المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ملك الملك الكامل ناصر الدين آمد - الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة

[عز الدين ابن شداد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي

- ‌المقصد الأوّل فيذكر الشام واشتقاق اسمه

- ‌المقصد الثاني فيذكر أوّل من نزل به

- ‌المقصد الثالث فيذكر ما ورد من فضل الشام

- ‌المقصد الرابع فيذكر موضعه من المعمور وحدوده

- ‌القسم الأوّلأمر البلد وما اشتمل عليه بنيانه ظاهراً وباطناً

- ‌ الباب الأوّل في

- ‌ ذكر موضعها من المعمور

- ‌الباب الثاني فيذكر الطالع الذي بُنيت فيه ومن بناها

- ‌الباب الثالث فيذكر تسميتها واشتقاقها

- ‌الباب الرابع فيذكر صفة عمارتها

- ‌الباب الخامس فيذكر عدد أبوابها

- ‌الباب السادس فيذكر بناء القلعة الّتي بحلب والقصور القديمة

- ‌فصل في ذكر القصور

- ‌الباب السابع فيذكر ما ورد في فضل حلب

- ‌الباب الثامن فيذكر مسجدها الجامع وما بظاهرها من الجوامع

- ‌ذكر الصهريج الّذي في الصحن

- ‌ذكر المنارة

- ‌ذكر ما آل إليه أمر المسجد الجامع في عصرنا

- ‌ذكر ما مُدح به هذا المسجد

- ‌ذكر ما بظاهر حلب من الجوامع

- ‌الباب التاسع فيذكر المزارات الّتي في باطن حلب وظاهرها

- ‌ذكر ما كانت الأمم السالفة تعظّمه من أماكن بمدينة حلب

- ‌ذكر ما بظاهرها من المزارات

- ‌ذكر ما في قرى حلب وأعمالها من المزارات

- ‌الباب العاشر فيذكر المساجد الّتي في باطن حلب وظاهرها

- ‌المساجد الّتي بين أبواب المدينة

- ‌ذكر المساجد الّتي بأرباض حلب

- ‌مساجد الحاضر السليماني ّ

- ‌ذكر مساجد الرابية وجورة جفّال

- ‌ذكر المساجد الّتي بالظاهريّة

- ‌ذكر المساجد الّتي بالرمادة

- ‌ذكر مساجد بانقوسا

- ‌ذكر مساجد الهزّازة

- ‌ذكر المساجد الّتي بخارج باب إنطاكية

- ‌ذكر مساجد المضيق

- ‌ذكر المساجد الّتي كانت بالقلعة

- ‌الباب الحادي عشر فيذكر ما بباطن حلب وظاهرها من الخوانق والرُبُط

- ‌الخوانق الّتي للنساء

- ‌الخوانق الّتي بظاهر حلب

- ‌ذكر الرُبط

- ‌الباب الثاني عشر فيذكر ما بباطن حلب وظاهرها من المدارس

- ‌المدارس الشافعيّة الّتي بظاهر حلب

- ‌ المدارس الحنفيّة

- ‌شعر:

- ‌ المدارس الحنفيّة التي بظاهر حلب

- ‌ذكر ما بحلب من مدارس المالكيّة والحنابلة

- ‌ذكر أدر الحديث بحلب

- ‌الباب الثالث عشر فيذكر ما بحلب وأعمالها من الطلسمات والخواص ّ

- ‌ذكر الحمّات الّتي يُنتَفَع بمائها في أعمال حلب

- ‌الباب الرابع عشر فيذكر ما بباطن حلب وظاهرها من الحمّامات

- ‌حمّامات الدور بحلب

- ‌ذكر الحمّامات الّتي بظاهرها

- ‌الحمّامات الّتي بالمقام

- ‌الحمّامات الّتي بالياروقيّة

- ‌الحمّامات الّتي خارج باب إنطاكية

- ‌الحمّامات الّتي بالحَلْبة

- ‌الحمّامات الّتي بالبساتين

- ‌الحمّامات الّتي خارج باب الجنان:

- ‌الحمّامات الّتي بالرَمادة:

- ‌الباب الخامس عشر فيذكر نهرها وقنيّها الداخلة إلى البلد

- ‌ذكر القنيّ المتفرّعة عن القناة العظمى

- ‌الباب السادس عشر فيذكر ارتفاع قصبة حلب فقط

- ‌الباب السابع عشر فيذكر ما مُدحت به حلب نثراً ونظماً

- ‌القسمُ الثاني منَ الكِتاب فيذكر ما هُو خارج عن دمشق

- ‌الباب الأول فيذكر أنهارِهَا وقَنَوَاتِهَافي ذكر أنهارها

- ‌ذكْرُ القُنِيّ

- ‌الباب الثاني‌‌ في ذكْر ما بنواحي دمشق من الجبال

- ‌ في ذكْر ما بنواحي دمشق من الجبال

- ‌الباب الثالث فيذكر ما احتوى عليه جُنْدُ دمشق من الكور

- ‌ كورة البقاع:

- ‌ذكر بعلبك

- ‌كورة حورانوقصبتها بصْرى

- ‌قلعة صرخد

- ‌كورة البثينةومدينتها أذرعات

- ‌كورة الجبال ومدينتها عرندل

- ‌ومعان

- ‌ومؤتة

- ‌ومما هو مستحدث ذكره في هذه الكورة من البلادالكرك والشوبك

- ‌كورة الشراة

- ‌وأرض البلقاء

- ‌قلعة الصلت

- ‌قلعة عجلون

- ‌ذكرُ ما في هذا الجند من البلادِ الساحلية

- ‌جُبيل

- ‌صيدا

- ‌بيروت

- ‌أطرابلس

- ‌ما كان في يد الفرنج

- ‌الباب الرابع فيذكر بلاد جند الأردن ومن ملكها

- ‌بيسان

- ‌بانياس

- ‌ذكرُ حصون هذا الجندصفد

- ‌هونين وتبين

- ‌شقيف أرنون

- ‌شقيف تيرون

- ‌كوكب

- ‌قلعةُ الطور

- ‌ذكر ما في جند بلاد الأردن من البلاد الساحلية

- ‌عكا

- ‌حيفا

- ‌الباب الخامس‌‌ فيذكر بلاد جند فلسطين

- ‌ فيذكر بلاد جند فلسطين

- ‌إيلياء

- ‌لمعة من فضائله

- ‌فضل الصخرة

- ‌ذكر خراب بيت المقدس بعد بنائه ِ

- ‌المرة الأولى:

- ‌المرة الثانية:

- ‌مدينة بيت المقدس

- ‌ذكر فتحها وملوكها

- ‌ومن رسالة للقاضي الفاضل

- ‌خطبة القاضي محيي الدين بن الزكي

- ‌مدينة الخليل عليه السلام

- ‌ نابلس

- ‌قيسارية

- ‌أرسوف

- ‌يافا

- ‌عسقلان

- ‌ غزة

- ‌الباب السادس فيذكر ما بمجموع هذه الأجناد الثلاثة من المزاراتما يختص بلاد جند دمشق

- ‌ومما بنواحي حوران

- ‌جبلُ بني هلال

- ‌الطُّور - ومؤتة

- ‌مدينة نابلس:

- ‌ما في بلاد جُند الأردن من المزاراتمدينة طبرية

- ‌عكا:

- ‌زيارات جند فلسطين

- ‌ذكر الجزيرة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيموصلى الله على سيدنا محمد وآله

