المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الرابع في القياس

- ‌تعريف القياس

- ‌الباب الأول في بيان أن القياس حجة

- ‌أقوال العلماء في حجتيه والدليل على ذلك

- ‌التنصيص على العلة هل هو أمر بالقياس أو لا

- ‌ القياس أما قطعي أو ظني

- ‌ ما يجري فيه القياس

- ‌الباب الثاني في‌‌ أركان القياس

- ‌ أركان القياس

- ‌مدخل

- ‌في العلة وتعريفها

- ‌الطرف الأول: الطرق الدالة على العليلة

- ‌ الطرف الثاني فيما يبطل العلية

- ‌ الطرف الثالث في أقسام العلة

- ‌في الأصل والفرع

- ‌شروط الأصل

- ‌ شروط الفرع

- ‌قياس التلازم

- ‌الكتاب الخامس في دلائل اختلف فيها وفيه بابان

- ‌في المقبولة

- ‌الأصل في المنافع الإباحة وفي المضار التحريم

- ‌ الاستصحاب

- ‌ الاستقراء

- ‌ الأخذ بأقل ما قيل

- ‌ المناسب

- ‌فقد الدليل بعد التفحص البليغ

- ‌في الدلائل المردودة

- ‌الاستحسان

- ‌ قول الصحابي

- ‌الكتاب السادس في التعادل والتراجيح

- ‌في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌تعريف الترجيح

- ‌ لا ترجيح في القطعيات

- ‌تعارض الدليلين

- ‌تعارض النصين

- ‌ الترجيح بكثرة الأدلة

- ‌في ترجيح الأخبار

- ‌طرق ترجيح الأخبار

- ‌بحال الراوي

- ‌ بوقت الرواية

- ‌ بكيفية الرواية

- ‌ بوقت ورود الخبر

- ‌ باللفظ

- ‌ بالحكم

- ‌ بعمل أكثر السلف

- ‌في تراجيح الأقيسة

- ‌بحسب العلة

- ‌ بحسب دليل العلية

- ‌ بحسب دليل الحكم

- ‌ بحسب كيفية الحكم

- ‌بموافقة الأصول في العلة

- ‌الكتاب السابع‌‌ في الاجتهادوالافتاء

- ‌ في الاجتهاد

- ‌تعريفه

- ‌في المجتهدين

- ‌يجوز الاجتهاد للرسول صلى الله علية وسلم

- ‌اجتهاد غير الرسول صلى الله علية وسلم

- ‌شروط المجتهد

- ‌في حكم الحتهاد

- ‌القول بالتصويب والتخطئة

- ‌في الإفتاء

- ‌يجوز الإفتاء للمجتهد

- ‌يجوز الستفتاء للعامة

- ‌ما يجوز فيه التقليد وما لايجوز

الفصل: ‌ ما يجري فيه القياس

النقير والقطمير يدل على أنه لا يملك شيئا البتة من غير نظر إلى القياس فكذا نفي التأفيف وأجاب بأن دلالة ذلك في كل المثالين إنما هو لأمر خارجي أما الأول فلأن الحبة جزء للأعلى ونفي الجزء يستلزم نفي الكل ولك أن تقول إن كانت الحبة إسما للواحد مما يزرع فليست جزءا لكل ما هو أعلى منها وأما الثاني فإنا نعلم ضرورة أن ليس المراد نفي النقير والقطمير بل نفي ما له قيمته فدعوى النقل فيهما ضرورية وأما فيما نحن فيه فلا ضرورة بنا إلى ذلك لجواز الحمل على المعنى اللغوي ولك أن تقول ما بك ضرورة إلى النقل مع جواز أن يكون نفي ما عدا النقير والقطمير من فحوى الخطاب

"تنبيه " النقير النقرة التي على ظهر النواة القطمير ما في النواة كذا قاله في المحصول والمعروف وهو الذي في الصحاح أن القشرة الرقيقة هي القطمير وما في شق النواة الفتيل اهـ

