الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم فُتحت يوم الأحد الخامس عشر من شعبان، على يد نقابي الملك السعيد ومباشرة ملك الأمراء بدر الدين بيليك الخزندار.
ثم دخلت العساكر الحصن بالسيف، وقتلوا من فيه من الإسبتار، وأسروا الجبلية، وعفا عن الفلاحين لعمارة البلاد.
فلما رأى أهل القلعة ما حل بأهل البلد، طلبوا الأمان، فأجيبوا. وتسلمها مولانا السلطان يوم الاثنين خامس وعشرين شعبان. وخرج من فيها إلى أطرابلس يسر الله فتحها.
ثم رحل السلطان بعد أن ترك عليه الأمير عز الدين أيبك الأفرم لعمارة أسواره، وولى فيه نائبا، ونزل على حصن ابن عكار، يوم الثلاثاء ثالث عشري شهر رمضان، وكان به قوم من الفرنج سفهاء لا يفترون عن قول القبيح فنصب عليه المجانيق، ورماه بحجارتها من يومه.
وفي اليوم الثاني من نزوله، وصل المولى الصاحب بهاء الدين، وأنا معه في خدمته من دمشق. وكان خروجه منها يوم الخميس تاسع عشري الشهر. فلما لقي السلطان سُر به، وقال له:" ببركات قدومك تفتح هذا الحصن " وأمر أن تضرب خيمتُه قريباً من خيمته.
ثم اجتمعت به وقلت له: " استعجل مولانا الصاحب في المجيء من دمشق، والقلعة حصينة يطول المقام عليها ". فقال لي: " طيبْ قلبك ما نعيد حتى يأخذها مولانا السلطان ". وتقدم السلطان للأمراء بقطع الأحطاب من الشَّعاري للنقوب، ونقل الحجارة من المجانيق. وجدّ في القتال، ودأب في النزال إلى أن رمى بالمجانيق الذي كان منصوباً، قبالة البرج الشرقي، حجارة عديدة فتحت طاقة في جانب البدنة، وذلك يوم الأحد ثاني عشري التاسع والعشرين، فخرج منهم رسول يطلب لهم الأمان ودام تردّده إلى أن استقر والقاعدة إلى أن يأمنهم من القتل ويمكنهم من الوصول إلى أطرابلس.
وتسلم مولانا السلطان الحصن ورفعت سناجقه عليه، وسألوه أن يبيتوا في القلعة، فأجابهم. وخرجوا بكرة الثلاثاء سلخ الشهر، وسيرهم السلطان بأجمعهم صحبة الأمير بدر الدين بيسري، فأوصلهم إلى أطرابلس.
ثم دخل الحصن وأشرف عليه، ورتب فيه نواباً وأمره بحمل المجانيق إلى حصن الأكراد، فحملها الأجناد على أكتافهم، لأن الأمطار ترادفت فلم يكن للجمال نهوض على الأرض خوفاً من الزلق في اللَّثَق.
وعيََّد السلطان عيد الفطر يوم الأربعاء، ثم رحل إلى " بُرج صافيتا "، حتى تكامل عسكره. وكان هذا الحصن صغيراً فلما أطلق ريدَ افرنس من الأسر سنة ثمان وأربعين، عاد إلى الساحل وطاف بلاده، فرأى هذا الحصن فاستصغره، فزاد فيه زيادة كثيرة من ناحية الجنوب، ورفع بناءه وهو على جبل يحيط به جبال مشرفة عليه، والله أعلم.
وهو بيد مولانا السلطان الملك الظاهر رُكن الدين إلى تاريخنا هذا. ثم انتقل إلى ولده الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة بحكم وفاته - قدس الله روحه -.
فلما خرج المُلْكُ عن الملك السعيد إلى أخيه الملك العادل سيف الدين سلامش ليلة الاثنين ثامن ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين، صار الملك العادل إلى أن جلس السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي العلائي على تخت الملك يوم الثلاثاء حادي شهر رجب الفرد سنة ثمان وسبعين، فاستمرّ بيده.
