الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال السادس
بالحكم
فيرجح المبقى لحكم الأصل لأنه لو لم يتأخر عن الناقل لم يفدو المحرم عن المبيح لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال" والاحتياط ويعادل الموجب ومثبت الطلاق والعتاق لأن الأصل عدم القيد ونافي الحد لأنه ضرر لقوله صلى الله عليه وسلم: "أدرؤا الحدود بالشبهات"
"ش" الترجيح بحسب الحكم على وجوه الأول إذا كان أحد الخبرين مقرر الحكم الأصل والثاني ناقل فالجمهور على أنه يجب ترجيح الناقل وذهب بعضهم واختاره الإمام وبه جزم المصنف أنه يجب ترجيح المقرر مثاله خبر من روي عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ1" وخبر من روى قوله صلى الله عليه وسلم: "هل هو إلا بضعة منك2" فإن الأول ناقل عن حكم الأصل والثاني مقرر وكذلك خبر من روى أفطر الحاجم والمحجوم مع من روى أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم
واحتج المصنف على ما ذهب إليه بأنه حمل الحديث على ما لا يستفاد إلا من الشرع أولى من حمله على ما يستفاد بمعرفته فلو جعلنا المبقى مقدما على الناقل لكان واردا حيث لا يحتاج إليه لأنا في ذلك الوقت نعرف ذلك بالعقل ولو قلنا أن المبقى ورد بعد الناقل لكان واردا حيث يحتاج إليه فكان الحكم بتأخره أولى من الحكم بتقدمه عليه هذا تقريره وحاصله أنه يختار تقدم الناقل وتأخر المقرر لكونه متضمنا للعمل بالخبرين بالناقل في زمان وبالمقرر بعد ذلك فإن كانت الصورة هكذا وهي أنه يقرر حكم الناقل مدة في الشرع عند المجتهد وعمل بموجبه ثم نقل له المقرر في الشرع ولم يعلم التاريخ فيما ذكره من الاحتجاج والترجيح ظاهر
قال النقشواني لكن ليست هذه الصورة بالتي فرض الخلاف وفيها لا يظن بهم المخالفة في ذلك وأما إن كانت الصورة على خلاف ذلك وهو أن الثابت
1 أخرجه مالك في الموطأ وصححه يحي بن معين وأحمد بن حنبل
2 أخرجه أبو داود والترمذي وصححه كثير من أهل العلم
عند الجمهور مقتضى البراءة الأصلية ونقل الخبران المقرر والناقل فلا يتأتى هذا الاحتجاج إذ يلزم تعطيل الناقل بالكلية لعدم وقوع العمل به في شيء من المدة بخلاف المقرر فإن الحكم العقلي يصير مستندا إليه ويصير شرعيا كذا ذكره النقشواني ولقائل أن يقول يتساقط الخبران بالتعارض ونرجح بالبراءة الأصلية ولا نقول إن الحكم العقلي صار شرعيا ولا نرجح أحد الخبرين لموافقته الأصل كما هو قضية تقرير الإمام والمصنف ونحمل قولهم أن المقرر راجح على أن العمل بمضمونه ثابت بالدليل العقلي الثاني ذهب الأكثرون وبه جزم المصنف إلى ترجيح المقتضى للتحريم وقال آخرون بترجيح المقتضى الإباحة لأن الإباحة تستلزم نفي الحرج الذي هو الأصل وحكاهم الشيخ أبو إسحاق وجهين وذهب الغزالي إلى أنهما يستويان لأنهما حكمان شرعيان صدق الراوي فيهما على وتيرة واحدة واحتج الأولون بوجهين ذكرهما في الكتاب أحدهما ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال1" وهو حديث رواه لا أعرفه والثاني أن الأخذ بالتحريم احتاط لأن الفعل إن كان حراما ففي ارتكابه ضرر وإن كان مباحا فلا ضرر في تركه وهذا ما اعتمد عليه الشيخ أبو إسحاق ولهذا إذا طلق إحدى زوجتيه حرمتا إلى البيان ومن أمثلة الفصل روى أحمد بن حنبل بطريقين متصلين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وروي الدارقطني بسنده سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النبيذ حلال وحرام قال: "حلال" فيرجح الأول الثالث إذا ورد خبران مقتضى أحدهما التحريم والآخر الإيجاب فذهب المصنف إلى التسوية بينهما وإليه أشار بقوله ويعادل الموجب أي يعادل الخبر المحرم يقتضي استحقاق العقاب على الفعل كتضمن الموجب العقاب على الترك ورجح آخرون المقتضى للتحريم لأن المحرم يستدعي دفع المفسدة وهي أهم من جلب المصلحة وبه جزم الآمدي
1 حديث صحيح رواه البخاري: كتاب البيوع باب الحلال بين والحرام بين ومسلم: كتاب المساقاة والمزارعة باب أخذ الحلال وترك الشبهات 4/110بشرح النووي كما رواه أبو داود كتاب البيوع باب:احتناب الشبهات 2/228
ومن أمثلة الفصل ما روى نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له1" قال نافع فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم يروا لم يحل دون منظره سحاب ولا اقتران صبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو اقتران صبح صائما
وهذا يستدل به من يقول بوجوب صوم يوم الشك ويعارضه خصمه بما روي عن عمار بن ياسر: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" قال الترمذي حديث صحيح ومنها ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "في مالي اليتيم زكاة2" إذا يدل على أنه يجب على الوالي إخراجهما مع قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث3" إذا يدل على عدم الوجوب وإذا لم تجب حرم على الولي إخراجهما لأنه لا يتصرف إلا بالمصلحة والغبطة وذكر للقاضي أبو بكر في مختصر التقريب باختصار إمام الحرمين في تعارض العلة المقتضية للإيجاب مع العلة المقتضية للندب أن بعضهم قدم الإيجاب قال وفي هذا نظر فإن الوجوب فيه قدر زائد على الندب والأصل عدمه
