الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"خاتمة" شرط الغزالي في المجتهد العدالة ثم قال وهذا يشترط لجواز الاعتماد على قوله إما هو في نفسه وإن كان عالما فله أن يجتهد لنفسه ويأخذ باجتهاد نفسه فالعدالة شرط لقبول الفتوى لا لصحة الاجتهاد هكذا ذكره واقتضى كلام غيره أن العدالة ركن في الاجتهاد ويتفرع على هذا أن الفاسق إذا أداه اجتهاده في مسألة إلى حكم هل يأخذ بقوله من علم صدقه في فتواه بقرائن بل قد يقال إن كانت العدالة ركنا في الاجتهاد فلا يجوز له أن يأخذ في حق نفسه باجتهاده بل يقلد لكونه والحالة هذه غير مجتهد وهذا بعيد
في حكم الحتهاد
القول بالتصويب والتخطئة
…
قال "الفصل الثاني في حكم الاجتهاد
اختلف في تصويب المجتهدين في مسائل الفروع بناء على الخلاف في أن لكل صورة حكما معينا وعليه قطعي أو ظني والمختار ما صح عن الشافعي رضي الله عنه أن في الحادثة حكما معينا وعليه أمارة من وجدها أصاب ومن فقدها أخطأ ولم يأثم"
"ش" المسألة عظيمة الخطب قد اختصر المصنف القول فيها فلنتوسط فيما نورده ثم تلتفت إلى ما ذكره فنقول في المسألة أبحاث أولها ذهب طوائف المسلمين على طبقاتهم إلى أنه ليس كل مجتهد في الأصول مصيبا وأن الإثم غير مخطوط عنه إذا لم يصادف ما هو الواقع وإن بالغ في الاجتهاد والنظر سواء كان مدركه عقليا كحدث العالم وخلق الأعمال أو شرعيا لا يعلم إلا بالشرع كعذاب القبر والحشر ولا يعلم خلاف بين المسلمين في ذلك إلا ما نقل عن الجاحظ وعبيد الله بن الحسين العنبري أنهما قالا ابن السمعاني وكان العنبري يقول في مثبتي القدر هؤلاء عظموا الله وفي نافي القدر هؤلاء نزهوا الله ومنهم من لم ينقل عن الجاحظ التصويب بل نفي الإثم والحرج فقط
والقاضي في مختصر التقريب اقتصر على النقل عن العنبري ثم قال واختلفت الرواية عنه فقال في أشهر الروايتين إنما أصوب كل مجتهد في الدين لجمعهم الملة فأما الكفرة فلا يصوبون وغلا بعض الولاة عنه فصوب للكافة من المجتهدين دون الراكنين إلا الدعة ونحن نتكلم معهما على سبيل الاختصار فنقول أنتما محجوجان بالإجماع قبلكما وبعدكما وثانيا إن أردتما بذلك مطابقة الاعتقاد للمعتقد فقد خرجتما عن حيز العقلاء وانخرطتما في سلك الأنعام وإن
أريد الخروج عن عهدة التكليف ونفي الخروج كما نقل عن الجاحظ فالبراهين النقلية من الكتاب والسنة والإجماع خارجة عن حد الحصر ترد هذه المقالة
وأما تخصيص التصويف بالمجتمعين على الملة الإسلامية فنقول مما خاض فيه المسلمون القول بالتشبيه تعالى الله عنه علوا كبيرا والقول بخلق القرآن وغير ذلك مما يعظم خطره وأجمعوا قبل العنبري على أنه يجب على المرء إدراك بطلان القول بالتشبيه قال القاضي ونقول له أيضا ما الذي حجزك عن القول بأن المصيب واحد فإن احتج بغموض الأدلة قلنا له فالكلام في النبوات والإحاطة بصفات المعجزات وتمييزها من المخاريق والكرمات أغمض عند العارفين بأصول الديانات من الكلام في القدر وغيره مما يختلف فيه أهل الملة فهلا غدرت الكفرة بما ذكرت قال وهذا لا محيص له عنه
