الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
من كلمات السلف
"
…
أحدهم إذا خالفه صاحبه قال: كَفَرْتَ. والعِلْم إنما يقال فيه: أخطأتَ".
"الإمام الشافعي رحمه الله تعالى".
"وما أولاك رحمك الله بتدبُّر ما نقول؛ فإن كان حقّاً، وكنتَ لله مريداً، أن تتلقاه بقلبٍ سليم، وإن كان باطلاً، أو كان فيه شيء ذهب عنّا، أن تردّنا عنه بالاحتجاج والبرهان؛ فإنّ ذلك أبلغ في النصرة، وأوجب للعذْر، وأشفى للقلوب
…
".
"ابن قتيبة رحمه الله تعالى".
ندِينُ الله بكل ما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نجعل بعضه لنا وبعضه علينا، فنقرّ ما لنا على ظاهره، ونتأوّل ما علينا على خلاف ظاهره، بل الكلُّ لنا لا نُفَرِّق بين شيءٍ من سُننه، بل نتلقاها كلها بالقبول، ونقابلها بالسمع والطاعة، ونتَّبعها أين توجهت ركائبها، ونَنْزلُ معها أين نزلت مضاربها، فليس الشأن في الأخذ ببعض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتَرْك بعضها، بل الشأن في الأخذ بجملتها، وتنزيل كل شيء منها منزلتَه، ووضعه بموضعه،
والله المستعان وعليه التكلان. الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى.
شكرٌ وتقدير
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا وسيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيطيب لي، بل يتعيّن عليّ، أن أعترف بالفضل لأهله، فقد تفضّل عدد من الإخوة الفضلاء بقراءة هذا الموضوع قبل الطبع، فأفادوني بملحوظاتهم وآرائهم؛ فلهم منّي ولمن كان سبباً في نشر هذا الموضوع الشكر والدعاء، وأسأله عز وجل أن يجزيهم عنّي وعن المسلمين وعن الإسلام خير الجزاء، وأن يوفّقنا جميعاً لما يحبّه ويرضاه.
المؤلف
مقدّمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد كانت الطبعة الأُولى لهذا الكتاب في عام 1410هـ 1990م. وقد نفدت النُّسخ خلال مدة وجيزة، وتوالت الأسئلة عن الطبعة الثانية، وكنت أَعِدُ بها، وأَعزم على الوفاء بذلك، ولكن {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1، وقد أراد الله أن تتأخر هذه الطبعة إلى هذا الوقت؛ فأجريت عليها بعض التعديلات والإضافات.
ملحوظات حول الكتاب وهذه الطبعة:
لعل من المناسب أن أشير إلى الملحوظات التالية:
- قد أجريت تعديلاتٍ وإضافاتٍ وتقديماً وتأخيراً على الكتاب في هذه الطبعة، ونال الفصل المنقول عن الإمام ابن تيمية نصيباً وافراً مِن هذا في طريقة عرْضه. وكان لبعض المستجدات للمسلمين فيما يتعلّق بقضية الكتاب أثرٌ واضح في هذه التعديلات. وأرجو أن يكون هذا التعديل إلى الأفضل.
- قد اتّبعتُ في إحالة الآيات إلى المصحف الشريف طريقة محمد فؤاد عبد الباقي، بالعزو إلى رقم الآية أو الآيات، ثم اسم السورة، ثم رقمها.
1 29: التكوير: 81
- حرصت أن أعتمد في كتابة الآيات على رسم المصحف الشريف، لكن لم يتيسر برنامجٌ على الحاسب الآلي يحقق هذا الغرض؛ فكتبتها بالرسم الإملائي الحديث.
- لم أستقصِ في تخريج الحديث، بل اكتفيت بما يؤدي الغرض مِن التخريج، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما أغناني عن تتبع الحديث في المصادر الأخرى.
- ربما كان مِن المناسب الإشارة هنا إلى أنّ مجالات الأفكار والتطبيقات المنتقدة تشمل، في الأصل، المحاور التالية:
1-
الخلل في مجال فهْم السنن.
2-
الخلل في مجال التصوِّر لمفهوم التمسك بالكتاب والسنّة.
3-
الخلل في مجال فهْم الخلافات الفقهية الفرعية.
4-
الخلل في مجال فهْم العقيدة.
وقد خُصِّص الكلام في هذا الكتاب بالموضوعات الثلاثة الأُوَل.
