الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد الدليل بعد التفحص البليغ
…
قال السادس فقد الدليل بعد التفحيص البليغ يغلب عدم ظن عدمه يستلزم عدم الحكم لامتناع تكليف الغافل
"ش" الأستدلال على عدم الحكم بعدم الدليل حق مستقبل عند المصنف وتقريره أن فقدان الدليل بعد بذل الوسع في التفحص يغلب ظن عدم الدليل وظن عدمه يوجب ظن عدم الحكم لأن عدم الحكم الدليل يستلزم عدم الحكم لأنه لو ثبت حكم شرعي ولا دليل عليه للزم منه تكليف الغالب وهو ممتنع
في الدلائل المردودة
الاستحسان
…
قال "الباب الثاني في المردودة في الاستحسان
قال به أبو حنيفة وفسر بأنه دليل ينقدح في نفس المجتهد وتقصر عنه عبارته ورد بأنه لا بد من ظهوره ليتميز صحيحه من فاسدة وفسره الكرخي بأنه قطع المسألة عن نظائرها لما هو أقوى كتخصيص أبي حنيفة قول القائل مالي صدقة بالزكاة لقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة وعلى هذا فالاستحسان تخصيص وأبو الحسين بأنه ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لأقوى يكون كالطارئ فخرج التخصيص ويكون حاصله تخصيص العلة"
"ش" ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى القول بالاستحسان وأنكر الباقون حتى قال الشافعي من استحسن فقد شرع ورد الشيء قبل فهمه محال فلا بد أولا من فهم الاستحسان وقد ذكر المصنف ثلاث مقالات لهم
الأولى أنه عبارة عن دليل ينقدح في نفس المجتهد وتقصر عنه عبارته فلا يقدر أن يفوه به وردها صاحب الكتاب بأنه لا بد من ظهور ليتبين ليتبين صحيحه من فاسدة فإن ما ينقدح في نفس المجتهد قد يكون وهما لا عبره به وهذا الرد يتضح به أنه لا يجدي شيئا في مجلس المناظرة وأما أن المجتهد لا يعمل به فللقوم منع ذلك وأن يقولوا إذا انقدح له دليل على حادثة وهو جازم بها أفتى بها المقلد ولكن سبيل الرد عليهم أن يقولوا هذا الدليل المنقدح في نفس المجتهد إنما يمتاز عن غيره من الأدلة لكونه لا يمكن التعبير عنه وذلك أمر لا يؤل إلى القدح في كونه دليلا فجاز التمسك به وفاقا فأين الاستحسان المختلف فيه
المقالة الثانية قال الكرخي الاستحسان قطع المسألة عن نظائرها أي أن المجتهد يعدل عن الحكم في مسألة بما حكم به في نظائرها إلى الحكم بخلافه لوجه أقوى من الأول يقتضي العدول عنه ومثاله تخصيص أبي حنيفة رضي الله عنه قول القائل مالي صدقة بمال الزكاة فإن هذا القول منه عام في التصدق بجميع أمواله وقال أبو حنيفة يختص بمال الزكاة لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً1} والمراد من الأموال المضافة إليهم أموال الزكاة فعدل عن أن يحكم في مسألة المال الذي ليس هو بزكوى بما حكم به في نظائرها من الأموال الزكوية إلى خلاف ذلك الحكم لدليل أقوى اقتضى العدول وهو الآية ورد المصنف هذا بأنه يلزم من أن يكون التخصيص استحسانا لأنه عدول بالخاص عن بقية أفراد العام بدليل ونحن موافقون على التخصيص فأين الاستحسان المختلف فيه ويلزم منه أيضا أن يكون الناسخ استحسانا لكونه كذلك إذا كان نسخا في بعض الصور
والثالثة قال أبو الحسين هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه أقوى منه وهو حكم الطارئ على الأول واحترز بقوله وهو في حكم الطارئ على الأول عن ترك أضعف القياسين للأقوى فإن أقوى القياسين ليس في حكم الطارئ على الأضعف فإن فرض أنه طارئ فذاك الاستحسان
ومثال ذلك العنب حيث يحرم بيعه بالزبيب سواء كان على رؤوس الشجر أم لا قياسا على الرطب ثم إن الشارع أرخص في بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر فقيس عليه العنب وترك القياس الأول لكن الثاني أقوى فلما اجتمع في الثاني القوة والطريان كان استحسانا ورده صاحب الكتاب بأن حاصله راجع إلى أن الاستحسان هو تخصيص العلة ونحن موافقون على ذلك ولك أن تقول هو بهذا التفسير أعم من تخصيص العلة فإنه رجوع عن حكم دليل خاص إلى مقابلة بدليل طارئ عليه أقوى منه وذلك أعم ورده الإمام بأنه
