الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستمرت في يد الفرنج إلى أن ملك السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس - خلد الله ملكه - صفد في شوال سنة أربع وستين وستمائة، فاستولى على طبرية وبلادهما. وهي في يده إلى تاريخ وضعنا كتابنا هذا، وهو سنة أربع وسبعين وستمائة. فأمر بعمارتها فعمرت. وجمع إليها أهلها إلى الآن.
بيسان
وهي مدينة الغور. ولها قلعة صغيرة من بناء الفرنج محدثة. يحيط بها الماء من سائر جهاتها، يُعبرُ إليها على جسر.
والغور: مكان غائر في الأرض جداً بين جبلين. فيه قرى وضياع، تخترقها العيون والأنهار والأودية. وأهله سمر الألوان إلى السواد لحرارته. ولهذا به النخل وقصب السكر، والموز.
وهو على قسمان - على ما حكاه ابن حوقل -: " حدَّ منه الأردن إلى أريحا وبَيْسان، فإذا جاوزها كان من حدِّ فلسطين، وهو يمتد مع طول بحيرة طبرية على بيسان حتى ينتهي إلى زغر وارداً إلى البحيرة الميتة، وإذا امتدَّ فيه السائر أداه إلى أيلة ".
لم يزل حكم بيسان في الولايات حكم سائر بلاد الأردنّ في الانتقالات، إلى أن استولى عليها الفرنج في سنة اثنتين وتسعين عند استيلائهم على القدس.
ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. واستمرت في يده وأيدي بنيه - على الترتيب الذي تقدّم ذِكره - إلى أن استولى عليها التتار فيما استولوا عليه في صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة.
وملكها الملك المظفر سيف الدّين قُطُز في رمضان من السنة المذكورة.
وملكها السلطان الملك الظاهر في ذي الحجة من السنة، واستمرت في يده إلى تاريخ وضع هذا الكتاب، وهو سنة أربع وسبعين وستمائة.
ثم لما توفي الملك الظاهر في ثامن عشري محرّم سنة ست وسبعين، صار إلى ولده السعيد ناصر الدين محمد بركة قان.
فلم يزل في يده إلى أن خرج الملك عنه لأخيه الملك العادل سيف الدين سلامش ليلة الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين، وولي تدبير ملكه وأتابكية عسكره الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي العلائي، فسير إليه نواباً عن الملك العادل.
فلم يزل بأيديهم إلى أن جلس السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي المذكور على تخت الملك، يوم الثلاثاء حادي عشر شهر رجب الفرد من سنة ثمان وسبعين، فسير إليه نوابه، فهو بأيديهم إلى الآن.
بانياس
وهي مدينة مكورة " الجولان ". ولها قلعة تسمى " الصُبيبة " بناها الفرنج بعد الخمسمائة. طولها ثمان وسبعون درجة وثلاثون دقيقة. وعرضها ثلاث وثلاثون درجة. طالعها برج السنبلة هرة صاحب ساعة بنائها الزهرة.
لم يتصل بعلمي شيء من مبدأ أمرها إلاّ ما قرأته في تاريخ لطيف لأحد بني منقذ، وهو عبد الرحمن بن محمد: أن بانياس سلّمت لينال التاجي، ولم يذكر ممن تسلمها في سنة إحدى وخمسمائة.
ثم إن طنكريد صاحب إنطاكية وصل إلى أطرابلس لمحاكمة بين صاحب أطرابلس وبين صنجيل، في سنة اثنتين وخمسمائة. ثم عاد فنزل على بانياس، والقوتُ فيها قليل جدا، فلم يمانع، فدخلها، ونهبها، ورحل عنها. فخرج إليها ظهير الدين طغتكين، فرم شعثها، وأصلح فاسدها، وولَاّها الأمير مسعود، فأقام فيها إلى سنة ست وخمسمائة. ثم عزله عنها، وولاّه " صور "، وأقطعها ولده الملوك بُوري.
ولم تزل في يده إلى أن صانع بها " ظهير الدين " خواجا بهرام، داعي الباطنية في سنة عشرين وخمسمائة. وكان هذا الرجل في غاية الاستتار والاختفاء، وتغيير الزيّ بحيث يطوف البلاد والمعاقل، ولا يعرف أحد شخصه إلى أن حصل في دمشق بتقرير قرره نجم الدين إيغازي بن أرتق مع الأمير ظهير الدين طغتكين أتابك، فأكرم لاتقاء شره وشرّ جماعته. فلما تأكدت بينهما الحرمة التمس من ظهير الدين حصناً يأوي إليه، ومعقلا يحتمي به، ويعتمد " عليه " فسلم إليه ثغر بانياس.
وما زال به إلى أن خرج بجمعه وحشمه قاصداً حرب أهل " وادي التيم ". فلقوْه في الطريق، ومقدم ضحاك ابن جندل، واقتتلوا فقتل ومنْ نعه. وعجّل الله بأرواحهم إلى النار، وأخلى منهم المنازل والديار، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
وبقي في بانياس نائبه إسماعيل فأرسل إلى الفرنج يبذل لهم تسليم الحصن ليأمن بهم. فوصلُوه، وتسلَّموه منه، وأقام تحت أيديهم حتى هلك في أوائل سنة أربع وعشرين. فاستولى عليه الفرنج وبقي في أيديهم، إلى أن سار إليه شمس الملوك إسماعيل ابن تاج الملوك بوري بن ظهير الدين طغتكين الأتابك، ونزل عليه يوم الأربعاء رابع عشري المحرم سنة سبع وعشرين وخمسمائة.
وذكر بعض جماعة أن قلعة " الصبيبه " بُنيت بعد مُلكها الفرنج سنة أربع وعشرين، وهم الذين أنشأُها. فملكه عنوة في يومه بعد قتال وحصار.
وبقي في يده إلى أن سَّلمه شهاب الدين محمود ابنُ تاج الملوك بوري، لما ملك دمشق لفلك بن فلك صاحب بيت المقدس سنة أربع وثلاثين.
وبقي في يد الفرنج إلى أن ملك الملك العادل نور الدين محمود دمشق في سنة وأربعين وخمسمائة فنزل على بانياس، فاخذ في يوم الاثنين مستهلّ ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وبقيت في يده إلى أن مات وانتقلت لولده الصالح إسماعيل.
فلم تزل عليها إلى أن استولى عليها فيما استولى عليه من البلاد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فأعطاها ولده الأفضل لما أعطاه الشام.
وبقيت في يده إلى أن استولى عليها الملك العادل عند أخذه دمشق، فأقطعها ولده العزيز عُثمان. وبقيتْ في يده إلى أن توفي في شهر رمضان سنة ثلاثين وستمائة.
وملك بعده ولدهُ الملك الظاهر. ثم توفيّ في بقية السنة وولي بعده أخوه الملك السعيد.
وبقيتْ في يده إلى أن أخذها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل في سابع عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وستمائة.
ولم تزل في يده إلى أن توفي فخرج الملك السعيد من مصر وتسلم القلعة من غلمان أبيه، وكانوا بها من جهة الملك الصالح.
وبقي فيها إلى أن ملك الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد دمشق، فخاف منه فخرج عن القلعة إلى مصر.
وبقيت في يد نوابه. ثم إنه خرج من مصر، فقبض عليه عسكر السلطان الملك الناصر فحملوه إليه، فحبسه في قلعة " البيرة، وبعث إلى القلعة من تسلمها في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وستمائة.
وبقيتْ في يده إلى أن انقرضت دولته، واستولى التتر على البلاد في صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة، فأخرجوا الملك السعيد من " البيرة "، واحسنوا إليه وأعطوه " بانياس ".
وبقيت في يده إلى أن كسر الملك المظفر قُطُز التركي المعزي صاحب مصر التتر في رمضان من السنة، وأخذ الملكُ السعيد أسيرا فيمن أخذ من الأسرى، فقتل صبراً فإنه كان على المسلمين أشد من التتر، وكان قد تنصر في هوى زوجة " هولاكوا "، وعلق في صدره صليباً، وكتب عليه:" حبيس المسلمين طليق التتر ".
وتسلم الملك المظفر " بانياس " فيما ملك من البلاد وبقيت في يده إلى أن قتل في بقيت السنة، وملك مولانا السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس البلاد استولى عليها بعد أن تسلم دمشق في صفر سنة تسع وخمسين وستمائة.
وبقيت في يد نوابه إلى أن خرج - أعز الله نصرته وجعل الملائكة أسرته - في بقية السنة التي ملكها فيها إليها.
فعقد فيها للمولى الأمير الكبير ملك الأمراء بدر الدين " بيليك الخزندار الظاهري مملوكه على بنت بدرِ الدين " صاحب الموصل، وملكه " بانياس "، فولى فيها من قبله، وذلك في العشر الأول من شوال من السنة، يجتلب دور خيرها. ويجتلب دور ميرها. ويجتني قطاف ريعها. ويجتلي ألطاف ربعها. وتلك نعمة يمنها عليه أن عبد له رقاب رعيته. وذلل له صعب الدهر بما أخلص له من طويته. وكيف لا ينيله رتبةً تبعد عن الأطماع منالها. ويُحلهُ منزلة يودّ من في الأفلاك أنهم نُزالها، وهو ذو الهمة التي سمت على الهمم. وهمت بمكارم الشيم. وامتاز بها عن أقرانه. وجُعلت علما في برد قرانه.
ثم لما توفي الملك الظاهر، وولي الأمر من بعده الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة قان ولده، صارت إليه بعد وفاة والده في ثامن عشري المحرم من سنة ست وسبعين.