- الهدف مِن هذا الموضوع هو ما حَدَّده عنوانه: دعوةٌ إلى السنّة في تطبيق السنّة، منهجاً وأسلوباً؛ ذلك لأنّ اتّباع السنّة لا يكفي أن يكون ظاهراً، حتى يكون ظاهراً وباطناً. ولقد رجوتُ أن يكون مثْل هذا العنوان شعاراً للمسلم في مجال تطبيق السنّة في هذا العصر.
- ربما كان هذا الكتاب في طبعته الأُولى أوّلَ كتابٍ يَعْرض هذه المشكلة في الفهم ويعالجها؛ إذْ لا أَعْلم كتاباً قبْله تعرَّض لها. ثم ظهرتْ بعض
الكتابات في الموضوع، وعالجتْه معالجةً جادّةً، مثل: رسالة الشيخ بكر أبو زيد، بعنوان: حَدُّ الثّوب والأُزرة وتحريم الإسبال ولباس الشُّهرة، وكتاب د. يوسف القرضاوي، بعنوان: الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، دراسةٌ في فقه الاختلاف في ضوء النصوص والمقاصد الشرعية، وسِواهما مما اطلعت على بعضه؛ فأفدتُ في هذه الطبعة مما اطّلعتُ عليه مِن هذه الكتابات، وأشرتُ إليه في الكتاب.
- في هذه الفترة تُرجم الكتاب إلى اللغة الانجليزية عن طبعته الأُولى، وقد اشترك في ترجمته عددٌ مِن الإخوة الأساتذة الفضلاء؛ حيث ترجمه أوّلاً د. عبد اللطيف الصعيدي، وراجعه د. عطا طه زيدان، ثم جدّتْ أمورٌ اقتضت إعادة النظر؛ فقام شقيقي د. عطاالله بن ضيف الله الرحيلي، والأستاذ غالب بن أحمد المصري بهذا المجهود، وأعادا صياغة بعض موضوعات الكتاب، وبذلا وقتاً وجهداً ليس مِن السهل تصوُّرُهُ، واجتهدا أن تَخْرج الترجمة في صورةٍ مثالية، جزاهم الله جميعاً خيراً، وتقبَّل منهم.
إشارة إلى شيءٍ مِن تاريخ فكرة الكتاب:
تأَخّرُ الطبعة الثانية هذا قد وافق بعضَ الظواهر المستجدة في المجتمعات الإسلامية؛ فلقد كان طرْقُ هذا الموضوع عند بداية ظهور تلك الأخطاء المنتقَدة في المحاضرة -التي هي أصْل هذا الكتاب-وفي هذا الكتاب مِن بَعْدها، إذْ كانت تلك البداية للأخطاء المعنية هي السبب في طرْق الموضوع، دون تسميةٍ أو تخصيصٍ لأحدٍ مِن الواقِعِين فيها. وكانت هذه البدايات في أول
عام 1407هـ تقريباً، أي قبل إلقاء المحاضرة بنحوِ عام. وما كنتُ أتصوّر أن يكون لهذه الظواهر مستقْبَلٌ أو مستقْبِلٌ، وما كنت أتصوّر أن تَبْلغ هذه الظواهر المخطئة الخاطئة ما بلغتْه اليوم في مجتمعات المسلمين؛ لأن الانحراف فيها عن نصوص الدين وهدْيه وفطرة الله التي فطر الناس عليها واضحٌ كل الوضوح؛ ونصوصُ الدين وهدْيه وفطرةُ الله، كلها، لا تَقبلُ مثل هذا الْمَيل؛ ولكن سرعان ما رأى الناس كيف يفاجَئون-منذ ذلك الوقت-كل يومٍ بمفاجأةٍ أو بغريبةٍ مِن الغرائب التي تُعْرَض عليهم على أنها سنّةٌ لا خيار لهم في قبولها والأخذ بها!.
ولم يكن مِن ثمار هذا عند بعض الناس الرجوع إلى السنّة، ولكن العكس، ولم يكن مِن الثمار اجتماع المسلمين، ولكن تَفرُّقهم، ولم يكن مِن الثمار الألفةَ والمحبةَ بينهم، بل العكس!.
ورأينا في الناس:
- مَن يُسْرع إلى الغلوِّ في نقْد الآخرين، مع تجاهلٍ لنقْد الذات.
- ومَن يتجشّمُ الكلام على ما في طويات الآخرين، ويُسارِع إلى الحكم عليهم بإصدار التهم؛ نصْرةً للدين واتّباعاً للكتاب والسنّة بزعمه.
