الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتماعهما كالبقاء في الحيز مع الانتقال مثلا فعند حصول ذلك الشرطين إن حصل الحكمان أعني السكون والحركة لزم اجتماع الضدين
وإن حصل أحدهما دون الآخر لزم الترجيح دون مرجح وإن لم يحصل واحد منهما خرجت العلة عن أن تكون علة فتعين التضاد في الشرطين فاعتمد على هذا التقرير
في الأصل والفرع
شروط الأصل
…
قال "الفصل الثاني في الأصل والفرع أما الأصل فشرطه ثبوت الحكم فيه بدليل غير القياس لأنه إن اتحدت العلة فالقياس على الأصل الأول وإن اختلفت لم ينعقد الثاني"
ش للأصل شرائط الأول ثبوت الحكم فيه لأن القياس عبارة عن إثبات مثل حكم الأصل في الفرع كما عرفت ولا يتأتى ذلك إلا بعد ثبوت الحكم في الأصل
والثاني أن يكون ذلك الثبوت بدليل لأن الحكم لا بد له من دليل وأن يكون شرعيا وهذا في الحقيقة شرط ثالث ولكن لما كان الحكم عندنا لا يكون إلا شرعيا لعدم القول بالحسن والقبح اكتفى المصنف بقول بدليل وأن يكون الدليل على معرفته سمعيا
وهذا وإن صلح لأن يكون شرطا رابعا فاكتفى المصنف عن ذكره بقوله بدليل أيضا لأن رأينا أن ما لا يكون طريق معرفته سمعيا لا يكون حكما شرعيا وهذا ظاهر على مذهبنا
وقال صفي الدين الهندي يحترز بالحكم الشرعي عن اللغوي والعقلي فأنا بتقدير أن يجري القياس التمثيلي فيهما فإنه ليس قياسا شرعيا بل لغويا وعقليا وكلامنا في اللغوي
ولقائل أن يقول إذا قلت بجريان القياس فيهما ترتب على ذلك أمر شرعي وهو تحريم النبيذ مثلا لصدق الخمر عليها قياسا
والثالث هو المشار إليه بقوله غير القياس وأنت إذا تأملت كلامنا قضيت
عليه بأنه خامس أن لا يكون الدليل الدال على حكم الأصل قياسا وهذا الشرط معتبر عند الجماهير من أصحابنا والحنفية
وخالف فيه بعض المعتزلة والحنابلة وأبو عبد الله البصري لنا أن العلة الجامعة بين القياسين إما أن تكون متحدة أو مختلفة فإن كان ذكر الأصل الثاني تطويلا بلا فائدة لأنه يستثنى عنه بقياس الفرع الثاني على الأصل الأول
مثاله كما لو قيل من جانبنا الوضوء عبادة فيشترط فيها النية قياسا على الغسل ثم نقيس الغسل في أنه يشترط فيه النية على الصلاة والصوم بجامع كونه عبادة فرض الوضوء إلى الصلاة والصوم بهذا الجامع أولى
وإن كان الثاني لم ينعقد القياس الثاني لعدم اشتراك الأصل والفرع فيه في علة الحكم كما يقال من جانبنا الجذام عيب يفسخ به البيع فيفسخ به النكاح قياسا على القرن والرتق ثم يقاس القرن على الجب في الحكم المذكور بجامع فوات الاستمتاع وهو غير موجود في الجذام فلا يصح قياسه عليه
فرع قد علمت أن حكم الأصل لا بد وأن يكون ثابتا بدليل سوى القياس ولا ينحصر الدليل المشار إليه في الكتاب والسنة بل جاز أن يكون إجماعا لأنه أصل في إثبات الأحكام فجاز القياس على ما ثبت به ولأنه إذا جاز القياس على ما ثبت بخبر الواحد فلأن يجوز على ما ثبت بالإجماع بطريق أولى ومن أصحابنا من قال لا يجوز القياس على ما ثبت بالإجماع بل يشترط أن يكون كتابا أو سنة حكاه الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع
قال وأن لا يتناول دليل الأصل الفرع وإلا لضاع القياس
ش الشرط الرابع أن لا يكون دليل الأصل بعينه دليل الفرع أي متناولا له وإلا لضاع القياس لخلوه عن الفائدة حينئذ بالاستثناء بدليل الأصل عنه ولأنه حينئذ لا يكون جعل أحدهما أصلا والآخر فرعا أولى من العكس
مثاله ما لو قيل من جانبنا فضل لقاتل القتيل بالإسلام فلا يقتل به كما لو قتل المسلم الحربي
ثم استدل على علية الكفر لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر1" وكذا لو قسنا السفرجل على البر بجامع الطعم دالين عليه بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تبيعوا الطعام بالطعام2" الحديث
قال "وأن يكون حكم الأصل معللا بوصف معين" الخامس لا بد وأن يظهر كون ذلك الأصل معللا بوصف معين لأن رد الفرع إليه لا يصح إلا بهذه الواسطة فلو ادعى عليه شيء مشترك بين الأصل والفرع منهم لم يقبل منه إلا عند بعض المتحذلقين من متأخري الجدليين حيث قلبوه في مجلس المناظرة قال "غير متأخر عن حكم الفرع دليل سواه"
ش السادس أن يكون حكم الأصل متأخر عن حكم الفرع وهو كقياس الوضوء على التيمم في اشتراط النية لأن التبعد بالتيمم إنما ورد بعد الهجرة والتبعد بالوضوء كان قبله
قال المصنف تبعا للإمام وهذا يستقيم إذا لم يكن للفرع دليل سوى القياس علة ذلك الأصل المتأخر لأن قبل ذلك المتأخر إن كان الحكم ثابتا في الفرع من أنه لا دليل عليه سوى القياس عليه لزم تكليف ما لا يطاق وأما إذا كان عليه دليل آخر سوى القياس عليه فيجوز كونه متأخرا لزوال المحذور المذكور
وترادف الأدلة على المدلول الواحد جائز مليح وكتب الأصوليين إلا من نحا نحو الإمام ساكتة عن هذا التفصيل
1 رواه أبو داود "4/252" والنسائي" والبخاري: كتاب العلم من حديث أبي جحيفة قال قلت لعلي هل عندكم كتاب؟ قال إلا كتاب الله أو فهم أعطية رجل مسلم وما في هذه الصحيفة قال: العقل وفكاك الأسير ألا يقتل مسلم بكافر
2 لم أجد الحديث بهذا اللفظ والذي رواه أحمد ومسلم عن معمر بن عبد الله قال: كنت أسمع النبي صلي اله عليه وسلم يقول: "الط عام بالطعام مثلا بمثل" وكان طعامنا يومئذ الشعير "نيل الأوطار 5/218"
ولقائل أن يقول إذا كان للفرع دليل آخر سواه فكيف يكون هذا الذي سميتموه بالأصل أصلا له وهو لم يتفرع عنه ولم ينبن عليه نعم هو صالح لأن يكون أصلا بمعنى أنه لو يوجد حكمة المستند إلى غير هذا الأصل لوجد مستندا إليه
قال "وشرط الكرخي عدم مخالفة الأصول أو أحد أمور ثلاثة التنصيص على العلة والإجماع على التعليل مطلقا وموافقة أمور أخر والحق أنه يطلب الترجيح بينه وبين غيره"
جعل الكرخي من شروط الأصل كونه غير مخالف في الحكم للأصول الثابتة في الشرع أو وجدان أحد أمور ثلاثة على تقدير مخالفته لها
أولها تنصيص الشارع على علة ذلك الحكم قال فإن التنصيص على علتيه كالتصريح بوجوب القياس عليه
وثانيها إجماع الأمة على تعليل ذلك ولا يضر مع هذا الإجماع إن يختلفوا في علته وإلى هذا أشار المصنف بقوله مطلقا