ص: 29

قال "الرابعة القياس يجري في الشرعيات حتى الحدود والكفارات"

هذه المسألة معقود لبيان‌

‌ ما يجري فيه القياس

وما لا يجري وفيها أبحاث

"الأول" أنه يجري في الشرعيات بمعنى أنه موجود فيها ويصح ذلك بوجوده في بعضها وتكون الألف واللام في قول المصنف الشرعيات للجنس دون العموم قال الغزالي فكل حكم شرعي أمكن تعليله فالقياس جار فيه وليس المراد أنه يجوز إثبات جميع الشرعيات به فإن ذلك ممتنع خلافا لبعض الشاذين لنا أن القياس لا يتحقق إلا بعد ثبوت الحكم في الأصل فحكم الأصل إن كان بغير القياس صح المدعى وهو أنها لم تثبت كلها بالقياس وإن كان بالقياس فالكلام فيه كالأول ويلزم إما الدور أو التسلسل وإن ثبت من الأحكام ما لا يعقل معناه كضرب الدية على العاقلة والقياس فرع تعقل المعنى قالوا الأحكام متماثلة لدخولها تحت الحكم الشرعي فيجب تساويها فيما جاز على بعضها من القياس قلنا قد يمتنع أو يجوز في بعض أفراد النوع أمر لأجل أمر اختص بذلك البعض ويكون المشترك بين جميع الأفراد بخلاف ذلك البعض في امتناع ذلك الأمر وجوازه

ص: 29

"فرع" قال الجبائي والكرخي ومن تبعهما لا يجوز إثبات أصول العبادات بالقياس وبنوا عليه أنه لا يجوز الصلاة بإيماء الحاجب بالقياس والحق خلافه

"البحث الثاني" أنه يجري في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات خلافا لأبي حنيفة لنا أن أدلة القياس دالة على جريانه في الأحكام الشرعية مطلقا من غير فصل بين باب وباب ويخص المسألة ما روى الصحابة اجتهدوا في حد شارب الخمر فقال علي أراه ثمانين لأنه إذا شرب سكر وإذا هذى افترى وحد المفتري ثمانون وهذا قياس في الحدود ثم لم ينكر عليه فكان إجماعا فإن قلت إن أردتم أن أدلة القياس تدل على جريانه في الأحكام الشرعية مطلقا سواء أوجدت الأركان والشرائط أم لم توجد فهو ممنوع ظاهر الفساد وإن قلتم إن دلالتها عليه إنما هي عند حصول الشرائط فسلم لكن لا نسلم إمكان حصولها فيما نحن فيه سلمناه لكن لا نسلم حصولها فيما نحن فيه لأن الحدود والكفارات والتقدير أمور مقدرة لا يهتدي العقل إلى تعقل المعنى الموجب لتقديرها فلا نعقل فيها العلة والقياس فرع تعقل العلة وأما الرخص فهي منح من الله تعالى فلا يتعدى بها عن مواردها والجواب أنا نريد جريان القياس فيها عند حصول الأركان والشرائط قوله لا نسلم إمكان حصولها فيما نحن فيه قلنا الدليل عليه أن صريح العقل حاكم بأنه لا امتناع في أن شرع الشارع الحد أو الكفارة في صورة لأمر مناسب ثم إنه يوجد ذلك المناسب في صورة أخرى فليس وضع الحد والكفارة منافيا لهذا المعنى حتى يمتنع لأجله قوله سلمنا الإمكان لكن لا نسلم حصوله قلنا حينئذ ارتفع النزاع الأصولي ويكون الامتناع إنما هو بعدم حصول الشرائط والأركان ونحن لا نجوز القياس في شيء بدون حصول شرائطه وأركانه فأما ادعاؤكم بعد ذلك عدم حصوله فيها فذلك إنما يثبت بعد البحث والاستقراء عن كل واحدة من مسائلها فإن وجدت العلة صح القياس فيها وإلا فلا كغيرها من المسائل فلا فرق حينئذ بين مسائل هذا الباب وغيره من هذا الوجه فيجب التسوية في جريان القياس قوله الرخص منح من الله تعالى قلنا قال إمام الحرمين هذا هذيان فإن كلما تتقلب فيه العباد من المنافع فهي