البحث الثاني:في تصويب المجتهدين في المسائل الفروعية وقد ضبط صفي الدين الهندي المذاهب فيه جيدا فقال الواقعة التي وقعت إما أن يكون عليها نص أولا فإن كان الأول فأما إن وجده المجتهد أو لا والثاني على قسمين لأنه إما قصر في طلبه أو لم يقصر فإن وجده وحكم بمقتضاه فلا كلام وإن لم يحكم بمقتضاه فإن كان مع العلم بوجه دلالته على المطلوب فهو مخطئ وآثم وفاقا وإن لم يكن مع العلم به ولكنه قصر في البحث عنه فكذلك وإن لم يقصر بل بالغ في الاستكشاف والبحث ولم يعصر على وجه دلالته على المطلوب فحكمه حكم ما إذا لم يجده مع الطلب الشديد وسيأتي إن شاء الله تعالى وإن لم يجده فإن كان لتقصيره في الطلب فهو أيضا مخطئ وآثم وإن لم يقصر بل بالغ في التنقيب عنه وأفرغ الوسع في طلبه ومع ذلك لم يجده بأن خفي عليه الراوي الذي عنده النص أو عرفه لكنه مات قبل وصوله إليه فهو غير آثم قطعا وهل هو مخطئ أو مصيب على الخلاف الذي يأتي إن شاء الله تعالى فيما لا نص فيه وأولى بأن يكون مخطئا وأما التي لا نص عليها فإما أن يقال لله تعالى فيها قبل اجتهاد المجتهد حكم معين أولا بل حكمه فيها تابع لاجتهاد المجتهد فهذا الثاني قول من قال كل مجتهد مصيب وهو مذهب جمهور المتكلمين منا كالشيخ أبي الحسن والقاضي أبي بكر والغزالي
ومن المعتزلة كأبي الهزيل وأبي علي وأبي هاشم وأتباعهم ونقل عن الشافعي وأبي حنيفة وأحمد والمشهور عنهم خلافه وهؤلاء اختلفوا في أنه وإن لم يوجد في الواقعة حكم معين فهل وجد فيها ما لو حكم الله تعالى فيها بحكم لما حكم إلا به ولم يوجد ذلك
والأول:هو القول بالأشبه وهو قول كثير من المصوبين وإليه صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن وابن سريج في إحدى الروايتين عنه قال القاضي في مختصر التقريب وذهب بعضهم في الأشبه إلى أنه ليس هذا بل هو أولى طرق الشبه في المقاس والعبر ومثلوا ذلك بإلحاق الأرز بالبر بوصف الطعم أو القوت أو الكيل فأحد هذه الأوصاف أشبه عند الله تعالى وأقرب في التمثيل وأما الثاني فقول الخلص من المصوبة
وأما الأول وهو أن الله تعالى في الواقعة حكما معينا فإما أن يقال عليه دلالة وأمارة فقط أو ليس عليه دلالة ولا أمارة فأما القول الأول وهو أن على الحكم دليلا يفيد العلم والقطع فهو قول بشر المريسي والأصم وابن علية وهؤلاء اتفقوا على أن المجتهد مأمور بطلبه وأنه إذا وجده فهو مصيب وإذا أخطأه فهو مخطئ ولكنهم اختلفوا في المخطئ هل يأثم ويستحق العقاب فذهب بشر إلى التأثم وأنكره الباقون لخفاء الدليل وغموضه واختلفوا أيضا في أنه هل ينقض قضاء القاضي فيه فذهب الأصم إلى أنه ينقض وخالفه الباقون
وأما القول الثاني:وهو أن على الحكم أمارة فقط فهو قول أكثر الفقهاء كالأئمة الأربعة وكثير من المتكلمين وهؤلاء اختلفوا فمن قائل أن المجتهد غير مكلف بإصابته لخفائه وغموضه وإنما هو مكلف بما غلب على ظنه فهو وإن أخطأ على تقدير عدم إصابته لكنه معذور مأجور وهو منسوب إلى الشافعي رضي الله عنه وعلى هذا فعلام يؤجر المخطئ فيه وجهان لأصحابنا أحدهما وهو اختيار المزني وظاهر النص أنه يؤجر على القصد إلى الصواب ولا يؤجر على الاجتهاد لأنه أفضى به إلى الخطأ فكأنه لم يسلك الطريق المأمور به وشبهه القفال في الفتاوى برجلين رميا إلى كافر فأخطأ أحدهما يؤجر على قصد الإصابة