- ‌ذكر من ولي الجزيرةبمجموعها من الأمراء والوزراء إلى حين تفرقت بلادها

- ‌ذكر ديار مضروقصبتها حرّان

- ‌ذكر بنائصوإلى من تنسب

- ‌ذكر ملوكها

- ‌ارتفاعها لمّا ملكها السلطان الملك الناصر صلاح الدين

- ‌جملين والموزر

- ‌ذكر الرقة

- ‌ذكر الرُّها

- ‌ذكر فتحها

- ‌سروج

- ‌ قلعة جعبر

- ‌ البيرة

- ‌ذكر ديار ربيعة من الجزيرة

- ‌ دارا

- ‌رأس العين

- ‌قرقيسيا

- ‌سنجار

- ‌ذكر فتح مدينة سنجار وملكها

- ‌ذكر من وليها بعد خروج الجزيرة عن أيدي

- ‌ذكر ولاية عماد الدين زنكي الموصل

- ‌ذكر استيلاء نور الدين على سنجار

- ‌ذكر ملك نور الدين الموصل وسنجار

- ‌ذكر تسليم حلب إلى عماد الدين من عز الدين صاحب الموصل

- ‌ذكر ملك صلاح الدين سنجار

- ‌ذكر وفاة عماد الدين زنكي بن مودود

- ‌ذكر حصار الملك العادل سنجار

- ‌ذكر وفاة صاحب سنجار وملك ابنه وقتله وملك أخيه

- ‌ذكر ملك الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل مدينة سنجار

- ‌ذكر حصار بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل سنجار

- ‌ذكر ملك الملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق

- ‌ذكر تمليك بدر الدين لؤلؤ سنجار

- ‌ذكر تملك الملك الصالح سنجار وترتيب ولده فيها

- ‌ذكر قصد التتار شمس الدين البزلي وكسرهم له

- ‌ذكر استيلاء التتار على سنجار

- ‌جزيرة ابن عمر

- ‌ذكر من ولي الجزيرة، جزيرة ابن عمر

- ‌ذكر وفاة عز الدين مسعود

- ‌ملك عماد الدين زنكي جزيرة ابن عمر

- ‌ذكر حمايته ينبغي للملوك أن يحترزوا من مثلها

- ‌ذكر ملك معز الدين سنجرشاه الجزيرة

- ‌ذكر قتل سنجر شاه وملك ابنه محمود

- ‌ذكر وفاة معز الدين محمود وتولية ولده الملك المسعود وشاهان شاه

- ‌ودخلت سنة تسع وأربعين وستمائة

- ‌ذكر ملك بدر الدين لؤلؤ الجزيرة

- ‌ذكر ما كان بيد الملك الناصر من بلاد الجزيرة

- ‌ذكر ديار بكر

- ‌المصر الأول من أمصار ديار بكرآمد

- ‌ميافارقين

- ‌ذكر ما جُدِّد فيها من العماير بعد الفتح

- ‌ذكر من فتح ميافارقين آمد ووليهما

- ‌ذكر من ولي ديار بكر بأسرها ومن ولي منها مكانا بمفرده

- ‌ذكر عصيان عيسى بن الشيخ بديار بكر

- ‌ذكر قصد المعتضد الجزيرة وديار بكر

- ‌ذكر ابتداء ملك بني حمدان لديار بكر

- ‌ذكر ولاية سيف الدولة ديار بكر من قبل أخيه ناصر الدولة

- ‌ذكر محاولة استيلاء الروم على آمد بحيله

- ‌عدنا إلى أخبار ميافارقين وسيف الدولة

- ‌ذكر حصار الروم آمد وميافارقين

- ‌ذكر قتل نجا غلام سيف الدولة وملك سيف الدولة خلاط

- ‌ذكر وفاة سيف الدولة بن حمدان

- ‌ذكر ولاية أبي المعالي شريف ولد الأمير سيف الدولة

- ‌ذكر ولاية عضد الدولة ديار بكر وديار ربيعه

- ‌ذكر ملك باد الكردي ميافارقين وآمد

- ‌ذكر ابتداء ملك ابن دمنة آمد

- ‌ذكر قتل عبد البر وتمليك ابن دمنة

- ‌ذكر تمليك أبي علي بن مروان

- ‌ذكر ملك ممهد الدولة أبي منصور بن مروان

- ‌ذكر قتل ممهد الدولة وملك شروة

- ‌ذكر ولاية نصر الدولة أبي نصر بن مروان

- ‌وفاة الأمير نصر الدولة

- ‌ذكر وفاة الأمير سعيد بن نصر الدولة

- ‌ذكر قتل سلار خراسان واخوة الأمير

- ‌ذكر قصد السلطان ألب أرسلان بن السلطان جغري بك الشام والسواحل

- ‌ذكر خروج عساكر الروم وكسرهم

- ‌ذكر وفاة السلطان ألب أرسلان

- ‌ذكر وفاة الأمير نظام الدين

- ‌ذكر توجه الوزير فخر الدولة بالعساكر وملك ميافارقين وآمد

- ‌الجميع بلور

- ‌ذكر ملك عميد الدولة ديار بكر

- ‌ذكر ملك ناصر الدولة ميافارقين

- ‌ذكر ملك تاج الدولة تتش ميافارقين وآمد

- ‌ذكر وفاة السلطان تاج الدولة تتش

- ‌ذكر وفاة الأمير ناصر الدولة

- ‌ذكر ميافاقينذكر ولاية شمس الملوك دقاق ميافارقين استقلالا بعد وفاة أبيه تاج الدولة