ص: 30

منح من الله تعالى عز وجل ولا يختص هذا بالرخص بل يعمم الشرائع بأسرها فكان ينبغي أن لا يجري القياس في شيء من أحكامها وأعلم أن الشافعي رضي الله عنه ذكر مناقضتهم في هذا الباب فقال أما الحدود فقد كثرت أقيستهم فيها حتى عدوها إلى الاستحسان فأوجبوا الرجم بشهود الزوايا بالاستحسان مع مخالفته للعقل وأما الكفارات فقاسوا الإفطار بالأكل على الإفطار بالوقاع

وقتل الصيد ناسيا على قتله عامدا فإن قالوا إنما أثبتنا بالاستدلال على موضع الحكم بحذف الفوارق قلنا فالاستدلال قياس إذ يجب فيه أن يقال حكم الأصل إما غير معلل أو معلل بالفارق أو المشترك والأولان باطلان وهذا هو القياس واستخراج العلة بالتقسيم وأما المقدرات فهو كتقدير النصب والزكاة والمواقيت في الصلاة فقد قاسوا فيها أيضا كما في تقديراتهم في الدلو والبئر حيث قالوا إذا ماتت الدجاجة في البئر تنزح كذا وفي الفأرة كذا وليس هذا التقدير عن نص ولا إجماع ولا أثر فيكون عن قياس ولو صح في البعض منها أثر كما يزعمه القوم فلا شك في أن ذلك لم يصح في جميع مسائلها فيكون القول بذلك في البعض الآخر قياسا وأما الرخص فبالغوا في القياس بأن الاقتصار على الأحجار في الاستنجاء من أظهر الرخص ثم حكموا بذلك في كل النجاسات وانتهوا فيها إلى إيجاب استعمال الأحجار وقاسوا العاصي بسفره على المطيع مع أن القياس ينفي ترخصه إذ الرخصة إعانة والمعصية غير مناسبة لها

قال "وفي العقليات عند أكثر المتكلمين"

البحث الثالث القياس في العقليات وقد ذهب إلى صحته أكثر المتكلمين وأنكره طائفة ومنه نوع يسمى إلحاق الغائب بالشاهد وبناء الغائب على الشاهد وما يجري مجراهما واتفق القائلون به على أنه لا بد فيه جامع عقلي وإلا لكان الجمع تحكما محضا ثم حصروا الجامع في العلة والحقيقة والشرط والدليل

ص: 31

فالأول كقول أصحابنا كون الشيء يصح أن يكون مرئيا في الشاهد معللا بالوجود فكذا في الغائب ومثل إمام الحرمين والإمام له بقول أصحابنا إذا كانت العالمية شاهدا فيمن له العلم معللة بالعلم كانت في الغائب كذلك وهو غير مطابق لأن هذا جمع بالمعلول لا بالعلة فإنه جمع فيه بين الشاهد والغائب بالكون عالما وهو معلول العلم لا علته