الباب الرابع في
ذكر بلاد جند الأردن ومن ملكها
طبرية - بيسان - بانياس - صفد - هونين وتبين - شقيف أرنون - شقيف تيرون - كوك - قلعة الطور - صُوْر - عكا - حيفا.
قال أبو العباس أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح في " كتاب البلدان ": ولجند الأردن من الكور: طبرية وهي القصبة.
والقدس من أجل كورها.
والسّواد.
وبيسان.
ولم يذكر بانياس ولا ذكرها ابن حوقل أيضاً، وكأنها في غالب الظن مُحدثة.
هذه الكورة البرية.
فأما كورة البحرية: فصور.
وعكا.
وحيفا.
ولم يذكر ابن أبي يعقوب ولا ابن حوقل " حيفا " وكأنها محُدثة أيضا.
والله أعلم.
قلتُ: لم يزل الأردن وفلسطين في يد بني أمية ونوابهم إلى أن انقرضت دولتهم، في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وبويع السفاح عبدُ الله بن محمد فهزمه واستولى على بلاد الشام بأسرها في شوال سنة اثنتين وثلاثين، وولَّى فيها من قبله.
ولم تزل بلادُ جُنديْ الأردن وفلسطين في يد نواب بني العباس، إلى أن وليها عيسى بن الشيخ من قبل المهتدي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، فأظهر الخلاف عليه، وتغلب على دمشق في سنة خمس وخمسين.
ولم يزال متغلباً إلى أن ولي المُعتد الخلافة، فبعث إليه " أماجور " بجيش فأخرجه عن البلاد، واستولى على ما كان بيد " أماجور "، وولى فلسطين والأردن محمد بن رافع وبقيا في يده إلى أن خرج أحمد بن طولون من مصر وسار إلى " الرملة " قتلقاه محمد بن رافع سامعاً مطيعاً فأقرَّه على ولايته.
ولم تزل في يده إلى أن توفي أحمد بن طولون، في ذي القعدة سنة سبعين ومائتين وتولّى ولده خُماريه، فأظهر محمد بن رافع الخلاف عليه. ودعا لأبي العباس أحمد بن أبي أحمد الموفق فجهز خمارويه محمد بن أحمد الواسطي وسعيداً الأيسر، فقصدا فلسطين والأردن وطردا ابن رافع عنهما.
فوصل المعتمد إلى دمشق. ثم توجه إلى مصر وخرج إليه خمارويه منها، فالتقيا في ذي القعدة على " الطواحين " من عمل فلسطين الساحل. وهذه الواقعة تعرف " بالطواحين " فانهزم خمارويه، ثم تراجع، ووقعت الكسرة على " المعتمد " واستولى " خمارويه " على الأردن وفلسطين.
ولم تزل في يده نوابه إلى أن قتل بدمشق في ذي القعدة، سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وولّي بعده ولداه أبو الجيش، ثم هارون.
ولم يزل الأردن وفلسطين في أيديهما إلى سنة سبع وثمانين. وفيها قصد الشام عليّ بن عبد الله القرمطي واستولى على فلسطين، فسير هارون من قبله عسكرا كسر القرمطي واستولى على الجنديْن، وولّى فيهما مولاه صوارتكين.
وبقيا في يده إلى أن بعث المكتفي محمد بن سليمان الواثقي، ودخل دمشق. ثم خرج منها وسار إلى الأردن وفلسطين فسلمها له صوارتكين فولى فيهما أحمد بن كيغلغ ثم عاد إلى بغداد.
فاستخلف عليهما أحمد بن كيغلغ يوسف ابراهيم، فقصد القرامطة بلاد الشام واستولوا على الأردن، وقتلوا يوسف وذلك سنة ثلاث وتسعين ومائتين، فقصده عسكر المكتفي فطرده عن البلاد.
