالحه على أن يقتصر على الرحبة وسلم إليه الرقة. ومازالت في يده إلى أن وقعت بينه وبين سعد الدولة وحشة ومنافرة ألجأت سعد الدولة إلى أن كاتب عضد الدولة وعرض نفسه عليه، فأنفذ عضد الدولة النقيب أبا أحمد - والد الرضي والمرتضى - إلى ديار مضر فتسلمها من سلامة البرقعيدي - نائب أبي تغلب فضل الله بن ناصر الدولة بن حمدان بعد حروب شديدة. فأخذ الرقة عضد الدولة، وسلم باقي البلاد لسعد الدولة.
ولم تزل الرقة في يد عضد الدولة إلى أن خرج بكجور - غلام سعد الدولة - هاربا من دمشق إليها في شهر رجب سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وأقام الدعوة فيها للمصريين، واستمر بها إلى أن خرج له سعد الدولة من حلب فالتقى به على الناعورة في سلخ المحرم سنة إحدى وثمانين فقتله، وسار إلى الرقة، وفيها حرمه وأمواله وأولاده، فتلقاه أهل الرقة برجالهم ونسائهم وأولادهم.
ودخلوا عليه حريم بكجور وسألوه أن يهبهم نفوسهم وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك واصطنعهم، وحلف لهم. فمدحه أبو الحسن محمد بن عيسى النامي بقصيدة أولها:
غَرائزُ الجُودِ طَبْعٌ غيرُ مَقْصُودِ
…
وَلَسْتَ عَنْ كَرَمٍ يُرْجى بمَصْدُودِ
فلما خرج أولاد بكجور بأموالهم استكثر سعد الدولة فقال له وزيره أبو الهيثم: أنت حلفت لهم على مال بكجور ومن أين لبكجور مالٌ؟! المال لك.
فنكث وغدر، وقبض على المال، وكان مقداره ثمان مائة ألف دينار، وصادر نواب بكجور واستأصل أموالهم وعاد إلى حلب فأصابه الفالج في طريقه، فاستُدعي الطبيب فطلب يده ليجس نبضه، فناوله اليسرى، فقال: يمينك أيها الأمير فقال: ما أبقت لي اليمين يمينٌ، ومات بعد أيام، فحُمل تابوته إلى الرقة، فدُفن بها.
وصارت الرقة إلى ولده سعيد الدولة فيما صار إليه من بلاد أبيه. واستمرت في يده إلى أن توفي في صفر سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة.
وولي بعده ابناه: أبو الحسن علي، وأبو المعالي شريف وقام بتدميرهما غلام أبيهما لؤلؤ، ثم استبد بالملك، وقبض عليهما وسيرهما إلى مصر " فتغلب على " الرقة واليها من قبل سعد الدولة فخرج إليها واسترجعها، وولي فيها من قبله، وذلك في سنة ثمان وتسعين. وفي هذه السنة توفي وولي بعده ولده أبو نصر منصور.
فاستولى على الرقة وثاب بن سابق النميري لما ملك حران، ولم تزل في يده إلى أن توفي في سنة عشر وأربع مائة.
وملك بعده ولده شبيب، فلم تزل في يده إلى أن توفي في سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، فاستولى أخواه مطاعن وقوام علي ما كان بيده من بلاد الجزيرة.
وكانت أخته السيدة عليوة امرأة نصر مقيمة بالرافقة، فتحيلت على غلام أخويها، الوالي بها، إلى أن أخرجته واستولت على البلد، وتزوجت بمعز الدولة أبي علوان ثمال بن صالح لتقيم هيبتها به. فحضر في الرقة ولم تزل في يده إلى أن سلمها لمنيع بن شبيب بن وثاب في سنة تسع وأربعين وأربع مائة.