والثاني كقولهم حقيقة العالم في الشاهد من له العلم فكذا في الغائب

والثالث كقول المعتزلة شرط صحة كون الشيء مرئيا في الشاهد أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل فكذا في الغائب وفيه نظر لأن هذا جمع بالمشروط لا بالشرط فإن كونه عالما وهو الذي وقع به الجمع مشروط لا شرط والرابع مثل الإتقان والتخصيص يدلان على العلم والإرادة في الشاهد فكذا في الغائب وادعى إمام الحرمين أنه باطل لأن الجمع بالعلة والحقيقة أقوى من الآخرين وهما باطلان لأن الجمع بهما مبني على القول بالحال فإن القائل به يقول كل صفة قامت بمحل فإنها توجب له حالا والحال صفة لموجود لا توصف بوجود ولا عدم فيجعلون الصفة القائمة بالمحل علة للحال والقول بالحال باطل عند جماهير أصحابنا والمعتزلة ووافقنا على بطلانه إمام الحرمين أخيرا وبسط ذلك في كتاب الكلام ثم المحققون على أن هذا القياس ظني قال الإمام الجمع بالعلة أقوى وهو غير مفيد للقطع لأن إفادته للقطع تتوقف على حصول القطع بأن علة الحكم في الأصل موجودة بتمامها في الفرع وهو صعب فإن الموجود في الفرع مع الموجود في الأصل لا بد وأن تغايرا بالتعين والهوية وإلا فهذا عين ذاك وذاك عين هذا فيكون كل واحد منهما عين الآخر فالاثنان واحد هذا خلف وإذا حصل التغاير بالتعين والهوية فلعل ذلك التعين في أحد الجانبين جزء العلة أو شرط العلة وفي الجانب الآخر يكون مانعا من العلية ومع هذا الاحتمال لا يحصل القطع نعم لو دل على أن ما به الامتياز لا مدخل له في اقتضاء العلة للحكم حصل القطع بثبوت الحكم لكن لا يكاد يوجد ذلك إلا في العقليات الحقيقية التي لا

ص: 32

نختلف باختلاف تفسير اللفظ مثل العالم شاهدا من له العلم فكذا غائبا لأنا لا نعني بالعالم وهذا لا يختلف موجبه بحسب الواجب والممكن

قال "واللغات عند أكثر"

البحث الرابع القياس في اللغات وقد أثبته القاضي أبو بكر وابن سريج وابن أبي هريرة وأبو إسحاق الشيرازي والإمام وكثير في فقهائنا وأهل العربية كالمازني والفارسي وابن جنى وذهب إمام الحرمين والغزالي ومعظم أصحابنا والحنفية إلى امتناعه وتبعهم الآمدي وابن الحاجب واتفق الكل على امتناع جريان القياس في أسماء الأعلام لأنها غير معقولة المعاني ولا هي دائرة بدوران وصف في محالها والقياس فروعهما فهي كالحكم تعبدي لا يعقل معناه فإن قلت قد شاع قولهم في العرف هذا سيبويه وهذا جالينوس وليس إلا بطريق القياس وإلا لم يحصل المدح بذلك

قلت جاز أن يكون ذلك بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والتقدير حافظ الكتاب سيبويه وعلم جالينوس واتفقوا على امتناعه أيضا في أسماء الفاعلين والمفعولين وأسماء الصفات كالعالم والقادر لأنها واجبة الاطراد نظرا إلى تحقق معنى الاسم فإن العالم من قام به العلم فإطلاقه على كل من قام به العلم بالوضع لا بالقياس إذ ليس قياس أحد المسلمين المتمثلين في المسمى على الآخر بأولى من العكس وإنما النزاع في الأسماء الموضوعة للمعاني المخصوصة الدائرة مع الصفات الموجودة فيها وجودا وعدما كالخمر فإنه اسم للمسكر المعتصر من العنب وهذا الاسم دائر مع الإسكار وجودا وعدما فهل يقاس عليه النبيذ في كونه مسمى بذلك الوصف لمشاركته في وصف الإسكار وكإطلاق اسم السارق النباش بواسطة مشاركته للسارق من الإخفاء في أخذا المال على سبيل الخفية

واسم الزاني على اللائط لمشاركته بإيلاج فرج في فرج واحتج المجوزون بدوران تسمية المعتصر من العنب بالخمر مع الشدة المطربة فإنه يفيد ظن عليتها له فالعلم بوجودها في النبيذ يفيد كون ظنه مسمى بالخمر وحينئذ يلزم

