الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على بعض أزواجه فيقول: "هل من غداء" فإن قالوا لا قال: "إني صائم" ويروى: "أني إذن اصوم1" فيقتصر على الأول وإن كان عاما في كل صوم على صوم الفرض ويحمل الثاني على صوم النفل ومنها قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ2} مع قوله في آية أخرى
{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ3} فظاهر الأولى وضع السيف فيهم حتى ينفقوا وظاهر الآية الثانية يقتضي جواز أخذ الجزية من أصناف الكفار من غير فصل وقال عليه السلام: "خذوا من كل حالم دينارا" وقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" الحديث وظاهر هذا أن الجزية لا تؤخذ وأن ليس بيننا وبين الكفار إلا السيف أو الإسلام فيجمع بين الظاهرين ويأخذ الجزية من أهل الكتاب بآية الجزية ويضع السيف فيمن ليس متمسكا بكتاب ولا يشبه كتاب الظاهر الآية الواردة في القتل وأعلم أن بعض الفقهاء زعم أن هذا يتضمن استعمال مقتضى كل واحد من الدليلين ورأى هذا الجمع مستقلا بنفسه غير محتاج إلى إقامة دليل قال إمام الحرمين وهذا مردود عند الأصوليين بل لا بد من دليل خارج على ذلك وأما أن يجعل أحدهما دليلا في تخصيص الثاني والثاني في تخصيص الأول فهذا ما لا سبيل إليه
1 رواه البخاري فضائل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ومسلم 3/1379 والنسائي 7/132 من حديث أبي هريرة وابن عمر- رضي الله عنهما
2 سورة التوبة آية 5
3 سورة التوبة آية 29
تعارض النصين
…
قال "مسألة إذا تعارض نصان وتساويا في القوة والعموم وعلم المتأخر فهو ناسخ وإن جهل فالتساقط أو الترجيح"
"ش" النصان المتعارضان على ضربين
الأول أن يكونا متساويين في القوة باشتراكهما في العلم أو الظن وفي العموم بأن يصدق كل منهما على ما يصدق عليه الآخر وله ثلاثة أحوال
أولها أن يتأخر ورود أحدهما عن الآخر ويكون معروفا بعينه فينسخ
المتأخر المتقدم سواء كانا معلومين أو مظنونين آيتين أم خبرين أم أحدهما آية والآخر خبرا عند من يجوز النسخ عند اختلاف الجنس وأما من يمنعه فيمتنع عنده النسخ في هذا القسم الآخير وهذا إذا كان حكم المتقدم قابلا للنسخ أما إذا لم يقبل النسخ ولم يذكره في الكتاب كصفات الله تعالى فإن كانا معلومين قال الإمام فيتساقطان ويجب الرجوع إلى دليل آخر واعترض عليها النقشواني بأن المدلول إن لم يقبل النسخ يمتنع العمل بالمتأخر فلا يعارض المتقدم بل يجب أعمال المتقدم كما كان قبل ورود المتأخر وإن كانا مظنونين طلب الترجيح ولو كان الدليلين خاصين فحكمهما حكم المتساويين في القوة والعموم من غير فرق ولم يذكر المصنف ذلك
وثانيها: أن يجهل المتأخر منهما فإن كانا معلومين فيتساقطان ويرجع إلى غيرهما لأنه يجوز في كل واحد منهما أن يكون هو المتأخر وإن كانا مظنونين بعين الترجيح وإلى هذا أشار المصنف بقوله وإن جهل فالتساقط أي فيما إذا كانا معلومين أو الترجيح أي فيما إذا كانا مظنونين
وثالثها: أن يعلم مقارنتهما ولم يذكره في الكتاب فإن كانا معلومين فقد قال الإمام أن أمكن التخيير بينهما تعين القول به فإنه إذا تعذر الجمع لم يبق إلا التخيير ولا يجوز أن يرجح أحدهما على الآخر بقوة الإسناد لما عرفت أن العلوم لا تقبل الترجيح قال قال ولا يجوز الترجيح بما يرجع إلى الحكم نحو كون أحدهما حاضرا أو مثبتا حكما شرعيا لأنه يقتضي طرح المعلوم بالكلية هو غير جائز انتهى ولم يذكر حكم القسم الآخر وهو عدم إمكان التخيير بينهما وإن كانا مظنونين تعين الترجيح فيعمل بالأقوى فإن تساويا في القوة قال الإمام فالتخيير
قال "وإن كان أحدهما قطعيا أو أخص مطلقا عمل به وإن تخصص بوجه طلب الترجيح"
"ش" الضرب الثاني أن لا يتساويا في القوة والعموم جميعا فأما
يتساويا في العموم ولم يتساويا في القوة أو عكسه أو لم يحصل بينهما تساو لا في العموم ولا في القوة فهذه أحوال ثلاثة
أولها: التساوي في العموم والخصوص مع عدم التساوي في القوة بأن يكون أحدهما قطعيا والآخر فيعمل بالقطعي سواء أعلم تقدم أحدهما على الآخر أم لم يعلم وسواء تقدم القطعي أم الظني وهذا الإطلاق يشمل ما إذا كان المقطوع عاما والمظنون خاصا والصحيح أن المظنون يخصص المقطوع كما سبق في التخصيص
وثانيهما: أن يتساويا في القوة مع التساوي في العموم والخصوص بأن يكونا قطعيين أو ظنيين أو يكونا عامين لكن أحدهما أعم من الآخر إما مطلقا أو من وجه أو يكون خاصين فإن كانا عامين أو كان أحدهما أعم من الآخر مطلقا عمل بالأخص سوء كانا قطعين من وجه السند أم ظنيين علم تقدم أحدهما عملي الآخر أم لم يعلم المهم إلا أن يعلم تقدم الأعم وورود الأخص بعد العمل به فإن الأخص حينئذ يكون تاركا له فيما تناوله الأخص لا تخصصا لامتناع تأخير البيان عن وقت العمل وإن كان أحدهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه كقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ1} مع قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ2} فيصار إلى الترجيح بينهما سواء كانا قطعيين أم ظنيين لكن لا يمكن الترجيح في القطعيين بقوة الإسناد بل يرجح بكون حكم أحدهما حظرا والآخر إباحة وأن يكون أحدهما شرعيا والآخر عقليا أو مثبتا والآخر نافيا ونحو ذلك وفي الظنيين يرجح بقوة الإسناد
وثالثهما: أن لا يحصل بينهما تساو لا في العموم والخصوص ولا في القوة فإن اختلفا في كل واحد من هذين بأن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا وهما عامان ولكن أحدهما أعم من الآخر مطلقا أو من وجه أو خاصان فإن كانا عامين أو أحدهما أعم من الآخر مطلقا عمل بالقطعي إلا إذا كان القطعي هو
1 سورة النساء آية 23
2 سورة المؤمنون آية 6