وثالثها أن يكون القياس عليه موافقا للقياس على أصول أخر كالتخالف عن اختلاف المتبايعين في قدر الثمن إذا لم يكن لأحد منهما بينة فإنه وإن كان مخالفا لقياس الأصول لأن قياس الأصول يقتضي قول المنكر إذ الأصل عدم شغل ذمته بما يدعيه البائع من القدر الزائد لكن ثم أصل آخر يوافقه وهو أن المشتري ملك المبيع علية فالقول قول من ملك عليه أصله الشفيع من المشتري إذا اختلفا في قدر ثمن الشقص فإن القول قول المشتري لأن الشفيع يملك عليه الشقص ولذلك قسنا في التحالف على الاختلاف ثمن المبيع ما عدا المبايعات من عقود المعاوضات كالسلم والإجازة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح عن الدم والخلع والصداق والكتابة
وذهب أكثر أصحابنا وبعض الحنفية إلى جواز القياس على ما خالف قياس الأصول مطلقا والمختار عند المصنف تبعا للإمام أنه بطلب الترجيح بين ذلك الأصل وبين غيره من الأصول المخالفة له ويلحق الفرع بالراجح منهما هذا شرح ما في الكتاب والموضع يزيد بسطه في الكلام
وقد أحسن الغزالي في هذا الفصل ونحن لا نعد بكلامه فنقول من شروط حكم الأصل أن لا يكون خارجا عن قاعدة القياس وهذا مما أطلق وهو محتاج إلى تفصيل فاعلم أن وصف الحكم بهذه الصفة باعتبارات
الأول القاعدة المشروعية ابتداء من غير أن تقطع عن أصل آخر التي لا يعقل معناها فلا يقاس عليها لتعذر العلة
قال الغزالي فيسمى هذا خارجا عن القياس تجوز إذ معناه أنه ليس منقاسا لأنه لم يدخل في القياس حتى يخرج عنه ومثاله المقدرات في إعداد الركعات ونصب الزكوات ومقادير الحدود والكفارات وجميع التحكمات المبتدأة التي لا ينقدح فيها معنى
الثاني ما استثني عن قاعدة عامة ولا يعقل معناه من غير أن تنسخ تلك القاعدة قلا يقاس عليه أيضا لأنه فهم ثبوت الحكم في المستثنى على الخصوص وفي القياس إبطال الخصوص مثل تخصيصه عليه الصلاة والسلام خزيمة بقبول شهادته وحده وتخصيص أبي بردة في الأضحية بالعناق
الثالث ما استثني عن قاعدة لمعنى يعقل فهذا بقياس عليه مثاله استثناء العرايا فإنه لم يرد ناسخا لعلة الربا وإنما استثني فنقيس عليه العنب على الرطب وهذا القسم هو وقع فيه كلام المصنف واختلاف العلماء على الأقوال الثلاثة التي قد عرفها ولا يتجه جريان الخلاف في غيره
والرابع ما شرع مبتدأ غير متقطع عن أصول أخر وهو معقول المعنى لكنه عديم النظر فلا يقاس عليه لأنه لا يوجد له نظير خارج مما يتناوله النص والإجماع فالمانع من القياس فقد العلة في غير المنصوص معلل بعلة قاصرة ومثاله رخص السفر والمسح على الخفين رخصة المضطر في أكل الميتة وتعلق الأرش برقبة العبد وإيجاب غرة الجنين والشفعة في العقار وخاصية الإجارة والنكاح وحكم اللعان والقسامة ونظائرها
وعد الغزالي من جملتها ضرب الدية على العاقلة وذلك قول منه بأنها معقولة المعنى مخالف إمامه ويساعد ما أوردناه بحثا فيما تقدم فإن هذه القواعد
متباينة المأخذ فلا يقال بعضها خارج عن قياس البعض بلى لكل واحد معنى ينفرد به لا يوجد له نظير فليس البعض بأن يوضع أصلا ويجعل الآخر خارجا عن قياسه بأولى عن عكسه ولا ينظر فيه إلى كثرة العدد وقلته