وعادت إلى نواب أحمد بن طولون واستمرت في أيديهم إلى أن عقد المقتدر لولده أبي العباس وهو ابن أربع سنين على الشام ومصر، وولى عليهما نيابة عنه مؤنس المظفر وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة.
ثم صارت إلى محمد بن طغج الإخشيد في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ولم تزل في يديه إلى أن وصل محمد بن رائق إلى دمشق من قبل الرّاضي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. ثم خرج منها واستولى على الأردن وفلسطين، فخرج إليه الإخشيد من مصر وهزمه وأسر ولده. ثم تدعيا إلى الهدنة على أن تكون فلسطين للأخشيد مع مصر، ويكون الأردن لمحمد بن رائق.
ولم يزال الأمر فيهما على ذلك إلى أن قتل ابن رائق، فولى المتقي الإخشيد أجناد الشام ومصر.
ودامت ولايتها في يده وفي يد عقبة من بعده إلى أن ملك القائد جوهر مصر، وخرج منها إلى الشام. وكان إذ ذاك متولياً على دمشق والأردن وفلسطين الحسنُ بن عبد الله ابن طغج. فلما بلغه ذلك خرج إلى " الرملة " في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فقصده " جوهر " وكسره وأسره، واستولى على فلسطين والأردن ودمشق.
ولم تزل في يده إلى أن استولى الحسين القرمطي على الأردن وفلسطين في سنة ستين. وبقيا في يده إلى أن كسر على القاهرة في شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واستعيدت البلاد.
ولم يزل جندُ الأردن وفلسطين يليهما نواب العبيديين أصحاب مصر، وجرى الأمر على ذلك إلى أن تغلبت الترك على الشام، فتفرقت بلادها في أيدي المستولين عليها.
وهذا الذي سقناه قول مجمل تدعونا الضرورة إلى تفصيله.
فأما بلاد جند الأردن فان بلادها قسمان كما قلنا فيما حكيناه عن أبي يعقوب: بَرّيَّة وبحرية.
وقصبته طبرية: قرأت في تاريخ " محبوب بن قسطنطين " ما صورته: " ملك طبياروس قيصر ثلاثاً وعشرين سنة، وكان عمره ثمانيا وسبعين سنة. وفي أول سنةٍ من مُلكه عرضت زلازل عظيمة، وسقطت منها مواضع كثيرة. وفي السنة السابعة من ملكه بنى " هرودس " مدينة، وسماها طبرية على اسم طبياروس الملك.
وهي في سفح جبل مطل على البحيرة المنسوبة إليها، وعليها سور حصين. وبها حمامات تنصب إليها مياه حارّة من حمامات في الشتاء والصيف. ماؤها في أول خروجه يسمط من الجلد ويسلق فيه البيض. ومن خارجها أيضا حمامات يقصدها أرباب العاهات من المجذومين والمجروبين والمفلوجين فيتعالجون بالاستحمام بمائها، فتزول عنهم أوصابهم.
وأما بحيرتها: فطولها اثنا عشر فرسخاّ، وعرضها فرسخان. ماؤها حلو، يخرج منه " نهر الأردُنّ " المعروف " بالشريعة "، ويصبّ في البحيرة الميتة.
وهذه البحيرة في طرف الغور، لا يعيش فيها حيوان ولهذا سُميت بالميتة، وبعض الناس يسميها بالمنتنة.
ويقال إن موضعها ديار قوم لوط. طولها: ثمان وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها: اثنتان وثلاثون درجة. صاحب ساعة بنائها المريخ، وطالعها الدالي وزحل.
قال البلاذري: " افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن عنوة، خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه على أنصاف منازلهم وكنائسهم بعد حصار أيام. ثم إنهم نقضوا الصلح في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر أبو عبيدة عمرو ابن العاص بغزوهم، فسار إليهم في أربعة آلاف، ففتحها على مثل فتح شرحبيل. وقيل بل فتحها شرحبيل ثانية بغير قتال ".