بخلاف صاحبه والساعي إلى الجمعة إذا فاتته يؤجر على القصد وإن لم ينل ثواب العمل
والثاني:أنه يؤجر على القصد وعلى الاجتهاد جميعا لكونه بذل ما في وسعه ومن قائل إنه مأمور بطلبه ومكلف بإصابته أولا فإن أخطأه وغلب على ظنه شيء آخر فهناك تغير التكليف ويصير مأمورا بالعمل بمقتضى ظنه ولا يأثم وأما القول الثالث وهو أنه لا دلالة عليه ولا أمارة فذهب إليه جمع من المتكلمين
وقد زعم هؤلاء أن ذلك الحكم كدفين يتفق عثور الطالب عليه ويتفق تعديه قال القاضي في مختصر التقريب واختلف هؤلاء فذهب بعضهم إلى أن العثور عليه ليس بواجب وإنما الواجب الاجتهاد وذهب بعضهم إلى أن العثور عليه مما يجب على المكلف وإن لم يكن عليه دليل هذا شرح المذاهب في المسألة فلنعد إلى لفظ الكتاب
قوله اختلف في تصويب المجتهدين في مسائل الفروع إشارة إلى أن خلاف العنبري في الأصول لا احتفال به وقد أصاب فإنه لا ينبغي أن يعد ما ذهب إليه هذه الرجل قولا في الشريعة المحمدية مع أنه مصادم بالإجماع قبله والذي نراه شاكين فيه أن المجمعين لو عاصروا العنبري لم يلتفتوا إلى ما قاله ولعدوا الإجماع قائما دونه قوله بناء على الخلاف إلى آخره مقتضاه أن كل من قال بأن لكل صورة حكما معينا وعليه دليل قطعي أو ظني قال بأن المصيب واحد ومن لم يقل بذلك صوب الكل
قوله والمختار إلى آخره مباح باختيار المذهب الذي حكيناه من اشتمال الحادثة على حكم معين وعليه دليل قطعي أو ظني لا يكلف المجتهد به وإنما يكلف بما غلب على ظنه
قال "لأن الاجتهاد مسبوق بالدلالة لأنه طلبها والدلالة متأخرة عن الحكم فلو تحقق الاجتهادان لاجتمع النقيضان ولأنه قال عليه السلام "من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجران ومن أخطأ فله أجر"
"ش" هذان وجهان استدل بهما على اختياره أحدهما أن الاجتهاد مسبوق
بدلالة الدليل على الحكم لأنه عبارة عن طلب دلالة الدليل على الحكم والطلب مسبوق على المطلوب فيكون الاجتهاد متأخرا عن الدلالة والدلالة متأخرة عن الحكم بها لأنها نسبة بين الدليل الذي هو المطلوب والمدلول الذي هو الحكم والنسبة متأخرة عن كل واحد من الأمرين لتوقف تحققها على تحققهما فيلزم منه أن يكون الاجتهاد متأخرا عن الحكم بمرتبتين لتأخره عن الدلالة المتأخرة عن الحكم فلو تحقق الاجتهاد أي كان كل مجتهد مصيبا لاجتمع النقيضان لاستلزامه ثبوت حكمين متناقضين في نفس الأمر بالنسبة إلى مسألة واحدة وهذا الدليل فيه نظر فإنا وإن سلمنا أن الاجتهاد طلب الدلالة فلا نسلم أن طلب الشيء يتوقف على ثبوته في الخارج بل على تصوره فقط ثم إنه لا يثبت به إلا أحد شطري ما ادعاه فإنه لا يدل على سقوط الإثم عن المخطئ وحصول الأجر له
الوجه الثاني:الحديث الذي ذكره في الكتاب واللفظ في الصحيحين:"إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فله أجر1" دل الحديث على أن المجتهد قد يخطئ وقد يصيب وهو المدعي
