الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان بسروج من قبله ابن أخيه - بلك - فأساء التدبير، وظلم الرعية، وأخذ أموالهم، فاضطر أهل سروج إلى أن كاتبوا قمص الرها وسلموا إليه سروج فهرب بلك منها فاستمرت في أيدي الفرنج إلى أن قصدها بلك في سنة أربع وتسعين، وفتحها عنوة، وقتل من فيها، ثم خرج عنها بعد أن رثت أحوالها، فقصدها الفرنج فافتتحوها مرة ثانية، وقتلوا كل من فيها. ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها عماد الدين زنكي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وولي فيها حسانا - والي منبج - ولم تزل في يده إلى أن توفي عماد الدين على
قلعة جعبر
سنة " إحدى " وأربعين.
وملك بعده ولده نور الدين محمود فأقرها في يده، واستمر فيها إلى أن توفي في سنة اثنتين وأربعين.
فوليها ولده سيف الدين أيوب ولم تزل في يده إلى أن توفي سنة تسع وأربعين.
فوليها ولده غازي فعصي على نور الدين فنهد إليه عسكرا مقدميه مجد الدين ابن الداية وأسد الدين شيركوه فقاتلاه حتى تسلما منه منبج وقلعة نجم وأبقوا عليه سروجا وذلك في سنة اثنتين وستين وخمسمائة.
ولم تزل في يده إلى أن أخذها منه نور الدين سنة أربع وستين وعوضه عنها ببالس، وبقيت في يده إلى أن تسلم قلعة جعبر من عز الدين علي بن مالك العُقيلي وعوضه عنها أشياء من جملتها سروج تمليكا، وبقيت في يده ويد عقبه إلى أن مات نور الدين سنة تسع وستين وخمس مائة.
فقصدها سيف الدين غازي - صاحب الموصل - واستولى عليها ولم تزل في يد نوابه إلى أن توفي في سنة ست وسبعين.
وتولى أخوه عز الدين مسعود فملكها فيما ملك من البلاد، ولم تزل في يده إلى أن قصدها السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف في سنة ثمان وسبعين، فملكها، وبقيت في يده إلى أن أخذ حلب من عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود في سنة تسع وثمانين. وعوضه عنها سنجار والخابور ونصيبين وسروج، ولم تزل في يده إلى أن توفي صلاح الدين سنة تسع وثمانين.
واتفق عز الدين مسعود - صاحب الموصل - وسيف الدين بكتمر - صاحب خلاط - على أخذ ما كان في يد صلاح الدين البلاد، وخطبا لكيقباد - صاحب الروم - ليعاضدهما ويساعدهما. فخرج بكنمر من خلاط، وخرج مسعود من الموصل، واجتمعا على الرها فأخذاها، ثم إن مسعود مرض ورجع إلى الموصل ومات بها، ووثب أحد غلمان سيف الدين بكتمر عليه فقتله.
ومات كيقباد بسيواس بعد أن خرج من بلاده. فسار الملك العادل إلى الجزير فاستولى على سروج فيما استولى عليه من البلاد، وأقطعها ولده الملك المظفر شهاب الدين غازي، ولم تزل في يده إلى أن أخذها منه في سنة ثمان عشرة وستمائةٍ الملك الأشرف وعوضه عنها ميافارقين، وبقيت في يد نواب الملك الأشرف إلى أن قايض أخاه الملك الكامل وأخذ منه دمشق في سنة ستٍ وعشرين، لما صارت في يد الملك الكامل وولى فيها شمس الدين صواب، ولم تزل في يد الكامل إلى أن كسر كيقباد - صاحب الروم - لعسكر الملك الكامل على الدربند. وعاد الملك الكامل إلى مصر في سنة اثنتين وثلاثين. واستولى كيقباد على سروج وغيرها من البلاد، وولى فيها، وبقيت في يد نوابه إلى أن خرج الملك الكامل من مصر وقصد الجزيرة فاسترجع سروج عند حصاره الرها يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين، وهدم قلعة ساكما وكانت تضرب بها الأمثال في الحصانة، فلم تعمر بعد فلما ملكها سلمها لولده الملك الصالح نجم الدين أيوب مع غيرها من البلاد. ولم تزل في يده إلى أن استعان بالخوارزمية وأسكنهم معه في البلاد سنة خمس وثلاثين. فلما مات الملك الكامل طمعوا فيه، ورأى منهم ما لا يطيق حمله، فهرب منهم إلى سنجار بعد أن أقطعهم سروج فيما أقطعهم من البلاد، ثم ملكوها بعد على ما حكيناه في الرا. ونزل بها منهم خان بغدي ولم تزل في يده إلى أن كسرهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد - صاحب حلب - في سنة ثمان وثلاثين.
واستولى على البلاد، ولم تزل سروج في أيدي نوابه إلى أن استولى عليها التتر فيما استولوا عليه من البلاد سنة ثمان وخمسين وستمائة، وبقيت في أيديهم إلى أن أخلوها وانتزحوا عنها في سنة ثلاث وستين وستمائة.
وكان ما يتحصل من ضياعها يُصرف في ثلاثمائة فارس، وما يُستخرج من قصبتها يُحمل إلى بيت المال، ومقداره يزيد على أربع مائة ألف درهم.
قلعة جَعْبر
وهي بريةٌ بحريةٌ جزريةٌ، على تل مشرف على الفرات، لها ربضٌ. كانت عامرة بالأسواق، كثيرة الأرزاق.