واستمرت إلى أن قصدها عطية بن صالح فأخذها منه، وبقيت في يده إلى أن قصدها شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي فملكها في سنة ثلاث أو أربع وستين وأربع مائة. ثم زاده السلطان ملكشاه في سنة ثلاث وسبعين حلب وحران وغيرهما من البلاد، ولم يزل مالكا لما بيده من البلاد إلى أن قتل سنة ثمان وسبعين.
فملك بعده أخوه إبراهيم، ولم تزل في يده إلى أن قصد السلطان ملك شاه الشام وملك حلب وأقطعها مملوكه قسيم الدولة آق سنقر وتسلم قلعتها من شمس الدولة سالم بن مالك العقيلي وعوضه عنها قلعة جعبر والرقة، ولم تزل في يده إلى أن كبرت سنة ففوض أمره لولده نجم الدولة مالك واعتزل.
فولى نجم الدولة أخاه شهاب الدولة الرقة فوقع بينه وبين أهل الرقة وبني نمير منافرة فقاموا عليه وقتلوه. وملكوا الرقة منصور بن جوشن النميري، واتصلت الحرب بينه وبين نجم الدولة بالقلعة. وفي أثناء ذلك قصده جاولي سقاوه في سنة اثنتين وخمس مئة وحاصره في البلد، فاضطر إلى مصانعته حتى رحل عنه.
ثم استمرت الحرب بينه وبين نجم الدولة حتى باع الرقة من الملك رضوان صاحب حلب بقلعة نجم وضياع بحلب فصانع عنها نجم الدولة مالك إلى أن عادت إليه.
فولى فيها أخاه زعيم الدولة مسيب فأقام بها إلى أن اجتاز بها عماد الدين زنكي وهو متوجه إلى الشام، فخرج إليه مسلما عليه، فنزل بها عماد الدين فملكها، وأخرجه عنها، وذلك يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وخمسمائة. فأقطعها شهاب الدين أميرك الجاندار فدامت في يده إلى أن قتل عماد الدين على قلعة جعبر وملك ولده نور الدين حلب وملك أخوه سيف الدين غازي الموصل، فانضاف شهاب الدين إلى سيف الدين غازي وبقي في حاشيته إلى أن توفي في سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
وتولى أخوه قطب الدين ممدود فقصد نور الدين سنجار وملكها، فراسله قطب الدين واصطلحا على أن يأخذ نور الدين حران والرحبة وحمص، وأن يكون شهاب الدين أميرك في خدمته، واستمرت الرقة في يد شهاب الدين إلى أن مات بها سنة أربع وخمسين، فأقرها نور الدين في يد أكبر أولاده إسحاق. ثم استرجعها منه في بقية السنة، وولى فيها من قبله. ولم تزل كذلك إلى أن تسلم نورد الدين حمص من الشان صلاح الدين الأعرج وسلمها إلى أبن أخيه سيف الدين غازي وعوض الشان عنها بالرقة وذلك في سنة ستين وخمسمائة. ولم تزل في يده إلى ان استعادها منه سنة اثنتين وستين، وسلمها لأخيه قطب الدين - صاحب الموصل - على ان يقيم عسكرا للقاء الفرنج، ولم تزل بيده إلى أن توفي سنة خمس وستين وخمس مائة.
وولي ولده الأصغر بعهد من أبيه، فلما بلغ الخبر نور الدين سار إلى الرقة وبها والٍ من قبل قطب الدين يقال له كردك بن موسى الكردي فتحصن بها، فحاصره إلى أن فتحها عنوة في سلخ السنة، ونهب أهلها، وقتل منهم جماعة، وأعطى كردك سن ابن عطير واستمرت الرقة في أيدي نواب نور الدين إلى أن توفي سنة تسع وستين.
وولي بعده ولده الملك الصالح إسماعيل واستولى على ماكان في يد أبيه من البلاد، فسير سيف الدين غازي عسكرا استولى على الخابور والرقة وحران وسروج والرها وذلك في سنة سبعين وخمس مئة. ولم يكن للملك الصالح قدرة على دفعه، فصالحه على ذلك.