ص: 33

أن يثبت للنبيذ من الأحكام ما ثبت للخمر والجواب أن إفادة الدوران العلة إنما هو بمعنى الإمارة والعلامة لا بمعنى الداعي إذ لا مناسبة بين الاسم والمسمى وحينئذ لا يخلو الدوران عن المزاحم لأنه كما دار مع ما ذكرتم من الوصف فكذا مع خصوصية إسكار المعتصر من العنب والدوران لا يفيد الظن مع معارضة المزاحم فإن قلت لو كان لا يقعد معارضة مثل هذا الواجب أن لا يفيد في الشرعيات أيضا لعدم خلوه عنه قلت القاطع دل على جواز القياس في الشرعيات فعلمنا بذلك أن تلك الخصوصيات لا مدخل لها في إثبات تلك الأحكام ولا قاطع في اللغات يدل على جريان القياس فيها ولأن سلمنا أنه يظن العلية فما يجعله العبد علة لا يفيد الحكم أينما وجد كقول القائل أعتقت غانما لسواده لا يطرد في عبيده السود فلعل الواضع هو العبد وقول الإمام هنا بينا أن اللغات توقيفية مدخول باختياره التوقف واحتجوا أيضا بعموم قوله فاعتبروا وأجاب صفي الدين الهندي بأنه يقتضي وجوب القياس في اللغات ولا قائل به إنما الاختلاف في الجواز وفيه نظر لأنه إذا ثبت الجواز وجاء تحريم الخمر مثلا لزم من يقول بالقياس في اللغة أن النبيذ داخل تحت هذا المسمى فيجب عليه أن يعممها بالحكم الواحد الوارد على لفظ الخمر وبذلك صرح الإمام بقوله يلزم أن يثبت للنبيذ من الأحكام ما يثبت للخمر

قال "دون الأسباب والعادات كأقل الحيض وأكثره"

البحث الخامس القياس في الأسباب وفيه مذهبان أحدهما وهو الذي زعم الإمام أنه المشهور وجزم به صاحب الكتاب واختاره الآمدي وابن الحاجب أنه لا يجري القياس فيها والثاني وبه قال أكثر الشافعية جريانه فيها مثاله قياس اللواط على الزنا في إيجاب الحد بجامع كونه إيلاج فرج في فرج محرم شرعا مشتهى طبعا فجعل اللواط سببا وإن كان لا يسمى زنا واحتج الأولون بأن قياس الشيء على الشيء يقتضي أن يكون بينهما وصف مشترك وهو العلة فلو قسنا اللوط مثلا على الزنا فلا بد بينهما من وصف مشترك هو علة الموجبية والسببية وحينئذ يكون السبب ذلك المشترك لا ذلك الزنا على سبيل الخصوصية فلا يكون كل واحد من الزنا واللوط موجبا وسببا لأن الحكم

ص: 34

باستناده إلى المشترك بينهما استحال أن يكون معه مستندا إلى خصوصية كل واحد منهما

ومن شرط القياس بقاء حكم الأصل وهو زائل لأن المقيس عليه حينئذ يخرج أن يكون مقيسا عليه فإذن جريان القياس في الأسباب يقتضي أن لا يكون السبب الذي هو أصل سببا هذا خلف ولا ينتقض هذا بالقياس في الأحكام لأن الأصل فيه غير موجب للحكم فإضافة الموجب إلى القدر المشترك بينه وبين الفرع لا ينافي كونه أصلا بخلاف السبب فإنه موجب للحكم فإضافة الموجب إلى القدر المشترك لا يجامع الإضافة إلى السبب الذي هو الأصل على سبيل الخصوصية فإن قلت الجامع بين الموضعين لا يكون له تأثير في الحكم بل في علية الوصف وأما الحكم فإنما يحصل من الوصف قلت ما صلح لعلية العلة كان صالحا لعلة الحكم فلا حاجة حينئذ إلى الواسطة وقد أجاب النقشواني عن هذا الاحتجاج بما تقريره أن يقال العلة الحقيقية هي الحكمة والحاجة كما هو مقرر في مكانه لكنها لما كانت غير مضبوطة وغير مقدرة في ذاتها جعل الوصف علة بمعنى أنه يعرف العلة المؤثرة فصلاحية الوصف للضبط وتعريف العلة المؤثرة بهذا المعنى هي العلة في جعله علة وبهذا لا تصلح الحكمة لعلية الحكم من غير واسطة الحكم والوصف معا