- ومَن يُوالي ويعادي إخوانه المسلمين على فروع الأحكام الشرعيّة.
- ومَن يميل إلى الظاهريّة في فهم الدين ونصوصه.
- ومَن يأخذ بمذهب الخوارج عمليّاً في بعض المسائل، ويُحكِّمه في فهمه للإسلام، وفي إخوانه المسلمين، ولو تبرَّأَ منه بلسانه.
- ومَن أحلّ محل المودّة والأُخوّة الإيمانية الحقدَ والبغضاء والكراهية الدينية!.
- ولقد رأينا في التاريخ، وسنرى في الحاضر كيف تكون نهاية أصحاب المناهج المخالفة لمنهج أهل السنّة والجماعة، تلك المناهج التي تميل إلى التشديد والتضييق في غير موضعهما، حيث يَتنكّب أولئك -ولو بعد حين- ما تُنادي به مناهجهم مِن أفكارٍ تُخالف هدْي هذا الدين ومنهج أهل السنّة والجماعة، والغالب أن ينقسموا على أنفسهم، ويتحزبوا فيما بينهم-فضلاً عن مَن سواهم-ويَحْكموا على أنفسهم بالفشل والبعد عن هدي الدين في هذا الباب؛ فلا يَسْلمون في أيّ شعارٍ جاءوا به مخالفاً لمنهج أهل السنّة والجماعة؛ فيقعون في ما يَتَّهمون غيرهم بالبعد عنه، والغالب أن تراهم يُفَرِّقون مِن حيث يُنادُون بعدم التفرّق، ويتحزبون مِن حيث يَدْعون إلى عدم التحزب؛ وهذه سنّة الله في هذه المناهج، والتاريخ شاهدٌ، وسيكون الحاضر والمستقبَل شاهدَيْن أيضاً؛ فأين المعتبِرِون!.
وكان تعمُّقُ تلك الظواهر في مجتمعات المسلمين يؤكِّد الحاجة إلى هذا الموضوع بهذه الوجهة وهذه الدعوة إلى السنّة وفق هدْي السنّة منهجاً وأسلوباً.
وكم جاء المؤلِّفَ مِن رسالةٍ وشكرٍ على هذا المؤلَّف، وتفاعلَ معه فريقان من الناس: الأول: المؤيد للفكرة الْمُشِيد بها، الذي يقول: لو فَهِم الناس الإسلام على هذا النحو مِن الفهم لما كانت هناك حاجةٌ إلى تلك الأفهام المخطئة وتلك المسالك الملتوية في فهم السنّة، وفي تطبيقها، وفي الدعوة إليها. الثاني: المعارِض الذي رأى أنّ مثل هذه الدعوة شرٌّ على الإسلام والمسلمين؛
فأَخذَ يناجِزُ مثل هذه الأفكار، ويُنَبِّهُ على ما فيها-في نظره- مِن الأخطار! 1،
وهمْ قلةٌ مِن الناس.
1 وأَذكُرُ أن هذا الصنف مِن الإخوة قد أشاع الشائعات، وأَطلق الدعاوى، منذ أن سمع المحاضرة، أو سمِعَ عنها!. وحجبتُ شريط المحاضرة عن الناس أوّلَ الأمر، لنحوِ أُسبوعٍ اختباراً لمصداقيّة هذه الأقاويل، وبعد أن سَمِعتُ ما سمعتُ مِن ذلك وعجبتُ له أشدّ العَجب، وتأكد لي كيف يكون الخطأ مِن بعض الناس في هذا الباب نَشرْتُ شريط المحاضرة، وعندها انكشفت الحقيقة لكثيرٍ مِن الناس، وكنتُ قد علّقتُ-بعد ذلك-في نهاية شريط المحاضرة التعليق التالي-وأنقله لما فيه مِن تصويرٍ لتاريخ الكتاب وفكرته ومعاناتها وأُسلوب الدعوة إليها-: وبعد أن انتهت هذه المحاضرة فيطيب لي أن أدعو الإخوة الفضلاء الذين انبروا لنقد المحاضرة والمحاضر، ليس من خلال كلمات المحاضرة، ولكن من خلال تحريف كلماتها ومن خلال ظن السوء بالمحاضر في نيّته وقصده، وأَنا ألتمس لهم العذر -من باب إحساني الظن بهم- فلعلّ عذرَهم أنهم لم يقصدوا الإساءة، ولم يقصدوا الاختلاق على أخٍ مسلم، ولكن ربما تكون غيرتهم الطيبة قد حملتهم على هذا التصرف دون أن ينتبهوا لخطئهم الفادح في حق السنة، وليس في حق الأشخاص. بعد كل هذه المحاضرة لقد قالوا: هزأ المحاضر بالسنة وبأصحاب السنة، هكذا قالوا. ولعل هذا مما يؤكد وجودَ بعض المسالك المخطئة التي أشارت إليها المحاضرة، ومما يؤكد كذلك الأخذ بما دعت إليه المحاضرة من الهدي النبوي في تطبيق السنة والدعوة إليها وفقهها.