فإن قلت لا ينافي ذلك كون كل مجتهد مصيبا إذ يتصور الخطأ عند القائلين بهذه المقالة وذلك فيمن لم يستفرغ الوسع في الطلب مع كونه غير عالم بالتقصير فإنه مخطئ غير آثم للجهل بالتقصير فلعل هذه الصورة هي المرادة من الحديث قلت هذا تخصيص بصورة نادرة من غير دليل وأيضا أن تحقق الاجتهاد المعتبر فيما ذكرته فقد ثبت المدعي وهو خطأ بعض المجتهدين في الجملة وإلا فلا يجوز حمل الحديث عليه من غير صادف عن حمله على الاجتهاد المعتبر لأن الشرعي مقدم على العرفي واللغوي واعلم أن الاستدلال بالحديث قوي كانت المسألة ظنية ولكن المسألة قطعية كما صرح بها الأصوليون على اختلاف طبقاتهم
وبذلك تحل شبهة من قال ليس كل مجتهد مصيبا لقول من قال من
1 البخاري: باب أجر الحاكم إذا اجتهد ومسلم: كتاب الأقضية كما رواه الإمام أحمد من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة
المجتهدين ليس كل مجتهد مصيبا لأنه إن أصاب فما قاله حق وإن أخطأ فقد أخطأ بعض المجتهدين فلم يكن كل مجتهد مصيبا فنقول الخلاف في أن المصيب واحد إنما هو في مسائل الفروع الظنية كما عرفت أما مسائل الأصول القطعية فالمصيب فيها واحد بلا خلاف ولك في حل هذه النكتة طريقة أخرى فنقول فتلزم أنه مصيب في قوله ليس كل مجتهد مصيبا ولكن لم قلت أنه يلزم من ذلك أن يكون الواقع في نفس الأمر ليس إلا أنه ليس كل مجتهد مصيبا وقولك لأنه مصيب قلنا وكذا خصمه أيضا مصيب بناء على القول بالتصويب فحكم الله في حق هذا أنه ليس كل مجتهد مصيبا أنه في حق خصمه أن كل مجتهد مصيب فهاتان طريقتان في حل هذه الشبهة الأولى على تقدير كونها من مسائل الأصول والثانية على التزام كونها من مسائل الفروع ومن جيد ما استدل به القائلون بأن المصيب واحد اجتماع الصحابة فمن بعدهم للمناظرة وطلب كل واحد من المتناظرين خصمه إلى ما ينصره فلو أن كل مجتهد مصيب لم يكن إلى الحجاج والنظر فائدة وأجاب عنه القاضي بأن التناظر ثابت وأما ما ادعيتموه من غرض المتناظرين فأنتم منازعون فيه ولسنا نسلم أن العلماء إنما تنازعوا ليدعي كل واحد منهما خصمه بل المندوب في طرق الاجتهاد والاحتمال وضوح نص يقطع البحث وغير ذلك قال قيل لو تعين فالمخالف له لم يحكم بما أنزل الله فيفسق ويكفر لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قلنا لما أمر بالحكم بما ظنه وإن أخطأ حكم بما أنزل الله قيل لو لم يصوب الجميع لما جاز نصب المخالف وقد نصب أبو بكر زيدا رضي الله عنهما قلنا لم يجز تولية المبطل والمخطئ ليس بمبطل
"ش" احتج المصوبون بوجهين أحدهما أنه لو لم يكن كل مجتهد مصيبا لتعين الحكم في الواقعة قبل الاجتهاد وحينئذ فيكون المجتهد المخالف باجتهاده لذلك الحكم حاكما بخلاف ما أنزل الله فيفسق لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ1}
1 سورة المائدة آية 47
ويكفر في آية أخرى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ1} وأجاب بأنا لا نسلم أنه والحالة هذه يكون حاكما بخلاف ما أنزل الله فإنه لما كان مأمورا الحكم بموجب ظنه بعد الاجتهاد فحكمه به حكم بما أنزل الله وإن أخطأ في اجتهاده بعدم إصابة ذلك الحكم المتعين ولقائل أن يقول إذا كان الحق واحد متعينا فهو الذي أنزله الله والحكم بخلاف ما أنزل الله نعم هو حكم بشيء أنزل الله أن الحاكم به يؤجر ولا يأثم لبذله الوسع في اجتهاده فكان ينبغي تقريره هكذا إنما يفسق أن يكفر الحاكم بخلاف ما أنزل الله من كل وجه لأنه الذي عليه أخلاق قول القائل حكم بخلاف