الرابع:إذا كان أحد الخبرين مثبتا للطلاق أو العتاق وإلا حزنا فيا له فمنهم من قدم المثبت على النافي لأن الأصل عدم القيد أي قيد النكاح وقيد الرقبة فما دل على ثبوت الطلاق أو العتاق فقد دل على زوال قيد النكاح أو ملك اليمين فكان موافقا للأصل فليرجح وهذا ما جزم به المصنف ومنهم من قدم النافي
1 أخرجه الترمذي من حديث عمر وأبي هريرة وعائشة وسعد بن أبي وقاص وأنس وجابر وأم سلمة كما أخرجه الشيخان من حديث عمر وأبي هريرة وأحمد من حديث عاشة ومسلم من حديث سعد تحفة الأحوذي 3/371
2 رواه الشافعي بلفظ: "ابتغوا في مال اليتيم لا تأكله الزكاة" والحديث ضعيف لكن عمل الصحابة عليه كما قال بن حزم أنظر المحلي 5/307 ط مصر
3 رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والحاكم من حديث علي وعمر – رضي اللهما لجامع الصغير 1/24
لكونه على وفق الدليل المقتضى لصحة النكاح وإثبات ملك اليمين وهذا هو الصحيح عندي وقولهم الأصل عدم القيد لا يصح مع ثبوت وجوده فإن الأصل بعد ثبوت وجوده إنما هو بقاؤه ومنهم من سوى بينهما وتجري هذه الأقوال في تعارض الخبر المثبت والنافي في خبر الطلاق والعتاق أيضا كخبر بلال دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه وخبر أسامة لم يصل فيه
ونقل إمام الحرمين هنا عن جمهور الفقهاء ترجيح الإثبات ثم قال وهو يحتاج إلى من يدل تفصيل عندنا فإن كان الذي ينقله الناقل إثبات لفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتضاه النفي فلا يرجح عن ذلك اللفظ المتضمن للإثبات لأن كل واحد من الراويين مثبت فيما ينقله ومثاله أن ينقل أحد الراويين أنه أباح شيئا وينقل الآخر أنه قال لا يحل وأما إذا نقل أحدهما قولا أو فعلا ونقل الآخر أنه لم يقله ولم يفعله فلإثبات مقدم لأن الغفلة تتطرق إلى المصغي المستمع وإن كان محدثا والذهول عن بعض ما يجري أقرب من تخيل شيء لم يجر له ذكر وهذا التفصيل حق ولا يتجه معه خلاف في الحالتين بل ينبغي حمل كلام القائل بالاستواء على الحالة الأولى
والقائل بتقديم الإثبات على الثانية ولا يجعل في المسألة خلاف نعم قد يقال في الحالة الثانية بعدم ترجيح الإثبات إذا كان النفي محصورا كخبر أسامة فإن قوله لم يصل نفي محصور في وقت يمكن نفي الفعل فيه فهذا له احتمال الخامس ترجيح الخبر النافي للحد على الموجب له خلافا لقوم واستدل عليه المصنف بأن الحد مدرء بقوله صلى الله عليه وسلم: "ادرؤا الحدود بالشبهات" وهذا الحديث لا يعرف بهذا اللفظ إلا في مسند أبي حنيفة لأبي محمد البخاري وروى الترمذي: "ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم1" ثم صحح أنه موقوف ووجه
1 روي هذا الحديث من عدة طرق باللفظ الأول ابن عدي من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما كما رواه الترمذي والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها – دون قوله "الشبهات" ولفظه كما في جامع الترمذي 4/33: "أدرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له فخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" ورواية السيوطي في الجامع الصغي 1/14 "ادرؤا الحدود بالشبهات وأقيلو الكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله تعالي" رواه ابن عدي في جزء له من حديث ابن عباس وروي صدره أبو مسلم الكجي وابن السمعان في الذيل عن عمر بن عبد العزيز مرسلا ومسدد في سنده عن ابن مسعود موقوفا
الكتاب السابع
في الاجتهاد
والافتاء
في الاجتهاد
تعريفه
قال رحمه الله الكتاب السابع في الاجتهاد والإفتاء
وفيه بابان الأول في الاجتهاد وهو استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية ش الاجتهاد لغة هو استفراغ الوسع في تحصيل الشيء وقد علمت من ضرورة كونه استفراغ الوسع أنه لا يكون إلا فيما فيه مشقة وكلفة وفي الاصطلاح ما ذكره في الكتاب بقوله استفراغ الوسع جنس وقوله في درك الأحكام فصل خرج به استفراغ الوسع أنه لا يكون إلا فيما فيه مشقة وكلفة وفي الاصطلاح ما ذكره في الكتاب بقوله استفراغ الوسع جنس وقوله في درك الأحكام فصل خرج به استفراغ الوسع في فعل من الأفعال العلاجية مثلا وقوله الشرعية فصل ثان تخرج اللغوية والعقلية والحسية والأحكام الشرعية تتناول الأصول والفروع ودركها أعم من كونه على سبيل القطع أو الظن هذا مدلول لفظه ويجوز أن يريد بالأحكام الشرعية خطاب الله تعالى المتعلق فيخرج الاجتهاد في الأصولية وهذا التعريف الذي ذكره المصنف سبقه إليه صاحب الحاصل وهو من أجود التعاريف فلا نطول بذكر غيره إذ ليس في تعداد التعاريف كبير فائدة