- ‌ذكر وفاة شمس الملوك دقاق

- ‌ذكر ملك السلطان قليج أرسلان بن سليمان ن قطر مش السلجوقي ميافارقين

- ‌ذكر ملك سقمان القطبي ميافارقين

- ‌ذكر وفاة سقمان القطبي

- ‌ذكر ملك قراجا الساقي ميافارقين

- ‌ابتداء ولاية نجم الدين إيلغازي بن سقمان بن أرتق وملكه ميافارقين

- ‌ذكر وفاة نجم الدين إيلغازي

- ‌ذكر ولاية ولده السعيد حسام الدين

- ‌ذكر قتل شرف الدين حبشي

- ‌ذكر وفاة الأمير داود صاحب حاني

- ‌ذكر وفاة السعيد حسام الدين

- ‌ذكر نُّوابه بميافارقين

- ‌ذكر ملك نجم الدين ألبي بن السعيد حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي بن سكمان

- ‌ذكرُ حصار الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ميافارقين وفتحها

- ‌ذكر ملك تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن أخي صلاح الدين الملك الناصر

- ‌ذكر ملك الملك الأشرف ميافارقين

- ‌ذكر تمليك شهاب الدين غازي أرزن

- ‌ذكر مقتل جلال الدين وتفرُّق عسكره

- ‌ذكر حصار عسكر حلب ميافارقين

- ‌ذكر كسر عسكر حلب شهاب الدين غازي

- ‌ذكر نزول التتر على ميافارقين

- ‌ذكر وفاة الملك المظفر شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين

- ‌ذكر نزول التتر على ميافارقين ثاني مرة ورحيلهم عنها

- ‌ذكر توجه الملك الكامل إلى منكوقاآن

- ‌ذكر عود صاحب ميافارقين من عند منكوقاآن

- ‌ذكر أخذ صاحب ميافارقين آمد

- ‌ذكر ما اعتمده صاحب ميافارقين بعد عوده

- ‌ذكر نزول التتر على ميافارقين

- ‌ذكر توجُّهي رسولاً من التتر الذين على ميافارقين

- ‌ذكر ما جرى لي مع نواب صاحب ميافارقين

- ‌ذكر عودي إلى حلب

- ‌ذكر استيلاء التتر على ميافارقين

- ‌ذكر ما لقي أهل ميافارقين م الشدة في الحصار

- ‌ذكر آمد

- ‌ذكر مُلك الأمير صادر آمد

- ‌ذكر ملك الملك الناصر صلاح الدين آمد وإقطاعها لنور الدين قرا أرسلان

- ‌ذكر وفاة نور الدين محمد بن قرا أرسلان

- ‌ذكر ملك الملك الكامل ناصر الدين آمد

- ‌حصن كَيفَا

- ‌أرْزَن

- ‌ذكر فتحها

- ‌ذكر ملك شهاب الدين غازي أرزن

- ‌مارِدين

- ‌ذكر فتحها ومن مَلَكَها

- ‌ذكر قتل الملك المنصور أرتق صاحب ماردين

- ‌ذكر حصار التتر ماردين واتفاقهم مع الملك السعيد صاحبها

- ‌ذكر وفاة صاحب ماردين وتولي ولده

- ‌ذكر توجُّه الملك المظفر إلى التتر إلى عند هولاكو

الفصل: ‌ذكر ملك الملك الكامل ناصر الدين آمد

وأوكد الأسباب أنه كان كثير الولع بالنساء، منهمكا في ذلك، وكان والد مُزوَّجا بابنة السلطان الملك العادل. فلما مات والده أساء إليها إساءة كثيرة، وبدا منه في حقها أمورٌ لا يليق ذكرها. فخرجت من عنده وقصدت أخاها الملك المظفر شهاب الدين غازي بميافارقين، وكان شقيقها وشكت إليه، فكتب إلى أخويه الملك الكامل والملك الأشرف وعرَّفهما بذلك. فكتب الملك الكامل إلى الإمام المستنصر بالله يشكوه إليه، ويذكر معايبه، وتعرضه لحرم رعيته، ويستأذنه في قصده فأذِن له.