ما أنزل الله أما الحاكم بما أنزل الله أن له أن يحكم به وإن لم يحكم به وإن لم ينزل المحكوم به ولم يجعله الحق عنده فليس حاكما بخلاف المنزل أو نقول هو حاكم بخلافه ولكن هو معذور لما ذكرناه والفسق والكفر يختصان بغير المعذور والثاني أنه لو لم يكن كل مجتهد مصيبا لما جاز للمجتهد أن ينصب حاكما مخالفا له في الاجتهاد لأنه في ظنه قد مكنه من الحكم بغير الحق وليس كذلك لأنه جائز بدليل أن أبا بكر رضي الله عنه نصب زيدا رضي الله عنه مع أنه كان يخالفه في الجد وفي غيره وشاع ذلك بين الصحابة من غيره وشاع ذلك بين الصحابة من غير نكير وأجاب بأن الممتنع إنما هو تولية المبطل أي الذي يقتضي بالباطل ومن كان مجتهدا مخطئا فهو غير مبطل لإتيانه بالمأمورية وهذا أيضا فيه عندنا نظر فإن المجتهد في مسألة القاتل بأن المصيب واحد يظن خطأ صاحبه ولا معنى لذلك إلا أنه مبطل فيما أتى به وإنما بذل الوسع أقام عذره نعم قد يجاب بأنه ليس يعلم حال التولية أنه يحكم بخلاف ما يعتقده وذلك لأن على الحاكم أن يجتهد في الحكم عند كل حادثة وربما تغير اجتهاده وأيضا فلعل أبا بكر رضي الله عنه زايد عن الحكم فيما يخالفه فيه وقصر توليته على الحوادث التي يوافقه فيها وقد صرح بجواز مثل هذا الماوردي كما نقله الرافعي فقال ولو ولى الإمام وجلا وقال لا نحكم في قتل المسلم الكافر والحر العبد جاز وقد قصر عمله على باقي الحوادث ووافقه زيد واقعة عين لا يمكن فيها نفي هذا الاحتمال وأيضا فلعل أبا
1 سورة المائدة آية 44
بكر رضي الله عنه كان يرى أن كل مجتهد مصيب فالمسألة مشهورة باضطراب الآراء فيها قديما وحديثا
قال فرعان الأول لو رأى الزوج لفظ كناية ورأته المرأة صريحا فله الطالب ولها الامتناع فيراجعان غيرهما
"ش" هذا فرعان من فروع حكمة الاجتهاد الأول لو كان الزوجان مجتهدين فخاطبها الزوج بلفظه يرى أنها كناية في الطلاق ولا نية وترى المرأة أنها صريحة فيه فللزوج طلب الاستمتاع منها ولها الامتناع عملا مع كل منهما بمقتضى اجتهاده وطريق قطع المنازعة بينهما أن يراجعا مجتهدا آخر غيرهما حاكما أو حكما من جهتهما ليحكم بينهما بما أرى إليه اجتهاده وهذا الطريق متعين لدفع المشاجرة في نحو الصورة المفروضة سواء قلنا المجتهد واحد أم كل مصيب وهذا إذا لم تكن المنازعة فيما يجري فيه الصلح فإن جرى فيه الصلح كالحقوق المالية فينقطع بطريق الصلح أيضا هذا ما في الكتاب وقد ذكر القاضي في مختصر التقريب هذا الفرع وجعله من أدر خصومه القائلين بأن المصيب واحد وأنهم قالوا هذا يقتضي الجمع بين التسليط على الاستمتاع والامتناع منه ثم أجاب عنه بأنا نسألكم عن هذه الحادثة إذا عنت وكلما قدرتموه جوابا ظاهرا في حقهما فهو حكم الله قطعا قال فإن زعموا أن المرأة مأمورة بالامتناع جهدها والرجل مباح له الطلب للاستمتاع وإن أدى إلى قهرها ولم يعدوا ذلك تناقضا في ظاهر الجواب فهو حكم الله تعالى عندنا ظاهرا وباطنا قال ومما تمسكوا به أن المنكوحة بغير ولي إذا زوجها وليها ثانيا من شافعي والذي تزوج بها أولا حنفي والمرأة مترددة بين دعوتهما وهما مجتهدان في أوجه القول في جمع الحل والتحريم وأجاب بجوابه الأول وأن كل ما أجبتم به في ظاهر الأمر ولم يعدوه تناقضا فهو حكم الله عندنا ثم قال وإن اجتزيت بهذا القدر كفاك وإن أردت التفصيل في الجواب قلنا من القائلين بأن المصيب واحد من صار في هذه الصورة إلى الوقت حتى يرفع الأمر إلى القاضي كما قدمناه في الصورة المعلومة