وتحقيقه أنا نعلم أنه إنما جوز المسح على الخف لعسر النزع ومسيس الحاجة إلى استصحابه فلا نقيس عليه والقفازين وما لا يستر جميع القدم لا لأنه خارج عن القياس لكن لأنه لا يوجد ما يساويه في الحاجة وكذا رخصة السفر ثابتة للمشقة ولا يقاس عليها مشقة أخرى لأنه لا يشاركها غيرها في جملة معانيها ومصالحها لأن المرض لا يحوج إلى الجمع بل إلى القصر
وقد قصر في حقه بالرد من القيام إلى القعود ولما سواه في حاجة الفطر سوى الشرع بينهما وكذلك قولهم تناول الميتة للمضطر رخصة خارجة عن القياس غلط لأنه إن أريد به أنه لا يقاس عليه غير المضطر فلأنه ليس في معناه وإلا فنقيس الخمر على الميتة والمكره على المضطر فهو منقاس وكذلك بداية الشرع بأيمان المدعي في القسامة لشرف أمر الدم ولخاصية لا يوجد مثلها في غيره ولأنه عديم النظير وأقرب شيء إليه البضع
وقد ورد تصديق المدعي باللعان على ما يليق به وكذلك ضرب الدية على العاقلة كان ذلك رسم الجاهلية قرره الشرع لكثرة وقوع الخطأ وشدة الحاجة إلى ممارسة السلاح ونظير له في غير الدية وهذا مما يكثر وهو يعرف أن قول الفقهاء تأقت الإجارة خارج عن قياس البيع والنكاح خطأ كقولهم تأبد البيع والنكاح خارج عن قياس الإجارة فتأقت المساقات خارج عن قياس تأبد القراض خارج عن قياس تأقت المساقاة فإذن هذه الأقسام الأربعة لا بد من فهم تباينها بحصول الوقوف على سر هذا الأصل
الخامس ما شرع مبتدأ من غير اقتطاع عن أصول أخر وهو معقول المعنى وله نظائر وفروع فهذا هو الذي يجري فيه القياس وفي جزئياته تنافر القياسيين واضطراب آراء الجدليين
قال "وزعم عثمان البتي قيام ما يدل على جواز القياس عليه وبشر
المريسي1 الإجماع عليه أو التنصيص على العلة وضعفهما ظاهر"
"ش" هذان بحثان
الأول لا يشترط في الأصل أن يقوم دليل على جواز القياس عليه بحسب الخصوصية نوعية كانت أو شخصية بل كل حكم انقدح فيه معنى مخيل غلب على الظن إتباعه فإنه يجوز أن يقاس عليه
والثاني لا يشترط في الأصل انعقاد الإجماع على أن حكمه معللا وإن ثبتت عليته بالنص
وخالف عثمان2 البتي في الأول فزعم اشتراط قيام ما يدل على جواز القياس علية بحسب الخصوصية النوعية فإن كانت المسألة من مسائل البيع مثلا فلا بد من دليل على جواز القياس في أحكام البياعات أو في النكاح فكذلك
وخالف بشر بن غياث المريسي في الثاني فزعم اشتراط قيام الإجماع عليه أو التنصيص على العلة
قال صاحب الكتاب وضعفهما ظاهر يعني مذهب عثمان وبشر وهو كما قال فقد استعملت الصحابة رضي الله عنهم القياس من غير بحث عن ذلك وأيضا أدلة القياس مطلقة من غير تقييد باشتراط شيء مما ذكراه
1 هو أبو عبد الرحمن: بشر بن غياث المريسي فقيه متكلم، كان مرجئا، وإليه تنسب الطائفة المريسية من المرجئة توفي ببغداد سنة 318هـ
الأعلام للزرطلي 1/147
2 هو أبو عمرو: عثمان بن مسلم البتي، البصري، روي عن عن أنس والشعبي، وصالح بن أبي مريم وروي عنه سغبة والثوري وغيرهما توفي سنة 143
خلاصة تذهيب الكلام 2/221