ويظهر حينئذ قوة السؤال الذي أورده وضعف الجواب فيقال نقيس اللواط على الزنا ونقول إن الزنا إنما أوجب الحد للوصف المشترك بينهما فعندي الموجبة من الزنا إلى اللواط وذلك لأن الزنا إنما صار موجبا وعلة لكونه معرفا للحكمة الموجبة للحد وهي الحاجة المناسبة إلى شرعيته واللواط يشارك الزنى في هذا المعنى فيلزم من كون الزنا علة معرفة كون اللواط كذلك وقوله على هذا التقدير يكون الموجب للحد إنما هو المشترك قلنا ممنوع فإن هذا المشترك الذي ذكرنا يصلح أن يكون علة لعلية الوصف لكن لا يصلح أن يكون علة للحكم على ما وضح ولأن سلمنا أن ذلك المشترك يكون علة للحكم لكن لم لا يجوز أن يكون علة لعلية الوصف أيضا فإنها تكون علة مؤثرة للحكم وعلة مؤثرة لصيرورة الوصف علة معرفة ويكون الحكم مستندا

ص: 35

إلى ذلك المشترك استناد الأثر إلى المؤثر وإلى الوصف استناد الشيء إلى المعرف له ولا يمتنع ذلك بل هو الواقع في سائر الأحكام فإن الحكم مستند إلى الحاجة استناد الأثر إلى المؤثر وإلى الوصف استثناء الشيء إلى المعرف واعلم أن الحجاج في هذه المسألة طويل لا يحتمله هذا الشرح لا سيما وصاحب الكتاب أومى إلى الاختصار حيث اقتصر فيها على مجرد الدعوى والحق عندي جريان القياس فيها إن قلنا برجوع التشبيه إلى الأحكام الشرعية على ما تقدم ذلك في أوائل الكتاب فإنه حينئذ يشملها دلائل العمل بالقياس في الأحكام ثم إن اعترف الخصوم بمكان معرفة العلة وتعديتها ثم توقفوا عن التعدية كانوا متحكمين بالفرق بين حكم وحكم كمين يقول نجري القياس في حكم الضمان لا في القصاص وفي البيع لا في النكاح وإن ادعوا الإحالة فمن أين عرفوا ذلك فإن قلت الأحكام مسلم في العقل لكنه غير واقع لأنه لا يتيقن الأسباب علة مستقيمة تتعدى قلت الآن قد ارتفع النزاع الأصولي إذ لا ذاهب إلى تجويز القياس حيث لا تفعل العلة أو لا تتعدى وهم قد ساعدونا على تجويز القياس حيث أمكن معرفة العلة وتعديتها فارتفع الخلاف وهذا ذكره الغزالي فذكرناه هنا وأما إن لم نقل برجوع السببية إلى الأحكام فعندي توقف

البحث السادس القياس في الأمور العادية والخلقية كأقل الحيض وأكثر وكذا الحمل والنفاس فقال المصنف لا يجري فيه القياس ونقله الإمام عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي والذي قاله الشيخ في شرح اللمع أن ما طريقة العادة إن كانت علته إمارة جاز إثباته بالقياس قال وذلك كالشعر هل يحل فيه الروح والحامل هل تحيض فإنا نستدل في مسألة الشعر والعظم بالنماء والاتصال ونقيس على سائر الأعضاء والخصم يقيس على أغصان الشجرة من حيث أنه لا يحس ولا يتألم وفي مسألة الحامل بأن الحمل لو منع دم الحيض لمنع دم الاستحاضة ألا ترى أن الصغر لما منع أحدهما منع الآخر فكذا الكبر والخصم يقول لو كان دم الحيض لانقضت به العدة وحرم الطلاق وإن لم يكن عليه أمارة كأقل الحيض وأكثره فلا يجوز إثباته بالقياس كما نقله

ص: 36