الأولى فعلى هذا نقول حكم الله فيهما الوقف ظاهرا وباطنا حتى نرفع الأمر إلى القاضي كما قدمناه في الصورة المغلومة الأولى فعلى هذا نقول حكم الله فيهما الوقف ظاهرا وباطنا حتى نرفع أمرها إلى القاضي فينزلهما على اعتقاد نفسه وهذا حكم الله حينئذ ومنهم من قال نسلم المراد إلى الزوج الأول فإن نكحها نكاحا يعتقد صحته وهو السابق فلا يبعد أن يكون هذا هو الحكم قال وهذه الصورة وأمثالها من المجتهدات وفيها تقابل الاحتمالات فيجتهد فيها عندنا وما أرى إليه اجتهاده فهو حق من وقف أو تقدم أو غيرهما من وجوه الجواب
قال "الثاني إذا تغير الاجتهاد كما لو ظن أن الخلع فسخ ثم ظن أنه طلاق فلا ينتقض الأول بعد اقتران الحكم وينتقض قبله"
"ش" إذا أداه اجتهاده إلى أن الخلع فسخ فنكح امرأة كان قد خالعها ثلاثا بمقتضى هذا الاعتقاد ثم تغير اجتهاده وأداه إلى أنه طلاق فإما أن يتغير بعد قضاء القاضي بمقتضى الاجتهاد الأول المقتضي لصحة النكاح فلا ينقض بالاجتهاد الثاني بل يقي على النكاح وإما أن يتغير قبل القضاء بالصحة فيجب عليه مفارقتها لأن الظن المصاحب له الآن قاض بأن اجتهاده الأول خطأ فليعمل به وهذا ما أراده المصنف بقوله وينتقض قبله ومراده بالنقض ترك العمل بالاجتهاد الأول وإلا فالاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وهذا فيما تغير اجتهاده في حق نفسه فلو تغير في حق غيره كما إذا أفتى مقلده بصحة نكاح المختلعة ثلاثا ونكحها المقلد عملا بفتواه ثم تغير اجتهاده ولم يكن الحكم قد حكم بصحة النكاح قبل تغير اجتهاده فالمختار أنه يجب عليه تسريحها كما في حق نفس المجتهد ولو قال مجتهد للمقلد والصورة هذه أخطأ بك من قلدته فإن كان الذي قلده أعلم من الثاني أو استويا فلا أثر له لقوله وإن كان الثاني أعلم قال الرافعي فالقياس إما أن أوجبنا تقلدا لأعلم فهو كما لو تغير اجتهاد مقلده وإلا فلا أثر له قال النووي وهذا ليس بشيء بل بوجه الجزم بأنه لا يلزمه بشيء ولا أثر لقول الثاني
خاتمة:القاضي إذا حكم في هذه الواقعة ثم تغير اجتهاده لم يكن له النقض
لكون المسألة اجتهادية ولنا فيما إذا حكم الحاكم بحكم ثم انقدح له ما لو كان مقارب لمنع الحكم قول بليغ فلنورده فنقول ذلك على أقسام
أحدها:أن يكون أمرا متجددا لم يكن حالة الحكم مثاله أن يباع مال يتيم بقيمته لحاجته ويحكم بصحة البيع ثم نقلوا الأسعار بعد ذلك فتصير قيمته أكثر فهذا لاعتبار به لأن الشرط البيع بالقيمة ذلك الوقت لا بعده
الثاني:أن يحكم باجتهاده لدليل أو إمارة ثم يظهر له دليل أو أمارة أرجح من الأول ولا ينتهي إلى ظهور النص بهذا أيضا لاعتبار به وإن كان لو قارن لوجب الحكم به لأن الحكم بالراجح وإن كان واجبا لكن الرجحان حاصل الآن في ظنه ولا يدري لو حصل ذلك الاحتمال عنده حالة الحكم هل يكون عنده راجحا أو مرجوحا والاعتبار إنما هو بالرجحان حال الحكم ولا يلزم من الرجحان في وقت الرجحان في وقت غيره لتفاوت الظنون بحسب الأوقات وما يكون فيها من أمور لا تنحصر يتغير بها الظن ولا يتمكن الظان من الحزم بأن الظن الذي عنده في وقت آخر لكان مستمرا ورجحان الاعتقاد إنما يحصل حالا فحالا وأما اعتقاد الرجحان فقد يكون يعتقد في وقت قطعا رجحان أمر عنده في الماضي وهو من الأمور الوجدانيات ليس مما نحن فيه سيأتي قسم منه هنا فاضبط هذا هنا لتنتفع به إذا قلناه