‌ذكر ملك الملك الكامل ناصر الدين آمد

لما أذن له الإمام المستنصر " بالله " بقصده، سار إليها، ومعه أخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك العادل ونزلا عليها في العشرين من ذي الحجة من سنة تسع وعشرين وستمائة.

وكان معهما مُنجمٌ يُدعى شمس الدين يوسف فأمرهما ألاّ يزحفا عليها إلَاّ في وقتٍ عيّنه لهما، وهو اليوم الخامس والعشرون من الشهر، فلما كان اليوم المعيّن رتب العسكر للزحف، وقرر مع " أصحاب " الطبل خاناه أن تحرُّكَ حتى يرسم لهم. وبقي العسكر واقفا في ذلك الوقت، ومعه جِمالٌ تحمل تبنا، وعلى أحدها طبلٌ، فلما قَرُبَ من العسكر ضربَ طبله على عادته فسمعته طبل خاناه الأمراء، فظنوا أن طبل خاناه السلطان قد ضربت، فضرب العسكر جميعه، فزحف الأطلاب زحفة رجل واحد، فلما رآهم صاحب آمد، هاله ذلك، فنادى بالأمان، فأمنّه الملك الكامل على أمواله وأهله، وعلى أن يُقطع إقطاعا بالديار المصرية، فتسلمها وما كان في يده من الحصون خلا حصن كيفا، فإن الذي كان به نائبا لم يسلمه. فسيّر الملك المسعود إليه فسار إلى الحصن وأظهر لمن فيه أنه يُعذَّبُ بسب امتناعهم من تسليمه، فسلموه إليه في المحرم من سنة ثلاثين وست مائة فرتب فيه وفي آمد نائبا عنه ابن أخيه شمس الملوك، سيف الإسلام، أحمد ابن الملك الأعزِّ شرف الدين يعقوب ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فحكم بها اثني عشر يوما ثم توفي، فدُفن على باب آمد رحمه الله.

وحكى لي الأمير نجم الدين محمود بن الشقاري - أحد حُجاب السلطان الملك الكامل - أن شمس الدين يوسف - المنجم المقدم كره - حضر بين يدي السلطان الملك الكامل، وهو راكبٌ في ساعة الزحف، فقال له: إن زحفت عليها الساعة أخذتها، وما تُصليِّ العصر إلا بها. فزحف عليها، فأخذها في الحال، وصلى العصر بها، ولم يصب من العسكر غير رجل واحد يُعرف بعثمان الزَّرّاق أصيب في وجهه فمات.

ص: 195

ولما توفي شمس الملوك بآمد، ودُفن - كما ذكرنا - رأى السلطان الملك الكامل أن يخبر مصاب ولده شهاب الدين غازي، ورمى بذلك حقَّ والده، فولاه آمد، وأشرك معه شمس الدين صواب العادلي، فلم يزل بها إلى أن بلغ السلطان الملك الكامل عنه أنّه كابت صاحب الروم علاء الدين وأراد بيع آمد فنفذ إليه استدعاه إلى مصر، فحبسه بها، وولاها ولده السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب فاستقل بها، ومعه شمس الدين صواب - الحاكم بها - إلى أن دخلت سنة ثلاث وثلاثين وست مائة توفي شمس الدين صواب ودُفن بآمد، واستقل السلطان الملك الصالح بآمد وغيرها، ولم تزل في يده إلى أن خرج منها إلى الديار المصرية وملكها، فاستناب بها ولده الملك المعظم توران شاه فأقام بها إلى أن بلغه قصدُ عسكر السلطان غياث الدين آمد فخرج منها، وترك بها نوابه، فنازلها العسكر المذكور، وحاصروها وضايقوا، فلم يكن للذين بهم طاقةٌ بهم، فطلبوا منهم الأمان على نفوسهم وأموالهم، فأُجيبوا إلى ذلك وملكوها. ولم تزل بأيديهم إلى سنة خمس وخمسين وستمائة، في شهر رجب منها، قصدها الملك الكامل ناصر لدين محمد ابن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب - صاحب ميافارقين - وكان السبب في قصده لها أنه لما عاد من عند منكوقاآن اتصل به أن ابن خبير الجار - أحد أكابر آمد - قد كاتبه بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل -، واستماله بالمواعيد، وضمن له الوفاء بها إن هو أعانه على أخذ آمد. وكان بها نواب صاحب بلاد الروم. فلما اتصل ذلك بالملك الكامل كتب إلى الملك السعيد - صاحب ماردين - يُعرِّفه بما عزم عليه بدر الدين لؤلؤ ويطلب منه إنجاده وإسعاده على قصد آمد فأجابه إلى ذلك. فبعث الملك الكامل إليها عسكرا قدَّم عليه الملك المُشمِّر - ابن عمه -، ونجم الدين مختار - مُعتَق والد - فنزل عليها في ربيع الأول وحاصرها.