ولا يليق بنا أن نمرّر أخطاءنا فندعوَ إليها ضمن الدعوة إلى السنة.
ولا ينبغي لنا أن لا نغار على السنة من أنفسنا.
ولا ينبغي لنا كذلك- في تصورنا للإسلام- أن نكَبِّر الأمور الصغيرة، وننسى الأمور الكبيرة.
ولا ينبغي أن يخدعنا الشيطان بالدفاع عن أنفسنا باسم الدفاع عن السنة -ونحن لا نشعر-.
والمرء حسيب نفسه، وغداً حسيبه ربه عز وجل، ولا ينفعه قريب ولا بعيد، ولا موافق ولا مخالف.
وما كان السلف الصالح يَشْعرُ أحدُهم في دعوته للسنة أنه هو الوصيّ الوحيد عليها ومَن عداه من المسلمين متَّهَم عليها؛ فيردُّ كل ما يأتيه عنه مما لم يدركه هو في فقه السنة. =
=أخي هذه هي المحاضرة فانقدْها من خلال نصّها، إن أردت النقد بمعنى النصيحة، وانقد نفسك إن كنت ممن تسرّع فوقع فيما أشرتُ إليه من قبل، {بَلِ الإنسَانُ عَلَى نفْسِهِ بصيرةٌ وَلَو أَلْقَى معَاذيرَهُ} ، وليتنا نَكِلُ نيّات الناس إلى عالمها عز وجل ونَدَع الظن لأنه أكذب الحديث، على ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
وعسى أن يكون في هذا درس لنا جميعاً، والله الموفق، وهو أعلم بمن اتقى.
منهج أهل السنّة والجماعة هو المنهج الحق:
والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع، والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون؛ وقد قضى الله سبحانه أنه ناصِرٌ دينَهُ وكتابَهُ وعباده المخلصين الدّاعين إلى ذلك. والميزان الحق الذي لا يَضِلّ ولا يميل، الذي يجب أن يُحَكَّم في الأفكار والتصورات والأعمال، بل وفي سرائر النفوس، هو كتاب الله تعالى، وقَصْدُ وجْهِ الله وحْده الذي لا إله إلا هو، ولا ربّ سواه.
ويَظَلُّ منهج تحكيم الكتاب والسنّة، وفْق منهج أهل السنّة والجماعة، هو المنهج الحقّ المعصوم، ويَظَلُّ هو طريق النجاة لمن أرادها، وبهذا المنهج نَدين الله تعالى، وإليه ندعو، سواء في هذا الكتاب أو غيره.
وفي أعلام الهدى من أئمة هذا المنهج مِن السلف الصالح -مِن الصحابة فمن بعدهم، ممن توفاه الله على الحق غير مفتون ولا منحرفٍ- بصائر ومُهتدى وقدوةٌ لمن أراد الحق خالصاً صافياً لم تكدّرْه مكدِّرات الحق ومكدِّرات الرجال في هذا العصر!.
ومسئولية الحفاظ على منهج أهل السنّة والجماعة مسئوليةٌ مشترِكةٌ بين
المسلمين جميعاً، بمختلف مجالاتهم، وبمختلف درجات تمسّكهم؛ لأنّ هذا راجعٌ إلى واجبِ حفْظِ الدين؛ وهو ليس مقصوراً على أحدٍ دون أحدٍ مِن المسلمين، ولا على بلادٍ دون بلاد.
وأصول منهج أهل السنّة والجماعة أصولٌ مستقرّةٌ؛ فليس هو بحاجة إلى اجتهادات في أصوله وقواعده العامة؛ وإنما هو في حاجةٍ إلى تجديد تطبيق الأصول تلك على المستجدات في هذا العصر؛ لأنّ هذا هو مقتضى تفعيل هذا المنهج المعصوم في حياة الناس.