الثالث:أن يظهر دليل أو أمارة تساوي الأول فبطريق الأولى لا اعتبارية وإن كان لو قارن لمنع من الحكم وبهذا تعلم أن إطلاق من أطلق أنه إذا ظهر بعد الحكم ما لو قارن لمنع من الحكم بنقض الحكم ليس بجيد
الرابع:أن يظهر نص أو إجماع أو قياس جلي بخلافه فينتقض الحكم لأن ذلك أمر مقطوع به فلم ينقضه بظن وإنما ينقضه بالدليل القاطع على تقديم النص والإجماع والقياس الجلي على الاجتهاد فهو أمر لو قارن العلم به لوجب تقديمه قطعا فلذلك نقض به
الخامس:أن يظهر أمر لو قارن لمنع ظنا لا قطعا كبينة الداخل فإن في تقديمهما على بينة الخارج خلافا فهو أمر مظنون مجتهد فيه ولكن الحاكم الذي
يراه اجتهادا أو تقليدا قاطع بظنه ووجوب العمل به فلو قارن لوجب الحكم به وهو يعلم من نفسه أنه إنما يحكم به فإذا حكم الخارج معتقدا أنه لا بينة للداخل ثم جاءت البينة فقد ظهر أمر لو قارن لمنع ظنا والظن سابق معلوم الآن وهذا هو اعتقاد الرجحان الذي أشرنا إليه من قبل وقد اختلف الأصحاب ها هنا في النقض فمن ذهب إلى أنه لا ينقض فوجهه أنه أمر مجتهد فيه ومن قال بالنقض فوجهه أنه عالم بظنه وبأنه إنما حكم معتقدا عدم بينة الخارج فهو قاطع بما كان يمنعه من الحكم لو قارن فانظر هذا التفاوت بين المراتب وأن هذه المرتبة بين ظهور النص وبين الظهور الدليل الراجح والمساوي فلذلك نقض في النص قطعا ولم ينقض في الدليل أن الإمارة قطعا وحصل التردد في هذا على وجهين
السادس:أن يظهر معارض محض من غير مرجح كما إذا حكم للخارج ببينة ثم جاءت بينة لمخارج آخر فهذه البينة لو قارنت فلمنعت الحكم للتعاوض فإذا ظهرت بعد الحكم فلو أيده الله تعالى في المسألة احتمالان أحدهما أن يقال إنه كظهور الإمارة المساوية فلا ينقض به قطعا أو رجحهما عندي أنها ليست كالإمارة المساوية لأن مساواة الإمارة المساوية مظنونة وجاز أن يضعف في وقت آخر ويستمر رجحان الإمارة المحكوم بها لعدم الوثوق بالظنون وجاز أنها لاحت له في وقت الحكم لكانت مرجوحة غير مساوية وأما البينة إذا عارضت أخرى فمساواتها معلومة ما يؤس فيها من الترجيح فلا يبقى لاحتمال استمرار ذلك الحكم أو غيره فيرد الأمر إلى ما كان عليه قبل الحكم ويقف لقطعنا باستواء الجانبين بخلاف الإمارات التي لا يورث بحال الظنون فيها فإنه لو لم يمض الحكم فيها أدى إلى عدم استمرار الأحكام وأن لا يحكم بشيء
وقد مال والدي أيده الله إلى ترجيح الأول وقال لم أجد في كلام الأصحاب إلى الآن ما اعتضد به في الجزم بأحدهما غير أني أميل إلى عدم النقض وأن الحاكم لا يحكم ولا ينقض إلا بمستند ولك أن تقول ظهور ما يقع بمساواته مستند وقد تخلص من هذا أن العلم بمقارنة ما يقطع بتقديمه على مستند الحكم موجب لنقضه قطعا والعلم بمقارنة ما يظن تقديمه فيه وجهان كبينة