1 سورة التوبة آية 103
يقتضي أن تكون الشريعة كأنها استحسان لأن البراءة الأصلية مقتضى العقل وإنما يترك ذلك لدليل أقوى منه وهذا الأقوى في حكم الطارئ على الأول ثم قال ينبغي أن يزاد في حكم الحد قيد آخر فيقال ترك وجه من وجوه الاجتهاد مغاير للبراءة الأصلية واللفظية بوجه أقوى منه وهو في حكم الطارئ على الأولى
قال صفي الدين الهندي وفي قوله ترك وجه من وجوه الاجتهاد ما ينبئ عن أن ذلك الوجه مغاير للبراءة الأصلية فإنها ليست وجها من وجوه الاجتهاد إذ هي معلومة أو مظنونة من غير اجتهاد فلا حاجة إلى ما ذكره الإمام من القيد ومن وجود الرد على هذا التفسير أنه يقتضي أن يكون العدول من حكم القياس إلى النص الطارئ عليه استحسانا والخصم لا يقول به ذكره الهندي قال ثم إنه لا نزاع في هذا أيضا فإن حاصله يرجع إلى تغيير الاستحسان بالرجوع عن حكم دليل خاص إلى مقابلة بدليل أقوى منه وهو طارئ عليه من نص أو إجماع أو غيرهما
وقد ذكر للاستحسان تفاسير أخر مزيفة لا نرى التطويل بذكرها وحاصلها يرجع إلى أنه لا يتحقق استحسان مختلف فيه ثم إنا نقول لهم بعد ذلك إن عنيتم ما يستحسنه المجتهد يعقله ورأى نفسه من غير دليل وذلك هو ظاهر لفظة الاستحسان والذي حكاه بشر المريسي والشافعي عن أبي حنيفة رحمه الله وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي هو الصحيح عنه فهذا لعمر الله اقتحام عظيم وقول في الشريعة بمجرد التشهي وتفويض الأحكام إلى عقول ذوي الآراء ومخالفة لقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ1} ولكن أصحابه ينكرون هذا التفسير وإن عنيتم جواز استعمال لفظ الاستحسان فأنى ينكر ذلك والله تعالى يقول {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ2} والكتاب والسنة مشحونان بذلك والقوم لا يعنون بالاستحسان ذلك فلا نسهب في الإمعان فيه
1 سورة الشوري آية 10
2 سورة الزمر آية 18
فإن قلت قد وقع في كلام الشافعي رضي الله عنه استحسن في المتعة أن تكون ثلاثين درهما واستحسن أن تثبت الشفعة للشفيع إلى ثلاثة أيام واستحسن أن يترك شيء للمكاتب من نجوم الكتابة واستحسن أن يضع أصبعيه في صفاحي أذنيه إذا أذن
وقال الغزالي استحسن الشافعي رضي الله عنه التحليف على المصحف وقال في السارق إن أخرج يده اليسرى بدل اليمين القياس أن تقطع يمناه والاستحسان أن لا يقطع وقال الأوزاعي في أخلاق الأصحاب في مسألة الجارية المعنية وهي التي اشتريت بألفين ولولا الغنى لساوت الفآكل هذا استحسان والقياس الصحة وقال الرافعي في التغليظ على المعطل في اللعان استحسن أن يحلف ويقال قال بالله الذي خلقك ورزقك فقد قيل أن المعطل وإن غلا في إنكاره فإذا رجع إلى نفسه وجدها مذعنه لخالق وقال القاضي الروياني فيما إذا امتنع المدعي من اليمين المردودة وقال أمهلوني لأسأل الفقهاء استحسن قضاء بلدنا إمهاله يوما قال أبو الفرج السرخسي في تقدير نفقة الخادم على الزوج المتوسط استحسن الأصحاب أن يكون عليه مد وسدس لتفاوت المراتب في حق الخادمة فإن الموسر عليه مد وثلث والمعسر مد فليكن المتوسط كذلك كما تفاوتت المراتب في حق المخدومة
وقال الأصحاب ليس لولي المجنونة والصبية المراهقة إذا آلى عنهما الزوج وضربن المدة وانقضت أن لا يطالب بالغيبة لأن ذلك لا يدخل تحت الولاية واستحسن أن يقول الحاكم للزوج على سبيل النصيحة اتق الله يفئ إليها أو طلقها
وقال أبو العباس بن القاص في التخليص لم يقل الشافعي بالاستحسان إلا في ثلاثة مواضع وذكر ثلاثا من هذه الصور المعدودة ونحن أيضا نقول ما الاستحسان الذي قال به الشافعي قلت قد عرفت أنه لا نزاع في ورود هذه اللفظة على الألسنة استعمالا وقول ابن القاص لم يقل به إلا في ثلاثة مسائل يجب أن يكون المراد منه لم يزد على لفظة فيما اطلعت عليه لما هو المعروف المشهور من قاعدته في الرد على الاستحسان ثم نقول في هذه الصورة الدليل