وهذا الكتاب يكْشف جانباً مِن هذا المنهج الحق في موضوع البحث.
علاج مشكلات المسلمين:
لقد أيقنتُ أن العلاج لمشكلاتنا نحن المسلمين يَكْمن في أمرين، هما:
الأول: الإخلاص لله تعالى. ومِن لازِم الإخلاص صِدْق الرغبة في معرفة الحق وفي اتّباعه. وقد كان السلف على هذه الصِّفَة؛ قال الشعبيُّ في مسألةٍ حَجَّهُ فيها المخالف له بالدليل: إني لأستحيي من الله إذا رأيت الحق أن لا أرجع إليه! 1.
الثاني: الفقه في الدين، والفقه في الدعوة. ومِن لازِمه معْرفة النصوص الشرعية، ومعرفة مقاصد الشريعة وقواعدها، والعناية بمجالات تطبيق منهج الإسلام على الحياة المعاصرة، وفهْم المشكلات على حقيقتها؛ ومِن ثَمَّ
1 "فتح الباري بشرح صحيح البخاري": 9/463.
عرْضها على نصوص الشرع وقواعده.
فمتى ما توافر هذان الأمران فينا كان الحل لمشكلاتنا، ومتى ما تخلَّف فينا هذان الأمران، أو أحدهما، كانت المشكلات التي لا تنتهي إلا بالعودة إلى هذا العلاج1. وهذا الكتاب يأخذ بيد القاريء الكريم إلى تحقيق شيءٍ من هذا الهدف العزيز. نسأل الله سبحانه أن يُصْلح القلوب والأعمال ويُحقّق الآمال.
ولأخلاق الإسلام في هذا الباب، مكانها الذي لا يُغْني عنه سواه؛ فلا يُمْكن نشْر الإسلام بغير أخلاق الإسلام بحالٍ؛ فما أحوج المسلمين إلى أن يترسموا هدْي الإسلام في الدعوة إلى الإسلام.
وهذا الكتاب يُنَبِّهُ إلى جوانب مِن هذا العلاج.
وما أحوجنا إلى الصدق: صدْق الباطن، وصدْق الظاهر، صدْق القول وصدْق العمل؛ ثم بعْد ذلك سوف يكون حالنا دعوةً للآخرين قبل مقالنا، ويَصْدق في حقنا قول القائل:
سِرُّ الفصاحة كامنٌ في المعدنِ
لِخَصَائصِ الأرواح لا للأَلْسُنِ!
فيستجيب المدعوّ بجهدٍ أقل، ويُقْبِل بقناعةٍ أكثر.
ولقد صَدَق من قال:
1 يُنْظر إيضاح هذه الفكرة في: "منهج الدعوة في الكتاب والسنّة"، في موضوعَيْ: "الإخلاص
…
"، و"الفقه في الدين والفقه في الدعوة
…
"، للمؤلف.
وما يَنْفَعُ الإِعرابُ إنْ لم يكن تُقَى
وما ضَرَّ ذا تقوى لسانٌ مُعْجَمُ؟!
وإنْ كانت العُجْمةُ عيباً يضره في جوانب أُخرى، لكنه لا يضرّه في تقواه.
هذا، وعلى الرغم مِن ازدحام الأفكار هنا إلا أنني أوثرُ أن أَدَعَ القاريء الكريم مع الكتاب علّه يَجِد فيه ما أردتُه مِن الخير وتوضيحِ منْهجٍ سديدٍ في موضوع الكتاب.
ولايفوتني في الختام أن أشكر كلَّ مَن قدّمَ النصيحة في قليل أو كثير تجاه هذا الكتاب، وأسأل الله تعالى أن يجزي أولئك الإخوة الفضلاء خير الجزاء، ومنهم الذين قرءوا تجربة طبع الكتاب، وسِواهم كثير، ولئن لم أذكرْهم في هذا الموضع-لأسبابٍ، منها: عدم رضا بعضهم بذلك، ابتعاداً عن الشهرة أو الرياء، وفّقهم الله-فإني أرجو أن تكون ملائكة الرحمن قد أثبتتهم في سجلاتها فيمن ذبّ عن الإسلام ودعا إلى هداه على الوجه المقبول عند الله تعالى.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على نبيه وعبده محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومَن والاه.
وكَتَبَ:
عبد الله بن ضيف الله الرحيلي