واتفق أن خرج الأمير شرف الدين أحمد بن شجاع الدين داود بن بلس الهكاري المموي من الروم، ومعه عسكرٌ عظيمٌ لكشف حال آمد، فاتصل بالملك المشمر قُربهُ من البلاد، فبعث إليع رسالة على يد العماد الهكاري من مضمونها: إنّا لم نقصدُ آمد إلا لما بلغنا قصدُ بدر الدين لها، فأقم في منزلتك التي أنت بها حتى نُجمِّع عسكرنا، فإنه مفرَّقٌ في بلدها للغارات، ونرحل عنها.

فلما وصل إليه الرسولُ، واجتمع به فيما جاء به، فبيما هو مجتمعٌ به ثار قتامٌ ثم انجلى عن فارسين أحدهما الملك المشمر ومملوكٌ له يقال له العماد.

..... هذا الملك المشمر قد جاء ليسلم عليك، فركب شرف الدين بغلته وتلقاه من مدى بعيد عن عسكره، فسلم عليه وعانقه. ثم لحقَ الملك المشمر جماعةٌ من عسكره، فأحاطوا بشرف الدين وأخذوه وتواترت أصحاب الملك المشمر وقصدوا عسكر شرف الدين على غير استعداد فنهبوهم، وقتلوا منهم خلقا وانهزم الباقون.

ثم حمل شرف الدين إلى مخيمه فجُعل في خيمةٍ، فدخل عليه في الليل تركمانيٌ يُقال له ابن سمرى فقتلهُ.

ولم يزل الملك المشمر محاصرا لها إلى أن أخذها في التاريخ المقدم ذكره، وقد تقدم ذكر ذلك مُستقصي في ترجمة ميافارقين، ونزول يشموط بن هولاكو على ميافارقين وحصاره لها، وبها يومئذ اللمك الكامل ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المظفر شهاب الدين غازي صاحبها. فلم يزل التتر محاصرين لميافارقين إلى شهر ذي الحجة من سنة سبع وخمسين وست مائة. " إلى أن " وصل هولاكو واستدعى بسيف الدين ذل ابن مجلي - النائب بآمد يومئذ، عن الملك الكامل فخرج إليه فطلب منه تسليم آمد فسلمها إليه فتسلمها، ثم سلمها إلى عز الدين وأخيه رُكن الدين - صاحبي بلاد الروم - فتسلماها. ثم إنهما اقتسما البلاد، فحصلت آمد في يد رُكن الدين قليج أرسلان، فلم تزل بيده إلى أن قتل في سنة ست وستين وست مائة، ونوابه بآمد مع نواب التتار.

ثم انتقلت بعد أن قُتل رُكن الدولة " إلى " ولده غياث الدين. ولم تزل بيده إلى حين وضعنا هذا الكتاب، وهو سنة تسع وتسعين وست مائة. فسبحان الدائم الذي ليس لمُلكه انتهاء، ولا لسلطانه انقضاء.

ووقفتُ على رسالة للقاضي الفاضل في صفة آمد لما افتتحها صلاح الدين يوسف بن أيوب في المحرم من سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، نقلت منها فصلا، وهو:

ص: 196