لم تزل طبرية في يد من يلي الجند منذ فُتحت إلى أن كانت دولة المستنصر العُبيدي صاحب مصر. وفيها قصدها أتسز بن أوق التركي فملكها، وذلك في سنة اثنتين وستين وأربعمائة. وبقيت في يده إلى أن قتله تاج الدولة تتش، وأخذ منه دمشق، واستولى على ما كان بيده من البلاد.
ولم تزل في يده ولده شمس الملوك دقاق من بعده إلى أن قصده الفرنج بلاد الشام في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، فملكوا القدس وما صاقبها من البلاد. فخرج ظهير الدين طغتكين أتابك شمس الملوك دقاق إلى " طبرية "، فأخرج منها مصحفا كان فيها من المصاحف التي سيرها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار. وحمله إلى دمشق، وكاني يوم دخوله إليها يوماً مشهوداً.
ثم ساروا إليها فملكوها. وبقيت في أيديهم إلى أن وقع ظهير الدين بجرفاس القومص صاحب طبرية في شوال سنة إحدى وخمسمائة، وقرر قحف رأسه، وشرب به الخمر وهو ينظر إليه، وعاش ساعة ثم مات. ولم يملك طغتكين " طبرية ".
وبَنَت الفرنج في طبرية قلعة - لما ملوكه - على بحيرتها. ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها السلطان الملك الأشرف الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
وأقطعها الأمير سعد الدين مبارك بن تميرك، وملم تزل في يده مدة أيام الملك الناصر، وبعده في أيام ولده الملك الأفضل وبعض أيام الدولة العادلية، إلى أن توفي سعد الدين المذكور سنة ثمان وستمائة.
وانتقلت إلى ولده فتح الدين أحمد، فانضم إلى خدمة الملك المعظم شرف الدّين عيسى ابن الملك العادل، فقايضه بصفد وطبرية، تسعين قرية من خبز الصخرة بنابلس والقدس.
واستمرت طبرية في يد نواب الملك المعظم شرف الدين عيسى إلى أن توفي في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة. وملكها بعده ولدهُ الناصر داود.
ولم تزل في يده إلى أن خرج الملك الكامل من الديار المصرية فملكها. ولم تزل في يد نُوابه إلى أن توفي في رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة، واستولى عليها الملكُ الجواد بحكم النيابة عن الملك العادل ابن الملك الكامل.
ولم تزل في يد الملك الجواد إلى أن قايض دمشق بسنجار وملك الملك الصالح نجم الدين أيوب " طبرية "، واستمرت في يده إلى أن قبض عليه، وحمل إلى الكرك، وملك الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل دمشق وطبرية. وأعطاها الملك الصالح عماد الدين إسماعيل للفرنج فيما أعطاه من البلاد، في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة فعمروها.
ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها عسكر الملك الصالح نجم الدين أيوب عنوة، على يد وزيره ومقدّم جيوشه معين الدين بن الشيخ. وبقيت خراباً وبلادهما في يد الملك الصالح نجم الدين أيوب، إلى أن توفي في شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة.
وملكَ بلادَ طبرية الملك المعظم تورانشاه ولده، فلم تزل في يده، إلى أن قتل في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة. وملك دمشق الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد بن غازي بلادها، والمدينة خراب.
ولم تزل في يد الملك الناصر إلى سنة اثنتين وخمسين وستمائة، صالح الكند إسطبل على أن تكون " طبرية " مناصفة، وكان نُصفها للفرنج ونصفها للملك الناصر. واستمر ذلك إلى انقضاء الدولة الناصرية في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة. فاستولى عليها التتار فيما استولوا عليه من البلاد. ولم تزل في أيديهم إلى أن كسروا في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة.