الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" لما وصل عز الدين إلى الرقة، جاءته رسل أخيه عماد الدين - صاحب سنجار - وطلب أن يسلم إليه مدينة حلب، ويأخذ عوضا عنها مدينة سنجار فلم يجبه إلى ذلك. ولجّض عماد الدين وقال: إن لم تُسلم إليَّ حلب، وإلا سلمت أنا سنجار إلى صلاح الدين. فأشار حينئذ جماعة من الأمراء بتسليمها إليه. وكان أشدهم في ذلك مجاهد الدين قايماز، فلم يُمْكنِ عز الدين مخالفته لتمكنه في لادولة، وكثرة عساكره وبلاده. وإنما حمل مجاهد الدين على " ذلك " خوفه م عز الدين لأنه عظم في نفسه وكثر معه العسكر. فكان الأمراء الحلبيون لا يلتفتون إلى مجاهد الدين ويسلكون معه من الأدب ما يسلكه معه عسكر الموصل، فاستقر الأمر على تسليم حلب إلى عماد الدين ودفع سنجار إلى أخيه، وعاد إلى الموصل.
وكان صلاح الدين إذ توجّه بمصر، فلما بلغه خبر ملك عز الدين حلب، عظم عليه. وخاف أن يسير منها إلى دمشق وغيرها، ويملك الجميع. فأيس من حلب. فلما بلغه ملك عماد الدين لها برز " من مصر " من يومه. وسار إلى الشام. وكان " من الوهن على " دولة عز الدين ما نذكره - إن شار الله تعالى -.
ذكر ملك صلاح الدين سنجار
" لما سار صلاح الدين عن الموصل إلى سنجار سيَّر مجاهد الدين " قايماز " إليها عسكرا، قوة لها ونجدة، فسمع بهم صلاح الدين فمنعهم من الوصول إليها، وأوقع بهم، واذخ سلاحهم، ودوابهم وعلوفاتها، وسار إليها ونازلها. وكان بها شرف الدين أمير أميران " هندوا " وأخوه عز الدين - صاحب الموصل - معه في عسكرٍ، فحصر البلد وضايقه، وألح في قتاله، فكاتبه بعض الأمراء الأكراد، " الذين به " من الزرزارية " وخامر معه "، وأشار عليه بقصده من الناحية التي هو فيها " ليسلم إليه " البلد، فطرقه صلاح الدين ليلا، فسلم إليه ناحيته، فملك الباشورة لا غير. فلما سمع شرف " الدين " الخبر استكان وخضع، وطلب الأمان فأمِّن. ولو قاتل على تلك الناحية لكان أخرج العسكر الصلاحي عنها. ولو امتنع بالقلعة لحفظها ومنعها، لكنه عجز. فلما طلب الأمان أجابه صلاح الدين إلى ذلك وأمنَّهُ، وملك البلد، وسار شرف " الدين " ومن معه إلى الموصل " واستقر الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بملك سنجار.
" واستناب بها سعد الدين بن معين الدين أنُر، وكان من أكابر الأمراء وأحسنهم صورة ومعنى ".
ولم تزل سنجار بيد صلاح الدين إلى أن دخلت سنة تسع وسبعين وخمس مائة، فملك صلاح الدين آمد، وأنعم بها على نور الدين بن قرا أرسلان - صاحب الحصن -.
وقصد حلب وحاصرها. وكان بها عماد الدين زنكي ابن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي، وضايقها، فأرسل عماد الدين إليه، وطلب الصلح، فعوضه عنها سنجار ونصيبين والرقة وسروج والخابور.
وكان ذلك في ثامن عشر صفر من السنة.
ولم تزل سنجار بيد عماد الدين زنكي " بن مودود بن زنكي بن آق سنقر إلى أن توفي في المحرم سنة أربع وتسعين وخمس مائة وملكها ولده قطب الدين محمد.
ذكر وفاة عماد الدين زنكي بن مودود
" في هذه السنة من المحرم توفي عماد الدين زنكي بن مودود ابن " زنكي ن " آق سنقر - صاحب سنجار ونصيبين والخابور والرقة. وقد تقدم ذكره، كيف ملكها سنة تسع وسبعين.
وكان رحمه الله عادلا، حسن السيرة في رعيته، عفيفا عن أموالهم، وأملاكهم، متواضعا، يحب أهل العلم والدين، ويحترمهم، ويجلس معهم، ويرجع إلى أقوالهم إلا أنه كان بخيلا شديد البخل، وملك بعده ولده قطب الدين محمد وتولىّ تدبير دولته مجاهد الدين يرنقش - مملوك أبيه -.
وكان دينا، خيرا، عادلا، حسن السيرة، كثير البر والإحسان إلى الفقراء، وكان رحمه الله شديد التعصب على مذهب الحنفية، كقير الذم للشافعية.
فمن جملة تعصبه أنه بنى مدرسة للحنفية بسنجار، وشرط أن يكون النظر إلى الحنفية من أولاده، دون الشافعية، وشرط أن يكون البواب والفراش على مذهب أبي حنيفة. وشرط للفقهاء طبيخا يطبخ لهم كل يوم؟ وهذا نظر حسن، رحمه الله تعالى.
ذكر حصار الملك العادل سنجار
وفي سنة ست وستمائة قصد الملك العادل أبو بكر " محمد " بن أيوب نصيبين والخابور وملكهما، وحصر مدينة سنجار " والجميع " من أعمال الجزيرة، وهي بيد قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي " بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي " بن آق سنقر ". وسبب ذلك أن قطب الدين المذكور كان بينه وبين ابن عمه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود - صاحب الموصل - عداوة مستحكمة، وقد تقدم ذكر ذلك.
فلما كان سنة خمس وستمائة حصلت مصاهرة بين نور الدين والملك العادل فإن بعض أولاد الملك العادل تزوج بابنة نور الدين.
وكان وزراء نور الدين يحبون أن يشتغل عنهم، فحسنوا له مراسلة الملك العادل، والاتفاق معه على أن يقتسموا البلاد التي لقطب الدين، وبالولاية التي لولد سنجر شاه بن غازي ابن مودود وهي جزيرة ابن عمر وأعمالها فيكون " ملك " قطب الدين للملك العادل، وتكون الجزيرة لنور الدين. فوافق هذا القول هوى نور الدين فأرسل إلى الملك العادل في المعنى، فأجابه إلى ذلك مستبشرا، وجاءه ما لم يكن يرجوه. لأنه علم أنه متى ملك هذه البلاد إذا ملكها لولده الذي هو زوج ابنة نور الدين ويكون مقامه في خدمته بالموصل. واستقرت القاعدة على ذلك، وتحالفا عليها. فبادر الملك العادل إلى المسير من دمشق إلى الفرات في عساكره، وقصد الخابور فأخذه.
فلما سمع نور الدين بوصوله خاف واستشعر، فأحضر من يرجع إلى رأيهم وقولهم وعرفهم وصول الملك العادل واستشارهم فيما يفعله. فأما من أشار عليه بذلك فسكتوا، وكان فيهم من لا يعلم هذه الحال فعظم الأمر، وأشار بالاستعداد والحصار وجمع الرجال، وتحصيل الذخائر وما يحتاج إليه. فقال نور الدين: نحن فعلنا ذلك وخبرة بالخبر فقال: بأي رأي تجيء إني عدو لك، وهو أقوى منك وأكثر جمعا، وهو بعيدٌ منك متى تحرك تعلم به فلا يصل إليك إلا وقد فرغت من جميع ما تريده، تسعى حتى يصير قريبا منك ويزداد قوة إلى قوته؟!.
ثم " إن " الذي استقر بينكما أنه له تمليكه أولا بغير تعب وغير مشقة، وتبقى أنت لا يمكنك أن تفارق الموصل إلى الجزيرة وتحصرها، والملك العادل ههنا. هذا إن وفى لك بما استقرت القاعدة عليه؛ بل لايجوز أن تفارق الموصل إلى إن عاد الشام لأنه قد صار له ملك خلاط وبعض ديار بكر والجزيرة، جميعها، - والجميع بيد أولاده - متى سرت عن الموصل أمكنهم أن يحولوا بينك وبينها. فما زدت على أن آذيت نفسك وابن عمك وقويت عدوك، وجعلته شعارك، وقد فات الأمر. وليس يجوز إلا أن تقف معه على الأمر الذي استقر بينكما، لئلا يجعل ذلك حجة ويبتدئ بك. هذا والملك العادل قد ملك الخابور ونصيبين وعاد إلى سنجار وحضرها. وكان في عزم قطب الدين - صاحبها - أن يسلمها إليه بعوض يأخذه عنها، فمنعه من ذلك أمير كان معه اسمه أحمد بن يرنقش مملوك " أبيه " زنكي وقام بحفظ المدينة والذب عنها.
وجهز نور الدين عسكرا مع ولده الملك القاهر يسيروا إلى الملك العادل. فبينما الأمر على ذلك إذ جاءهم أمر لم يكن في الحساب، وهو أن مظفر الدين كوكبري - صاحب إربل - أرسل وزيره إلى نور الدين يبذل له من نفسه المساعدة على منع الملك العادل عن سنجار، والاتفاق معه على ما يريد فوصل الرسول ليلا، فوقف مقابل دار نور الدين وصاح، فعبر إليه سفينة عبر فيها، واجتمع بنور الدين ليلا وأبلغه الرسالة، فأجاب نور الدين إلى ما طلب من الموافقة، وحلف له على ذلك، وعاد الوزير من ليلته، فسار مظفر الدين فاجتمع هو ونور الدين فنزلا في عساكرهما بظاهر الموصل.