طولها ثلاث وسبعون وثلاثون درجة فقط.
وكانت تُعرف قديما بقلعة دوسر ويقال: إنه غلامٌ للنعمان بن المنذر اللخمي - ملك العرب وصاحب الجزيرة - تركه على أفواه الشام، والنعمان مقيم بالحيرة فبنى هذه القلعة، فنُسبت إليه.
وما زالت هذه القلعة في أيدي ملوك الجزيرة، تنتقل بانتقالها، إلى أن صارت لبني نُمير فاشتراها الدزبري لما ملك حلب من بعضهم -، يقال: إنه منيع بن شبيب بن وثاب - ثم تغلبوا عليها بعد موته، فعمل عليهم جعبر بن سابق القشيري وكان له عدة أولاد فسرقها من بني عطير فلما استولى عليها جدد بناءها وحصنها فنسبت " إليه " ولم تزل في يده إلى أن توفي في المحرم سنة أربع وستين وأربعمائة.
واستولى عليها ولده سابق، وكان أعمى. وكانت رجاله يقطعون الطريق وينتهكون محارم الله. ولم يزالوا على ذلك إلى أن توجه السلطان الملك العادل ملكشاه ابن ألب أرسلان محمد بن جعفر بك بن ميكائيل بن سلجوق قاصدا حلب لما قتل شرف الدولة مسلم بن قريش ملكها، وبقيت بلا ملك، فعبر على قلعة جعبر فحاصرها يوما وليلة حتى فتحها وقتل سابقا وأهله وصلبه. فلما ملك حلب عصي بقلعتها شمس الدولة سالم بن مالك بن بدران العقيلي. ثم نزل عنها فعوضه عنها بقلعة حعبر ووقفها عليه وعلى أولاده بكتاب شرعي وأقطعه معها الرقة وضياعا، فأقام بها إلى أن توفي يوم الأربعاء العشرين من شوال سنة تسع عشرة وخمس مائة. فملكها بعده ولده شهاب الدين نجم الدولة مالك.
" وكان بينه وبين ابن منقذ مودة أكيدة فأجتاز على صاحب شيزر جماعة كثيرة من حجاج الفرنج يريدون أفامية فضلوا عن الطريق، فدخلوا شيزر " وهي " إذ ذاك بغير سور، فوثب عليهم أهلها، فقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان. وحمل ذلك إلى ابن منقذ فرأى منهن جارية حسنة فكساها وأصلح شأنها وأنقذها إلى شهاب الدين المذكور، فأعجبته وحظيت عنده. واستولدها ولدا سماه بدران وجعله ولي عهده. فلما توفي ملك بعده بدران. فتدلت أمة من القلعة ومضت إلى سروج، وفيها الفرنج فتزوجت برجل إسكاف ".
ودام بدران المذكور بقلعة جعبر إلى أن عمل عليه أخوه سيف الدولة علي بن مالك وقتله في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. وملك القلعة ولم يزل بها إلى أن نزل عليها عماد الدين زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل وحلب يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة " إحدى " وأربعين فحاصرها وضايقها.
وسير إلى عز الدين ابن حسان - صاحب منبج - لتقرير الصلح. وتسلميها، والعوض عنها. فقال: أنظرني إلى غد فقال له ابن حسان: وأي شيء يأتيك في غد؟ فقال له: الذي جاء لبلك بن أرتق، وهو محاصر لك في منبج.
فلما كانت ليلة الأحد سادس شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وثب على عماد الدين زنكي خادم له، فقتله.
وافترق العسكر، ونهب بعضهم بعضا، ورحلوا عن قلعة جعبر وأخذ كل من ولديه جهة.
ولم يزل عز الدين بها إلى أن قتل يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة ست وأربعين. وكان السبب في قتله أن العرب أغارت على نواحي الرقة، فاتصل به الخبر، فخرج إليهم، وكان مع العسكر، عسكر أميرك الجاندار، فأصابه منهم سهم فمات.
وملك بعده ولده شهاب الدين مالك، ولم يزل بها إلى أن خرج إلى الصيد في سنة أربع وستين فوقع عليه عرب من بني هذيل من كلب، فأثخنوه جراحا، مسكوه وحملوه إلى نور الدين فضيق عليه وعذبه، وبعث سابق الدين عثمان ومجد الدين - ابني الداية - صاحب بالس إذ ذاك، وفخر الدين مسعود بن الزعفراني إلى قلعة جعبر، فنازلوها في شعبان من السنة. فلما عجزوا عن حصارها، زاد في التضييق على شهاب الدين فسلمها إليه. وكان آخر من ملكها من بني عقيل، وكانت مدة ملكهم ثمانية وثمانين سنة.
ولما ملكها نور الدين أقطعها مجد الدين بن الداية، فاستناب فيها شمس الدين، وعوض شهاب الدين عنها سروج وبلدها، وباب بزاعا وعشرين ألف دينار نقدا. ووقف عليه أورم الكبرى والملوحة والحمامين اللتين بالحاضر، ودار ابن الأيسر - بباطن حلب المعروفة الآن بدور بني قليج.
وأعطى نائبه بها، وهو القائد محمد بن عروة خمسمائة دينار، وخلعة وهو بها بسخت وسرفسار، وأقطعه الرصافة وكتبها له ملكا. وأعطى الأجناد خمس مائة دينار.